للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مَسْأَلَةٌ) :

قَالَ الْخُجَنْدِيُّ: الصُّلْحُ بَعْدَ الْحَلِفِ لَا يَصِحُّ، وَفِي الْأَسْرَارِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَهَكَذَا فِي نُكَتِ الشِّيرَازِيِّ وَقِيلَ يَصِحُّ.

وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ يَصِحُّ. وَوَجْهُ عَدَمِ الصِّحَّةِ أَنَّ الْيَمِينَ بَدَلٌ عَنْ الْمُدَّعِي، فَإِذَا حَلَفَهُ فَقَدْ اسْتَوْفَى الْبَدَلَ فَلَا يَصِحُّ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَرَأَيْتُ بِخَطِّ عَلَاءِ الْأَئِمَّةِ الْحَمَّامِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ادَّعَى عَلَى آخَرَ حَقَّ التَّعْزِيرِ أَوْ حَدَّ الْقَذْفِ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ وَتَوَجَّهَتْ إلَيْهِ الْيَمِينُ فَافْتَدَى يَمِينَهُ بِمَالٍ، قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: فَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ، فَقِيلَ يَحِلُّ لِلْآخِذِ ذَلِكَ، وَقِيلَ لَا يَحِلُّ قُلْت: فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَسْتَحْلِفُ فِي دَعْوَى حَقِّ التَّعْزِيرِ وَحَدِّ الْقَذْفِ، وَلَكِنْ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَمِينَ فِي حَدِّ الْقَذْفِ عِنْدَنَا فَبَقِيَ دَلِيلًا فِي حَقِّ التَّعْزِيرِ، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ.

(تَنْبِيهٌ) :

قِيلَ يَسْتَحْلِفُ فِي حَدِّ الْقَذْفِ، فَإِنْ نَكَلَ قِيلَ يُحَدُّ، وَقِيلَ يُعَزَّرُ ذَكَرَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ الْأَصَحُّ وَذَكَرَ أَيْضًا: يَجُوزُ افْتِدَاءُ الْيَمِينِ عَنْ دَعْوَى التَّعْزِيرِ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَكَذَا لَوْ صَالَحَ.

(مَسْأَلَةٌ) :

عَنْ عَطَاءِ بْنِ حَمْزَةَ أَنَّ الصُّلْحَ عَلَى الْإِنْكَارِ عَلَى دَعْوَى فَاسِدَةٍ لَا يَصِحُّ، وَلَا بُدَّ لِصِحَّةِ الصُّلْحِ عَلَى الْإِنْكَارِ مِنْ صِحَّةِ الدَّعْوَى، وَفَسَادُ الدَّعْوَى عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا لِمَعْنًى فِي الْمُدَّعِي، أَوْ فِي الْمُدَّعِي عَلَى وَجْهٍ لَا يُسْمَعُ مِنْهُ أَصْلًا كَالْمُنَاقَضَةِ فِيهِ وَنَحْوِهَا.

وَإِمَّا لِتَرْكِ الْمُدَّعِي فِي دَعْوَاهُ شَيْئًا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ وَيُعِيدُهَا عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ، كَدَعْوَى الْمَنْقُولِ قَبْلَ إحْضَارِهِ وَدَعْوَى الْعَقَارِ إذَا لَمْ يَذْكُرْ حُدُودَهُ، وَإِنَّمَا لَا يَصِحُّ الصُّلْحُ إذَا كَانَ فَسَادُ الدَّعْوَى لِمَعْنًى فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، أَمَّا إذَا كَانَ لِتَرْكِ الْمُدَّعِي شَرْطًا مِنْ شَرَائِطِ صِحَّتِهِ يَصِحُّ هَكَذَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي شَرْحِ خُوَاهَرْ زَادَهْ، اُنْظُرْ تَمَامَ ذَلِكَ فِي الْقِنْيَةِ

(فَرْعٌ) :

ادَّعَى عَلَيْهِ دَارًا فَصَالَحَهُ عَلَى قِطْعَةٍ مِنْهَا لَمْ يَصِحَّ، وَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يَزِيدَ دِرْهَمًا فِي بَدَلِ الصُّلْحِ لِيَكُونَ عِوَضًا عَنْ الْبَاقِي أَوْ يَلْحَقَ بِهِ لَفْظُ الْبَرَاءَةِ عَنْ دَعْوَى الْبَاقِي، كَذَا فِي حَوَاشِي الْقِنْيَةِ وَفِي الْهِدَايَةِ كَذَلِكَ.

