للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحْيَاهُ الْمُسْلِمُونَ بَعْدُ، وَتَسْمِيَتُهَا بِمَا ذُكِرَ مِنْ زِيَادَتِي. (وَأَبْنِيَتُهُ) أَيْ: سَوَادُ الْعِرَاقِ (يَجُوزُ بَيْعُهَا) إذْ لَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ؛ وَلِأَنَّ وَقْفَهَا يُفْضِي إلَى خَرَابِهَا.

(وَفُتِحَتْ مَكَّةُ صُلْحًا) لِآيَةِ {وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الفتح: ٢٢] يَعْنِي أَهْلَ مَكَّةَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ} [الفتح: ٢٤] وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ «مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ أَلْقَى سِلَاحَهُ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ» (وَمَسَاكِنُهَا وَأَرْضُهَا الْمُحْيَاةُ مِلْكٌ) يُتَصَرَّفُ فِيهِ كَسَائِرِ الْأَمْلَاكِ كَمَا عَلَيْهِ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ، وَفِي الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ مَا يَدُلُّ لِذَلِكَ، وَأَمَّا خَبَرُ «مَكَّةَ لَا يُبَاعُ رِبَاعُهَا، وَلَا تُؤْجَرُ دُورُهَا» فَضَعِيفٌ، وَإِنْ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَفُتِحَتْ مِصْرُ عَنْوَةً عَلَى الصَّحِيحِ وَالشَّامُ فُتِحَتْ مُدُنُهَا صُلْحًا، وَأَرْضُهَا عَنْوَةً كَذَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْجِزْيَةِ عَنْ الرُّويَانِيِّ وَرَجَّحَ السُّبْكِيُّ أَنَّ دِمَشْقَ فُتِحَتْ عَنْوَةً.

[دَرْس] (فَصْلٌ) فِي الْأَمَانِ مَعَ الْكُفَّارِ الْعُقُودُ الَّتِي تُفِيدُهُمْ الْأَمْنَ ثَلَاثَةٌ: أَمَانٌ وَجِزْيَةٌ وَهُدْنَةٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ تَعَلَّقَ بِمَحْصُورٍ فَالْأَمَانُ، أَوْ بِغَيْرِ مَحْصُورٍ فَإِنْ كَانَ إلَى غَايَةٍ فَالْهُدْنَةُ، وَإِلَّا فَالْجِزْيَةُ، وَهُمَا مُخْتَصَّانِ بِالْإِمَامِ بِخِلَافِ الْأَمَانِ وَسَتَعْلَمُ أَحْكَامَ الثَّلَاثَةِ. وَالْأَصْلُ فِي الْأَمَانِ آيَةُ {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ} [التوبة: ٦] وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ

ــ

[حاشية البجيرمي]

(قَوْلُهُ: أَحْيَاهُ الْمُسْلِمُونَ) وَهُمْ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَتَبَةُ بْنُ غَزْوَانَ وَمَنْ مَعَهُمْ فِي سَنَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ فِي زَمَنِ عُمَرَ ق ل عَلَى الْجَلَالِ (قَوْلُهُ: بَعْدُ) أَيْ: بَعْدَ الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَتَسْمِيَتُهُمَا) أَيْ: تَسْمِيَةُ الشَّرْقِيِّ بِالْفُرَاتِ، وَالْغَرْبِيِّ بِنَهْرِ الصَّرَاةِ (قَوْلُهُ: يَجُوزُ بَيْعُهَا) أَيْ: لَا وَقْفُهَا نَعَمْ إنْ كَانَتْ آلَتُهَا مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهَا كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ تَفَقُّهًا س ل وَفِي سم وَلَوْ اتَّخَذَ مِنْ طِينِ الْأَرْضِ لَبِنًا وَبَنَى بِهِ فَهُوَ وَقْفٌ.

(قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ وَقْفَهَا) عِلَّةٌ لِحُكْمٍ مَحْذُوفٍ فِي كَلَامِهِ كَأَنَّهُ قَالَ: يَجُوزُ بَيْعُهَا، وَلَا يَصِحُّ وَقْفُهَا فَيَكُونُ التَّعْلِيلَانِ عَلَى اللَّفِّ، وَالنَّشْرِ الْمُرَتَّبِ، وَقَوْلُهُ: يُفْضِي إلَى خَرَابِهَا لَعَلَّ وَجْهَهُ وَإِنْ كَانَ وَقْفُ أَصْلِ الْأَبْنِيَةِ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ أَنَّ أَبْنِيَتَهُ لِكَثْرَتِهَا جِدًّا بِحَيْثُ يَكَادُ أَنَّ تَفَوُّتَ الْحَصْرِ يُعْسِرُ تَعَهُّدَهَا فَيَئُولُ أَمْرُهَا لِلْخَرَابِ لِعَدَمِ الْمُتَعَهِّدِ لَهَا تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وَفُتِحَتْ مَكَّةُ صُلْحًا) وَمَنْ قَالَ: إنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً مَعْنَاهُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ مُسْتَعِدًّا لِلْقِتَالِ لَوْ قُوتِلَ قَالَهُ الْغَزَالِيُّ، وَقِتَالُ خَالِدٍ بِأَسْفَلِهَا يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ بِاجْتِهَادٍ فَهِيَ وَاقِعَةُ حَالٍ اُحْتُمِلَتْ. اهـ. ابْنُ حَجَرٍ. اهـ. سم وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فُتِحَ أَعْلَاهَا صُلْحًا وَأَسْفَلُهَا عَنْوَةً مِنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ.

قَوْلُهُ: لِآيَةِ {وَلَوْ قَاتَلَكُمُ} [الفتح: ٢٢] أَيْ: لِأَنَّهَا تَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ قِتَالٌ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا فُتِحَتْ صُلْحًا. قَوْلُهُ: {بِبَطْنِ مَكَّةَ} [الفتح: ٢٤] وقَوْله تَعَالَى {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ} [الحشر: ٨] أَيْ: الْمُهَاجِرِينَ مِنْ مَكَّةَ فَأَضَافَ الدِّيَارَ إلَيْهِمْ وَهِيَ مُقْتَضِيَةٌ لِلْمِلْكِ. اهـ. شَرْحُ م ر ع ش.

(قَوْلُهُ: وَمَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ) فَأَضَافَ الدَّارَ إلَيْهِ، وَالْإِضَافَةُ تَقْتَضِي الْمِلْكَ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا فُتِحَتْ صُلْحًا شَيْخُنَا عَزِيزِيٌّ وَخَصَّ أَبَا سُفْيَانَ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّ الْعَبَّاسَ قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبُو سُفْيَانَ يُحِبُّ الْفَخْرَ لِكَوْنِهِ كَبِيرًا، كَمَا قَالَهُ ح ل فِي السِّيرَةِ (قَوْلُهُ: وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ) وَاسْتَثْنَى أَفْرَادًا أَمَرَ بِقَتْلِهِمْ فَيَدُلُّ عَلَى عُمُومِ الْأَمَانِ لِلْبَاقِي، وَلَمْ يَسْلُبْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَدًا، وَلَمْ يَقْسِمْ عَقَارًا، وَلَا مَنْقُولًا وَلَوْ فُتِحَتْ عَنْوَةً لَكَانَ الْأَمْرُ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا دَخَلَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَأَهِّبًا لِلْقِتَالِ خَوْفًا مِنْ غَدْرِهِمْ وَنَقْضِهِمْ لِلصُّلْحِ الَّذِي وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي سُفْيَانَ قَبْلَ دُخُولِهَا شَرْحُ م ر أَيْ: فَلَا يَدُلُّ هَذَا عَلَى أَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً، كَمَا زَعَمَهُ بَعْضُهُمْ.

(قَوْلُهُ: وَمَسَاكِنُهَا) الْأَوْلَى أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَاءِ لِلتَّفْرِيعِ. (قَوْلُهُ: رِبَاعُهَا) أَيْ: بُيُوتُهَا ع ش.

