للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(مَسْأَلَةٌ) :

قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: الْحَاضِرُ عِنْدَ الْبَيْعِ لَوْ بَعَثَهُ الْبَائِعُ إلَى الْمُشْتَرِي وَتَقَاضَاهُ الثَّمَنَ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ الْمِلْكَ لِنَفْسِهِ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُجِيزًا لِلْبَيْعِ بِتَقَاضِيهِ، كَذَا فِي الْفَصْلِ التَّاسِعِ مِنْ فُصُولِ الْأُسْرُوشَنِيِّ وَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ: رَأَى غَيْرَهُ يَبِيعُ عَرَضًا أَوْ دَارًا فَتَصَرَّفَ فِيهِ الْمُشْتَرِي زَمَانًا، وَهُوَ سَاكِتٌ سَقَطَتْ دَعْوَاهُ.

[الْبَابُ الثَّامِنُ وَالْأَرْبَعُونَ فِي الْقَضَاءِ بِمَا يُمْنَعُ عَنْهُ وَفِيمَا لَا يُمْنَعُ]

وَفِيمَا يَحِلُّ فِعْلُهُ وَفِيمَا لَا يَحِلُّ أَرَادَ أَنْ يُحْدِثَ ظُلَّةً فِي طَرِيقِ الْعَامَّةِ، وَهِيَ لَا تَضُرُّ بِالْعَامَّةِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ لِكُلٍّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَقَّ الْمَنْعِ وَالطَّرْحِ قَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَهُ حَقُّ الْمَنْعِ لَا الطَّرْحِ.

قَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَيْسَ لَهُ كِلَاهُمَا وَلَوْ ضَرَّ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا حَقُّ الْمَنْعِ وَالطَّرْحِ وَالدَّفْعِ، وَإِحْدَاثُهَا فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ لَمْ يَجُزْ بِلَا إذْنِ أَهْلِهَا ضَرَّ أَوْ لَا.

وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ إحْدَاثَهَا عَلَى طَرِيقِ الْعَامَّةِ يُبَاحُ قَبْلَ أَنْ يُخَاصِمَهُ أَحَدٌ لَا بَعْدَهُ وَلَا الِانْتِفَاع، وَيَأْثَمُ بِتَرْكِهَا.

قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يُبَاحُ لَهُ الِانْتِفَاعُ لَوْ لَمْ يَضُرَّهُمْ.

(مَسْأَلَةٌ) :

قَالَ فِي الْمُنْتَقَى: إنِّي أَمْنَعُ مِنْ بِنَاءٍ كَنِيفٍ أَوْ ظُلَّةٍ عَلَى طَرِيقِ الْعَامَّةِ، فَلَوْ بَنَى يُقْلَعُ لَوْ ضَرَّ وَإِلَّا لَا.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَوْ أَخْرَجَ كَنِيفًا وَلَمْ يُدْخِلْهُ فِي دَارِهِ وَلَمْ يَضُرَّ تَرَكَهُ، وَلَوْ أَدْخَلَهُ فِيهَا يُمْنَعُ عَنْهُ، وَالْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ يَدَّعِي أَنَّهُ مِنْ الطَّرِيقِ.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَهُ ظُلَّةٌ فِي غَيْرِ نَافِذَةٍ لَيْسَ لِأَهْلِهَا هَدْمُهَا لَوْ لَمْ يُعْلَمْ كَيْفَ كَانَ أَمْرُهَا، وَلَوْ عُلِمَ أَنَّهُ بَنَاهَا عَلَى السِّكَّةِ هُدِمَتْ، وَلَوْ كَانَتْ نَافِذَةً فِي الْوَجْهَيْنِ. قَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُهْدَمُ لَوْ يَضُرُّ، وَإِلَّا لَا.

