للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَمَرَ بِضَرْبِهِ فَمِنَّا مَنْ ضَرَبَهُ بِيَدِهِ وَمِنَّا مَنْ ضَرَبَهُ بِنَعْلِهِ وَمِنَّا مَنْ ضَرَبَهُ بِثَوْبِهِ» وَلَفْظُ الشَّافِعِيِّ «فَضَرَبُوهُ بِالْأَيْدِي وَالنِّعَالِ وَأَطْرَافِ الثِّيَابِ» .

وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَكَالصَّلَاةِ فِي دَارٍ مَغْصُوبَةٍ وَقَضِيَّتُهُ تَحْرِيمُ ذَلِكَ وَبِهِ جَزَمَ الْبَنْدَنِيجِيُّ لَكِنَّ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فِي بَابِ آدَابِ الْقَضَاءِ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ بَلْ يُكْرَهُ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَقَوْلِي وَلَا فِي إلَى آخِرِهِ مِنْ زِيَادَتِي.

(فَصْلٌ) فِي التَّعْزِيرُ مِنْ الْعَزْرِ أَيْ الْمَنْعِ وَهُوَ لُغَةً التَّأْدِيبُ وَشَرْعًا تَأْدِيبٌ عَلَى ذَنْبٍ لَا حَدَّ فِيهِ وَلَا كَفَّارَةَ غَالِبًا.

كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا يَأْتِي. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَةُ {وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} [النساء: ٣٤] وَفِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي صَحِيحِهِ (عُزِّرَ لِمَعْصِيَةٍ لَا حَدَّ فِيهَا وَلَا كَفَّارَةَ) سَوَاءٌ أَكَانَتْ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى أَمْ لِآدَمِيٍّ كَمُبَاشَرَةِ أَجْنَبِيَّةٍ فِي غَيْرِ الْفَرْجِ وَسَبٍّ لَيْسَ بِقَذْفٍ وَتَزْوِيرٍ وَشَهَادَةِ زُورٍ وَضَرْبٍ بِغَيْرِ حَقٍّ بِخِلَافِ الزِّنَا لِإِيجَابِهِ الْحَدَّ وَبِخِلَافِ التَّمَتُّعِ بِطِيبٍ وَنَحْوِهِ فِي الْإِحْرَامِ لِإِيجَابِهِ الْكَفَّارَةَ وَأَشَرْتُ بِزِيَادَتِي (غَالِبًا) إلَى أَنَّهُ قَدْ يُشْرَعُ التَّعْزِيرُ وَلَا مَعْصِيَةَ كَمَنْ يَكْتَسِبُ بِاللَّهْوِ الَّذِي لَا مَعْصِيَةَ مَعَهُ وَقَدْ يَنْتَفِي مَعَ انْتِفَاءِ الْحَدِّ وَالْكَفَّارَةِ كَمَا فِي صَغِيرَةٍ صَدَرَتْ مِنْ وَلِيٍّ لِلَّهِ تَعَالَى وَكَمَا فِي قَطْعِ شَخْصٍ أَطْرَافَ نَفْسِهِ وَأَنَّهُ قَدْ يَجْتَمِعُ مَعَ الْحَدِّ كَمَا فِي تَكْرَارِ الرِّدَّةِ وَقَدْ يَجْتَمِعُ مَعَ الْكَفَّارَةِ كَمَا فِي الظِّهَارِ وَالْيَمِينِ الْغَمُوسِ وَإِفْسَادِ الصَّائِمِ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ بِجِمَاعِ حَلِيلَتِهِ

وَيَحْصُلُ (بِنَحْوِ حَبْسٍ وَضَرْبٍ) غَيْرِ مُبَرِّحٍ كَصَفْعٍ وَنَفْيٍ وَكَشْفِ رَأْسٍ وَتَسْوِيدِ وَجْهٍ وَصَلْبٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَأَقَلَّ وَتَوْبِيخٍ بِكَلَامٍ لَا بِحَلْقِ لِحْيَةٍ (بِاجْتِهَادِ إمَامٍ) جِنْسًا وَقَدْرًا إفْرَادًا وَجَمْعًا.

