للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(أَوْ ارْتَدَّ حُدَّ) قَاذِفُهُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الزِّنَا مَثَلًا يُكْتَمُ مَا أَمْكَنَ فَظُهُورُهُ يَدُلُّ عَلَى سَبْقِ مِثْلِهِ غَالِبًا وَالرِّدَّةُ عَقِيدَةٌ وَالْعَقِيدَةُ لَا تَخْفَى غَالِبًا فَإِظْهَارُهَا لَا يَدُلُّ عَلَى سَبْقِ الْإِخْفَاءِ غَالِبًا وَتَعْبِيرِي بِفَعَلَ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِزَنَى.

(وَيَرِثُ مُوجَبَ قَذْفٍ) بِفَتْحِ الْجِيمِ مِنْ حَدٍّ وَتَعْزِيرٍ (كُلُّ الْوَرَثَةِ) حَتَّى الزَّوْجَانِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقُّ آدَمِيٍّ لِتَوَقُّفِ اسْتِيفَائِهِ عَلَى مُطَالَبَةِ الْآدَمِيِّ بِهِ، وَحَقُّ الْآدَمِيِّ شَأْنُهُ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ الْمَقْذُوفُ رَقِيقًا وَمَاتَ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ التَّعْزِيرِ اسْتَوْفَاهُ سَيِّدُهُ (وَيَسْقُطُ بِعَفْوٍ) عَنْهُ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ الْمَقْذُوفِ بِأَنْ قَذَفَ حَيًّا ثُمَّ عَفَا قَبْلَ مَوْتِهِ، وَبِإِرْثِ الْقَاذِفِ لَهُ (وَلَوْ عَفَا بَعْضُهُمْ) عَنْهُ أَوْ عَنْ بَعْضِهِ (فَلِلْبَاقِي كُلُّهُ) أَيْ: اسْتِيفَاءُ كُلِّهِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ ثَبَتَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ كَوِلَايَةِ التَّزْوِيجِ وَحَقِّ الشُّفْعَةِ، وَفَارَقَ الْقَوَدُ حَيْثُ يَسْقُطُ كُلُّهُ بِعَفْوِ بَعْضِهِمْ بِأَنَّ لِلْقَوَدِ بَدَلًا يُعْدَلُ إلَيْهِ وَهُوَ الدِّيَةُ بِخِلَافِ مُوجَبِ الْقَذْفِ وَلِأَنَّ مُوجَبَهُ ثَبَتَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ بَدَلًا، وَالْقَوَدَ ثَبَتَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ مُبَعَّضًا وَلِذَلِكَ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّ لِبَعْضِهِمْ أَنْ يَنْفَرِدَ بِطَلَبِهِ الْكُلَّ وَاسْتِيفَائِهِ سَوَاءٌ أَحَضَرَ الْبَاقُونَ وَكَمَّلُوا أَمْ لَا، وَتَعْبِيرِي بِالْمُوجَبِ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالْحَدِّ.

(فَصْلٌ) فِي قَذْفِ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ (لَهُ قَذْفُ زَوْجَةٍ) لَهُ (عَلِمَ زِنَاهَا) بِأَنْ رَآهُ بِعَيْنِهِ (أَوْ ظَنَّهُ) ظَنًّا (مُؤَكَّدًا كَشِيَاعِ زِنَاهَا بِزَيْدٍ مَعَ قَرِينَةٍ كَأَنْ رَآهُمَا بِخَلْوَةٍ) أَوْ رَآهَا تَخْرُجُ مِنْ عِنْدِهِ، فَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ الشِّيَاعِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُشِيعُهُ عَدُوٌّ لَهَا أَوْ لَهُ أَوْ مَنْ طَمِعَ فِيهَا فَلَمْ يَظْفَرْ بِشَيْءٍ وَلَا مُجَرَّدُ الْقَرِينَةِ كَالْقَرِينَةِ الْمَذْكُورَةِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا دَخَلَ بَيْتَهَا لِخَوْفٍ أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ طَمَعٍ

ــ

[حاشية البجيرمي]

بِالنِّسْبَةِ لِلْعُقُوبَاتِ الْأُخْرَوِيَّةِ وَكَلَامُنَا فِي الْخَلَلِ الدُّنْيَوِيِّ م ر وَع ش مُلَخَّصًا.

