للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يُوجَدْ التَّحَمُّلُ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِنَقْلِ شَهَادَتِهِ، بَلْ أَمَرَهُمْ بِأَنْ يَشْهَدُوا عَلَى فُلَانٍ بِأَصْلِ الْحَقِّ، وَلَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْلَمُوا بِوُجُوبِ الْحَقِّ.

وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ الْأَدَاءِ مِنْ الْفُرُوعِ بِأَنْ يَقُولَ الْفَرْعُ عِنْدَ الْحَاكِمِ " شَهِدَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ عَلَى إقْرَارِ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ بِكَذَا وَأَشْهَدَنِي عَلَى شَهَادَتِهِ وَأَمَرَنِي أَنْ أَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ وَأَنَا أَشْهَدُ عَلَى شَهَادَتِهِ. "

(مَسْأَلَةٌ) :

لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ وَاحِدٍ عَلَى وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ وَإِنَّمَا تَجُوزُ شَهَادَةُ اثْنَيْنِ عَلَى شَهَادَةِ اثْنَيْنِ، وَمَعْنَاهُ أَنْ يَشْهَدَ اثْنَانِ عَلَى شَهَادَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْوَصْفِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَوْ يَشْهَدَ اثْنَانِ عَلَى شَهَادَةِ هَذَا وَآخَرَانِ عَلَى شَهَادَةِ آخَرَ.

(فَرْعٌ) :

لَوْ شَهِدَا عَلَى شَهَادَةِ رَجُلٍ وَأَحَدُهُمَا يَشْهَدُ بِنَفْسِهِ أَيْضًا لَا يَجُوزُ، لِأَنَّ شَهَادَةَ الْأَصْلِ الْحَاضِرِ عَلَى شَهَادَةِ الْأَصْلِ الْغَائِبِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ؛ لِأَنَّهَا لَوْ قُبِلَتْ أَدَّى إلَى أَنْ يَثْبُتَ بِشَهَادَتِهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْحَقِّ، نِصْفُ الْحَقِّ بِشَهَادَتِهِ وَحْدَهُ، وَرُبْعُ الْحَقِّ بِشَهَادَتِهِ مَعَ آخَرَ عَلَى شَهَادَةِ آخَرَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْحَقِّ؛ لِأَنَّهَا شَطْرُ الْحُجَّةِ.

فَبَقِيَ عَلَى شَهَادَةِ الْأَصْلِ الْغَائِبِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ فَلَا يَثْبُتُ شَهَادَةُ الْأَصْلِ الْغَائِبِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

ذَكَرَ النَّاطِفِيُّ فِي وَاقِعَاتِهِ أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي الْوَقْفِ لَا تَجُوزُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تَجُوزُ لِمَا فِيهَا مِنْ إحْيَاءِ الْوَقْفِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ

فَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ بِأَنَّ قَاضِيَ بَلَدِ كَذَا ضَرَبَ فُلَانًا حَدًّا فِي قَذْفٍ تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ قَامَتْ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْحَدِّ لَا عَلَى إيجَابِهِ، لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا أَنَّهُ حَدَّهُ حَدَّ الْقَذْفِ، وَالشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ تُقْبَلُ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْحَدِّ وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

ارْتَدَّ شَاهِدَا الْأَصْلِ ثُمَّ أَسْلَمَا فَشَهِدَ الْفَرْعُ لَا تُقْبَلُ، لِأَنَّ بِالرِّدَّةِ بَطَلَ الْأَمْرُ بِالْإِشْهَادِ فَيُعْتَبَرُ بِمَا لَوْ بَطَلَ بِنَهْيِهِ، وَلَوْ بَطَلَ الْأَمْرُ بِنَهْيِهِ بَعْدَ الْإِشْهَادِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْفَرْعِ، فَكَذَا هَذَا.

(مَسْأَلَةٌ) :

شَهِدَا عَلَى شَهَادَةِ فَاسِقَيْنِ فَرَدَّ الْقَاضِي لِتُهْمَةِ الْأُصُولِ، ثُمَّ تَابَ شُهُودُ الْأَصْلِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ الْأَصْلِ وَلَا الْفَرْعِ.

لِأَنَّ الْمَرْدُودَ كَانَ شَهَادَةَ الْأُصُولِ؛ لِأَنَّ الْفُرُوعَ نَقَلُوا شَهَادَةَ الْأُصُولِ فَيُعْتَبَرُ بِمَا لَوْ شَهِدَ الْأَصْلُ بِنَفْسِهِ فَرَدَّ الْقَاضِي شَهَادَتَهُ بِتُهْمَةِ الْكَذِبِ، لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ وَلَا شَهَادَةُ فَرْعِهِ أَبَدًا، فَكَذَا هَذَا.

(مَسْأَلَةٌ) :

أَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ كَافِرَيْنِ أَوْ عَبْدَيْنِ ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ أُعْتِقَا جَازَتْ الشَّهَادَةُ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِنَقْلِ الشَّهَادَةِ مِنْ الْأَصْلِ قَدْ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ حَالَةَ الْأَمْرِ بِالنَّقْلِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْفُرُوعُ أَهْلًا لِلْحَالِ؛ لِأَنَّهُ يُتَوَهَّمُ أَنْ يَصِيرَ أَهْلًا فِي الثَّانِي فَصَحَّ التَّحَمُّلُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ وَالتَّمْيِيزِ.

[فَصْلٌ شَهَادَةُ الِابْنِ عَلَى شَهَادَةِ أَبِيهِ]

(فَصْلٌ) :

ذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى: تَجُوزُ شَهَادَةُ الِابْنِ عَلَى شَهَادَةِ أَبِيهِ وَعَلَى قَضَائِهِ وَعَلَى كِتَابِهِ.

وَذَكَرَ الْخَصَّافُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي: أَنَّهُ تَجُوزُ شَهَادَةُ الِابْنِ عَلَى شَهَادَةِ أَبِيهِ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ عَلَى قَضَائِهِ.

فُرِقَ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالْقَضَاءِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْقَضِيَّةَ فِعْلُ أَبِيهِ وَالِابْنُ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَبِ فِي الشَّهَادَةِ، وَالْأَبُ لَوْ شَهِدَ عَلَى الْحَقِّ يُقْبَلُ، فَكَذَا الِابْنُ، وَالْأَبُ لَوْ شَهِدَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ لَا تُقْبَلُ، فَكَذَا الِابْنُ إذَا قَامَ مَقَامَهُ فِي الشَّهَادَةِ.

وَذَكَرَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرِ بْنُ سَهْلٍ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي: هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ تُقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ فِي الْوَجْهَيْنِ كَمَا ذَكَرَ

فِي الْمُنْتَقَى؛ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ لِلْأَبِ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ، وَلَا دَفْعَ مَغْرَمٍ وَلَا جَلْبَ مَغْنَمٍ.

<<  <   >  >>