وَلَهُ فِي الْمُتَعَلِّقِ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى الْعَفْوُ إنْ رَأَى

الْمَصْلَحَةَ

وَتَعْبِيرِي بِذَلِكَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ بِحَبْسٍ أَوْ ضَرْبٍ أَوْ صَفْعٍ أَوْ تَوْبِيخٍ وَالصَّفْعُ الضَّرْبُ بِجَمْعِ الْكَفِّ أَوْ بِبَسْطِهَا

ــ

[حاشية البجيرمي]

إنْ كَانَ فِيهِ نَوْعُ إحْسَاسٍ ز ي (قَوْلُهُ: فَأَمَرَ بِضَرْبِهِ) قَضِيَّةُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَدَمُ وُجُوبِ التَّأْخِيرِ وَالرَّاجِحُ الْوُجُوبُ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَتَى بِهِ عَقِبَ شُرْبِهِ قَبْلَ أَنْ يَغِيبَ أَوْ أَنَّهُ شَرِبَ قَدْرًا لَا يُسْكِرُ س ل وَلِهَذَا قَالَ الشَّارِحُ فَلِظَاهِرِ خَبَرِ الْبُخَارِيِّ.

[فَصْلٌ فِي التَّعْزِيرُ]

وَهُوَ يُفَارِقُ الْحَدَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا اخْتِلَافُهُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ الثَّانِي جَوَازُ الشَّفَاعَةِ وَالْعَفْوِ فِيهِ بَلْ يُسْتَحَبَّانِ الثَّالِثُ التَّالِفُ بِهِ مَضْمُونٌ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ ز ي (قَوْلُهُ: وَهُوَ لُغَةً التَّأْدِيبُ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَهُوَ لُغَةً مِنْ أَسْمَاءِ الْأَضْدَادِ؛ لِأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى التَّفْخِيمِ وَالتَّعْظِيمِ قَالَ تَعَالَى {وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} [الفتح: ٩] وَعَلَى التَّأْدِيبِ وَعَلَى أَشَدِّ الضَّرْبِ قَامُوسٌ وَيَلْزَمُهُمَا التَّحْقِيرُ وَهُوَ ضِدُّ التَّعْظِيمِ (قَوْلُهُ: وَتَزْوِيرٍ) أَيْ مُشَابَهَةِ خَطِّ الْغَيْرِ بِأَنْ يَكْتُبَ خَطًّا مُشَابِهًا لِخَطِّ غَيْرِهِ لِيَظُنَّ أَنَّهُ خَطُّ الْغَيْرِ كَمَا يَقَعُ فِي الْحُجَجِ الْمُزَوَّرَةِ (قَوْلُهُ: غَالِبًا) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ عُزِّرَ وَلِقَوْلِهِ لِمَعْصِيَةٍ وَلِقَوْلِهِ لَا حَدَّ فِيهَا وَلَا كَفَّارَةَ بِدَلِيلِ كَلَامِ الشَّارِحِ الْآتِي فَبَيَّنَ مُحْتَرَزَ التَّقْيِيدِ بِالْغَلَبَةِ فِي الثَّانِي بِقَوْلِهِ إلَّا أَنَّهُ قَدْ يُشْرَعُ التَّعْزِيرُ وَلَا مَعْصِيَةَ إلَخْ وَفِي الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ وَقَدْ يَنْتَفِي مَعَ انْتِفَاءِ الْحَدِّ وَالْكَفَّارَةِ وَفِي الثَّالِثِ بِقَوْلِهِ وَأَنَّهُ قَدْ يَجْتَمِعُ مَعَ الْحَدِّ إلَخْ وَفِي الرَّابِعِ بِقَوْلِهِ وَقَدْ يَجْتَمِعُ مَعَ الْكَفَّارَةِ إلَخْ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: كَمَنْ يَكْتَسِبُ بِاللَّهْوِ) كَالطَّبْلِ وَالْغِنَاءِ الَّذِي لَا مَعْصِيَةَ مَعَهُ أَيْ وَكَمَا فِي تَأْدِيبِ الطِّفْلِ وَالْمَجْنُونَا هـ. عَمِيرَةُ سم أَمَّا مَنْ يَكْتَسِبُ بِالْحَرَامِ فَالتَّعْزِيرُ عَلَيْهِ دَاخِلٌ فِي الْحَرَامِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَعْصِيَةِ الَّتِي لَا حَدَّ فِيهَا وَلَا كَفَّارَةَ وَمِنْ ذَلِكَ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فِي مِصْرِنَا مِنْ اتِّخَاذِ مَنْ يُذْكَرُ حِكَايَاتٍ مُضْحِكَةً وَأَكْثَرُهَا أَكَاذِيبُ فَيُعَزَّرُ عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ وَلَا يَسْتَحِقُّ مَا يَأْخُذُهُ عَلَيْهِ وَيَجِبُ رَدُّهُ إلَى دَافِعِهِ وَإِنْ وَقَعَتْ صُورَةُ الِاسْتِئْجَارِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِئْجَارَ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ فَاسِدٌ (قَوْلُهُ: الَّذِي لَا مَعْصِيَةَ مَعَهُ) كَاللَّعِبِ بِالطَّارِ وَالْغِنَاءِ فِي الْقَهَاوِي مَثَلًا وَلَيْسَ مِنْ ذَلِكَ الْمُسَمَّى بِالْمُزَاحِ ع ش.

