للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الرَّجُلَ فِيمَا يُبْتَنَى عَلَيْهِ أَهْلِيَّةُ الشَّهَادَةِ وَهُوَ الْقُدْرَةُ عَلَى الْمُشَاهَدَةِ وَالضَّبْطِ وَالْحِفْظِ وَالْأَدَاءِ لِوُجُودِ آلَةِ الْقُدْرَةِ وَهُوَ الْعَقْلُ الْمُمَيِّزُ الْمُدْرِكُ لِلْأَشْيَاءِ وَاللِّسَانُ النَّاطِقُ، فَتُفِيدُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ حُصُولَ غَلَبَةِ الظَّنِّ وَطُمَأْنِينَةِ الْقَلْبِ بِصِدْقِ الشُّهُودِ، بِخِلَافِ شَهَادَةِ النِّسَاءِ وَحْدَهُنَّ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ تَحْصُلُ بِخَبَرِهِنَّ، وَلَكِنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَعْتَبِرْهَا حُجَّةً؛ لِأَنَّهُنَّ مَنْهِيَّاتٌ عَنْ الْخُرُوجِ وَذَلِكَ سَبَبُ الْفِتْنَةِ وَالْفَسَادِ.

وَسَبَبُ الْفَسَادِ يَجِبُ نَفْيُهُ فَرُوعِيَتْ الذُّكُورَةُ فِي أَحَدِ الشَّرْطَيْنِ حَسْمًا لِمَادَّةِ الْفَسَادِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ لِمَا رَوَى الزُّهْرِيُّ أَنَّهُ قَالَ: مَضَتْ السُّنَّةُ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخَلِيفَتَيْنِ مِنْ بَعْدِهِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنْ لَا شَهَادَةَ لِلنِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ؛ وَلِأَنَّهُ تَمَكَّنَتْ الشُّبْهَةُ فِي شَهَادَتِهِنَّ مِنْ حَيْثُ غَلَبَةِ السَّهْوِ وَالنِّسْيَانِ، وَالْحُدُودُ لَا تَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

لَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ أَنَّ زَيْدًا نَكَحَ زَيْنَبَ أَوْ طَلَّقَهَا أَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ أَوْ كَاتَبَهُ أَوْ رَضَعَهَا تُقْبَلُ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا مَدْخَلَ لِشَهَادَةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ إلَّا فِي الْأَمْوَالِ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ النِّكَاحَ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ؛ لِأَنَّ فِي شَهَادَتِهِنَّ زِيَادَةَ احْتِمَالٍ لِنُقْصَانِ عَقْلِهِنَّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الِاحْتِجَاجُ فَلَا فَائِدَةَ فِي الْإِعَادَةِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

عِنْدَ زُفَرَ الْإِحْصَانُ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ بِمَعْنَى الْعِلَّةِ فَلَحِقَ بِهَا؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْعِلَّةِ مِنْ الْعِلَّةِ يَجْرِي مَجْرَى الشُّبْهَةِ مَعَ الْحَقِيقَةِ، وَالشُّبْهَةُ فِي الْبَابِ مُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ.

وَعِنْدَنَا يَثْبُتُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ شَهَادَةَ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ مِثْلُ شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ فِيمَا لَيْسَ بِعُقُوبَةٍ وَلَا عِلَّةِ عُقُوبَةٍ نَقْلًا وَعَقْلًا، وَالْإِحْصَانُ لَيْسَ بِعُقُوبَةٍ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ خِصَالٍ حَمِيدَةٍ كَالْحُرِّيَّةِ؛ إذْ الْخِصَالُ الْحَمِيدَةُ لَا تَصْلُحُ عِلَّةً لِلْعُقُوبَةِ.

وَقَوْلُهُ شَرْطٌ بِمَعْنَى الْعِلَّةِ مَمْنُوعٌ بَيَانُهُ، وَهُوَ أَنَّ الشَّرْطَ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الْعِلَّةِ مَا يُفْضِي إلَى حُكْمِ الْعِلَّةِ بِوَاسِطَةِ الْإِفْضَاءِ إلَى عِلَّتِهِ، وَالْإِحْصَانُ لَيْسَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفْضِي إلَى الْحَدِّ بِوَاسِطَةِ الْإِفْضَاءِ إلَى عِلَّتِهِ وَهُوَ الزِّنَا؛ لِأَنَّ الْإِحْصَانَ نِعْمَةٌ وَالنِّعْمَةُ أَثَرُهَا مِنْ الْمُنْعِمِ مَنْعُ الْكُفْرَانِ وَالزِّنَا كُفْرَانُ فَيَكُونُ الْإِحْصَانُ مَانِعًا، وَمَا يَكُونُ مَانِعًا لَا يَكُونُ مُفْضِيًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[الْبَابُ الرَّابِعُ فِي الْقَضَاءِ بِالْبَيِّنَةِ التَّامَّةِ مَعَ يَمِينِ الْقَضَاءِ]

وَيُسَمَّى يَمِينَ الِاسْتِبْرَاءِ.

وَصُورَةُ ذَلِكَ أَنْ يَشْهَدَ شَاهِدَانِ لِرَجُلٍ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ فِي يَدِ آخَرَ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ حَتَّى يَحْلِفَ مَا بَاعَ وَلَا وَهَبَ وَلَا خَرَجَتْ عَنْ يَدِهِ بِطَرِيقٍ مِنْ الطُّرُقِ الْمُزِيلَةِ لِلْمِلْكِ، وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْفُتْيَا وَالْقَضَاءُ، وَعَلَّلَهُ الْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَاعَهَا مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الِاحْتِمَالَاتِ، وَمَعَ الِاحْتِمَالَاتِ لَا بُدَّ مِنْ الْيَمِينِ.

قَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ عَلَى شَرْحِ الْهِدَايَةِ مَا نَصُّهُ: أَجْمَعُوا أَنَّ الْمُدَّعِيَ بَعْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ يَحْلِفُ أَنَّهُ مَا اسْتَوْفَاهُ وَلَا أَبْرَأَهُ، وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ الْخَصْمُ قَالَ: وَلَا يُعْلَمُ فِيهِ خِلَافٌ ذَكَرَهُ فِي فَصْلِ النُّكُولِ فَانْظُرْهُ.

وَقَالَ فِي التَّجْرِيدِ: وَإِنْ ادَّعَى رَبُّ الدَّيْنِ أَنَّ لَهُ مَالًا بَاطِنًا حَلَّفَهُ الْقَاضِي بَعْدَ شَهَادَةِ الشُّهُودِ عَلَى الْإِفْلَاسِ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى شَيْئًا خَارِجًا عَنْ عِلْمِ الشُّهُودِ، فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَقَابِلْ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

قَالَ بَعْضُهُمْ: وَيَمِينُ الْقَضَاءِ مُتَوَجِّهَةٌ عَلَى مَنْ يَقُومُ عَلَى الْمَيِّتِ أَوْ عَلَى الْغَائِبِ أَوْ عَلَى الْيَتِيمِ أَوْ عَلَى مَنْ يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الْحَيَوَانِ وَلَا يَتِمُّ الْحُكْمُ إلَّا بِهَا.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَيَمِينُ الْمُسْتَحِقِّ عَلَى الْبَتِّ أَنَّهُ مَا بَاعَ وَلَا وَهَبَ.

وَيَمِينُ الْوَرَثَةِ عَلَى الْعِلْمِ أَنَّهُ مَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِ

<<  <   >  >>