للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مَسْأَلَةٌ) :

رَبُّ الدَّيْنِ إذَا ادَّعَى أَنَّ لَهُ مَالًا بَعْدَ مَا أَقَامَ الْمَدْيُونُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْإِفْلَاسِ يَحْلِفُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَحْلِفُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِفْلَاسَ لَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا يَتَحَقَّقُ.

[فَصْلٌ فِي الْمُلَازَمَةِ وَفِي الْأَقْضِيَةِ]

(فَصْلٌ) :

الْمَحْبُوسُ بَعْدَ مَا أُخْرِجَ يُلَازِمُهُ الْمُدَّعِي، وَتَفْسِيرُ الْمُلَازَمَةِ أَنْ يَدُورَ مَعَهُ أَيْنَمَا دَارَ وَلَا يُفَارِقَهُ وَلَا يُلَازِمَهُ فِي مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ؛ لِأَنَّهُ حَبْسٌ.

وَفِي التَّتِمَّةِ: الْمُدَّعِي إذَا طَلَبَ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَفِيلًا وَأَبَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إعْطَاءَ الْكَفِيلِ فَالْقَاضِي يَأْمُرُ الْمُدَّعِيَ بِمُلَازَمَتِهِ وَلَا يُمْنَعُ مِنْ الدُّخُولِ فِي بَيْتِهِ لِغَائِطٍ أَوْ غَدَاءٍ، إلَّا إذَا أَعْطَاهُ الْمُدَّعِي غَدَاءً أَوْ أَعَدَّ مَوْضِعًا لِلْغَائِطِ، وَإِنْ كَانَ الْمَدْيُونُ يُمْكِنُهُ الْعَمَلَ، وَلَا يَمْنَعُهُ اللُّزُومُ بِأَنْ كَانَ عَمَلُهُ السَّقْيَ لَهُ أَنْ يُلَازِمَهُ إلَّا إذَا أَعْطَاهُ نَفَقَتَهُ وَنَفَقَةَ عِيَالِهِ فَحِينَئِذٍ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الْعَمَلِ وَلَهُ أَنْ يُلَازِمَهُ بِنَائِبِهِ أَوْ أَجِيرِهِ أَوْ غُلَامِهِ، فَلَوْ قَالَ الْمَدْيُونُ: أَنَا لَا أُرِيدُ مُلَازَمَةَ الْغُلَامِ لَا أَجْلِسُ إلَّا مَعَ الْمُدَّعِي لَهُ ذَلِكَ.

(فَرْعٌ) :

وَلَيْسَ لِلطَّالِبِ أَنْ يُقِيمَ الْمَلْزُومَ فِي الشَّمْسِ أَوْ عَلَى الثَّلْجِ أَوْ فِي مَوْضِعٍ يَضُرُّ بِهِ، فَلَوْ قَالَ لِلْغَرِيمِ: احْبِسْنِي وَأَبَى الْغَرِيمُ إلَّا الْمُلَازَمَةَ يُلَازِمُهُ.

[فَصْلٌ مُلَازَمَةُ الْمَرْأَةِ]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا مُلَازَمَةُ الْمَرْأَةِ فَيَأْمُرُ الْمُدَّعِي امْرَأَةً تُلَازِمُهَا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ امْرَأَةً إنْ شَاءَ جَعَلَهَا فِي بَيْتٍ مَعَ امْرَأَةٍ وَهُوَ عَلَى بَابِهَا أَوْ الْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ نَفْسِهَا وَهُوَ عَلَى بَابِهَا، هَذَا فِي الْمُنْتَقَى وَمَا تَقَدَّمَ فِي الْأَقْضِيَةِ.

[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْمَشْرُوعِ مِنْ الْحَبْسِ]

(فَصْلٌ) :

اعْلَمْ أَنَّ الْمَشْرُوعَ مِنْ الْحَبْسِ ثَمَانِيَةُ أَقْسَامٍ.

الْأَوَّلُ: حَبْسُ الْجَانِي لِغَيْبَةِ الْمَجْنِيّ عَلَيْهِ حِفْظًا لِمَحَلِّ الْقِصَاصِ.

الثَّانِي: حَبْسُ الْآبِقِ.

الثَّالِثُ: حَبْسُ الْمُمْتَنِعِ مِنْ دَفْعِ الْحَقِّ الْجَائِي إلَيْهِ.

الرَّابِعُ: حَبْسُ مَنْ أُشْكِلَ أَمْرُهُ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ اخْتِبَارًا لِحَالِهِ. فَإِنْ ظَهَرَ حَالُهُ حُكِمَ عَلَيْهِ بِمُوجَبِهِ عُسْرًا أَوْ يُسْرًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا.

