للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَصْلٌ) :

لَوْ قَالَ: لِي عَلَيْكَ أَلْفُ دِرْهَمٍ دَيْنٌ، فَقَالَ: الْحَقُّ أَوْ الْيَقِينُ أَوْ الصِّدْقُ، أَوْ قَالَ: حَقًّا أَوْ يَقِينًا أَوْ صِدْقًا كَانَ إقْرَارًا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ تُسْتَعْمَلُ لِلتَّصْدِيقِ غَالِبًا سَوَاءٌ ذَكَرَهَا بِالرَّفْعِ أَوْ بِالنَّصْبِ، إنْ ذَكَرَهُ مَنْصُوبًا كَانَ تَقْدِيرُهُ كَأَنَّهُ قَالَ: ادَّعَيْتَ أَوْ قُلْتَ الْحَقَّ، وَإِنْ ذَكَرَهُ مَرْفُوعًا تَقْدِيرُهُ كَأَنَّهُ قَالَ: مَا قُلْتَهُ أَوْ ادَّعَيْتَهُ الْحَقُّ، وَكَذَا لَوْ كَرَّرَ فَقَالَ: الْحَقَّ الْحَقَّ أَوْ حَقًّا حَقًّا؛ لِأَنَّ التَّكْرَارَ يُوجِبُ التَّأْكِيدَ، وَلَوْ قَالَ: الْحَقُّ حَقٌّ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ الْحَقُّ مُبْتَدَأٌ؛ وَقَوْلَهُ حَقٌّ خَبَرُهُ كَمَا يُقَالُ: زَيْدٌ عَالِمٌ أَوْ قَائِمٌ، وَالْمَعْرِفَةُ يَجُوزُ أَنْ يُذْكَرَ خَبَرُهُ نَكِرَةً، وَلَوْ قَالَ: الصَّلَاحَ وَالْبِرَّ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا؛ لِأَنَّ الْبِرَّ الْمُنْفَرِدَ يُسْتَعْمَلُ لِلرَّدِّ غَالِبًا لَا لِلصِّدْقِ: أَيْ عَلَيْك بِالْبِرِّ فَيَكُونُ آمِرًا إيَّاهُ بِالْبِرِّ وَنَهْيًا لَهُ عَنْ الْكَذِبِ.

وَلَوْ قَالَ: الْحَقَّ الْبِرُّ أَوْ الْيَقِينُ الْبِرُّ أَوْ الصِّدْقُ الْبِرُّ يَكُونُ إقْرَارًا؛ لِأَنَّ الْبِرَّ الْمَقْرُونَ بِالْحَقِّ وَالصِّدْقِ يُسْتَعْمَلُ فِي التَّصْدِيقِ.

وَلَوْ قَالَ: الْحَقُّ الصَّلَاحُ أَوْ الْبِرُّ الصَّلَاحُ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا.

مِنْ الْجَامِعِ وَمِنْ الْخُلَاصَةِ وَمِنْ شَرْحِ التَّجْرِيدِ وَمِنْ الْمُحِيطِ

[فَصْلٌ فِي الْإِقْرَارِ فِي الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ]

(فَصْلٌ) :

فِي الْإِقْرَارِ فِي الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ.

الصَّحِيحُ إذَا أَقَرَّ بِدُيُونٍ لِأُنَاسٍ إقْرَارًا مُتَفَرِّقًا فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِمَالِهِ حَقُّ أَحَدٍ حَتَّى يُحْجَرَ عَنْ الْإِقْرَارِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى إبْطَالِ حَقِّهِ، بِخِلَافِ الْمَرِيضِ إذَا أَقَرَّ بِدَيْنٍ حَيْثُ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ غَرِيمِ الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ حَقَّ غَرِيمِ الصِّحَّةِ تَعَلَّقَ بِمَالِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُقَرُّ لَهُ وَارِثًا لِلْمُقِرِّ أَوْ أَجْنَبِيًّا إذَا كَانَ الْإِقْرَارُ وَاقِعًا فِي الصِّحَّةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ الْمَرِيضُ لِوَارِثِهِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ فِيمَا يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ حَقِّ الْبَاقِينَ إلَّا بِتَصْدِيقِهِمْ، بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ لِلْأَجْنَبِيِّ؛ لِأَنَّ التَّعَلُّقَ لَمْ يَظْهَرْ فِي الْإِقْرَارِ لِلْأَجْنَبِيِّ ضَرُورَةً؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُحْتَاجًا إلَى مُعَامَلَةِ الْأَجَانِبِ حَالَةَ الصِّحَّةِ غَالِبًا.

