للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَإِنْ هَزَمَهُمْ وَلَهُمْ فِئَةٌ يَلْجَئُونَ إلَيْهَا فَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ الْعَدْلِ أَنْ يَتْبَعَ مُدْبِرَهُمْ وَيُجْهِزَ عَلَى جَرِيحِهِمْ وَيَقْتُلَ أَسِيرَهُمْ وَإِنْ شَاءَ حَبَسَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ خَلَّاهُمْ يَعُودُونَ حَرْبًا عَلَيْنَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِئَةٌ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ.

(مَسْأَلَةٌ) :

مَا ظَفَرَ أَهْلُ الْعَدْلِ مِنْ كُرَاعِ أَهْلِ الْبَغْيِ وَسِلَاحِهِمْ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَسْتَعِينُوا بِهِ عَلَى قِتَالِهِمْ، وَيَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْخُذَ أَسْلِحَةَ أَهْلِ الْعَدْلِ إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

مَا أَصَابَ الْإِمَامُ مِنْ الْخَوَارِجِ حَبَسَ عَنْهُمْ، فَإِذَا زَالَ بَغْيُهُمْ رَدَّ عَلَيْهِمْ مَا أَصَابَ الْخَوَارِجُ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ مِنْ دَمٍ أَوْ جِرَاحَةٍ أَوْ مَالٍ اسْتَهْلَكَهُ فَذَلِكَ مَوْضُوعٌ، وَمَا فَعَلُوهُ قَبْلَ التَّحَيُّزِ وَالْخُرُوجِ يُؤْخَذُونَ بِهِ، وَكَذَلِكَ مَا فَعَلُوهُ بَعْدَ تَفَرُّقِ جَمْعِهِمْ.

[فَصْلٌ فِي الرِّدَّةِ]

(فَصْلٌ) :

فِي الرِّدَّةِ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْهَا، وَنَسْأَلُ اللَّهَ حُسْنَ الْخَاتِمَةِ، وَهِيَ الْكُفْرُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، وَيَكُونُ بِصَرِيحٍ وَبِلَفْظٍ يَقْتَضِيهِ وَبِفِعْلٍ يَتَضَمَّنُهُ، فَالصَّرِيحُ وَاضِحٌ كَقَوْلِهِ: أُشْرِكُ بِاَللَّهِ أَوْ أَكْفُرُ بِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَاللَّفْظُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ مِثْلُ أَنْ يَنْسُبَ التَّأْثِيرَ إلَى النُّجُومِ وَمِثْلُ الْخَطِيبِ يَرَى كَافِرًا يُرِيدُ أَنْ يَنْطِقَ بِكَلِمَةِ الْإِسْلَامِ فَيَقُولَ لَهُ: اصْبِرْ حَتَّى أَفْرُغَ مِنْ خُطْبَتِي فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِكُفْرِ الْخَطِيبِ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ أَرَادَ بَقَاءَ الْكُفْرِ، وَهَذَا رَأَيْتُهُ نَصًّا لِأَهْلِ الْمَذْهَبِ، وَلَكِنْ غَابَ عَنِّي مَوْضِعُهُ.

وَوَقَعَتْ مَسْأَلَةٌ فِي أَيَّامِ شِهَابِ الدِّينِ الْقَرَافِيُّ بِمِصْرَ، وَكَانَ أَهْلُ الْعِلْمِ - إذْ ذَاكَ - مُتَوَافِرِينَ، وَهِيَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِآخَرَ: أَمَاتَ اللَّهُ الْبَعِيدَ كَافِرًا، فَأَفْتَى شَرَفُ الدِّينِ الْكُرْكِيُّ بِكُفْرِهِ، قَالَ:؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُكْفَرَ بِاَللَّهِ.

