للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَا جُهِلَ مَعْنَاهُ لَا يَصِحُّ قَصْدُهُ ثُمَّ قَصْدُ الْمَعْنَى إنَّمَا يُعْتَبَرُ ظَاهِرًا عِنْدَ عُرُوضِ مَا يَصْرِفُ الطَّلَاقَ عَنْ مَعْنَاهُ لَا مُطْلَقًا كَمَا يُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِي: كَغَيْرِهِ (وَلَا يُصَدَّقُ ظَاهِرًا) فِي دَعْوَاهُ مَا يَمْنَعُ الطَّلَاقَ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ (إلَّا بِقَرِينَةٍ كَقَوْلِهِ: لِمَنْ اسْمُهَا طَالِقٌ يَا طَالِقُ، وَلَمْ يَقْصِدْ طَلَاقًا) فَلَا تَطْلُقُ حَمْلًا عَلَى النِّدَاءِ لِقُرْبِهِ، فَإِنْ قَصَدَ الطَّلَاقَ طَلُقَتْ (وَ) كَقَوْلِهِ: (لِمَنْ اسْمُهَا طَارِقٌ) أَوْ طَالِبٌ أَوْ طَالِعٌ (يَا طَالِقُ، وَقَالَ: أَرَدْت نِدَاءً فَالْتَفَّ الْحَرْفُ) فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ فَلَا تَطْلُقُ؛ لِظُهُورِ الْقَرِينَةِ، فَإِنْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ طَلُقَتْ، وَكَقَوْلِهِ: طَلَّقَتْك، ثُمَّ قَالَ: سَبَقَ لِسَانِي، وَإِنَّمَا أَرَدْت طَلَبْتُك

. (وَلَوْ خَاطَبَهَا بِطَلَاقٍ) مَثَلًا (هَازِلًا) بِأَنْ قَصَدَ اللَّفْظَ دُونَ مَعْنَاهُ (أَوْ لَاعِبًا) بِأَنْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا كَأَنْ تَقُولَ لَهُ فِي مَعْرِضِ الِاسْتِهْزَاءِ أَوْ الدَّلَالِ: طَلِّقْنِي. فَيَقُولُ: طَلَّقْتُك (أَوْ ظَنَّهَا أَجْنَبِيَّةً) لِكَوْنِهَا فِي ظُلْمَةٍ، أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، أَوْ زَوَّجَهَا لَهُ وَلِيُّهُ، أَوْ وَكِيلُهُ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ أَوْ نَحْوَهَا (وَقَعَ) الطَّلَاقُ لِقَصْدِهِ إيَّاهُ، وَإِيقَاعِهِ فِي مَحَلِّهِ، وَفِي الْحَدِيثِ: «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ الطَّلَاقُ وَالنِّكَاحُ وَالرَّجْعَةُ» وَقِيسَ بِالثَّلَاثِ غَيْرُهَا مِنْ سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ، وَإِنَّمَا خُصَّتْ بِالذِّكْرِ لِتَعَلُّقِهَا بِالْأَبْضَاعِ الْمُخْتَصَّةِ بِمَزِيدِ الِاعْتِنَاءِ، وَلَا يُدَيَّنُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصْرِفْ اللَّفْظَ إلَى غَيْرِ مَعْنَاهُ

(فَصْلٌ) فِي تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ لِلزَّوْجَةِ. وَالْأَصْلُ فِيهِ الْإِجْمَاعُ وَاحْتَجُّوا لَهُ أَيْضًا بِأَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيَّرَ نِسَاءَهُ بَيْنَ الْمُقَامِ مَعَهُ، وَبَيْنَ مُفَارَقَتِهِ لَمَّا نَزَلَ: قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [الأحزاب: ٢٨] »

ــ

[حاشية البجيرمي]

بِهَذِهِ الْإِرَادَةِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: وَإِنْ نَوَاهُ.

