للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عَلَيْهِ كَالنَّصِّ، وَلَوْ قَضَى بِرَأْيِهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ نَصٌّ بِخِلَافِهِ يُنْقَضُ قَضَاؤُهُ، فَكَذَا هَذَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يُنْقَضُ " اُنْظُرْ الْمُحِيطَ ".

[فَصْلٌ نَقْض الْقَاضِي أَحْكَامَ غَيْرِهِ]

(فَصْلٌ) :

فِي نَقْضِ الْقَاضِي أَحْكَامَ غَيْرِهِ وَنَظَرُهُ فِي أَحْكَامِ غَيْرِهِ مُخْتَلِفٌ.

فَأَمَّا الْعَالِمُ الْعَدْلُ فَلَا يَتَعَرَّضُ لِأَحْكَامِهِ بِوَجْهٍ.

قَالَ أَبُو حَامِدٍ: عَلَى الْقَاضِي أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لِقَضِيَّةٍ أَمْضَاهَا الْأَوَّلُ إلَّا عَلَى وَجْهِ التَّجْوِيزِ لَهَا إنْ عَرَضَ فِيهَا عَارِضٌ بِوَجْهِ خُصُومَةٍ فَأَمَّا عَلَى وَجْهِ الْكَشْفِ لَهَا وَالتَّعْقِيبِ فَلَا وَإِنْ سَأَلَهُ الْخَصْمُ ذَلِكَ، وَهَذَا فِيمَا جَهِلَ مِنْ أَحْكَامِهِ هَلْ وَافَقَ الْحَقَّ أَوْ خَالَفَهُ، فَهَذَا الْوَجْهُ الَّذِي نُفِيَ عَنْهُ الْكَشْفُ وَالتَّعْقِيبُ، إلَّا أَنْ يَظْهَرَ لَهُ خَطَأٌ بَيِّنٌ ظَاهِرٌ وَلَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ وَثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدَهُ فَيَرُدُّهُ وَيَفْسَخُهُ عَنْ الْمَحْكُومِ بِهِ عَلَيْهِ.

وَقَدْ يَذْكُرُ الْقَاضِي فِي حُكْمِهِ الْوَجْهَ الَّذِي بَنَى عَلَيْهِ حُكْمَهُ فَيُوجَدُ مُخَالِفًا لِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ فَيُوجِبُ فَسْخَهُ، وَكَذَلِكَ إذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى أَنَّهَا عُلِمَتْ بِقَصْدِهِ بِغَيْرِ مَا وَقَعَ وَإِنْ كَانَ هَذَا الْحُكْمُ وَقَعَ مِنْهُ سَهْوًا أَوْ غَلَطًا فَيَنْقُضُهُ مَنْ بَعْدَهُ كَمَا يَنْقُضُهُ هُوَ.

وَأَمَّا الْقَاضِي الْعَدْلُ الْجَاهِلُ: فَإِنَّ أَقْضِيَتَهُ تُكْشَفُ، فَمَا كَانَ مِنْهَا صَوَابًا أُمْضِيَ، وَمَا كَانَ خَطَأً بَيِّنًا لَمْ يُخْتَلَفْ فِي رَدِّهِ.

وَأَمَّا الْقَاضِي الْجَائِرُ فِي أَحْكَامِهِ: إذَا كَانَ مَعْرُوفًا بِذَلِكَ وَكَانَ غَيْرَ عَدْلٍ فِي حَالِهِ وَسِيرَتِهِ عَالِمًا كَانَ أَوْ جَاهِلًا ظَهَرَ جَوْرُهُ أَوْ خَفِيَ فَيُنْقَضُ مِنْهَا مَا تَبَيَّنَ فِيهِ جَوْرُهُ أَوْ اُسْتُرِيبَ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ وَيَعْمَلْ فِيهِ بِالْكَشْفِ كَمَا يَصْنَعُ بِأَقْضِيَةِ الْجَاهِلِ، إلَّا أَنْ يُعْرَفَ الْقَاضِي فِيهِ بِالْجَوْرِ وَالْحَيْفِ فِي أَحْكَامِهِ كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا فَتُرَدُّ أَحْكَامُهُ كُلُّهَا مَا عُرِفَ بِالْجَوْرِ فِيهَا أَوْ جُهِلَ.

قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَنْظُرَ فِي أَقْضِيَةِ غَيْرِهِ.

