للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[دَرْس] (كِتَابُ الْبُغَاةِ)

جَمْعُ بَاغٍ سُمُّوا بِذَلِكَ لِمُجَاوَزَتِهِمْ الْحَدَّ. وَالْأَصْلُ فِيهِ آيَةُ {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [الحجرات: ٩] وَلَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ الْخُرُوجُ عَلَى الْإِمَامِ صَرِيحًا لَكِنَّهَا تَشْمَلُهُ لِعُمُومِهَا أَوْ تَقْتَضِيهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا طَلَبَ الْقِتَالَ لِبَغْيِ طَائِفَةٍ عَلَى طَائِفَةٍ فَلِلْبَغْيِ عَلَى الْإِمَامِ أَوْلَى (هُمْ) مُسْلِمُونَ (مُخَالِفُو إمَامٍ) وَلَوْ جَائِرًا بِأَنْ خَرَجُوا عَنْ طَاعَتِهِ بِعَدَمِ انْقِيَادِهِمْ لَهُ أَوْ مَنْعِ حَقٍّ تَوَجَّهَ عَلَيْهِمْ كَزَكَاةٍ (بِتَأْوِيلٍ) لَهُمْ فِي ذَلِكَ (بَاطِلٍ ظَنًّا وَشَوْكَةً لَهُمْ) وَهِيَ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِمُطَاعٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إمَامًا لَهُمْ (وَيَجِبُ قِتَالُهُمْ) لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَيْهِ وَهَذَا مَعَ قَوْلِي بَاطِلٍ ظَنًّا مِنْ زِيَادَتِي.

وَلَيْسُوا فَسَقَةً؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا خَالَفُوا بِتَأْوِيلٍ جَائِزٍ بِاعْتِقَادِهِمْ لَكِنَّهُمْ مُخْطِئُونَ فِيهِ كَتَأْوِيلِ الْخَارِجِينَ عَلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَنَّهُ يَعْرِفُ قَتَلَةَ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَيَقْدِرُ عَلَيْهِمْ وَلَا يَقْتَصُّ مِنْهُمْ لِمُوَاطَأَتِهِ إيَّاهُمْ وَتَأْوِيلُ بَعْضِ مَانِعِي الزَّكَاةِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَنَّهُمْ لَا يَدْفَعُونَ الزَّكَاةَ إلَّا لِمَنْ صَلَاتُهُ سَكَنٌ لَهُمْ وَهُوَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَنْ فُقِدَتْ فِيهِ الشُّرُوطُ الْمَذْكُورَةُ بِأَنْ خَرَجُوا بِلَا تَأْوِيلٍ كَمَانِعِي حَقِّ الشَّرْعِ كَالزَّكَاةِ عِنَادًا أَوْ بِتَأْوِيلٍ يُقْطَعُ بِبُطْلَانِهِ كَتَأْوِيلِ الْمُرْتَدِّينَ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شَوْكَةٌ بِأَنْ كَانُوا أَفْرَادًا يَسْهُلُ الظَّفَرُ بِهِمْ أَوْ لَيْسَ فِيهِمْ مُطَاعٌ فَلَيْسُوا بُغَاةً لِانْتِفَاءِ حُرْمَتِهِمْ فَيَتَرَتَّبُ عَلَى أَفْعَالِهِمْ مُقْتَضَاهُ عَلَى تَفْصِيلٍ فِي ذِي الشَّوْكَةِ يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي حَتَّى لَوْ تَأَوَّلُوا بِلَا شَوْكَةٍ وَأَتْلَفُوا شَيْئًا ضَمِنُوهُ مُطْلَقًا كَقَاطِعِ طَرِيقٍ.

ــ

[حاشية البجيرمي]

[كِتَابُ الْبُغَاةِ]