. (قَوْلُهُ: أَوْ ارْتَدَّ) أَيْ: بَعْدَ الْقَذْفِ وَقَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ أَيْ: بَيْنَ مَا إذَا قَذَفَهُ ثُمَّ زَنَى مَثَلًا فَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ وَبَيْنَ مَا إذَا قَذَفَهُ ثُمَّ ارْتَدَّ الْمَقْذُوفُ فَيُحَدُّ قَاذِفُهُ وَقَوْلُهُ: مَثَلًا أَيْ: أَوْ وَطِئَ الْمَحْرَمُ لِلْمَمْلُوكَةِ أَوْ دُبُرِ حَلِيلَتِهِ. (قَوْلُهُ: فَإِظْهَارُهَا لَا يَدُلُّ إلَخْ) أَيْ: وَلَوْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يُحَدَّ قَاذِفُهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مُرْتَدًّا حَالَ الْقَذْفِ فَلَا يَكُونُ مُحْصَنًا.

. (قَوْلُهُ: كُلُّ الْوَرَثَةِ) أَيْ: عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَرِثُهُ وَإِلَّا لَتَعَدَّدَ الْحَدُّ بِتَعَدُّدِ الْوَرَثَةِ ز ي قَالَ م ر: وَمِنْ الْوَرَثَةِ بَيْتُ الْمَالِ فِيمَنْ لَا وَارِثَ لَهُ خَاصٌّ. (قَوْلُهُ: حَتَّى الزَّوْجَانِ) الْغَايَةُ لِلرَّدِّ قَالَ الشَّوْبَرِيُّ نَقْلًا عَنْ م ر: نَعَمْ قَذْفُ الْمَيِّتِ لَا يَرِثُهُ الزَّوْجُ أَوْ الزَّوْجَةُ عَلَى الْأَوْجَهِ لِانْقِطَاعِ الْوَصْلَةِ بَيْنَهُمَا وَلَا يُنَافِيهِ تَصْرِيحُهُمْ بِبَقَاءِ آثَارِ النِّكَاحِ بَعْدَ الْمَوْتِ لِضَعْفِهَا عَنْ شُمُولِ سَائِرِ مَا كَانَ قَبْلَهُ شَرْحُ شَيْخِنَا وحج كَالشَّارِحِ وَانْظُرْ مَا مَعْنَى إرْثِ غَيْرِ الزَّوْجِ أَوْ الزَّوْجَةِ لِحَدِّ قَذْفِ الْمَيِّتِ هَلْ يُقَدَّرُ ثُبُوتُهُ لِلْمَيِّتِ ثُمَّ انْتِقَالُهُ لِلْوَارِثِ الْآنَ أَوْ كَيْفَ الْحَالُ؟ شَوْبَرِيٌّ وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ يُقَدَّرُ ثُبُوتُهُ لِلْمَيِّتِ أَوَّلًا ثُمَّ انْتِقَالُهُ لِلْوَرَثَةِ وَعَلَيْهِ يَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ تَجَدَّدَ لِلْمَيِّتِ قَرَابَةٌ بَعْدَ الْمَوْتِ وَفُرِضَ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ الْآنَ وَرِثُوهُ لَا يَثْبُتُ لَهُمْ شَيْءٌ فِي الْحَدِّ؛ لِأَنَّهُ حَيْثُ قُدِّرَ انْتِقَالُهُ لِلْوَرَثَةِ تَعَيَّنَ حَصْرُ الْإِرْثِ فِيمَنْ كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ الْمَوْتِ اهـ. ع ش. (قَوْلُهُ: شَأْنُهُ ذَلِكَ) أَيْ: يَرِثُهُ كُلُّ الْوَرَثَةِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ الْمَقْذُوفُ رَقِيقًا) هُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا لَوْ كَانَ رَقِيقًا كُلَّهُ فَلَوْ كَانَ مُبَعَّضًا فَلَا حَدَّ لِقَاذِفِهِ لِانْتِفَاءِ الْحُرِّيَّةِ الْكَامِلَةِ وَلَكِنْ يُعَزَّرُ وَهَلْ تَعْزِيرُهُ لِلْوَرَثَةِ مَعَ السَّيِّدِ أَوْ لِلْحَاكِمِ؟ فِيهِ نَظَرٌ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي الثَّانِي فَيَكُونُ الْحَاكِمُ نَائِبًا فِي الِاسْتِيفَاءِ عَنْ الْوَرَثَةِ وَالسَّيِّدِ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: اسْتَوْفَاهُ سَيِّدُهُ) وَلَوْ قَذَفَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ فَلِلْعَبْدِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِالتَّعْزِيرِ فَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ سَقَطَ عَنْ السَّيِّدِ لِإِرْثِهِ لَهُ وَهُوَ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَى نَفْسِهِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ وَقَوْلُهُ: لِإِرْثِهِ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ لِانْتِقَالِهِ لَهُ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يُورَثُ.