وَذَكَرَ فِي الْفَوَائِدِ لِلْهِدَايَةِ نَاقِلًا مِنْ الذَّخِيرَةِ، أَنَّ الصُّلْحَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ صَحِيحٌ هُوَ الْأَصَحُّ.

[فَصْلٌ فِيمَا يَمْنَعُ جَوَازَ الصُّلْحِ وَمَا لَا يَمْنَعُ]

(فَصْلٌ) :

فِيمَا يَمْنَعُ جَوَازَ الصُّلْحِ وَمَا لَا يَمْنَعُ

الصُّلْح عَلَى أَرْبَعَة أَوْجُهٍ: مَعْلُومٌ عَلَى مَعْلُومٍ، وَمَجْهُولٌ عَلَى مَعْلُومٍ وَهُمَا جَائِزَانِ، وَمَجْهُولٌ عَلَى مَجْهُولٍ، وَمَعْلُومٌ عَلَى مَجْهُولٍ وَهُمَا فَاسِدَانِ.

مِثَالُ الْأَوَّلِ: لَوْ ادَّعَى دَيْنًا أَوْ حَقًّا مَعْلُومًا عَلَى إنْسَانٍ فَصَالَحَهُ عَلَى مَالٍ جَازَ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْمَعْلُومِ بِالْمَعْلُومِ جَائِزٌ. فَالصُّلْحُ أَجْوَزُ؛ لِأَنَّهُ أَوْسَعُ.

وَمِثَالُ الثَّانِي: لَوْ ادَّعَى حَقًّا فِي دَارِ يَدِ إنْسَانٍ وَلَمْ يُسَمِّ الْحَقَّ فَاصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يُعْطِيَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَالًا مَعْلُومًا جَازَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْجَهَالَةَ غَيْرُ مُفْضِيَةٍ إلَى الْمُنَازَعَةِ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَانِعَةٍ مِنْ التَّسْلِيمِ.

وَمِثَالُ الثَّالِثِ لَوْ ادَّعَى حَقًّا فِي دَارِ إنْسَانٍ فِي يَدِهِ وَلَمْ يُسَمِّ وَادَّعَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَقًّا فِي أَرْضِهِ فَإِنْ اصْطَلَحَا بِأَنْ يَدْفَعَ أَحَدُهُمَا مَالًا إلَى الْآخَرِ لِيَتْرُكَ دَعْوَاهُ، لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ، وَجَهَالَةُ الْبَدَلِ مَانِعَةٌ مِنْهُمَا فَتَقَعُ الْمُنَازَعَةُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ اصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَتْرُكَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا دَعْوَاهُ جَازَ، وَهَذَا صُلْحٌ وَقَعَ عَنْ مَجْهُولٍ عَلَى مَجْهُولٍ وَجَازَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ.

وَمِثَالُ الرَّابِعِ: وَهُوَ الصُّلْحُ عَنْ مَعْلُومٍ عَلَى مَجْهُولٍ إنْ كَانَ يَحْتَاجُ إلَى التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ لَا يَجُوزُ وَإِلَّا فَجَائِزٌ لِمَا بَيَّنَّاهُ.

[فَصْلٌ فِيمَا يَنْقُضُ الصُّلْحَ وَمَا لَا يَنْقُضُهُ]

(فَصْلٌ) :

صَالَحَهُ مِنْ دَعْوَاهُ فِي دَارٍ عَلَى خِدْمَةِ عَبْدٍ سَنَةً فَهُوَ عَلَى سِتَّةِ أَوْجُهٍ، أَمَّا إنْ أَعْتَقَهُ الْمَالِكُ أَوْ أَعْتَقَهُ صَاحِبُ الْخِدْمَةِ أَوْ قَتَلَهُ الْمَالِكُ أَوْ قَتَلَهُ صَاحِبُ الْخِدْمَةِ أَوْ قَتَلَهُ أَجْنَبِيٌّ أَوْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ فَإِنْ أَعْتَقَهُ الْمَالِكُ عَتَقَ، بِخِلَافِ

<<  <   >  >>