للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{مَا أَنْفَقُوا} [الممتحنة: ١٠] أَيْ: مِنْ الْمُهُورِ فَهُوَ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا فِي وُجُوبِ الْغُرْمِ مُحْتَمِلٌ لِنَدْبِهِ الصَّادِقِ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ الْمُوَافِقِ لِلْأَصْلِ، وَرَجَّحُوهُ عَلَى الْوُجُوبِ لِمَا قَامَ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ.

(وَالرَّدُّ) لَهُ يَحْصُلُ (بِتَخْلِيَةٍ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ طَالِبِهِ كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ (وَلَا يَلْزَمُهُ رُجُوعٌ) إلَيْهِ (وَلَهُ قَتْلُ طَالِبِهِ) دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ وَدِينِهِ، وَلِذَلِكَ «لَمْ يُنْكِرْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَبِي بَصِيرٍ امْتِنَاعَهُ، وَقَتْلَهُ طَالِبَهُ» (وَلَنَا تَعْرِيضٌ لَهُ بِهِ) أَيْ: بِقَتْلِهِ لِمَا رَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ " أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِأَبِي جَنْدَلٍ حِينَ رَدَّهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى أَبِيهِ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو: إنَّ دَمَ الْكَافِرِ عِنْدَ اللَّهِ كَدَمِ الْكَلْبِ. يُعَرِّضُ لَهُ بِقَتْلِ أَبِيهِ " وَخَرَجَ بِالتَّعْرِيضِ التَّصْرِيحُ فَيُمْتَنَعُ.

(وَلَوْ شَرَطَ) عَلَيْهِمْ فِي الْهُدْنَةِ (رَدَّ مُرْتَدٍّ) جَاءَ مِنَّا (لَزِمَهُمْ الْوَفَاءُ) بِهِ عَمَلًا بِالشَّرْطِ سَوَاءٌ أَكَانَ رَجُلًا أَمْ امْرَأَةً حُرًّا أَوْ رَقِيقًا (فَإِنْ أَبَوْا فَنَاقِضُونَ) الْعَهْدَ لِمُخَالَفَتِهِمْ الشَّرْطَ (وَجَازَ شَرْطُ عَدَمِ رَدِّهِ) أَيْ: مُرْتَدٍّ جَاءَهُمْ مِنَّا وَلَوْ امْرَأَةً وَرَقِيقًا، فَلَا يَلْزَمُهُمْ رَدُّهُ «؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَرَطَ ذَلِكَ فِي مُهَادَنَةِ قُرَيْشٍ» وَيَغْرَمُونَ مَهْرَ الْمَرْأَةِ وَقِيمَةَ الرَّقِيقِ، فَإِنْ عَادَ إلَيْنَا رَدَدْنَا لَهُمْ قِيمَةَ الرَّقِيقِ دُونَ مَهْرِ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ الرَّقِيقَ بِدَفْعِ قِيمَتِهِ يَصِيرُ مِلْكًا لَهُمْ وَالْمَرْأَةُ لَا تَصِيرُ زَوْجَةً، كَذَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا [فَرْعٌ]

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: يَجُوزُ شِرَاءُ أَوْلَادِ الْمُعَاهَدِينَ مِنْهُمْ لَا سَبْيُهُمْ.

(كِتَابُ الصَّيْدِ) أَصْلُهُ مَصْدَرٌ ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى الْمَصِيدِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

(قَوْلُهُ: مُحْتَمِلٌ لِنَدْبِهِ) وَجَزَمَ ابْنُ حَجَرٍ بِالنَّدْبِ تَطْيِيبًا لِخَاطِرِهِمْ. وَعِبَارَةُ الْبَيْضَاوِيِّ {وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا} [الممتحنة: ١٠] أَيْ: مَا دَفَعُوا إلَيْهِنَّ مِنْ الْمُهُورِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ صُلْحَ الْحُدَيْبِيَةِ جَرَى عَلَى أَنَّ مَنْ جَاءَ مِنْهُمْ رَدَدْنَاهُ فَلَمَّا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ رَدُّهُنَّ لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْهُ لَزِمَهُ رَدُّ مُهُورِهِنَّ. اهـ. وَهُوَ مَنْسُوخٌ.

(قَوْلُهُ: الصَّادِقِ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ النَّدْبَ خَاصٌّ وَعَدَمَ الْوُجُوبِ عَامٌّ، وَالْأَخَصُّ لَا يَصْدُقُ بِالْأَعَمِّ بِخِلَافِ الْعَكْسِ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْمُحَقِّقُ الْمَحَلِّيُّ: الصَّادِقُ بِهِ عَدَمُ الْوُجُوبِ فَلْيُتَأَمَّلْ شَوْبَرِيٌّ وَفِي نُسْخَةِ: الصَّادِقُ بِهِ عَدَمُ الْوُجُوبِ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ. (قَوْلُهُ: الْمُوَافِقُ) أَيْ: الْوُجُوبُ لِلْأَصْلِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي صِيغَةِ " أَفْعَلَ " الْوُجُوبُ ح ل فَهُوَ صِفَةٌ لِلْوُجُوبِ وَقِيلَ: صِفَةٌ لِلْعَدَمِ (قَوْلُهُ: وَرَجَّحُوهُ) أَيْ النَّدْبَ.

