للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَوْلِي: وَأَمِنَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ: إلَّا جَاسُوسًا يَخَافُهُ.

(وَ) شُرِطَ (فِي الْمَعْقُودِ لَهُ كَوْنُهُ مُتَمَسِّكًا بِكِتَابٍ) كَتَوْرَاةٍ وَإِنْجِيلٍ وَصُحُفِ إبْرَاهِيمَ وَشِيثٍ وَزَبُورِ دَاوُد سَوَاءٌ كَانَ الْمُتَمَسِّكُ كِتَابِيًّا، وَلَوْ مِنْ أَحَدِ أَبَوَيْهِ بِأَنْ اخْتَارَهُ أَمْ مَجُوسِيًّا (لِجَدٍّ) لَهُ (أَعْلَى لَمْ نَعْلَمْ) نَحْنُ (تَمَسُّكَهُ بِهِ بَعْدَ نَسْخِهِ) بِأَنْ عَلِمْنَا تَمَسُّكَهُ بِهِ قَبْلَ نَسْخِهِ أَوْ مَعَهُ أَوْ شَكَكْنَا فِي وَقْتِهِ وَلَوْ كَانَ تَمَسُّكُهُ بِهِ بَعْدَ التَّبْدِيلِ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَجْتَنِبْ الْمُبْدَلَ مِنْهُ، وَذَلِكَ لِلْآيَةِ وَخَبَرِ الْبُخَارِيِّ السَّابِقَيْنِ وَتَغْلِيبًا لِحَقْنِ الدَّمِ، أَمَّا إذَا عَلِمْنَا تَمَسُّكَ الْجَدِّ بِهِ بَعْدَ نَسْخِهِ كَمَنْ تَهَوَّدَ بَعْدَ بَعْثَةِ عِيسَى عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ، فَلَا تُعْقَدُ الْجِزْيَةُ لِفَرْعِهِ لِتَمَسُّكِهِ بِدَيْنٍ سَقَطَتْ حُرْمَتُهُ، وَلَا لِمَنْ لَا كِتَابَ لَهُ، وَلَا شُبْهَةَ كِتَابٍ كَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَالشَّمْسِ وَالْمَلَائِكَةِ وَحُكْمُ السَّامِرَةِ وَالصَّابِئَةِ هُنَا كَهُوَ فِي النِّكَاحِ، إلَّا أَنْ يُشْكِلَ أَمْرُهُمْ فَيُقِرُّونَ بِالْجِزْيَةِ، فَتَعْبِيرِي بِمَا ذُكِرَ أَعَمُّ وَأَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِهِ بِمَا ذَكَرَهُ (حُرًّا ذَكَرًا غَيْرَ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ) وَلَوْ سَكْرَانًا وَزَمِنًا وَهَرِمًا وَأَعْمَى وَرَاهِبًا وَأَجِيرًا وَفَقِيرًا؛ لِأَنَّ الْجِزْيَةَ كَأُجْرَةِ الدَّارِ وَلِأَنَّهَا تُؤْخَذُ لِحَقْنِ الدَّمِ فَلَا جِزْيَةَ عَلَى مَنْ بِهِ رِقٌّ وَأُنْثَى وَخُنْثَى وَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ مَحْقُونُ الدَّمِ وَالْآيَةُ السَّابِقَةُ فِي الذُّكُورِ، وَقَدْ كَتَبَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ أَنْ لَا تَأْخُذُوا الْجِزْيَةَ مِنْ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، فَلَوْ طَلَبَ الْخُنْثَى وَالْمَرْأَةُ عَقْدَ الذِّمَّةِ بِالْجِزْيَةِ أَعْلَمَهُمَا الْإِمَامُ بِأَنَّهُ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِمَا فَإِنْ رَغِبَا فِي بَذْلِهَا فَهِيَ هِبَةٌ وَلَوْ بَانَ الْخُنْثَى الْمَعْقُودُ لَهُ ذَكَرًا طَالَبْنَاهُ بِجِزْيَةِ الْمُدَّةِ الْمَاضِيَةِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

غَائِلَتَهُ، وَيَحْرُمُ قَتْلُهُ إذَا طَلَبَ الْجِزْيَةَ، وَيَجُوزُ إرْقَاقُهُ وَغُنْمُ مَالِهِ سم عَلَى حَجّ ع ش عَلَى م ر. (قَوْلُهُ: وَقَوْلِي: وَأَمِنَ) أَيْ: مَفْهُومُ قَوْلِي: أَمِنَ إلَخْ وَهِيَ أَوْلَوِيَّةُ عُمُومٍ.