(قَوْلُهُ: وَيَسْقُطُ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِحَقِّهِمْ لَا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَسْقُطُ فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ ح ل وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَيَسْقُطُ بِعَفْوٍ أَيْ: عَنْ كُلِّهِ فَلَوْ عَفَا عَنْ بَعْضِ الْحَدِّ لَمْ يَسْقُطْ شَيْءٌ مِنْهُ وَلَا يُخَالِفُ سُقُوطُ التَّعْزِيرِ بِالْعَفْوِ مَا فِي بَابِهِ أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ؛ لِأَنَّ السَّاقِطَ حَقُّ الْآدَمِيِّ وَاَلَّذِي يَسْتَوْفِيهِ الْإِمَامُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لِلْمَصْلَحَةِ. (قَوْلُهُ: أَوْ عَنْ بَعْضِهِ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الْبَعْضِ يُسْقِطُ حَقَّ الْعَافِي وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ وَعِبَارَةُ ع ش قَوْلُهُ: فَلِلْمُعَافَى كُلُّهُ أَيْ: كَمَا أَنَّ لِلْعَافِي إذَا عَفَا عَنْ الْبَعْضِ الْعَوْدَ وَاسْتِيفَاءَ حَقِّهِ بِكَمَالِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَفَا عَنْ الْبَعْضِ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْهُ وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ قَوْلُهُ: فَلِلْعَافِي أَيْ: وَلَوْ وَاحِدًا وَلَوْ أَقَلَّهُمْ نَصِيبًا. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ مُوجَبَهُ) أَيْ: الْقَذْفِ وَقَوْلُهُ: بَدَلًا أَيْ: عَنْ الْآخَرِ بِمَعْنَى أَنَّ لِكُلٍّ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ، وَقَوْلُهُ مُبَعَّضًا أَيْ: مُجَزَّأً كَثُلُثٍ وَرُبُعٍ مَثَلًا وَقَوْلُهُ: بِأَنَّ لِبَعْضِهِمْ أَيْ: فِي الْقَذْفِ. .

[فَصْلٌ فِي قَذْفِ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ]

أَيْ: فِي حُكْمِهِ مِنْ الْجَوَازِ وَالْوُجُوبِ وَالِامْتِنَاعِ شَيْخُنَا وَالْوُجُوبُ عُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ صَرِيحًا إنْ جُعِلَ قَوْلُهُ: مَعَ قَذْفٍ وَلِعَانِ رَاجِعًا لِلُّزُومِ وَالنَّفْيِ أَيْضًا، وَضِمْنًا إنْ جُعِلَ رَاجِعًا لِحُرْمَةِ النَّفْيِ فَقَطْ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ حَيْثُ قَالَ فَيَحْرُمَانِ وَلَمْ يَقُلْ فَيَلْزَمَانِ وَيَحْرُمَانِ إلَّا أَنْ يُقَالَ اسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِ اللُّزُومِ بِذِكْرِهِ سَابِقًا بِقَوْلِهِ فَيَلْزَمَانِهِ أَيْضًا فَيَكُونُ أَخْذُهُ مِنْ هَذَا كَمَا هُوَ عَادَتُهُ. (قَوْلُهُ: قَذْفُ زَوْجَةٍ) لَمْ يَقُلْ زَوْجَتِهِ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ مَعْرِفَةٌ، وَالْمَعَارِفَ لَا تُوصَفُ بِالْجُمَلِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ ع ن قَالَ ابْنُ مَالِكٍ:

وَنَعَتُوا بِجُمْلَةٍ مُنَكَّرَا

إلَخْ.

(قَوْلُهُ: بِأَنْ رَآهُ) أَيْ: رَأَى مَا يُحَصِّلُهُ وَهُوَ الذَّكَرُ فِي الْفَرْجِ لِأَنَّ الزِّنَا مَعْنًى لَا يُرَى وَلَيْسَتْ الْبَاءُ لِلْحَصْرِ بَلْ بِمَعْنَى الْكَافِ لِأَنَّ مِثْلَ الرُّؤْيَةِ إخْبَارُ عَدَدِ التَّوَاتُرِ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ الْعِلْمَ أَيْضًا شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: كَشِيَاعِ زِنَاهَا) أَيْ: كَالظَّنِّ الْمُسْتَفَادِ مِنْ الشِّيَاعِ فَالشِّيَاعُ مِثَالٌ لِمَا يُسْتَفَادُ مِنْهُ الظَّنُّ لَا لِلظَّنِّ شَيْخُنَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>