(قَوْلُهُ: وَمَا جَهِلَ مَعْنَاهُ) حَقُّ الْعِبَارَةِ وَالْمَعْنَى الْمَجْهُولُ لَا يَصِحُّ قَصْدُهُ. (قَوْلُهُ: إنَّمَا يُعْتَبَرُ ظَاهِرًا) أَيْ: حَتَّى لَا يَقَعَ ظَاهِرًا عِنْدَ عُرُوضِ مَا يَصْرِفُ الطَّلَاقَ عَنْ مَعْنَاهُ، لِأَنَّ الصَّرِيحَ يَقْبَلُ الصَّرْفَ أَيْ: وَأَمَّا عِنْدَ عَدَمِ ذَلِكَ فَلَا يُعْتَبَرُ فَيَحْكُمُ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ ح ل. (قَوْلُهُ: أَيْضًا إنَّمَا يُعْتَبَرُ ظَاهِرًا) أَيْ: إنَّمَا يُعْتَبَرُ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ وَالْحُكْمِ بِوُقُوعِهِ ظَاهِرًا، وَهَذَا الْقَيْدُ لَا مَفْهُومَ لَهُ، بَلْ قَصْدُ الْمَعْنَى عِنْدَ وُجُودِ الصَّارِفِ شَرْطٌ لِلْحُكْمِ بِوُقُوعِهِ ظَاهِرًا أَوْ بَاطِنًا بِأَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهُ وَقَعَ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ، وَإِنْ كَانَ هُوَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ يُوَكَّلُ لِدِينِهِ أَيْ: يَعْمَلُ بِقَصْدِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: ظَاهِرًا إلَخْ) أَمَّا بَاطِنًا فَيُصَدَّقُ مُطْلَقًا شَرْحُ م ر أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ قَرِينَةً أَمْ لَا ع ش. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُطَلِّقَ إذَا ادَّعَى أَنَّهُ أَرَادَ شَيْئًا يُنَافِي الطَّلَاقَ، فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ قَرِينَةٌ تُسَاعِدُهُ عَلَى دَعْوَاهُ صُدِّقَ فِي الظَّاهِرِ، وَإِلَّا فَلَا فَفِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ الْقَرِينَةُ كَوْنُهَا مُسَمَّاةً بِطَالِقٍ، وَالْأَمْرُ الَّذِي ادَّعَاهُ مَانِعًا مِنْ الطَّلَاقِ هُوَ نِدَاؤُهَا، وَالْقَرِينَةُ فِي الْمِثَالِ الثَّانِي قُرْبُ مَخْرَجِ اللَّامِ مِنْ الرَّاءِ، وَالْأَمْرُ الَّذِي ادَّعَاهُ مَانِعًا مِنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ الْتِفَافُ الْحَرْفِ أَيْ: انْقِلَابُهُ إلَى الْآخَرِ.

(قَوْلُهُ: لِمَنْ اسْمُهَا طَالِقٌ يَا طَالِقُ) سَوَاءٌ ضَمَّ الْقَافَ أَوْ فَتَحَهَا؛ لِأَنَّ اللَّحْنَ لَا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى خِلَافًا لِضَبْطِ النَّوَوِيِّ لَهُ بِالسُّكُونِ، وَصُورَةُ عَدَمِ طَلَاقِهَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ أَنْ تُوجَدَ التَّسْمِيَةُ بِطَالِقٍ عِنْدَ النِّدَاءِ، فَإِنْ زَالَتْ التَّسْمِيَةُ ضَعُفَتْ الْقَرِينَةُ أَخْذًا مِمَّا قَالُوهُ فِي نِدَاءِ عَبْدِهِ الْمُسَمَّى بِحُرٍّ بِيَا حُرُّ كَمَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ اهـ زي.

(قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ طَلُقَتْ) وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ وَلَمْ يُعْلَمْ مُرَادُهُ حُكِمَ عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ عَمَلًا بِظَاهِرِ الصِّيغَةِ، وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّ مِثْلَهُ فِي هَذَا كُلُّ مَنْ تَلَفَّظَ بِصِيغَةٍ ظَاهِرَةٍ فِي الْوُقُوعِ لَكِنَّهَا تَقْبَلُ الصَّرْفَ بِالْقَرِينَةِ إنْ وُجِدَتْ الْقَرِينَةُ شَرْحُ م ر