الْخَامِسُ: حَبْسُ الْجَانِي تَعْزِيرًا أَوْ رَدْعًا عَنْ مَعَاصِي اللَّهِ.

السَّادِسُ: حَبْسُ مَنْ امْتَنَعَ مِنْ التَّصَرُّفِ الْوَاجِبِ الَّذِي لَا يَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ كَحَبْسِ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى أُخْتَيْنِ أَوْ عَلَى عَشْرِ نِسْوَةٍ أَوْ امْرَأَةٍ وَابْنَتِهَا وَامْتَنَعَ مِنْ التَّعْيِينِ.

السَّابِعُ: حَبْسُ مَنْ أَقَرَّ بِمَجْهُولِ عَيْنٍ أَوْ فِي الذِّمَّةِ وَامْتَنَعَ مِنْ تَعْيِينِهِ فَيُحْبَسُ حَتَّى يُعَيِّنَهُ فَيَقُولَ الْمُقِرُّ بِهِ: هَذَا الثَّوْبُ أَوْ هَذِهِ الدَّابَّةُ أَوْ الشَّيْءُ الَّذِي أَقْرَرْتُ بِهِ فِي ذِمَّتِي هُوَ دِينَارٌ.

الثَّامِنُ: حَبْسُ الْمُمْتَنِعِ مِنْ حَقِّ اللَّهِ - تَعَالَى - قَالَ بَعْضُهُمْ: وَمَا عَدَا هَذِهِ الثَّمَانِيَةَ لَا يَجُوزُ الْحَبْسُ فِيهِ.

وَيُزَادُ إلَى مَا ذَكَرُوهُ قِسْمٌ تَاسِعٌ وَهُوَ حَبْسُ الْمُتَدَاعَى فِيهِ، وَذَلِكَ إذَا ادَّعَى رَجُلَانِ نِكَاحَ امْرَأَةٍ فَإِنَّهَا تُوقَفُ عَنْ النِّكَاحِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ وَجْهُ الْحَقِّ فِي ذَلِكَ، وَتَكُونُ الْمَرْأَةُ عِنْدَ امْرَأَةٍ صَالِحَةٍ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَالْحَبْسُ.

وَقِسْمٌ عَاشِرٌ وَهُوَ: مَنْ يُحْبَسُ اخْتِبَارًا لِمَا يُنْسَبُ إلَيْهِ مِنْ السَّرِقَةِ وَالْفَسَادِ، وَلَا يَجُوزُ الْحَبْسُ فِي الْحَقِّ إذَا تَمَكَّنَ الْحَاكِمُ مِنْ اسْتِيفَائِهِ، مِثْلُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ دَفْعِ الدَّيْنِ وَنَحْنُ نَعْرِفُ مَالَهُ، فَإِنَّا نَأْخُذُ مِنْهُ مِقْدَارَ الدَّيْنِ وَلَا يَجُوزُ لَنَا حَبْسُهُ فَإِنَّ فِي حَبْسِهِ اسْتِمْرَارَ ظُلْمِهِ، وَدَوَامُ الْمُنْكِرِ فِي الْمَطْلِ وَضَرَرُهُ هُوَ مَعَ إمْكَانِ أَنْ لَا يَبْقَى شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ.

سُؤَالٌ: كَيْفَ يَخْلُدُ فِي الْحَبْسِ مَنْ امْتَنَعَ مِنْ دَفْعِ دِرْهَمٍ وَجَبَ عَلَيْهِ وَعَجَزْنَا عَنْ أَخْذِهِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهَا عُقُوبَةٌ عَظِيمَةٌ فِي جِنَايَةٍ حَقِيرَةٍ وَقَوَاعِدُ الشَّرْعِ تَقْتَضِي تَقْدِيرَ الْعُقُوبَاتِ بِقَدْرِ الْجِنَايَاتِ؟ جَوَابُهُ: أَنَّهَا عُقُوبَةٌ صَغِيرَةٌ بِإِزَاءِ جِنَايَةٍ صَغِيرَةٍ فَلَمْ تُخَالِفْ الْقَوَاعِدَ، فَإِنَّهُ فِي كُلِّ سَاعَةٍ مُمْتَنِعٌ مِنْ أَدَاءِ الْحَقِّ عَاصٍ فَيُقَابَلُ فِي كُلِّ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ الِامْتِنَاعِ بِسَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ الْحَبْسِ، فَهِيَ جِنَايَاتٌ وَعُقُوبَاتٌ

<<  <   >  >>