للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الْبَابُ السَّادِسُ وَالْأَرْبَعُونَ فِي الْقَضَاءِ بِأَنْوَاعِ الضَّمَانَاتِ الْوَاجِبَةِ وَكَيْفِيَّتِهَا]

وَتَضْمِينِ الْأَمِينِ وَبَرَاءَةِ الضَّمِينِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

أَمَرَهُ بِأَخْذِ مَالِ الْغَيْرِ ضَمِنَ الْآخِذُ لَا الْآمِرُ؛ إذْ الْأَمْرُ لَمْ يَصِحَّ، وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَمْ يَصِحَّ الْأَمْرُ لَا يَضْمَنُ الْآمِرُ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: يَضْمَنُ الْآمِرُ لَوْ كَانَ سُلْطَانًا لَا لَوْ كَانَ غَيْرَهُ؛ إذْ أَمْرُ السُّلْطَانِ كَإِكْرَاهٍ؛ إذْ الْمَأْمُورُ يَعْلَمُ عَادَةً أَنَّهُ يُعَاقِبُهُ لَوْ لَمْ يَمْتَثِلْ أَمْرَهُ، بِخِلَافِ غَيْرِ السُّلْطَانِ فَيَضْمَنُ السُّلْطَانُ لَا مَأْمُورُهُ فَتَصِحُّ الدَّعْوَى عَلَى الضَّامِنِ عَلَى غَيْرِهِ.

وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّ مُجَرَّدَ أَمْرِ الْإِمَامِ بِإِكْرَاهٍ لَوْ كَانَ الْمَأْمُورُ لَا يَخَافُ مِنْهُ لَوْ لَمْ يَمْتَثِلْ أَمْرَهُ. وَفِيهِ: وَمِنْ النَّاسِ مَنْ جَعَلَ مُجَرَّدَ أَمْرِهِ إكْرَاهًا وَلَوْ كَانَ الْمَأْمُورُ لَا يَخَافُ مِنْهُ لَوْ لَمْ يَمْتَثِلْ.

(مَسْأَلَةٌ) :

قَالَ: احْفِرْ لِي فِي هَذَا الْحَائِطِ بَابًا، فَفَعَلَ وَهُوَ لِغَيْرِهِ ضَمِنَ الْحَافِرُ وَرَجَعَ عَلَى آمِرِهِ، وَلَوْ قَالَهُ وَتَرَكَ لَفْظَةَ " لِي " لَمْ يَرْجِعْ، وَلَوْ كَانَ الْآمِرُ سَاكِنًا فِي الدَّارِ وَاسْتَأْجَرَهُ عَلَى الْحَفْرِ رَجَعَ الْحَافِرُ عَلَى آمِرِهِ اُنْظُرْ الْمُنْتَقَى.

(فَرْعٌ) :

الْجَانِي لَوْ أَمَرَ الْعَوَانَ بِالْأَخْذِ فَفِيهِ نَظَرٌ، بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ ضَمِنَ الْآخِذُ لَا الْجَانِي، وَبِاعْتِبَارِ السَّعْيِ ضَمِنَ الْجَانِي. فَتَأَمَّلْ فِيهِ عِنْدَ الْفَتَاوَى، هَكَذَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى.

وَقَالَ قَاضِي خَانُ: الْفَتْوَى عَلَى أَنَّ الْآخِذَ ضَمِنَ عَلَى كُلِّ حَالٍ، ثُمَّ لَوْ دَفَعَ الْمَأْخُوذَ إلَى آمِرِهِ رَجَعَ عَلَيْهِ لَا لَوْ تَلِفَ عِنْدَهُ، وَلَوْ أَنْفَقَهُ فِي حَاجَةِ الْآمِرِ فَهُوَ كَمَأْمُورٍ بِالْإِنْفَاقِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فِي حَاجَةِ الْآمِرِ. وَقِيلَ رَجَعَ لَوْ شَرَطَ الرُّجُوعَ. وَقِيلَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يُرْجِعُ شَرْطَهُ أَوَّلًا.

قَالَ فِي الْمُحِيطِ: وَالْمُخْتَارُ أَنَّ الْجَانِيَ لَا يَضْمَنُ، وَأَمَّا الْجَانِي لَوْ أَرَى الْأَعْوَانَ بَيْتَ رَبِّ الْمِلْكِ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِشَيْءٍ أَوْ الشَّرِيكُ أَرَى الْعَوَانَ بَيْتَ شَرِيكِهِ حَتَّى أَخَذَ الْمَالَ أَوْ أَخَذَ مِنْ بَيْتِهِ رَهْنًا بِالْمَالِ الْمَطْلُوبِ لِأَجْلِ مِلْكِهِ وَضَاعَ الرَّهْنُ فَالْجَانِي وَالشَّرِيكُ لَمْ يَضْمَنَا بِلَا شُبْهَةٍ، إذْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ أَمْرٌ وَلَا حَمْلٌ، وَدَفْعُ الْعَوَانِ مُمْكِنٌ بِطَرِيقِهِ، وَأَمَّا دَفْعُ السُّلْطَانِ فَلَا يُمْكِنُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