ِ) أَيْ وَسَيَذْكُرُ مَعَهُمْ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الْخَوَارِجِ وَالْكَلَامِ عَلَى شُرُوطِ الْإِمَامِ وَبَيَانِ طُرُقِ انْعِقَادِ الْإِمَامَةِ (قَوْلُهُ: جَمْعُ بَاغٍ) مِنْ الْبَغْيِ وَهُوَ لُغَةً مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ وَمِنْهُ سُمِّيَتْ الزَّانِيَةُ بَغِيَّةً سم (قَوْلُهُ: لِمُجَاوَزَتِهِمْ الْحَدَّ) أَيْ مَا حَدَّهُ اللَّهُ تَعَالَى وَشَرَعَهُ مِنْ الْأَحْكَامِ لِخُرُوجِهِمْ عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِمْ (قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ فِيهِ) أَيْ فِي كِتَابِ الْبُغَاةِ أَيْ فِي الْأَحْكَامِ الْآتِيَةِ فِيهِ يَعْنِي فِي الْجُمْلَةِ وَإِلَّا فَالْآيَةُ لَا تُثْبِتُ كُلَّ الْأَحْكَامِ الْآتِيَةِ قَالَ ع ش وَلَعَلَّ الْحِكْمَةَ فِي جَعْلِهِ عَقِبَ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ كَالِاسْتِثْنَاءِ مِنْ كَوْنِ الْقَتْلِ مُضَمَّنًا. قَوْلُهُ: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ} [الحجرات: ٩] إلَخْ وَمَعْنَى {فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: ٩] الْأَوَّلُ إبْدَاءُ الْوَعْظِ وَالنَّصِيحَةِ وَالدُّعَاءِ لِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا قَالَهُ الْبَيْضَاوِيُّ وَالثَّانِي الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا بِالْقَضَاءِ الْعَدْلِ فِيمَا كَانَ بَيْنَهُمَا عَمِيرَةُ سم.

(قَوْلُهُ: اقْتَتَلُوا) لَمْ يَقُلْ اقْتَتَلَتَا بَلْ جَمَعَ مُرَاعَاةً لِأَفْرَادِ الطَّائِفَتَيْنِ (قَوْلُهُ: أَوْ تَقْتَضِيهِ) أَيْ تَسْتَلْزِمُهُ وَمَنْشَأُ هَذَا التَّرْدِيدِ الْخِلَافُ فِي عُمُومِ النَّكِرَةِ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ فَإِنْ قُلْنَا تَعُمُّ شَمِلَتْهُ الْآيَةُ، وَإِنْ قُلْنَا لَا تَعُمُّ اسْتَلْزَمَتْهُ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ الْأَوْلَى وَشُمُولُ الْآيَةِ لِلْإِمَامِ بِالنَّظَرِ لَهُ مَعَ جَيْشِهِ وَقِيلَ إنَّ الطَّائِفَةَ تُطْلَقُ عَلَى الْوَاحِدِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ جَائِرًا) فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ يَحْرُمُ الْخُرُوجُ عَلَى الْإِمَامِ الْجَائِرِ إجْمَاعًا. وَيُجَابُ عَنْ خُرُوجِ الْحُسَيْنِ عَلَى يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَعَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ وَنَحْوِهِمَا بِأَنَّ الْمُرَادَ إجْمَاعُ الطَّبَقَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ عَنْ التَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ حَجّ ز ي وح ل (قَوْلُهُ: وَشَوْكَةٍ لَهُمْ) بِقُوَّةٍ وَكَثْرَةٍ وَلَوْ بِحِصْنٍ اسْتَوْلَوْا بِسَبَبِهِ عَلَى نَاحِيَةٍ وَكَانَتْ قُوَّتُهُمْ بِحَيْثُ يُمْكِنُ مَعَهَا مُقَاوَمَةُ الْإِمَامِ وَيَحْتَاجُ إلَى كُلْفَةٍ مِنْ بَذْلِ مَالٍ وَإِعْدَادِ رِجَالٍ وَنَصْبِ قِتَالٍ لِيَرُدَّهُمْ إلَى الطَّاعَةِ ز ي.

