للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَتَجِبُ اسْتِتَابَةُ مُرْتَدٍّ) ذَكَرًا أَوْ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُحْتَرَمًا بِالْإِسْلَامِ وَرُبَّمَا عَرَضَتْ لَهُ شُبْهَةٌ فَتَزُولُ وَالِاسْتِتَابَةُ تَكُونُ (حَالًا) ؛ لِأَنَّ قَتْلَهُ الْمُرَتَّبَ عَلَيْهَا حَدٌّ فَلَا يُؤَخَّرُ كَسَائِرِ الْحُدُودِ نَعَمْ إنْ كَانَ سَكْرَانَ سُنَّ التَّأْخِيرُ إلَى الصَّحْوِ (فَإِنْ أَصَرَّ قُتِلَ) لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» (أَوْ أَسْلَمَ صَحَّ) إسْلَامُهُ وَتُرِكَ.

(وَلَوْ) كَانَ (زِنْدِيقًا) أَوْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ لِآيَةِ {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا} [الأنفال: ٣٨] وَخَبَرِ «فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ» وَالزِّنْدِيقُ مَنْ يُخْفِي الْكَفْرَ وَيُظْهِرُ الْإِسْلَامَ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ فِي هَذَا الْبَابِ وَبَابَيْ صِفَةِ الْأَئِمَّةِ وَالْفَرَائِضِ أَوْ مَنْ لَا يَنْتَحِلُ دِينًا كَمَا قَالَاهُ فِي اللِّعَانِ وَصَوَّبَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ ثَمَّ (وَفَرْعُهُ) أَيْ الْمُرْتَدِّ (إنْ انْعَقَدَ قَبْلَهَا) أَيْ الرِّدَّةِ (أَوْ فِيهَا وَأَحَدُ أُصُولِهِ مُسْلِمٌ فَمُسْلِمٌ) تَبَعًا وَالْإِسْلَامُ يَعْلُو (أَوْ) أُصُولُهُ (مُرْتَدُّونَ فَمُرْتَدٌّ) تَبَعًا لَا مُسْلِمٌ وَلَا كَافِرٌ أَصْلِيٌّ فَلَا يُسْتَرَقُّ وَلَا يُقْتَلُ حَتَّى يَبْلُغَ وَيُسْتَتَابَ فَإِنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ. وَاخْتُلِفَ فِي الْمَيِّتِ مِنْ أَوْلَادِ الْكُفَّارِ قَبْلَ بُلُوغِهِ وَالصَّحِيحُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ تَبَعًا لِلْمُحَقِّقَيْنِ أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُمْ فِي النَّارِ، وَقِيلَ عَلَى الْأَعْرَافِ وَلَوْ كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ مُرْتَدًّا وَالْآخَرُ كَافِرًا أَصْلِيًّا فَكَافِرٌ أَصْلِيٌّ قَالَهُ الْبَغَوِيّ

(وَمِلْكُهُ) أَيْ الْمُرْتَدِّ (مَوْقُوفٌ) كَبُضْعِ زَوْجَتِهِ (إنْ مَاتَ مُرْتَدًّا بَانَ زَوَالُهُ بِالرِّدَّةِ) وَإِلَّا فَلَا يَزُولُ (وَيُقْتَضَى مِنْهُ دَيْنٌ لَزِمَهُ قَبْلَهَا) بِإِتْلَافٍ أَوْ غَيْرِهِ (وَ) بَدَلُ (مَا أَتْلَفَهُ فِيهَا) قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ تَعَدَّى بِحَفْرِ بِئْرٍ وَمَاتَ ثُمَّ تَلِفَ بِهَا شَيْءٌ (وَيُمَانُ مِنْهُ مُمَوَّنَهُ) مِنْ نَفْسِهِ وَبَعْضِهِ وَمَالِهِ وَزَوْجَاتِهِ؛ لِأَنَّهَا حُقُوقٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ فَهُوَ أَعَمُّ مِمَّا عَبَّرَ بِهِ (وَتَصَرُّفُهُ إنْ لَمْ يَحْتَمِلُ الْوَقْفَ) بِأَنْ لَمْ يَقْبَلْ التَّعْلِيقَ كَبَيْعٍ وَهِبَةٍ وَرَهْنٍ وَكِتَابَةٍ (بَاطِلٌ) لِعَدَمِ احْتِمَالِهِ الْوَقْفَ.

(وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ احْتَمَلَهُ بِأَنْ قَبِلَ التَّعْلِيقَ كَعِتْقٍ وَتَدْبِيرٍ وَوَصِيَّةٍ (فَمَوْقُوفٌ إنْ أَسْلَمَ نَفَذَ) بِمُعْجَمَةٍ تَبَيَّنَّا وَإِلَّا فَلَا (وَيُجْعَلُ مَالُهُ عِنْدَ عَدْلٍ وَأَمَتُهُ عِنْدَ نَحْوِ مَحْرَمٍ) كَامْرَأَةٍ ثِقَةٍ احْتِيَاطًا وَتَعْبِيرِي بِذَلِكَ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِامْرَأَةٍ ثِقَةٍ (وَيُؤَجَّرُ مَالُهُ) عَقَارًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ صِيَانَةً لَهُ عَنْ الضَّيَاعِ (وَيُؤَدِّي مُكَاتَبُهُ النُّجُومَ لِقَاضٍ) حِفْظًا لَهَا وَيُعْتَقُ بِذَلِكَ وَإِنَّمَا لَمْ يَقْبِضْهَا الْمُرْتَدُّ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَفِي شَرْحِ الرَّوْضِ مَا يُخَالِفُهُ وَعِبَارَتُهُ فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا وُقِفَ الْأَمْرُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ

[وُجُوبُ اسْتِتَابَةُ الْمُرْتَدّ]

(قَوْلُهُ: وَتَجِبُ اسْتِتَابَةُ مُرْتَدٍّ) شُرُوعٌ فِي أَحْكَامِ الرِّدَّةِ بَعْدَ وُقُوعِهَا ز ي فَلَوْ قَتَلَهُ أَحَدٌ قَبْلَ الِاسْتِتَابَةِ عُزِّرَ فَقَطْ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِإِهْدَارِهِ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: حَالًا) وَقِيلَ يُمْهَلُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: وَتُرِكَ) أَيْ مِنْ غَيْرِ قَتْلٍ وَأَتَى بِهِ مَعَ عِلْمِهِ تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدَهُ، وَقَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ زِنْدِيقًا لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ لَا يُقْبَلُ إسْلَامُهُ إنْ ارْتَدَّ إلَى كُفْرٍ خَفِيٍّ كَمَا فِي م ر (قَوْلُهُ: أَوْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ) وَيُعَزَّرُ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ وَمَا بَعْدَهَا لَا الْأُولَى س ل (قَوْلُهُ: عَصَمُوا مِنِّي) ظَاهِرُهُ وَإِنْ قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ وِقَايَةً مِنْ الْقَتْلِ (قَوْلُهُ: أَوْ مَنْ لَا يَنْتَحِلُ دِينًا) أَيْ لَا يَنْتَسِبُ إلَى دِينٍ مُعَيَّنٍ فَفِي الْمُخْتَارِ فُلَانٌ يَنْتَحِلُ مَذْهَبَ كَذَا إذَا انْتَسَبَ إلَيْهِ اهـ. (قَوْلُهُ: إنْ انْعَقَدَ) يُتَأَمَّلُ مَا الْمُرَادُ بِالِانْعِقَادِ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُرَادَ بِهِ حُصُولُ الْمَاءِ فِي الرَّحِمِ وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِالْقَرَائِنِ كَمَا لَوْ وَطِئَهَا مَرَّةً وَأَتَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْوَطْءِ فَيُنْظَرُ هَلْ الرِّدَّةُ قَبْلَ الْوَطْءِ فَقَدْ انْعَقَدَ بَعْدَهَا أَوْ بَعْدَهُ فَقَدْ انْعَقَدَ قَبْلَهَا؟ وَيَبْقَى الْكَلَامُ فِيمَا إذَا حَصَلَ وَطْءٌ قَبْلَ الرِّدَّةِ وَوَطْءٌ بَعْدَهَا وَاحْتُمِلَ الِانْعِقَادُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا وَلَمْ يَكُنْ فِي آبَائِهِ مُسْلِمٌ اهـ. سم عَلَى حَجّ.