[شُرُوط الْمَعْقُودِ لَهُ فِي عَقْدِ الْجِزْيَةَ]

(قَوْلُهُ: مُتَمَسِّكًا بِكِتَابٍ) وَلَوْ حُكْمًا فَيَشْمَلُ الْمَجُوسِيَّ (قَوْلُهُ: وَصُحُفِ إبْرَاهِيمَ إلَخْ) أَيْ: لِأَنَّهَا تُسَمَّى كُتُبًا فَانْدَرَجَتْ فِي قَوْلِهِ {الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [التوبة: ٢٩] وَشِيثِ بْنِ آدَمَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - لِصُلْبِهِ شَرْحُ م ر.

(قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَ الْمُتَمَسِّكُ) أَيْ: بِوَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْكُتُبِ أَوْ غَيْرِهَا فَيَشْمَلُ كِتَابَ الْمَجُوسِ الَّذِي رُفِعَ. فَهُمْ وَإِنْ تَمَسَّكُوا بِكِتَابٍ لَكِنَّهُ لَا يُسَمَّى كِتَابِيًّا إلَّا مَنْ تَمَسَّكَ بِالتَّوْرَاةِ، وَالْإِنْجِيلِ خَاصَّةً ح ل. (قَوْلُهُ: وَلَوْ مِنْ أَحَدِ أَبَوَيْهِ) وَلَوْ الْأُمَّ اخْتَارَ الْكِتَابِيُّ أَوْ لَمْ يَخْتَرْ شَيْئًا وَفَارَقَ كَوْنَ شَرْطِ حِلِّ نِكَاحِهَا اخْتِيَارَهَا الْكِتَابِيَّ بِأَنَّ مَا هُنَا أَوْسَعُ وَمَا أَوْهَمَهُ شَرْحُ الْمَنْهَجِ مِنْ أَنَّ اخْتِيَارَ ذَلِكَ قَيْدٌ هُنَا أَيْضًا غَيْرُ مُرَادٍ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّهُ قَيْدٌ لِتَسْمِيَتِهِ كِتَابِيًّا لَا لِتَقْرِيرِهِ. اهـ. شَرْحُ م ر بِالْحَرْفِ وَعِبَارَةُ ع ش قَوْلُهُ: بِأَنْ اخْتَارَهُ هَذَا قَيْدٌ لِتَسْمِيَتِهِ كِتَابِيًّا لَا لِتَقْرِيرِهِ بِالْجِزْيَةِ.، وَالْحَاصِلُ أَنَّ لَهُ ثَلَاثَ حَالَاتٍ إمَّا أَنْ يَخْتَارَ دِينَ الْكِتَابِيِّ أَوْ الْوَثَنِيِّ أَوْ لَمْ يَخْتَرْ شَيْئًا، فَيُقِرُّ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى، وَالثَّالِثَةِ دُونَ الثَّانِيَةِ هَذَا مُحَصِّلُ مَا اعْتَمَدَهُ حَجّ وَم ر عَلَى مَا فِي بَعْضِ نُسَخِهِ الصَّحِيحَةِ.

(قَوْلُهُ: لِجَدٍّ) صِفَةٌ لِكِتَابٍ أَيْ: كَائِنٍ لِجَدٍّ وَوَجْهُ نِسْبَةِ الْكِتَابِ لِلْجَدِّ مَعَ أَنَّهُ يُنْتَسَبُ لِلنَّبِيِّ الْمُنَزَّلِ هُوَ عَلَيْهِ أَنَّهُ اُشْتُهِرَ تَمَسُّكُهُ بِهِ وَقَوْلُهُ: أَعْلَى لَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ هُنَا مَا مَرَّ فِي الْوَصِيَّةِ وَهُوَ الَّذِي يَشْتَهِرُ انْتِسَابُ الشَّخْصِ إلَيْهِ وَيُعَدُّ قَبِيلَةً تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لَمْ نَعْلَمْ تَمَسُّكَهُ بِهِ بَعْدَ نَسْخِهِ) قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: يُرَدُّ عَلَى الْمِنْهَاجِ، وَالتَّنْبِيهِ، وَالْحَاوِي إذَا تَهَوَّدَ الْأَصْلُ أَوْ تَنَصَّرَ قَبْلَ النَّسْخِ، لَكِنْ انْتَقَلَتْ ذُرِّيَّتُهُ عَنْ دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ بَعْدَ نُزُولِ الْقُرْآنِ أَوْ قَبْلَهُ فَلَا تُقَرُّ بِالْجِزْيَةِ، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ اهـ وَيُقْبَلُ قَوْلُهُمْ: إنَّهُمْ مِمَّنْ يُعْقَدُ لَهُمْ الْجِزْيَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ غَالِبًا إلَّا مِنْهُمْ ز ي. وَأُجِيبَ عَنْ الْإِيرَادِ بِأَنَّ عَدَمَ إقْرَارِ الذُّرِّيَّةِ بِالْجِزْيَةِ لِارْتِدَادِهَا وَقَوْلُهُ: وَيُقْبَلُ قَوْلُهُمْ: أَيْ: الْكُفَّارِ لَا الذُّرِّيَّةِ.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَجْتَنِبْ الْمُبَدَّلَ) أَيْ: تَغْلِيبًا لِحَقْنِ الدَّمِ وَبِهِ فَارَقَ عَدَمَ حِلِّ مُنَاكَحَتِهِمْ وَذَبِيحَتِهِمْ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَبْضَاعِ، وَالْمَيْتَاتِ التَّحْرِيمُ شَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ: وَذَلِكَ) أَيْ: وَوَجْهُ اشْتِرَاطِ التَّمَسُّكِ بِالْكِتَابِ وَقَوْلُهُ: لِلْآيَةِ وَهِيَ {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ} [التوبة: ٢٩] إلَخْ (قَوْلُهُ: كَمَنْ تَهَوَّدَ) أَيْ: أَوْ تَنَصَّرَ بَعْدَ بَعْثَةِ نَبِيِّنَا ح ل.

