للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مَسْأَلَةٌ) :

رَجُلٌ أَخَذَ بِيَدِ رَجُلٍ فَجَذَبَ الرَّجُلُ يَدَهُ فَانْكَسَرَتْ يَدُهُ، إنْ أَخَذَهُ بِالْمُصَافَحَةِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْيَدِ، وَإِنْ عَقَدَهَا فَمَدَّهَا ضَمِنَ الْقَابِضُ دِيَةَ الْيَدِ.

وَلَوْ عَضَّ ذِرَاعَ رَجُلٍ فَجَذَبَ الْمَعْضُوضُ ذِرَاعَهُ مِنْ فِيهِ فَسَقَطَ بَعْضُ أَسْنَانِهِ وَذَهَبَ بَعْضُ لَحْمِ الْمَعْضُوضِ فَدِيَةُ الْأَسْنَانِ هَدَرٌ، وَيَضْمَنُ الْعَاضُّ أَرْشَ ذِرَاعٍ، هَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي يَدِهِ ثَوْبٌ فَتَشَبَّثَ بِالثَّوْبِ رَجُلٌ فَجَذَبَهُ صَاحِبُ الثَّوْبِ مِنْ يَدِ الْمُتَشَبِّثِ فَتَخَرَّقَ الثَّوْبُ ضَمِنَ الْمُتَشَبِّثُ نِصْفَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي جَذَبَ الثَّوْبَ مَنْ لَبِسَ الثَّوْبَ ضَمِنَ جَمِيعَ الْخَرْقِ. اُنْظُرْ الْخُلَاصَةَ.

[الْقِسْمُ الثَّانِي فِي الْجِرَاحِ وَالْأَطْرَافِ وَالْمَنَافِعِ]

وَيَنْقَسِمُ إلَى عَمْدٍ وَخَطَأٍ.

وَالْقِصَاصُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ مَشْرُوعٌ بِنَصِّ الْكِتَابِ، وَالْمُمَاثَلَةُ مُعْتَبَرَةٌ مِنْ حَيْثُ سَلَامَةُ الْأَجْزَاءِ وَالشِّجَاجُ عَشْرَةٌ.

وَقَدْ قِيلَ: إنَّ الشَّجَّةَ لَا تَخْلُو إمَّا أَنْ تَقْطَعَ الْجِلْدَ أَمْ لَا، فَإِنْ لَمْ تَقْطَعْ فَلَا تَكُونُ شَجَّةً وَلَا كَلَامَ فِيهِ، وَإِنْ قَطَعَتْ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تُظْهِرَ الدَّمَ أَمْ لَا، فَإِنْ لَمْ تُظْهِرْ فَهِيَ الْحَارِصَةُ، وَإِنْ أَظْهَرَتْ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَسِيلَ الدَّمُ أَمْ لَا، فَإِنْ لَمْ يَسِلْ فَهِيَ الدَّامِعَةُ، وَإِنْ أَسَالَتْ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ قَطَعَتْ بَعْضَ اللَّحْمِ أَمْ لَا، فَإِنْ لَمْ تَقْطَعْ فَهِيَ الدَّامِيَةُ، وَإِنْ قَطَعَتْ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْبَعْضُ أَكْثَرَ اللَّحْمِ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَظْمِ أَمْ لَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَكْثَرَ اللَّحْمِ فَهِيَ الْبَاضِعَةُ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تُظْهِرَ الْجِلْدَةَ الرَّقِيقَةَ الْحَائِلَةَ بَيْنَ اللَّحْمِ وَالْعَظْمِ أَمْ لَا؛ فَإِنْ لَمْ تُظْهِرْ فَهِيَ الْمُتَلَاحِمَةُ، وَإِنْ أَظْهَرَتْ فَهِيَ السِّمْحَاقُ.

ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ انْحَسَرَتْ عَلَى إظْهَارِ الْعَظْمِ فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ تَنْحَسِرَ عَلَى كَسْرِ الْعَظْمِ أَمْ لَا، فَإِنْ انْحَسَرَتْ عَلَيْهِ فَالْهَاشِمَةُ، وَإِنْ لَمْ تَنْحَسِرْ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَنْحَسِرَ عَلَى نَقْلِ الْعَظْمِ وَتَحْوِيلِهِ مِنْ غَيْرِ وُصُولٍ إلَى الْجِلْدَةِ الَّتِي بَيْنَ الْعَظْمِ وَالدِّمَاغِ أَمْ لَا؛ فَإِنْ انْحَسَرَتْ فَهِيَ الْمُنَقِّلَةُ، وَإِلَّا فَهِيَ الْآمَّةُ وَهِيَ الْعَاشِرَةُ.

وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ مَا بَعْدَهَا، وَهِيَ الدَّامِغَةُ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ، وَهِيَ الَّتِي تُخْرِجُ الدِّمَاغَ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ لَا تَبْقَى بَعْدَهَا فَكَانَ ذَلِكَ قَتْلًا لَا شَجَّةً، وَالْكَلَامُ فِي الشَّجَّةِ لَا فِي الْقَتْلِ، فَعُلِمَ أَنَّ حَصْرَ الشِّجَاجِ فِي تَعَاقُبِ أَثَرِهَا. هَكَذَا قَرَّرَ فِي الْمَبْسُوطِ.

فَفِي الْمُوضِحَةِ الْقِصَاصُ إذَا كَانَ عَمْدًا، وَلَا يُعْلَمُ فِيهِ خِلَافٌ لَا فِيمَا هُوَ أَكْثَرُ شَجَّةٍ مِنْ الْمُوضِحَةِ وَهُوَ فِيمَا ذُكِرَ بَعْدَ الْمُوضِحَةِ مِنْ الْهَاشِمَةِ وَالْمُنَقِّلَةِ وَالْآمَّةِ لَا قِصَاصَ فِيهِ وَلَا يُعْلَمُ فِيهِ خِلَافٌ، وَفِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ حُكُومَةٌ عَلَى مَا هُوَ مُفَصَّلٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ، وَبَسْطُ هَذَا الْبَابِ وَذِكْرُ الْمُقَدِّمَاتِ وَمَا فِيهَا وَأَحْكَامِ كُلِّ قِسْمٍ مِنْ هَذَا الْبَابِ يُخْرِجُنَا عَنْ الْمَقْصُودِ، وَالْغَرَضُ هُنَا ذِكْرُ مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالسِّيَاسَةِ.

[فَصْلٌ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْعَقْلِ وَهُوَ الشُّرْبُ]

(فَصْلٌ) :

فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْعَقْلِ وَهُوَ الشُّرْبُ

إذَا كَانَ شَارِبُ الْخَمْرِ حُرًّا مُسْلِمًا مُكَلَّفًا وَشَرِبَهُ مُخْتَارًا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا عُذْرٍ فَإِنَّهُ يُحَدُّ ثَمَانِينَ سَوْطًا، فَإِنْ كَانَ عَبْدًا فَيُجْلَدُ أَرْبَعِينَ، فَإِنْ كَانَ كَافِرًا وَوُجِدَ سَكْرَانَ تُرِكَ، وَإِنْ أَعْلَنَ بِذَلِكَ عُوقِبَ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْحَدَّ مِنْ الْخَمْرِ يَجِبُ بِنَفْسِ الشُّرْبِ وَلَوْ قَطْرَةً، بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ الْأَشْرِبَةِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ حَتَّى يَسْكَرَ.

(مَسْأَلَةٌ) :

لَوْ كَانَتْ الرَّائِحَةُ تُوجَدُ مِنْهُ عِنْدَ الْأَخْذِ فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ إلَى الْإِمَامِ انْقَطَعَتْ الرَّائِحَةُ بِسَبَبِ بُعْدِ الْمَسَافَةِ لَمْ يَبْطُلْ؛ لِأَنَّ هَذَا مَوْضِعُ الْعُذْرِ، وَالسَّكْرَانُ الَّذِي يُحَدُّ هُوَ الَّذِي لَا يَعْقِلُ مَنْطِقًا قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا، وَلَا يَعْقِلُ الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ: أَنْ يَهْذِيَ وَيَخْلِطَ كَلَامَهُ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

لَوْ أَقَرَّ بَعْدَ زَوَالِ الرِّيحِ فَإِنَّهُ لَا يُؤْخَذُ بِإِقْرَارِهِ حَتَّى يُقِرَّ، وَرِيحُهَا يُوجَدُ مِنْهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُؤْخَذُ بِإِقْرَارِهِ.

وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَا عَلَيْهِ بَعْدَ زَوَالِ رِيحِهَا لَمْ يُحَدَّ عِنْدَهُمَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُحَدُّ.

وَكَذَلِكَ لَوْ وُجِدَ مِنْهُ رِيحُهَا أَوْ تَقَايَأَهَا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ شَرِبَهَا مُكْرَهًا وَلِأَنَّ الرَّائِحَةَ تَشْتَبِهُ.

<<  <   >  >>