للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَلَيْهِ إنْ لَمْ يُقِرَّ لَهُ بِالْمِلْكِ فَإِنْ أَقَرَّ لَمْ يَرْجِعْ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ، أَمَّا إذَا لَمْ يَظُنَّ صِدْقَهُ فَلَا يَجُوزُ الدَّفْعُ لَهُ وَمَحَلُّ تَضْمِينِ اللَّاقِطِ إذَا دَفَعَ بِنَفْسِهِ لَا إنْ أَلْزَمَهُ بِهِ الْحَاكِمُ.

(وَلَا يَحِلُّ لَقْطُ حَرَمِ مَكَّةَ إلَّا لِحِفْظٍ) فَلَا يَحِلُّ إنْ لَقَطَ لِتَمَلُّكٍ أَوْ أَطْلَقَ وَالثَّانِيَةُ مِنْ زِيَادَتِي (وَيَجِبُ تَعْرِيفٌ) لِمَا لَقَطَهُ فِيهِ لِلْحِفْظِ لِخَبَرِ «أَنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ لَا يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهُ إلَّا مَنْ عَرَّفَهَا» وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ «لَا تَحِلُّ لُقَطَتُهُ إلَّا لِمُنْشِدٍ» أَيْ لِمُعَرِّفٍ وَالْمَعْنَى عَلَى الدَّوَامِ وَإِلَّا فَسَائِرُ الْبِلَادِ كَذَلِكَ فَلَا تَظْهَرُ فَائِدَةُ التَّخْصِيصِ وَتَلْزَمُ اللَّاقِطَ الْإِقَامَةُ لِلتَّعْرِيفِ أَوْ دَفْعُهَا إلَى الْحَاكِمِ وَالسِّرُّ فِي ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الْحَرَمَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ يَعُودُونَ إلَيْهِ فَرُبَّمَا يَعُودُ مَالِكُهَا أَوْ نَائِبُهُ وَخَرَجَ بِزِيَادَتِي مَكَّةَ حَرَمُ الْمَدِينَةِ فَهُوَ كَسَائِرِ الْبِلَادِ فِي حُكْمِ اللُّقَطَةِ

(كِتَابُ اللَّقِيطِ) وَيُسَمَّى مَلْقُوطًا وَمَنْبُوذًا وَدَعِيًّا. وَالْأَصْلُ فِيهِ مَعَ مَا يَأْتِي قَوْله تَعَالَى {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} [الحج: ٧٧] وقَوْله تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: ٢] وَأَرْكَانُ اللَّقْطِ الشَّرْعِيِّ: لَقْطٌ وَلَقِيطٌ وَلَاقِطٌ وَكُلُّهَا تُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي (لَقْطُهُ) أَيْ اللَّقِيطِ (فَرْضُ كِفَايَةٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: ٣٢] وَلِأَنَّهُ آدَمِيٌّ مُحْتَرَمٌ فَوَجَبَ حِفْظُهُ كَالْمُضْطَرِّ إلَى طَعَامِ غَيْرِهِ وَفَارَقَ اللُّقَطَةَ حَيْثُ لَا يَجِبُ لَقْطُهَا بِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهَا الِاكْتِسَابُ وَالنَّفْسُ تَمِيلُ إلَيْهِ فَاسْتَغْنَى بِذَلِكَ عَنْ الْوُجُوبِ كَالنِّكَاحِ وَالْوَطْءِ فِيهِ.

(وَيَجِبُ إشْهَادٌ عَلَيْهِ)

ــ

[حاشية البجيرمي]

قِيمَتَهَا فَلَيْسَ لِلْمَالِكِ تَغْرِيمُهُ؛ لِأَنَّ مَا أَخَذَهُ مَالُ الْمُلْتَقِطِ لَا الْمُدَّعِي شَرْحُ م ر وَقَوْلُهُ: فَلَيْسَ لِلْمَالِكِ تَغْرِيمُهُ أَيْ: وَإِنَّمَا يَغْرَمُ الْمُلْتَقِطُ بَدَلَهَا وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْوَاصِفِ اهـ. ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَقَرَّ لَمْ يَرْجِعْ) وَفَارَقَ مَا لَوْ اعْتَرَفَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ بِالْمِلْكِ ثُمَّ اسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا اعْتَرَفَ لَهُ بِالْمِلْكِ لِظَاهِرِ الْيَدِ بِأَنَّ الْيَدَ دَلِيلُ الْمِلْكِ شَرْعًا فَعُذِرَ بِالِاعْتِرَافِ الْمُسْتَنِدِ إلَيْهَا بِخِلَافِ الْوَصْفِ فَكَانَ مُقَصِّرًا بِالِاعْتِرَافِ الْمُسْتَنِدِ إلَيْهِ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ) عِبَارَةُ م ر؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَزْعُمُ أَنَّ الظَّالِمَ هُوَ ذُو الْبَيِّنَةِ اهـ.

