للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الْبَابُ السَّادِسَ عَشَرَ فِي الْقَضَاءِ بِشَهَادَةِ الْأَبْدَادِ]

الْقَضَاءِ بِشَهَادَةِ الْأَبْدَادِ.

الْأَبْدَادُ بِدَالَيْنِ مُهْمَلَتَيْنِ وَهُمْ الْمُتَفَرِّقُونَ، وَاحِدُهُمْ بَدُّ مِثْلَ مَدُّ مِنْ التَّبَدُّدِ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ بَدَّدَ اللَّهُ شَمْلَ الْعَدُوِّ؛ وَلِأَنَّ الشُّهُودَ شَهِدُوا فِي ذَلِكَ مُفْتَرِقِينَ، وَاحِدٌ هُنَا، وَوَاحِدٌ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَوَاحِدٌ الْيَوْمَ وَوَاحِدٌ غَدًا، وَوَاحِدٌ عَلَى مَعْنًى، وَوَاحِدٌ عَلَى آخَرَ.

قَالَ فِي الْوُقَايَةِ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ: وَحُضُورُ حُرَّيْنِ مُكَلَّفَيْنِ مُسْلِمَيْنِ سَامِعَيْنِ مَعًا لَفْظَا الزَّوْجَيْنِ لَا عَدَالَتُهُمَا، فَلَا يَصِحُّ إنْ سَمِعَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ دُونَ الْآخَرِ، وَلَا لَوْ أَعَادَ النِّكَاحَ وَسَمِعَ مَنْ لَمْ يَسْمَعْهُ أَوَّلًا لَا الْآخَرَ.

[الْبَابُ السَّابِعَ عَشَرَ الْقَضَاءِ بِشَهَادَةِ الِاسْتِغْفَالِ]

فِي الْقَضَاءِ بِشَهَادَةِ الِاسْتِغْفَالِ.

وَصُورَتُهَا: إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى آخَرَ حَقٌّ فَيُقِرُّ فِي السِّرِّ وَيَجْحَدُ فِي الْعَلَانِيَةِ، وَعَجَزَ صَاحِبُ الْحَقِّ عَنْ الْوُصُولِ إلَى حَقِّهِ، فَاحْتَالَ بِأَنْ أَدْخَلَ قَوْمًا مِنْ الْعُدُولِ فِي بَيْتِهِ، ثُمَّ اسْتَحْضَرَ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ، فَأَقَرَّ بِذَلِكَ سِرًّا وَخَرَجَ فَسَمِعَهُ الشُّهُودُ، حَلَّ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا عِنْدَ عُلَمَائِنَا؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ قَدْ حَصَلَ.

وَقِيلَ لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَدَلُّسًا وَغُرُورًا، وَلَكِنْ إنَّمَا يَجُوزُ إذَا كَانَ الشُّهُودُ يَرَوْنَ وَجْهَهُ وَيَعْرِفُونَهُ، وَإِنْ كَانُوا لَا يَرَوْنَ وَجْهَهُ وَلَكِنْ يَسْمَعُونَ كَلَامَهُ لَا يَحِلُّ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا، فَإِنْ شَهِدُوا وَفَسَّرُوا لِلْقَاضِي شَهَادَتَهُمْ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ، إلَّا إذَا أَحَاطُوا عِلْمًا بِهِ بِأَنْ رَأَوْهُ دَخَلَ بَيْتًا وَعَلِمُوا أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْبَيْتِ غَيْرُهُ، وَلَيْسَ لِهَذَا الْبَيْتِ مَسْلَكٌ آخَرُ، وَسَمِعُوا إقْرَارَهُ بِحَيْثُ لَا يَشْتَبِهُ عَلَيْهِمْ حَالُهُ تَحِلُّ لَهُمْ الشَّهَادَةُ اُنْظُرْ شَرْحَ التَّجْرِيدِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَسُئِلَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: هَلْ يَجُوزُ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَخْتَفِيَ لِيَشْهَدَ عَلَى الْمُقِرِّ؟ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ يَتَخَوَّفُ أَنْ لَا يُحِيطَ بِالشَّهَادَةِ عِلْمًا مِمَّا كَانَ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: وَلَكِنْ إنْ تَحَقَّقَ الْإِقْرَارُ كَمَا يَجِبُ فَلْيَشْهَدْ.

(تَنْبِيهٌ) :

وَحَيْثُ أَجَزْنَا شَهَادَتَهُ فَلَا يَكُونُ مِنْ بَابِ الْحِرْصِ عَلَى التَّحَمُّلِ.

(تَنْبِيهٌ) :

يَنْبَغِي لِلشَّاهِدِ التَّنَبُّهُ أَنْ يَرْفَعَ نَفْسَهُ عَنْ أَنْ يَخْتَبِئَ لِيَشْهَدَ، هَذَا مِمَّا لَمْ يُنْدَبْ إلَيْهِ وَلَا فُرِضَ عَلَيْهِ، فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ فَعَلَ مَا لَا يَلِيقُ بِالْفُضَلَاءِ وَلَا يَخْتَارُهُ الْعُقَلَاءُ.

[الْبَابُ الثَّامِنَ عَشَرَ الْقَضَاءِ بِالشَّهَادَةِ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ]

فِي الْقَضَاءِ بِالشَّهَادَةِ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ.

اعْلَمْ أَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَعْتَبِرْ مُطْلَقَ الظَّنِّ فِي غَالِبِ الْمَسَائِلِ، وَإِنَّمَا يَعْتَبِرُ ظُنُونًا مُفِيدَةً مُسْتَفَادَةً مِنْ أَمَارَةٍ مَخْصُوصَةٍ، وَذَلِكَ فِيمَا لَا سَبِيلَ فِيهِ إلَى الْقَطْعِ كَالشَّهَادَةِ أَنَّ الْمِدْيَانَ مُعْدَمٌ فَإِنَّهُمْ إنَّمَا يَشْهَدُونَ عَلَى عِلْمِهِمْ وَقَدْ يَكُونُ الْبَاطِنُ بِخِلَافِهِ، فَاسْتُظْهِرَ بِالْيَمِينِ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُودِ لَهُ، فَبِقِيَامِ الْبَيِّنَةِ عَلَى ذَلِكَ مَعَ يَمِينِهِ اسْتَحَقَّ حُكْمَ الْعَدَمِ وَسَقَطَ عَنْهُ الطَّلَبُ مَا دَامَ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَكَذَلِكَ الشَّهَادَةُ لِامْرَأَةٍ غَابَ زَوْجُهَا وَتَرَكَهَا بِغَيْرِ نَفَقَةٍ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ فِيهِ عَلَى الْعِلْمِ دُونَ الْبَتِّ، فَإِذَا قَامَتْ بِذَلِكَ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَشَهِدَ بِهَا الشُّهُودُ اُسْتُظْهِرَ عَلَيْهَا بِالْيَمِينِ عَلَى صِحَّةِ مَا شَهِدَ بِهِ الشُّهُودُ لَهَا، فَبِمُقَارَنَةِ الْيَمِينِ لِلشَّهَادَةِ وَجَبَ لَهَا الْحُكْمُ بِذَلِكَ.

<<  <   >  >>