(قَوْلُهُ: كَهُوَ فِي النِّكَاحِ) أَيْ: فَتُعْقَدُ لَهُمْ إنْ لَمْ تُكَفِّرْهُ الْيَهُودُ، وَالنَّصَارَى وَلَمْ يُخَالِفُوهُمْ فِي أَصْلِ دِينِهِمْ شَوْبَرِيٌّ وَعِبَارَةُ غَيْرِهِ، فَإِنْ كَفَّرَتْهُمْ أَهْلُ مِلَّتِهِمْ لَمْ تُعْقَدْ لَهُمْ، وَإِلَّا عُقِدَتْ لَهُمْ وَهَذَا هُوَ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ سَابِقًا: وَتَحْرُمُ سَامِرِيَّةً إلَخْ وَعِبَارَةُ ع ش أَيْ: فَحَيْثُ وَافَقُوهُمْ فِي الْأُصُولِ أَقَرُّوا وَإِنْ خَالَفُوهُمْ فِي الْفُرُوعِ، لَكِنْ قِيلَ: إنَّهُمْ لَوْ كَفَّرَتْهُمْ الْيَهُودُ، وَالنَّصَارَى بِالْفُرُوعِ الَّتِي خَالَفُوهُمْ فِيهَا لَا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُمْ وَقِيَاسُهُ هُنَا أَنَّهُمْ لَا يُقِرُّونَ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ مَبْنَى النِّكَاحِ الِاحْتِيَاطُ، وَلَا كَذَلِكَ هُنَا (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُشْكِلَ أَمْرُهُمْ) أَيْ: شَكَّ هَلْ تُكَفِّرُهُمْ الْيَهُودُ، وَالنَّصَارَى أَمْ لَا؟ ع ش.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْجِزْيَةَ كَأُجْرَةِ الدَّارِ) أَيْ: وَالْأُجْرَةُ تَجِبُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَلَوْ فَقِيرًا وَهَرِمًا وَغَيْرَهُمَا مِمَّا ذُكِرَ، فَهُوَ عِلَّةٌ لِلتَّعْمِيمِ وَقَوْلُهُ: وَلِأَنَّهَا إلَخْ عِلَّةٌ لِاشْتِرَاطِ كَوْنِهِ حُرًّا إلَخْ.

(قَوْلُهُ:، وَالْآيَةُ السَّابِقَةُ فِي الذُّكُورِ) أَيْ: الْبَالِغِينَ الْعَاقِلِينَ الْأَحْرَارِ أَخْذًا مِنْ قَوْله تَعَالَى {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} [التوبة: ٢٩] ، وَلَمْ يُسْتَدَلَّ بِهَا عَلَى ذَلِكَ لِكَوْنِهَا لَيْسَتْ نَصًّا فِيهِ. (قَوْلُهُ: فَهِيَ هِبَةٌ) أَيْ: لَا تَلْزَمُ إلَّا بِالْقَبْضِ شَرْحُ الرَّوْضِ سم وَقَالَ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ: فَهِيَ هِبَةٌ أَيْ: بِالْمَعْنَى الشَّامِلِ لِلْهَدِيَّةِ فَلَا تَحْتَاجُ لِقَبُولٍ.

(قَوْلُهُ: الْمَعْقُودُ لَهُ) أَفَادَ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعْقُودًا لَهُ بِأَنْ عَقَدَ عَلَى الْأَوْصَافِ فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ: كَيْفَ يُعْقَدُ لَهُ الْجِزْيَةُ مَعَ أَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ حَالَ خُنُوثَتِهِ، فَإِنْ لَمْ تُعْقَدْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَحَرْبِيٍّ لَمْ نَعْلَمْ بِهِ إلَّا بَعْدَ مُدَّةٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْهَا شَيْخُنَا.

(قَوْلُهُ: طَالَبْنَاهُ بِجِزْيَةِ الْمُدَّةِ الْمَاضِيَةِ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْهُ دِينَارٌ لِكُلِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>