ثُمَّ الْأَصْلُ: أَنَّ مَا عَلَى طَرِيقِ الْعَامَّةِ لَوْ لَمْ يُعْرَفْ حَالُهُ يُجْعَلُ حَدِيثًا فَلِلْإِمَامِ رَفْعُهُ، وَمَا فِي غَيْرِ النَّافِذَةِ لَوْ لَمْ يُعْلَمْ حَالُهُ يُجْعَلُ قَدِيمًا فَلَا يُرْفَعُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

قَالَ فِي الْأَصْلِ: غَابَ أَحَدُ شَرِيكَيْ الدَّارِ فَأَرَادَ الْحَاضِرُ أَنْ يُسْكِنَهَا رَجُلًا أَوْ يُؤَجِّرَهَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ دِيَانَةً؛ إذْ التَّصَرُّفُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ حَرَامٌ حَقًّا لِلَّهِ - تَعَالَى - وَلِلْمَالِكِ، وَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ قَضَاءً؛ إذْ الْإِنْسَانُ لَا يُمْنَعُ عَنْ التَّصَرُّفِ فِيمَا فِي يَدِهِ لَوْ لَمْ يُنَازِعْهُ أَحَدٌ، فَلَوْ أَجَّرَ، وَأَخَذَ الْأَجْرَ يَرُدُّ عَلَى شَرِيكِهِ نَصِيبَهُ لَوْ قَدَرَ، وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِهِ لِتَمَكُّنِ الْخُبْثِ فِيهِ بِحَقِّ شَرِيكِهِ فَكَانَ كَغَاصِبِ أَجْرٍ يَتَصَدَّقُ بِالْأَجْرِ أَوْ يَرُدُّهُ عَلَى الْمَالِكِ، وَأَمَّا نَصِيبُهُ فَيَطِيبُ لَهُ؛ إذْ لَا خُبْثَ فِيهِ، هَذَا لَوْ أَسْكَنَ غَيْرَهُ أَمَّا لَوْ سَكَنَ بِنَفْسِهِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ دِيَانَةً قِيَاسًا، وَلَهُ ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا؛ إذْ لَهُ أَنْ يَسْكُنَهَا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ حَالَ حُضُورِهِ؛ إذْ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ الِاسْتِئْذَانُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ.

هَذَا أَمْرُ الدُّورِ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَسْكُنَ حَالَ غَيْبَتِهِ، بِخِلَافِ إسْكَانِ غَيْرِهِ؛ إذْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ حَالَ حَضْرَتِهِ بِلَا إذْنِهِ فَكَذَا حَالَ غَيْبَتِهِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: دَارٌ بَيْنَهُمَا غَيْرُ مَقْسُومَةٍ غَابَ أَحَدُهُمَا وَسِعَ الْحَاضِرُ أَنْ يَسْكُنَ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ فَيَسْكُنَ الدَّارَ كُلَّهَا، وَكَذَا خَادِمٌ بَيْنَهُمَا غَابَ أَحَدُهُمَا فَلِلْحَاضِرِ أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ بِحِصَّتِهِ.

وَفِي الدَّابَّةِ لَا يَرْكَبُهَا الْحَاضِرُ لِتَفَاوُتِ النَّاسِ فِي الرُّكُوبِ لَا السُّكْنَى وَالِاسْتِخْدَامِ فَيَتَضَرَّرُ الْغَائِبُ بِرُكُوبِهَا لَا بِهِمَا.

قَالَ فِي النَّوَازِلِ عَنْ مُحَمَّدٍ: لِلْحَاضِرِ أَنْ يَسْكُنَ كُلَّ الدَّارِ لَوْ خَافَ خَرَابَهَا لَوْ لَمْ يَسْكُنْهَا.

وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَيْسَ لِلْحَاضِرِ فِي الْأَرْضِ أَنْ يَزْرَعَ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ، وَفِي الدَّارِ أَنْ يَسْكُنَهَا.

قَالَ فِي التَّجْرِيدِ: إنَّ لَهُ ذَلِكَ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَالْأَصْلُ: أَنَّ الدَّارَ الْمُشْتَرَكَةَ فِي حَقِّ السُّكْنَى وَتَوَابِعِهِ جَعْلُ الْمِلْكِ لِكُلٍّ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى الْكَمَالِ؛ إذْ لَوْ لَمْ يُجْعَلْ كَذَلِكَ يُمْنَعُ كُلٌّ مِنْهُمَا مِنْ دُخُولِهِ وَقُعُودِهِ وَوَضْعِ أَمْتِعَتِهِ فَيَتَعَطَّلُ عَلَيْهِمَا مَنَافِعُ مِلْكِهِمَا وَهُوَ لَمْ يَجُزْ فَصَارَ الْحَاضِرُ سَاكِنًا فِي مِلْكِ نَفْسِهِ فَكَيْفَ يَلْزَمُهُ الْأَجْرُ.

<<  <   >  >>