. (قَوْلُهُ: هَازِلًا) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر هَازِلًا أَوْ لَاعِبًا بِأَنْ قَصَدَ اللَّفْظَ دُونَ الْمَعْنَى فَيُفِيدُ أَنَّهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ. اهـ ثُمَّ قَالَ: وَلِكَوْنِ اللَّعِبِ أَعَمُّ مُطْلَقًا مِنْ الْهَزْلِ عُرْفًا إذْ الْهَزْلُ يَخْتَصُّ بِالْكَلَامِ عَطَفَهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ رَادَفَهُ لُغَةً كَذَا قَالَهُ الشَّارِحُ. اهـ، وَجَعَلَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَهُمَا تَغَايُرًا فَفَسَّرَ الْهَزْلَ بِأَنْ يَقْصِدَ اللَّفْظَ دُونَ الْمَعْنَى وَاللَّعِبَ بِأَنْ لَا يَقْصِدَ شَيْئًا، وَفِيهِ نَظَرٌ، إذْ قَصْدُ اللَّفْظِ لَا بُدَّ مِنْهُ مُطْلَقًا بِالنِّسْبَةِ لِلْوُقُوعِ بَاطِنًا، وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا: لَوْ قَالَ لَهَا: أَنْت طَالِقٌ، وَقَدْ قَصَدَ لَفْظَ الطَّلَاقِ دُونَ مَعْنَاهُ كَمَا فِي حَالِ الْهَزْلِ وَقَعَ وَلَمْ يَدِنْ فِي قَوْلِهِ: مَا قَصَدْت الْمَعْنَى زي. (قَوْلُهُ: بِأَنْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا) أَيْ: لَكِنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ لِسَانُهُ، وَإِلَّا لَمْ يَقَعْ كَمَا تَقَدَّمَ، وَحِينَئِذٍ يُقَالُ: كَيْفَ يَنْتَفِي الْقَصْدُ مَعَ انْتِفَاءِ سَبْقِ اللِّسَانِ؟ سم، وَعِبَارَةُ طب قَالَ حَجّ: فِيهِ نَظَرٌ إذْ قَصْدُ اللَّفْظِ لَا بُدَّ مِنْهُ مُطْلَقًا بِالنِّسْبَةِ لِلْوُقُوعِ بَاطِنًا، وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ اللَّفْظَ لِذَاتِهِ بَلْ لِمُجَارَاتِهَا بِدَلِيلِ تَمْثِيلِهِ بَعْدُ. (قَوْلُهُ: لِقَصْدِهِ) لَوْ قَالَ: لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْهَزْلِ وَاللَّعِبِ لَيْسَ مِنْ الصَّارِفِ لِلطَّلَاقِ عَنْ مَعْنَاهُ حَتَّى يَحْتَاجَ مَعَهُ إلَى قَصْدِ اللَّفْظِ لِمَعْنَاهُ لَكَانَ أَوْلَى.

(قَوْلُهُ: لِقَصْدِهِ إيَّاهُ) كَيْفَ تَجْتَمِعُ هَذِهِ الْعِلَّةُ مَعَ قَوْلِهِ فِي اللَّعِبِ آنِفًا بِأَنْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا؟ قَالَهُ الشَّيْخُ عَمِيرَةُ، وَيُجَابُ بِأَنَّهُ عِلَّةٌ لِمَا فِيهِ قَصْدٌ، وَقَوْلُهُ: وَإِيقَاعِهِ فِي مَحَلِّهِ عِلَّةٌ لِمَا انْتَفَى فِيهِ ذَلِكَ فَلَا إشْكَالَ سِبْطُ طب. (قَوْلُهُ: جِدُّهُنَّ) بِكَسْرِ الْجِيمِ وَهُوَ قَصْدُ اللَّفْظِ لِمَعْنَاهُ، وَالْهَزْلُ ضِدُّهُ س ل. (قَوْلُهُ: وَلَا يُدَيَّنُ) أَيْ: فِي مَسْأَلَةِ الْهَزْلِ وَاللَّعِبِ وَظَنِّ الْأَجْنَبِيَّةِ س ل، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَقَعَ الطَّلَاقُ أَيْ: لَا يُوَكَّلُ لِدِينِهِ أَيْ: لَا يَعْمَلُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ بِعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ.

[فَصْلٌ فِي تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ لِلزَّوْجَةِ]

وَمِثْلُهُ تَفْوِيضُ الْعِتْقِ لِلْقِنِّ شَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ: الْإِجْمَاعُ) قَدَّمَهُ عَلَى الْحَدِيثِ عَلَى خِلَافِ عَادَتِهِ؛ لِأَنَّهُ سَالِمٌ مِنْ الِاعْتِرَاضِ بِخِلَافِ الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ مُعْتَرَضٌ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>