(قَوْلُهُ: وَفُتِحَتْ مِصْرُ عَنْوَةً) أَيْ: وَقُرَاهَا وَنَحْوُهَا بِمَا فِي إقْلِيمِهَا وَقِيلَ: فُتِحَتْ صُلْحًا سم نَقْلًا عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فِي فَتَاوِيهِ ع ش عَلَى م ر وَمِثْلُهُ الشَّوْبَرِيُّ، وَالْمُرَادُ بِهَا مِصْرُ الْعَتِيقَةُ وَاَلَّذِي اعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا ح ف أَنَّ مِصْرَ وَقُرَاهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً بِدَلِيلِ إطْلَاقِ الشَّارِحِ هُنَا وَتَفْصِيلِهِ فِي الشَّامِ، فَعَلَى هَذَا تَكُونُ أَرْضُهَا غَيْرَ مَمْلُوكَةٍ لِأَهْلِهَا فَلِذَا أُخِذَ عَلَيْهَا الْخَرَاجُ وَعَلَى كَوْنِهَا فُتِحَتْ صُلْحًا لَا خَرَاجَ عَلَيْهَا لِكَوْنِهَا مِلْكًا لِأَهْلِهَا وَقَوْلُهُ: لِأَنَّهَا غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ لِأَهْلِهَا أَيْ: لِأَنَّهَا مِلْكٌ لِلْغَانِمِينَ إلَّا أَنْ يُقَالَ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ وَصَلَتْ لِأَهْلِهَا بِطَرِيقٍ مِنْ الطُّرُقِ أَوْ أَنَّهُمْ وَرَثَةُ الْغَانِمِينَ وَأَيًّا مَا كَانَ فَضَرْبُ الْخَرَاجِ لَا يُنَافِي الْمِلْكَ، كَمَا إذَا فُتِحَتْ الْبَلَدُ صُلْحًا وَشُرِطَ كَوْنُهُ لَهُمْ وَيُؤَدُّونَ خَرَاجَهُ، كَمَا سَيَأْتِي فِي آخِرِ الْجِزْيَةِ بَعْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ لَا بِبَلَدٍ فَتَحْنَاهُ صُلْحًا. (قَوْلُهُ: وَرَجَّحَ السُّبْكِيُّ) ضَعِيفٌ.

[فَصْلٌ فِي الْأَمَانِ مَعَ الْكُفَّارِ]

[دَرْسٌ] (فَصْلٌ: فِي الْأَمَانِ مَعَ الْكُفَّارِ) أَيْ: وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ مِنْ قَوْلِهِ: وَسُنَّ لِمُسْلِمٍ بِدَارِ كُفْرٍ إلَخْ. (قَوْلُهُ: إنْ تَعَلَّقَ بِمَحْصُورٍ فَالْأَمَانُ إلَخْ) مُقْتَضَى هَذَا الصَّنِيعِ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا أَمَّنَ غَيْرَ مَحْصُورِينَ لَا يَجُوزُ، وَلَا يُسَمَّى أَمَانًا وَأَنَّ الْجِزْيَةَ لَا تَجُوزُ فِي مَحْصُورِينَ وَلَيْسَ مُرَادًا ح ل وَزّ ي، وَقَدْ يُقَالُ: هُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ هُدْنَةٌ وَإِنْ عَقَدَ بِلَفْظِ الْأَمَانِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْقَيْدُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ بِالنِّسْبَةِ لِلْجِزْيَةِ.

(قَوْلُهُ: فَالْهُدْنَةُ) أَيْ: وَيُقَالُ لِلْوَاحِدِ مِنْهُمْ مُعَاهِدٌ (قَوْلُهُ: ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ) أَيْ: عَهْدُهُمْ وَأَمَانُهُمْ وَحُرْمَتُهُمْ وَأَمَّا الذِّمَّةُ فِي قَوْلِهِمْ: ثَبَتَ الْمَالُ فِي ذِمَّتِهِ وَبَرِئَتْ بِذِمَّتِهِ فَمُرَادُهُمْ بِهَا الذَّاتُ، وَالنَّفْسُ اللَّتَانِ هُمَا مَحَلُّهَا تَسْمِيَةً لِلْمَحَلِّ بِاسْمِ الْحَالِ ز ي،

<<  <  ج: ص:  >  >>