فَلَوْ لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ لَهُمْ بِالدَّيْنِ فِي الْمَرَضِ لَامْتَنَعُوا عَنْ مُعَامَلَتِهِ، وَلَا ضَرُورَةَ فِي حَقِّ الْوَارِثِ؛ لِأَنَّ الْمُعَامَلَةَ لَمْ تَقَعْ مَعَهُمْ غَالِبًا.

(فَرْعٌ) :

وَمَنْ قَضَى مِنْهُمْ دَيْنَهُ فَهُوَ جَائِزٌ، وَلَا يُشَارِكُهُ فِيهِ الْبَاقُونَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي تَخْصِيصِهِ إبْطَالُ حَقِّ الْبَاقِينَ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِمَالِهِ فِي حَالَةِ الصِّحَّةِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ أَقَرَّ لِرَجُلَيْنِ بِدَيْنٍ وَاحِدٍ فَمَا قَضَاهُ لِأَحَدِهِمَا يَشْتَرِكُ فِيهِ الْآخَرُ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَزْدَادُ بِالْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ خَيْرٌ مِنْ غَيْرِ الْمَقْبُوضِ، وَالزِّيَادَةَ صِفَةُ دَيْنٍ مُشْتَرَكٍ فَيَحْدُثُ عَلَى الشَّرِكَةِ كَثَمَرَةِ شَجَرَةٍ مُشْتَرَكَةٍ، بِخِلَافِ الْمَرِيضِ إذَا خَصَّ بَعْضَ غُرَمَائِهِ بِالْقَضَاءِ حَيْثُ لَا يَصِحُّ فِي حَقِّ الْبَاقِينَ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْبَاقِينَ تَعَلَّقَ بِمَالِهِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ ثُمَّ بِوَدِيعَةٍ فَهُمَا دَيْنَانِ، وَلَا تُقَدَّمُ الْوَدِيعَةُ؛ لِأَنَّهُ حِينَ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ كَانَ مِلْكُهُ ثَابِتًا ظَاهِرًا بِالْعَيْنِ الَّتِي فِي يَدِهِ فَتَعَلَّقَ بِهَا الدَّيْنُ فَلَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ بِكَوْنِهَا وَدِيعَةً فِيمَا يَرْجِعُ إلَى إبْطَالِ حَقِّ الْغَرِيمِ فَصَارَ مُقِرًّا بِاسْتِهْلَاكِ الْوَدِيعَةِ فَيَكُونُ إقْرَارًا بِدَيْنٍ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَوْ أَقَرَّ الْوَدِيعَةِ أَوَّلًا ثُمَّ بِالدَّيْنِ فَالْإِقْرَارُ الْوَدِيعَةِ أَوْلَى، وَكَذَلِكَ الْبِضَاعَةُ وَالْمُضَارَبَةُ حُكْمُهَا حُكْمُ الْوَدِيعَةِ سَوَاءٌ، وَلَوْ أَقَرَّ بِوَدِيعَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ ثُمَّ مَاتَ وَلَا تُعْرَفُ بِعَيْنِهَا فَهِيَ دَيْنٌ فِي تَرِكَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ مُجْهِلًا لِلْوَدِيعَةِ

[فَصْلٌ فِي إقْرَار الْمَرِيضِ بِاسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ]

(فَصْلٌ) :

فِي إقْرَارِ الْمَرِيضِ بِاسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ. كُلُّ دَيْنٍ وَجَبَ فِي الصِّحَّةِ بَدَلًا عَنْ مَالٍ أَوْ عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ فَإِقْرَارُ الْمَرِيضِ بِاسْتِيفَائِهِ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ كَمَا وَجَبَ

<<  <   >  >>