للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مُسْلِمٌ مَأْمُونٌ، وَالِاثْنَانِ أَحَبُّ إلَيْنَا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ إلَّا رَجُلَانِ وَامْرَأَتَانِ فَكَذَلِكَ الْعَدْلُ، وَرَسُولُ الْقَاضِي إلَى الْعَدْلِ الْوَاحِدِ يَكْفِي عِنْدَهُمَا.

" مِنْ الْمُحِيطِ ". وَمِنْهَا: أَنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَسْتَبْطِنَ أَهْلَ الدِّينِ وَالْأَمَانَةِ وَالْعَدَالَةِ وَالنَّزَاهَةِ لِيَسْتَعِينَ بِهِمْ عَلَى مَا هُوَ بِسَبِيلِهِ وَيَقْوَى بِهِمْ عَلَى التَّوَصُّلِ عَلَى مَا يَنْوِيهِ، وَيُخَفِّفُوا عَنْهُ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِعَانَةِ فِيهِ مِنْ النَّظَرِ فِي الْوَصَايَا وَالْأَحْبَاسِ وَالْقِسْمَةِ وَأَمْوَالِ الْأَيْتَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُنْظَرُ فِيهِ.

وَمِنْهَا: أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَعْوَانُهُ فِي زِيِّ الصَّالِحِينَ، فَإِنَّهُ يُسْتَدَلُّ عَلَى الْمَرْءِ بِصَاحِبِهِ وَغُلَامِهِ، وَيَأْمُرَهُمْ بِالرِّفْقِ وَاللِّينِ فِي غَيْرِ ضَعْفٍ وَلَا تَقْصِيرٍ، فَلَا بُدَّ لِلْقَاضِي مِنْ أَعْوَانٍ يَكُونُونَ حَوْلَهُ لِيَزْجُرُوا مَنْ يَنْبَغِي زَجْرُهُ مِنْ الْمُتَخَاصِمَيْنِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُخَفِّفَ مِنْهُمْ مَا اسْتَطَاعَ.

وَقَدْ كَانَ الْحَسَنُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُنْكِرُ عَلَى الْقُضَاةِ اتِّخَاذَ الْأَعْوَانِ، فَلَمَّا وَلِيَ الْقَضَاءَ وَشَوَّشَ عَلَيْهِ مَا يَقَعُ مِنْ النَّاسِ عِنْدَهُ قَالَ: لَا بُدَّ لِلسُّلْطَانِ مِنْ وَزَعَةٍ، وَإِنْ اسْتَغْنَى عَنْ الْأَعْوَانِ أَصْلًا كَانَ أَحْسَنَ.

قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَا يَكُونُ الْعَوِينُ إلَّا ثِقَةً مَأْمُونًا، لِأَنَّهُ قَدْ يُطْلِعُ الْخُصُومَ عَلَى مَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ، وَقَدْ يُرْشَى عَلَى الْمَنْعِ وَالْإِذْنِ، وَقَدْ يُخَافُ مِنْهُ عَلَى النِّسْوَانِ إذَا احْتَجْنَ إلَى خِصَامٍ، فَكُلُّ مَنْ يَسْتَعِينُ بِهِ الْقَاضِي عَلَى قَضَائِهِ وَمَشُورَتِهِ لَا يَكُونُ إلَّا ثِقَةً مَأْمُونًا.

(فَصْلٌ) :

