للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الْبَابُ التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَ فِي الْقَضَاءِ بِالِاسْتِحْقَاقِ وَالْغُرُورِ]

فِي الْقَضَاءِ بِالِاسْتِحْقَاقِ وَالْغُرُورِ.

قَالَ أَبُو اللَّيْثِ: الِاسْتِحْقَاقُ نَوْعَانِ: مُبْطِلٌ لِلْمِلْكِ كَعِتْقٍ وَنَحْوِهِ، وَنَاقِلٌ لِلْمِلْكِ كَاسْتِحْقَاقٍ بِالْمِلْكِ، فَالنَّاقِلُ لَا يُوجِبُ فَسْخَ الْعَقْدِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَالْمُبْطِلُ يُوجِبُهُ فِي كُلِّ الرِّوَايَاتِ ثُمَّ إنَّهُمَا يَتَّفِقَانِ مِنْ وَجْهٍ وَيَخْتَلِفَانِ مِنْ وَجْهٍ وَجْهُ الِاتِّفَاقِ أَنَّهُمَا يَجْعَلَانِ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ وَمَنْ يَمْلِكُ ذَلِكَ الشَّيْءَ مِنْ جِهَتِهِ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِمْ، حَتَّى أَنَّ وَاحِدًا مِنْهُمْ لَوْ بَرْهَنَ عَلَى الْمُسْتَحِقِّ بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ لَا يُقْبَلُ.

وَوَجْهُ الِاخْتِلَافِ أَنَّ النَّاقِلَ إذَا وَرَدَ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَاعَةِ لَا يَرْجِعُ عَلَى بَائِعِهِ مَا لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْكَفِيلِ مَا لَمْ يَحْكُمْ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ. وَفِي الْمُبْطِلِ يَثْبُتُ لِكُلٍّ مِنْهُمْ الرُّجُوعُ عَلَى بَائِعِهِ، وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ يَرْجِعُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ.

وَقَالَ فِي الْجَامِعِ: الِاسْتِحْقَاقُ ضَرْبَانِ: قَدِيمٌ وَمِنْ حَقِّهِ الرُّجُوعُ عَلَى بَائِعِهِ بِثَمَنِهِ؛ لِأَنَّهُ يَظْهَرُ أَنَّ الْبَائِعَ بَاعَ مِلْكَ غَيْرِهِ.

وَحَادِثٌ وَمِنْ حَقِّهِ أَنْ لَا يَرْجِعَ عَلَى بَائِعِهِ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مِلْكَ نَفْسِهِ ثُمَّ اسْتَحَقَّ عِنْدَ الْمُشْتَرِي؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا فَمَكَثَ عِنْدَهُ سَنَةً ثُمَّ بَرْهَنَ آخَرُ أَنَّهُ لَهُ مُنْذُ شَهْرٍ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى بَائِعِهِ بِثَمَنِهِ.

وَلَوْ شَرَى ثَوْبًا فَخَاطَهُ قَمِيصًا فَبَرْهَنَ آخَرُ أَنَّ الْقَمِيصَ لَهُ فَالْمُشْتَرِي لَا يَرْجِعُ عَلَى بَائِعِهِ بِثَمَنِهِ؛ إذْ الْمَبِيعُ لَمْ يُسْتَحَقَّ وَالْمُسْتَحِقُّ لَمْ يَبِعْ؛ إذْ الْمَبِيعُ كِرْبَاسُ وَالْمُسْتَحَقُّ قَمِيصٌ؛ وَلِأَنَّهُ لَمَّا خَاطَهُ قَمِيصًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَمْلِكَهُ أَحَدٌ إلَّا بِسَبَبٍ حَادِثٍ بَعْدَ الْخِيَاطَةِ، إمَّا بِشِرَاءٍ مِمَّنْ خَاطَهُ، أَوْ بِإِقْرَارِهِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْمَبِيعِ يُوجِبُ تَوَقُّفَ الْعَقْدِ عَلَى الْإِجَازَةِ لَا نَقْضَهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَذَكَرَ رَشِيدُ الدِّينِ فِي أَنَّ الْبَيْعَ مَتَى يَنْفَسِخُ؟ قِيلَ: إذَا قَبَضَ الْمُسْتَحِقُّ، وَقِيلَ بِنَفْسِ الْحُكْمِ.

وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ مَا لَمْ يَرْجِعْ الْمُشْتَرِي عَلَى بَائِعِهِ بِثَمَنِهِ، فَإِذَا رَجَعَ يَنْفَسِخُ، حَتَّى لَوْ أَجَازَ الْمُسْتَحِقُّ بَعْدَ مَا قَبَضَهُ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ الْمُسْتَحَقُّ عَلَى بَائِعِهِ يَصِحُّ.

قَالَ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ: الصَّحِيحُ أَنَّ الْبِيَاعَاتِ لَا تَنْفَسِخُ بِالِاسْتِحْقَاقِ مَا لَمْ يَرْجِعْ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى بَائِعِهِ بِقَضَاءٍ. أَبُو اللَّيْثِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ مَا لَمْ يَأْخُذْ الْعَيْنَ بِقَضَاءِ دَلِيلِ الْفَسْخِ فَيَنْفَسِخُ حَتَّى لَا يَحْتَمِلُ الْإِجَازَةَ بَعْدَهُ. وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَنْفَسِخُ مَا لَمْ يُفْسَخْ وَهُوَ الْأَصَحُّ.

وَلَوْ اسْتَحَقَّ فَأَرَادَ الْمُشْتَرِي نَقْضَ الْبَيْعِ بِلَا قَضَاءٍ وَلَا رِضَا الْبَائِعِ لَا يَمْلِكُهُ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى النِّتَاجِ مِنْ الْبَائِعِ أَوْ عَلَى التَّلَقِّي مِنْ الْمُسْتَحِقِّ ثَابِتٌ، إلَّا إذَا حَكَمَ الْقَاضِي فَيَلْزَمُ الْعَجْزُ فَيَنْفَسِخُ، وَالْمُشْتَرِي إنَّمَا يَرْجِعُ بِثَمَنِهِ عَلَى بَائِعِهِ لَوْ ثَبَتَ الِاسْتِحْقَاقُ بِبَيِّنَةٍ، أَمَّا لَوْ ثَبَتَ بِإِقْرَارِ الْمُشْتَرِي أَوْ بِنُكُولِهِ أَوْ بِإِقْرَارِ وَكِيلِهِ بِخُصُومِهِ أَوْ بِنُكُولِهِ فَلَا يَرْجِعُ إذْ الْإِقْرَارُ لَيْسَ بِهِ بِحَجَّةٍ فِي حَقِّ غَيْرِهِ. كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.

(فَرْعٌ) :

لَوْ اسْتَحَقَّ بِشَاهِدَيْنِ وَعَدَّلَهُمَا الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ، قَالَ أَبُو يُوسُفَ: اسْأَلْ عَنْ الشَّاهِدَيْنِ فَإِنْ عَدَلَا رَجَعَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِثَمَنِهِ عَلَى بَائِعِهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْدِلَا لَا يُقْضَى عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ لِتَعْدِيلِهِ إيَّاهُمَا وَلَا يَرْجِعُ بِثَمَنِهِ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ اُنْظُرْ الْفَتَاوَى الرَّشِيدِيَّةَ.

(مَسْأَلَةٌ) :

شَرَاهُ فَادَّعَاهُ آخَرُ فَقَبْلَ أَنْ يُثْبِتَ الِاسْتِحْقَاقَ صَالَحَهُ الْمُشْتَرِي وَدَفَعَ إلَيْهِ شَيْئًا وَأَمْسَكَ الْمَبِيعَ يَصِيرُ هَذَا شِرَاءً لِلْمَبِيعِ مِنْ الْمُسْتَحِقِّ فَيَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى بَائِعِهِ. مِنْ الْمَبْسُوطِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

دَارٌ بِيَدِهِ ادَّعَى آخَرُ نِصْفَهُ فَصَالَحَهُ عَلَى أَلْفٍ فَادَّعَى آخَرُ نِصْفَهُ فَصَالَحَهُ عَلَى أَلْفٍ ثُمَّ اسْتَحَقَّ

<<  <   >  >>