وَأَفْتَى الْقَرَافِيُّ بِعَدَمِ كُفْرِهِ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ إرَادَةَ الْكُفْرِ لَمْ تَكُنْ مَقْصُودَةً لَهُ، وَإِنَّمَا أَرَادَ التَّغْلِيظَ فِي الشَّتْمِ وَإِرَادَةُ التَّكَفُّرِ شَيْءٌ يَئُولُ إلَيْهِ الْأَمْرُ، وَمَا قَالَهُ الْقَرَافِيُّ هُوَ مَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ حَيْثُ قَالَ: لَوْ قَالَ لِآخَرَ: قَبَضَ اللَّهُ رُوحَكَ عَلَى الْكُفْرِ إنَّهُ لَا يَكْفُرُ، وَتَمَامُ ذَلِكَ اُنْظُرْهُ فِي الْخُلَاصَةِ فِي الْجِنْسِ الْخَامِسِ مِنْ كِتَابِ أَلْفَاظِ الْكُفْرِ.

وَاللَّفْظُ الَّذِي يَقْتَضِي الْكُفْرَ كَجَحْدِهِ لِمَا عُلِمَ مِنْ الشَّرِيعَةِ ضَرُورَةً كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ.

اُنْظُرْ الْقُنْيَةَ، وَمَا حُكِيَ فِيهَا عَنْ نُظُمِ الزَّنْدَوَسْتِيِّ وَأَمَّا الْفِعْلُ الَّذِي يَتَضَمَّنُ الْكُفْرَ فَمِثْلُ التَّرَدُّدِ فِي الْكَنَائِسِ وَالْتِزَامِ الزُّنَّارِ فِي الْأَعْيَادِ. اُنْظُرْ الْخُلَاصَةَ.

وَكَتَلْطِيخِ الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ بِالنَّجَاسَاتِ وَإِلْقَاءِ الْمُصْحَفِ فِي الْقَاذُورَاتِ، وَكَذَا لَوْ وَضَعَ رِجْلَهُ عَلَيْهِ اسْتِخْفَافًا.

مِنْ الْقُنْيَةِ.

وَهَذِهِ الْأَفْعَالُ دَالَّةٌ عَلَى الْكُفْرِ لَا أَنَّهَا كُفْرٌ لِمَا قَامَ مِنْ الْأَدِلَّةِ عَلَى بُطْلَانِ التَّكْفِيرِ بِالذُّنُوبِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

عَنْ أَبِي يُوسُفَ: أَنَّهُ إذَا طَلَبَ الْإِمْهَالَ أُجِّلَ ثَلَاثًا، وَتَوْبَتُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِكَلِمَةِ الشَّهَادَتَيْنِ وَيَتَبَرَّأَ مِنْ الدِّينِ الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهِ، فَإِنْ تَابَ الْمُرْتَدُّ ثُمَّ رَجَعَ فَارْتَدَّ ثُمَّ رَجَعَ كَانَ حُكْمُهُ فِي الدَّفْعَةِ الثَّانِيَةِ كَالدَّفْعَةِ الْأُولَى، وَكَذَلِكَ الدَّفْعَةُ الثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ، وَفِي الْمَرَّةِ الرَّابِعَةِ إذَا تَابَ يَضْرِبُهُ وَيُخَلِّي سَبِيلَهُ. وَقِيلَ: يُحْبَسُ حَتَّى يُرَى عَلَيْهِ خُشُوعُ التَّوْبَةِ وَالْإِخْلَاصِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا الْمُرْتَدَّةُ فَلَا يَجِبُ قَتْلُهَا وَلَكِنَّهَا تُحْبَسُ وَتُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ.

قَالَ الْحَسَنُ: وَإِجْبَارُهَا عَلَى الْإِسْلَام أَنْ تُحْبَسَ ثُمَّ يُخْرِجُهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ فَيَعْرِضَ عَلَيْهَا الْإِسْلَامَ، فَإِنْ أَبَتْ ضَرَبَهَا أَسْوَاطًا ثُمَّ يَحْبِسُهَا، هَكَذَا يَفْعَلُ أَبَدًا.

(مَسْأَلَةٌ) :

قَالَتْ فِي الْغَضَبِ أَنَا يَهُودِيَّةٌ أَوْ كَافِرَةٌ حُرِّمَتْ عَلَى الزَّوْجِ.

مِنْ الْقُنْيَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <   >  >>