وَأَرْزَاقُ الْأَعْوَانِ الَّذِينَ يُوَجِّهُهُمْ فِي مَصَالِحِ النَّاسِ وَرَفْعِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ يَكُونُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ كَالْحُكْمِ فِي أَرْزَاقِ الْقُضَاةِ، وَلَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَجْعَلَ لَهُمْ شَيْئًا فِي أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِذَا كَانَ لَهُمْ رِزْقٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ أَخْذُ شَيْءٍ عَلَى الْقَضَايَا الَّتِي يُبْعَثُونَ فِيهَا كَمَا لَا يَجُوزُ لِلْقُضَاةِ أَخْذُ شَيْءٍ، فَإِنْ لَمْ يُصْرَفْ لَهُمْ شَيْءٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَقَّعَ الْقَاضِي لِلطَّالِبِ طَابَعًا يُرْفَعُ بِهِ الْخَصْمُ إلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ، فَإِنْ لَمْ يُرْفَعْ وَاضْطُرَّ إلَى الْأَعْوَانِ فَلْيَجْعَلْ الْقَاضِي لَهُمْ شَيْئًا مِنْ رِزْقِهِ إذَا أَمْكَنَهُ وَقَدَرَ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ فَأَحْسَنُ الْوُجُوهِ أَنْ يَكُونَ الطَّالِبُ وَالْمُسْتَأْجَرُ عَلَى النُّهُوضِ فِي إحْضَارِ الْمَطْلُوبِ وَرَفْعِهِ فَيَتَّفِقُ مَعَ الْعَوِينِ عَلَى ذَلِكَ بِمَا يَرَاهُ، إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُ لَدَدُ الْمَطْلُوبِ بِالطَّالِبِ، وَأَنَّهُ امْتَنَعَ مِنْ الْحُضُورِ بَعْدَ أَنْ دَعَاهُ، فَإِنَّ أُجْرَةَ الْعَوِينِ الَّذِي يُحْضِرُهُ عَلَى الْمَطْلُوبِ، فَإِنْ لَمْ يَتَّفِقْ الْعَوِينُ وَالْمُدَّعِي عَلَى شَيْءٍ وَأَحْضَرَهُ فَقَدْ ذُكِرَ فِي الْقُنْيَةِ " أَنَّ لِصَاحِبِ الْمَجْلِسِ الَّذِي نَصَّبَهُ الْقَاضِي لِإِجْلَاسِ النَّاسِ وَإِقْعَادِهِمْ بَيْنَ يَدَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمُدَّعِي شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ يَعْمَلُ لَهُ بِإِقْعَادِ الشُّهُودِ عَلَى التَّرْتِيبِ وَغَيْرِهِ، لَكِنْ لَا يَأْخُذُ أَكْثَرَ مِنْ الدِّرْهَمَيْنِ الْعَدْلِيَّيْنِ الدَّانِقَيْنِ مِنْ الدَّرَاهِمِ الرَّائِجَةِ فِي زَمَانِنَا، وَلِلْوُكَلَاءِ أَنْ يَأْخُذُوا مِمَّنْ يَعْمَلُونَ لَهُ مِنْ الْمُدَّعِينَ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ، وَلَكِنْ لَا يَأْخُذُوا لِكُلِّ مَجْلِسٍ أَكْثَرَ مِنْ دِرْهَمَيْنِ، وَالرَّجَّالَةُ يَأْخُذُونَ أُجُورَهُمْ مِمَّنْ يَعْمَلُونَ لَهُ وَهُمْ الْمُدَّعُونَ، لَكِنَّهُمْ يَأْخُذُونَ فِي الْمِصْرِ مِنْ نِصْفِ دِرْهَمٍ إلَى دِرْهَمٍ، وَإِذَا خَرَجُوا إلَى الرَّسَاتِيقِ لَا يَأْخُذُونَ بِكُلِّ فَرْسَخٍ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ أَوْ أَرْبَعَةٍ، هَكَذَا وَضَعَهُ الْعُلَمَاءُ الْأَتْقِيَاءُ الْكِبَارُ وَهِيَ أُجُورُ أَمْثَالِهِمْ.

قَالَ فِي شَرْحِ السَّرَخْسِيِّ لِأَدَبِ الْقَاضِي: الْقَاضِي إذَا بَعَثَ إلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِعَلَامَةٍ فَعُرِضَتْ عَلَيْهِ فَامْتَنَعَ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ الْمُدَّعِي عَلَى ذَلِكَ وَثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدَهُ فَإِنَّهُ يَبْعَثُ إلَيْهِ ثَانِيًا وَيَكُونُ مُؤْنَةُ الرَّجَّالَةِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلَا يَكُونُ عَلَى الْمُدَّعِي شَيْءٌ بَعْدَ ذَلِكَ.

قَالَ مَجْدُ الْأَئِمَّةِ التَّرْجُمَانِيُّ: فَالْحَاصِلُ أَنَّ مُؤْنَةَ الرَّجَّالَةِ عَلَى الْمُدَّعِي فِي الِابْتِدَاءِ، فَإِذَا امْتَنَعَ فَعَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَكَائِنُ هَذَا اسْتِحْسَانٌ مَالَ إلَيْهِ لِلزَّجْرِ، فَإِنَّ الْقِيَاسَ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمُدَّعِي فِي الْحَالَيْنِ لِحُصُولِ النَّفْعِ لَهُ فِي الْحَالَيْنِ.

وَمِنْهَا: أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُبِيحَ لِلنَّاسِ الرُّكُوبَ مَعَهُ إلَّا فِي حَاجَةٍ أَوْ رَفْعِ مَظْلِمَةٍ، فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَرْكَبَ لِيَنْظُرَ إلَى شَيْءٍ مَعَ غَيْرِهِ مِنْ النَّاسِ فِيمَا قَدْ تُشُوجِرَ فِيهِ عِنْدَهُ وَاخْتَلَطَ فِيهِ الْأَمْرُ وَطَالَتْ فِيهِ الْخُصُومَةُ

<<  <   >  >>