وَقِيلَ: فَإِنْ قَامَ عِنْدَهُ قَائِمٌ وَقَالَ: هَذَا الْكِتَابُ الْقَاضِي قَدْ حَكَمَ فِيهِ بِجَوْرٍ بَيِّنٍ قَالَ: أَرَى أَنْ يَنْظُرَ فِيهِ، فَإِنْ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ حَكَمَ بِجَوْرٍ وَوَجَدَهُ فِي الْقَضَاءِ مُفْسِدًا مِثْلَ أَنْ يَقْضِيَ بِشَهَادَةِ نَصْرَانِيٍّ أَوْ مِثْلَ أَنْ يُبْطِلَ الْمَهْرَ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ وَلَا إقْرَارٍ أَوْ بِعَدَمِ تَأْجِيلِ الْعِنِّينِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَأَرَى أَنْ يَفْسَخَهُ.

وَأَمَّا إنْ وَجَدَ الْقَضَاءَ بِمَا لَمْ يَتَبَيَّنْ فِيهِ الْجَوْرُ وَلَا الْخَطَأُ الصِّرَاحُ مِثْلَ أَنْ يَجِدَ فِيهِ شَهِدَتْ عِنْدِي بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ فَقَبِلْتهَا وَرَأَيْتُ أَنَّ الْحَقَّ لِفُلَانٍ فَقَضَيْتُ لَهُ بِمَا تَبَيَّنَ لِي، فَلَا أَرَى لَهُ أَنْ يَنْظُرَ فِيهِ.

قَالَ بَعْضُهُمْ: وَيُحْمَلُ الْقَضَاءُ عَلَى الصِّحَّةِ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ الْجَوْرُ، وَفِي التَّعَرُّضِ لِذَلِكَ ضَرَرٌ بِالنَّاسِ وَوَهَنٌ لِلْقُضَاةِ.

قَالَ: فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَخْلُو مِنْ أَعْدَاءٍ يَرْمُونَهُ بِالْجَوْرِ، فَإِذَا مَاتَ أَوْ عُزِلَ قَامُوا يُرِيدُونَ الِانْتِقَامَ مِنْهُ بِنَقْضِ أَحْكَامِهِ، فَلَا يَنْبَغِي لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُمَكِّنَهُمْ مِنْ ذَلِكَ.

قُلْت: وَمَا قَالَهُ بَيِّنٌ إلَّا قَوْلَهُ " شَهِدَتْ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ فَقَبِلْتهَا، فَفِيهِ نَظَرٌ.

فَقَدْ يُقْبَلُ غَيْرُ الْعُدُولِ، وَإِنَّمَا الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُنْظَرَ فَإِنْ صَرَّحَ بِأَسْمَاءِ الشُّهُودِ وَهُمْ عُدُولٌ وَبَيَّنَ وَجْهَ الْحُكْمِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْسَخَ، وَأَمَّا مَعَ الْإِجْمَالِ فَلَا.

[فَصْلٌ فِيمَا لَا يَنْفُذُ مِنْ أَحْكَامِ الْقَاضِي]

(فَصْلٌ) :

فِيمَا لَا يَنْفُذُ مِنْ أَحْكَامِ الْقَاضِي وَيُنْقَضُ إذَا اُطُّلِعَ عَلَيْهِ وَفِيمَا يَنْفُذُ

ثَمَانِيَةُ مَوَاضِعَ يَلْزَمُ الْقَاضِيَ أَنْ يَرُدَّ حُكْمَ قَاضٍ قَبْلَهُ: عَبْدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا وَهُوَ مُعْسِرٌ فَبَاعَ السَّاكِتُ نَصِيبَهُ فَقَضَى قَاضٍ بِجَوَازِهِ، فَإِذَا رُفِعَ إلَى قَاضٍ حَنَفِيٍّ أَبْطَلَهُ.

رَجُلٌ لَهُ حَقٌّ عَلَى إنْسَانٍ لَمْ يُطَالِبْهُ بِهِ سِنِينَ فَقَضَى قَاضٍ بِبُطْلَانِ حَقِّهِ بِتَأْخِيرِهِ الْمُطَالَبَةَ، فَرَفَعَ قَضَاءَهُ إلَى حَنَفِيٍّ أَبْطَلَهُ.

امْرَأَةٌ عَفَتْ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ فَأَبْطَلَ الْقَاضِي عَفْوَهَا وَقَضَى بِالْقَوَدِ لِوَرَثَتِهَا مِنْ الرِّجَالِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَا عَفْوَ لِلنِّسَاءِ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ الثَّانِيَ يُبْطِلُهُ.

امْرَأَةٌ أَقَرَّتْ بِدَيْنٍ وَأَوْصَتْ بِوَصِيَّةٍ وَأَعْتَقَتْ عَبْدَهَا بِغَيْرِ رِضَا زَوْجِهَا فَأَبْطَلَ الْقَاضِي تَصَرُّفَهَا، فَإِذَا رُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ أَبْطَلَهُ.

امْرَأَةٌ قَبَضَتْ نِصْفَ صَدَاقِهَا وَتَجَهَّزَتْ ثُمَّ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَقَضَى قَاضٍ لَهَا

<<  <   >  >>