[فَرْعٌ]

مِنْ اللُّقَطَةِ أَنْ تُبْدَلَ نَعْلِهِ بِغَيْرِهَا فَيَأْخُذَهَا وَلَا يَحِلُّ لَهُ اسْتِعْمَالُهَا إلَّا بَعْدَ تَعْرِيفِهَا بِشَرْطِهِ وَهُوَ التَّمَلُّكُ أَوْ تَحَقُّقُ إعْرَاضِ الْمَالِكِ عَنْهَا فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ صَاحِبَهَا تَعَمَّدَ أَخْذَ نَعْلِهِ جَازَ لَهُ بَيْعُ ذَلِكَ ظَفَرًا بِشَرْطِهِ وَهُوَ تَعَذُّرُ وُصُولِهِ إلَى حَقِّهِ ثُمَّ إنْ وَفَّى بِقَدْرِ حَقِّهِ فَذَاكَ وَإِلَّا ضَاعَ عَلَيْهِ مَا بَقِيَ كَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ بَقِيَّةِ الدُّيُونِ اهـ ع ش.

(قَوْلُهُ: وَلَا يَحِلُّ لَقْطُ حَرَمِ مَكَّةَ) وَأَلْحَقَ بِهِ بَعْضُهُمْ عَرَفَةَ وَمُصَلَّى إبْرَاهِيمَ؛ لِأَنَّهُمَا وَإِنْ كَانَا مِنْ الْحِلِّ إلَّا أَنَّهُمَا مُجْتَمَعُ الْحَاجِّ جَمِيعِهِمْ ح ل (قَوْلُهُ: إلَّا لِحِفْظٍ) أَيْ وَلَا يَحِلُّ تَمَلُّكُهُ وَلَوْ بَعْدَ سِنِينَ كَمَا يَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ: فِيمَا يَأْتِي وَالْمُرَادُ التَّعْرِيفُ عَلَى الدَّوَامِ إذْ اللُّقَطَةُ إنَّمَا تُتَمَلَّكُ بَعْدَ التَّعْرِيفِ وَتَعْرِيفُ هَذِهِ لَا غَايَةَ لَهُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَيَجِبُ تَعْرِيفٌ لِمَا لَقَطَهُ فِيهِ) فَإِنْ أَيِسَ مِنْ مَعْرِفَةِ مَالِكِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَالًا ضَائِعًا أَمْرُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ ع ش (قَوْلُهُ: وَإِلَّا) أَيْ وَإِلَّا يَكُنْ الْمُرَادُ عَلَى الدَّوَامِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ سَائِرَ الْبِلَادِ كَذَلِكَ فَحَذَفَ الشَّرْطَ وَجَوَابَهُ وَأَقَامَ دَلِيلَ الْجَوَابِ مَقَامَهُ.

[كِتَابُ اللَّقِيطِ]

هُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ أَيْ الْمَلْقُوطِ أَيْ بَيَانُ حَقِيقَتِهِ وَمَا يُفْعَلُ بِهِ وَبِمَا مَعَهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَسُمِّيَ لَقِيطًا وَمَلْقُوطًا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُلْقَطُ وَمَنْبُوذًا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُنْبَذُ وَتَسْمِيَتُهُ بِذَيْنِك أَيْ اللَّقِيطِ وَالْمَلْقُوطِ قَبْلَ أَخْذِهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ مَجَازِ الْأَوَّلِ لَكِنَّهُ صَارَ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً وَكَذَا تَسْمِيَتُهُ مَنْبُوذًا بَعْدَ أَخْذِهِ بِنَاءً عَلَى زَوَالِ الْحَقِيقَةِ بِزَوَالِ الْمَعْنَى الْمُشْتَقِّ مِنْهُ شَرْحُ م ر وَقَوْلُهُ: مَنْبُوذًا بَعْدَ أَخْذِهِ أَيْ فَهُوَ مَجَازٌ لَكِنْ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ

ع ش (قَوْلُهُ: وَدَعِيًّا) سُمِّيَ دَعِيًّا؛ لِأَنَّهُ مَتْرُوكٌ أَيْ مَجْهُولُ النَّسَبِ اهـ ع ش وَعِبَارَةُ الْبَرْمَاوِيِّ قَوْلُهُ: وَدِعِيًّا بِكَسْرِ الدَّالِ أَيْ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ يَدَّعِيهِ وَهَذَا بِاعْتِبَارِ آخِرِ أَمْرِهِ وَمَنْبُوذًا بِاعْتِبَارِ أَوَّلِهِ وَمَلْقُوطًا بِاعْتِبَارِ وَسَطِهِ اهـ ع ش. (قَوْلُهُ: مَعَ مَا يَأْتِي) أَيْ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: ٣٢] (قَوْلُهُ: وَأَرْكَانُ اللَّقْطِ الشَّرْعِيِّ) دَفَعَ بِهَذَا مَا يَلْزَمُ عَلَى كَلَامِهِ مِنْ كَوْنِ الشَّيْءِ رُكْنًا لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ اللَّقْطَ مِنْ أَرْكَانِ اللَّقْطِ.

وَحَاصِلُ الدَّفْعِ أَنَّ الَّذِي جُعِلَ رُكْنًا هُوَ اللَّقْطُ اللُّغَوِيُّ بِمَعْنَى مُطْلَقِ الْأَخْذِ وَالْأَوَّلُ هُوَ اللَّقْطُ الشَّرْعِيُّ وَهُوَ أَخْذُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ الَّذِي لَا كَافِلَ لَهُ مَعْلُومٌ. (قَوْلُهُ: فَرْضُ كِفَايَةٍ) أَيْ حَيْثُ عَلِمَ بِهِ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ وَإِلَّا فَفَرْضُ عَيْنٍ اهـ ز ي. قَالَ ع ش عَلَى م ر: أَيْ وَلَوْ عَلَى فَسَقَةٍ عَلَّمُوهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ الِالْتِقَاطُ وَلَا تَثْبُتُ الْوِلَايَةُ لَهُمْ بِمَعْنَى أَنَّ لِلْغَيْرِ انْتِزَاعَهُ مِنْهُمْ، وَلَعَلَّ سُكُوتَهُمْ عَنْ هَذَا لِعِلْمِهِ مِنْ كَلَامِهِمْ قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ أَحْيَاهَا} [المائدة: ٣٢] الْأَصْلُ فِي الْإِحْيَاءِ إدْخَالُ الرُّوحِ فِي الْجَسَدِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ هُنَا ذَلِكَ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ تَسَبَّبَ فِي دَوَامِ الْحَيَاةِ وَهُوَ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْهَا الْمُؤَدِّي إلَى الْهَلَاكِ وَقَوْلُهُ: {فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: ٣٢] أَيْ بِدَفْعِ الْإِثْمِ عَنْهُمْ فَمَعْنَى الْإِحْيَاءِ الْأَوَّلِ غَيْرُ مَعْنَى الْإِحْيَاءِ الثَّانِي اهـ ع ش. فَدَلَّتْ الْآيَةُ عَلَى كَوْنِهِ فَرْضَ كِفَايَةٍ بِاللَّازِمِ (قَوْلُهُ: كَالنِّكَاحِ وَالْوَطْءِ) أَيْ لَمْ يُوجِبُوا الْوَطْءَ فِي النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ تَمِيلُ إلَيْهِ فَاسْتَغْنَى بِذَلِكَ عَنْ الْوُجُوبِ أَوْ يُقَالُ لَمَّا كَانَ الْمُغَلَّبُ فِي النِّكَاحِ مَعْنَى الْوَطْءِ وَالنَّفْسُ تَمِيلُ إلَيْهِ لَمْ يُوجِبُوا النِّكَاحَ أَيْ الْعَقْدَ اسْتِغْنَاءً عَنْهُ بِمَيْلِ النَّفْسِ إلَيْهِ اهـ ز ي.

(قَوْلُهُ: وَيَجِبُ إشْهَادٌ عَلَيْهِ) أَيْ لِرَجُلَيْنِ وَلَوْ مَسْتُورَيْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>