(قَوْلُهُ: وَهِيَ لَا تَحْصُلُ إلَخْ) أَيْ فَذِكْرُهَا يُغْنِي عَنْ ذِكْرِ الَّذِي سَلَكَهُ الْأَصْلُ قَالَ الشَّوْبَرِيُّ أَيْ الشَّوْكَةُ الَّتِي لَا يَتَحَقَّقُ الْبَغْيُ بِدُونِهَا لَا بُدَّ لَهَا مِنْ مُطَاعٍ وَأَمَّا أَصْلُ الشَّوْكَةِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مُطَاعٍ، وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَالْمِنْهَاجِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَخْ) غَايَةٌ لِلرَّدِّ (قَوْلُهُ: وَيَجِبُ قِتَالُهُمْ) نَعَمْ لَوْ مَنَعُوا الزَّكَاةَ وَقَالُوا: نُفَرِّقُهَا فِي أَهْلِ السُّهْمَانِ مِنَّا لَمْ يَجِبْ قِتَالُهُمْ وَإِنَّمَا يُبَاحُ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: وَلَيْسُوا فَسَقَةً) وَإِنْ كَانُوا عُصَاةً؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْعِصْيَانِ الْفِسْقُ وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ بِذَمِّهِمْ وَفِسْقِهِمْ فَمَحْمُولَةٌ عَلَى مَنْ لَا تَأْوِيلَ لَهُ، أَوْ قُطِعَ بِفَسَادِ تَأْوِيلِهِ ح ل (قَوْلُهُ: لِمُوَاطَأَتِهِ إيَّاهُمْ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر لِمُوَاطَأَتِهِ إيَّاهُمْ عَلَى مَا قِيلَ وَالْوَجْهُ أَخْذًا مِنْ سَيْرِهِمْ فِي ذَلِكَ أَيْ فِي التَّأْوِيلِ أَنَّ رَمْيَهُ بِالْمُوَاطَأَةِ الْمَمْنُوعَةِ لَمْ يَصْدُرْ مِمَّنْ يُعْتَدُّ بِهِ مِنْ الْخَارِجِينَ؛ لِأَنَّهُ بَرِيءٌ مِنْ ذَلِكَ اهـ. أَيْ فَلَا يَكُونُ مُسْتَنَدُهُمْ الْمُوَاطَأَةَ؛ لِأَنَّ هَذَا تَأْوِيلٌ بَاطِلٌ قَطْعًا وَالْمُصَنِّفُ قَالَ بِتَأْوِيلٍ بَاطِلٍ ظَنًّا أَيْ عِنْدَنَا، وَإِلَّا فَهُوَ صَحِيحٌ عِنْدَهُمْ. وَقَدْ جَاءَ عَنْ عَلِيٍّ إنَّ بَنِي أُمَيَّةَ يَزْعُمُونَ أَنِّي قَتَلْتُ عُثْمَانَ وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ مَا قَتَلْت وَلَا مَالَأْتُ وَلَقَدْ نَهَيْتُ فَعَصَوْنِي اهـ. ح ل (قَوْلُهُ: سَكَنٌ لَهُمْ) أَيْ تَسْكُنُ لَهَا نُفُوسُهُمْ وَتَطْمَئِنُّ بِهَا قُلُوبُهُمْ اهـ. بَيْضَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: فَمَنْ فُقِدَتْ إلَخْ) لَعَلَّ الْأَنْسَبَ تَقْدِيمُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ الْمَتْنِ وَيَجِبُ قِتَالُهُمْ.

(قَوْلُهُ: كَتَأْوِيلِ الْمُرْتَدِّينَ) أَيْ تَأْوِيلِهِمْ بِأَمْرٍ يُسَوِّغُ لَهُمْ الرِّدَّةَ فِي اعْتِقَادِهِمْ بِأَنْ يَقُولُوا لَا نُؤْمِنُ بِالْمُصْطَفَى إلَّا فِي حَيَاتِهِ وَأَمَّا بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْنَا الْإِيمَانُ بِهِ فَهَذَا يُقْطَعُ بِبُطْلَانِهِ اهـ. شَيْخُنَا قَالَ سم وَفِيهِ أَيْ التَّمْثِيلِ الْمَذْكُورِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ اعْتَبَرَ فِي الْمَحْدُودِ الْإِسْلَامَ وَأَخَذَهُ جِنْسًا وَإِذَا لَمْ يَشْمَلْهُ الْجِنْسُ فَلَا يَصِحُّ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ بِفُصُولِ التَّعْرِيفِ عَمِيرَةُ. وَأَجَابَ الْبِرْمَاوِيُّ عَنْهُ بِأَنَّ قَوْلَهُ سَابِقًا مُسْلِمُونَ أَيْ وَلَوْ فِيمَا مَضَى فَدَخَلَ مَنْ ارْتَدَّ بَعْدَ إسْلَامِهِ بِشُبْهَةٍ (قَوْلُهُ: فَيَتَرَتَّبُ عَلَى أَفْعَالِهِمْ مُقْتَضَاهَا) فَلَا يُنَفَّذُ حُكْمُهُمْ وَلَا يُعْتَدُّ بِحَقٍّ اسْتَوْفَوْهُ وَيَضْمَنُونَ مَا أَتْلَفُوهُ مُطْلَقًا أَيْ فِي حَالِ الْحَرْبِ أَوْ لَا كَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ ز ي (قَوْلُهُ: عَلَى تَفْصِيلٍ إلَخْ) وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ مُسْلِمًا هُدِرَ مَا أَتْلَفَهُ إنْ كَانَ لِضَرُورَةِ حَرْبٍ أَوْ مُرْتَدًّا ضَمِنَ مُطْلَقًا عَلَى طَرِيقَتِهِ (قَوْلُهُ: مِمَّا يَأْتِي) أَيْ فِي قَوْلِهِ كَذِي شَوْكَةٍ مُسْلِمٍ بِلَا تَأْوِيلٍ (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ وَقْتَ الْحَرْبِ أَوْ غَيْرِهِ ع ش

<<  <  ج: ص:  >  >>