(قَوْلُهُ: وَأَحَدِ أُصُولِهِ) وَإِنْ بَعُدَ شَرْحُ م ر أَيْ حَيْثُ يُعَدُّ مَنْسُوبًا إلَيْهِ ع ش (قَوْلُهُ: وَيُسْتَتَابُ) أَيْ بِالنُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ (قَوْلُهُ: وَاخْتُلِفَ إلَخْ) مُقَابِلٌ لِمَحْذُوفٍ صَرَّحَ بِهِ م ر فَقَالَ هَذَا كُلُّهُ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا أَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَكُلُّ مَنْ مَاتَ قَبْلَ الْبُلُوغِ مِنْ أَوْلَادِ الْكُفَّارِ الْأَصْلِيِّينَ أَوْ الْمُرْتَدِّينَ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ عَلَى الْأَصَحِّ اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْلَادِ الْكُفَّارِ) أَيْ الْأَصْلِيِّينَ أَوْ الْمُرْتَدِّينَ ح ل وَالْمُرَادُ كُفَّارُ هَذِهِ الْأُمَّةِ كَمَا نَقَلَهُ الشَّوْبَرِيُّ وَصَرَّحَ بِهِ الْمُنَاوِيُّ.

(قَوْلُهُ: فِي الْجَنَّةِ) أَيْ مُسْتَقِلُّونَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ عَلَى الْأَعْرَافِ) هُوَ مَكَانٌ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ع ش وَاَلَّذِي ارْتَضَاهُ الْجَلَالُ أَنَّ الْأَعْرَافَ سُوَرُ الْجَنَّةِ أَيْ حَائِطُهَا الْمُحِيطُ بِهَا وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِكَلَامِ الشَّارِحِ حَيْثُ قَالَ عَلَى الْأَعْرَافِ وَلَمْ يَقُلْ فِي الْأَعْرَافِ وَقَالَ تَعَالَى {وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ} [الأعراف: ٤٦] (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ إلَخْ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ مُرْتَدُّونَ

(قَوْلُهُ: وَمِلْكُهُ مَوْقُوفٌ) وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الرِّدَّةِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ ضَرْبِ الْحَاكِمِ عَلَيْهِ خِلَافًا لِمَا اقْتَضَاهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِ وَأَنَّهُ يَكُونُ كَحَجْرِ الْفَلَسِ لِأَجْلِ حَقِّ أَهْلِ الْفَيْءِ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: قِيَاسًا) بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا غَيْرُ مَالِكٍ (قَوْلُهُ: وَيُمَانُ مِنْهُ مُمَوَّنَهُ) أَيْ مُدَّةَ الِاسْتِتَابَةِ شَرْحُ م ر قَالَ ع ش هَذَا ظَاهِرٌ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي وَهُوَ أَنَّهُ يُمْهَلُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَمَّا عَلَى الرَّاجِحِ مِنْ وُجُوبِ الِاسْتِتَابَةِ حَالًا فَلَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْهَلُ حَتَّى يُمَانَ مُمَوَّنَهُ. وَيُجَابُ بِمَا إذَا أُخِّرَ لِعُذْرٍ قَامَ بِالْقَاضِي أَوْ بِالْمُرْتَدِّ كَجُنُونٍ عَرَضَ عَقِبَ الرِّدَّةِ اهـ. بِزِيَادَةٍ (قَوْلُهُ: تَبَيَّنَّا) أَيْ تَبَيَّنَ لَنَا نُفُوذُهُ مِنْ حِينِهِ لَا مِنْ حِينِ الْإِسْلَامِ.

نَعَمْ إنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ لَمْ يَنْفُذْ مُطْلَقًا كَذَا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَقَدْ تَوَهَّمَ الشَّارِحُ أَنَّهُ قَيْدٌ لِلْحُكْمِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ قَيْدٌ لِلْخِلَافِ فَلَا فَرْقَ فِي الْحُكْمِ بَيْنَ حَجْرِ الْحَاكِمِ وَعَدَمِهِ م ر ز ي.

<<  <  ج: ص:  >  >>