سَعَى إلَى سُلْطَانٍ ظَالِمٍ حَتَّى غَرَّمَ رَجُلًا، فَلَوْ سَعَى بِحَقٍّ نَحْوَ إنْ كَانَ يُؤْذِيهِ وَعَجَزَ عَنْ دَفْعِهِ لَا يَسَعُهُ أَوْ فَاسِقًا لَا يَمْتَنِعُ بِالْأَمْرِ فَفِي مِثْلِهِ لَا يَضْمَنُ السَّاعِي.

كَذَا فِي الْعُدَّةِ قَالَ قَاضِي خَانُ: لَوْ سَعَى إلَيْهِ بِأَنَّ لِفُلَانٍ مَالًا كَثِيرًا، أَوْ وَجَدَهُ، أَوْ أَصَابَ مِيرَاثًا، أَوْ عِنْدَهُ مَالٌ لِفُلَانٍ الْغَائِبِ، أَوْ أَنَّهُ يُرِيدُ الْفُجُورَ بِأَهْلِي، أَوْ ضَرَبَنِي، أَوْ ظَلَمَنِي فَلَوْ كَانَ السُّلْطَانُ مِمَّنْ يَأْخُذُ الْمَالَ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ ضَمِنَ لَوْ كَانَ كَاذِبًا، وَكَذَا لَوْ كَانَ صَادِقًا إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُتَظَلِّمٍ وَمُحْتَسِبٍ فِي ذَلِكَ. الذَّخِيرَةِ لَمْ يَضْمَنْ الْمَضْرُوبُ لَوْ سَعَى.

(فَرْعٌ) :

السِّعَايَةُ الْمُوجِبَةُ لِلضَّمَانِ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَذِبٍ يَكُونُ سَبَبًا لِأَخْذِ الْمَالِ مِنْهُ أَوْ لَا يَكُونُ قَصْدُهُ إقَامَةَ الْحِسْبَةِ، كَمَا لَوْ قَالَ عِنْدَ السُّلْطَانِ إنَّهُ وَجَدَ مَالًا وَقَدْ وَجَدَ الْمَالَ فَهَذَا يُوجِبُ الضَّمَانَ؛ إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ السُّلْطَانَ يَأْخُذُ مِنْهُ الْمَالَ بِهَذَا السَّبَبِ اُنْظُرْ الْفَتَاوَى الرَّشِيدِيَّةِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

ادَّعَى عَلَيْهِ سَرِقَةً وَقَدَّمَهُ إلَى السُّلْطَانِ يَطْلُبُ مِنْهُ ضَرْبُهُ حَتَّى يُقِرَّ فَضَرَبَهُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ فَحَبَسَهُ فَخَافَ مِنْ التَّعْذِيبِ وَالضَّرْبِ فَصَعِدَ السَّطْحَ لِيَنْفَلِتَ فَسَقَطَ مِنْ السَّطْحِ فَمَاتَ وَقَدْ غَرِمَ فِي هَذَا الْأَمْرِ فَظَهَرَتْ السَّرِقَةُ عَلَى يَدِ غَيْرِهِ، فَلِلْوَرَثَةِ أَخْذُ مُدَّعِي السَّرِقَةِ بِدِيَةِ مُورِثِهِمْ وَبِغَرَامَةٍ أَدَّاهَا إلَى السُّلْطَانِ. اُنْظُرْ فَتَاوَى ظَهِيرِ الدِّينِ.

(فَرْعٌ) :

لَوْ قَالَ: وَجَدَ كَنْزًا أَوْ لُقَطَةً، فَظَهَرَ كَذِبُهُ ضَمِنَ إلَّا إنْ كَانَ السُّلْطَانُ عَادِلًا لَا يُغَرِّمُ بِمِثْلِ هَذِهِ السِّعَايَاتِ، أَوْ قَدْ يُغَرِّمُ وَقَدْ لَا يُغَرِّمُ بَرِئَ السَّاعِي

وَلَوْ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ يَجِيءُ إلَى امْرَأَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ فَرَفَعَ إلَى السُّلْطَانِ فَغَرَّمَهُ فَظَهَرَ كَذِبُهُ لَمْ يَضْمَنْ السَّاعِي عِنْدَهُمَا، وَضَمِنَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَبِهِ يُفْتَى لِغَلَبَةِ السُّعَاةِ فِي زَمَانِنَا مِنْ الْعُدَّةِ.

<<  <   >  >>