(قَوْلُهُ: مِنْ وَلِيٍّ لِلَّهِ) الْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَنْ لَا يُعْرَفُ بِالشَّرِّ. وَالْوَلِيُّ الْحَقِيقِيُّ الْعَارِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى عَلَى حَسَبِ مَا يُمْكِنُهُ، الْمُوَاظِبُ عَلَى الطَّاعَاتِ الْمُعْرِضُ عَنْ الِانْهِمَاكِ فِي اللَّذَّاتِ وَالشَّهَوَاتِ الْقَائِمُ بِحُقُوقِ اللَّهِ وَحُقُوقِ الْعِبَادِ ح ل مُلَخَّصًا وَعِبَارَةُ ز ي لَوْ قَالَ كَصَغِيرَةٍ صَدَرَتْ مِمَّنْ لَا يُعْرَفُ بِالشَّرِّ لَكَانَ أَوْلَى لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ» وَعَرَّفَهُمْ الشَّافِعِيُّ بِمَنْ ذُكِرَ اهـ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ حُرْمَةُ تَعْزِيرِهِمْ وَهُوَ مُتَّجَهٌ حَجّ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي تَكَرُّرِ الرِّدَّةِ) أَيْ وَاسْتَمَرَّ عَلَيْهَا ح ل وَفِيهِ أَنَّهُ إنْ عُزِّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَانَ قَتْلُهُ لِإِصْرَارِهِ عَلَى الرِّدَّةِ وَهُوَ مَعْصِيَةٌ جَدِيدَةٌ وَإِنْ أَسْلَمَ عُزِّرَ، وَلَا حَدَّ فَلَمْ يَجْتَمِعَا شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: وَالْيَمِينِ الْغَمُوسِ) بِأَنْ اعْتَرَفَ بِأَنَّهُ حَلَفَ بَاطِلًا عَامِدًا عَالِمًا وَأَمَّا لَوْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَا يُعَزَّرُ لِاحْتِمَالِ كَذِبِهَا ح ل

(قَوْلُهُ: وَيَحْصُلُ بِنَحْوِ حَبْسٍ وَضَرْبٍ بِاجْتِهَادِ) الْبَاءُ الْأُولَى لِلتَّعْدِيَةِ وَالثَّانِيَةُ لِلسَّبَبِيَّةِ.

(قَوْلُهُ: وَصَلْبٍ) عِبَارَةُ م ر وَجَوَّزَ الْمَاوَرْدِيُّ صَلْبَهُ حَيًّا مِنْ غَيْرِ مُجَاوَزَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ (قَوْلُهُ: وَتَوْبِيخٍ بِكَلَامٍ) وَلَا يُمْنَعُ طَعَامًا وَلَا شَرَابًا وَيَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي لَا مُومِيًا اهـ. شَرْحُ م ر أَيْ بَلْ يُطْلَقُ حَتَّى يُصَلِّيَ ثُمَّ يُصْلَبُ (قَوْلُهُ: لَا بِحَلْقِ) أَيْ لَا يَجُوزُ بِذَلِكَ فَإِنْ فَعَلَ بِهِ حَرُمَ وَحَصَلَ التَّعْزِيرُ ح ل وَظَاهِرُ عَطْفِهِ عَلَى نَحْوِ عَدَمِ حُصُولِ التَّعْزِيرِ كَمَا فِي الشَّوْبَرِيِّ وَعِبَارَةُ سم صَرِيحُ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ حَلْقَ اللِّحْيَةِ لَا يُجْزِئُ فِي التَّعْزِيرِ لَوْ فَعَلَهُ الْإِمَامُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِيمَا يَظْهَرُ وَاَلَّذِي

<<  <  ج: ص:  >  >>