(قَوْلُهُ: لِمَا قَامَ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ) وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ أَوْ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِوُجُوبِ جَمِيعِ مَا أَنْفَقَهُ الزَّوْجُ ح ل وَقَالَ الشَّوْبَرِيُّ: قَوْلُهُ: لِمَا قَامَ عِنْدَهُمْ أَيْ: مِنْ إعْزَازِ الْإِسْلَامِ وَإِذْلَالِ الْكُفْرِ ط ب قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا} [الممتحنة: ١٠] فَلَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ خُصُوصِ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْأَخْذُ بِظَاهِرِهِ لِشُمُولِهِ جَمِيعَ مَا أَنْفَقَهُ الزَّوْجُ مِنْ الْمَهْرِ وَغَيْرِهِ، إذْ لَا نَعْلَمُ قَائِلًا بِوُجُوبِ الْكُلِّ، وَلَا حَمْلِهِ عَلَى الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ بَدَلِ الْبُضْعِ الْوَاجِبِ بِالْفُرْقَةِ فِي نَحْوِ ذَلِكَ، وَلَا مَهْرُ الْمِثْلِ لِأَنَّ الْمُقَابِلَ لِلْأَظْهَرِ لَمْ يَقُلْ بِهِ فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْأَمْرَ لِلنَّدْبِ تَطْيِيبًا لِخَاطِرِ الزَّوْجِ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ. اهـ. ز ي.

. (قَوْلُهُ:، وَالرَّدُّ لَهُ) أَيْ: لِمَنْ جَاءَنَا مِنْهُمْ. (قَوْلُهُ: دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ) جَعَلَهُ م ر عِلَّةً لِلثَّانِي وَعَلَّلَ الْأَوَّلَ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إجْبَارُ الْمُسْلِمِ عَلَى الِانْتِقَالِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَكَيْفَ يُجْبَرُ عَلَى دُخُولِ دَارِ الْحَرْبِ؟ . اهـ. وَعُلِمَ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنَّ مَا يَقَعُ مِنْ الْمُلْتَزِمِينَ فِي زَمَنِنَا مِنْ أَنَّهُ إذَا خَرَجَ فَلَّاحٌ مِنْ قَرْيَةٍ وَأَرَادَ اسْتِيطَانَ غَيْرِهَا أَجْبَرُوهُ عَلَى الْعَوْدِ غَيْرُ جَائِزٍ، وَإِنْ كَانَتْ الْعَادَةُ جَارِيَةً بِزَرْعِهِ وَأُصُولِهِ فِي تِلْكَ الْقَرْيَةِ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: إلَى أَبِيهِ سُهَيْلٍ) وَأَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ ع ش.

. (قَوْلُهُ:، وَيَغْرَمُونَ مَهْرَ الْمَرْأَةِ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَهُوَ عَجِيبٌ؛ لِأَنَّ الرِّدَّةَ تَقْتَضِي انْفِسَاخَ النِّكَاحِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَتَوَقُّفَهُ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بَعْدَهُ فَإِلْزَامُهُمْ الْمَهْرَ مَعَ انْفِسَاخِ النِّكَاحِ أَوْ إشْرَافِهِ عَلَى الِانْفِسَاخِ لَا وَجْهَ لَهُ. شَرْحُ الرَّوْضِ سم وَفِي حَاشِيَةِ س ل. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ غَرِمُوا مَهْرَهَا، وَلَمْ نَغْرَمْ نَحْنُ مَهْرَ الْمُسْلِمَةِ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُمْ فَوَّتُوا عَلَيْهَا الِاسْتِنَابَةَ الْوَاجِبَةَ عَلَيْهَا، وَأَيْضًا الْمَانِعُ جَاءَ مِنْ جِهَتِهَا، وَالزَّوْجُ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ مِنْهَا بِخِلَافِ الْمُسْلِمَةِ الزَّوْجُ مُتَمَكِّنٌ مِنْهَا بِالْإِسْلَامِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: دُونَ مَهْرِ الْمَرْأَةِ) اُنْظُرْ وَجْهَهُ مَعَ أَنَّ سَبَبَ الْغُرْمِ زَالَ بِعَوْدِ الْمَرْأَةِ إلَيْنَا (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الرَّقِيقَ إلَخْ) هَذَا بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ بَيْعِ الْعَبْدِ الْمُرْتَدِّ مِنْ الْكَافِرِ، وَالْمُعْتَمَدُ خِلَافُهُ كَمَا مَرَّ شَوْبَرِيٌّ وَقَالَ س ل: لَا يُقَالُ هَذَا إنَّمَا يَأْتِي عَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ بَيْعِ الْمُرْتَدِّ لِلْكَافِرِ، وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: هَذَا لَيْسَ بَيْعًا حَقِيقَةً، وَاغْتُفِرَ ذَلِكَ لِأَجْلِ الْمَصْلَحَةِ فَلَيْسَ مُفَرَّعًا عَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ اهـ.

(قَوْلُهُ: يَجُوزُ شِرَاءُ أَوْلَادِ الْمُعَاهَدِينَ مِنْهُمْ) عِبَارَةُ ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ يَجُوزُ شِرَاءُ وَلَدِ الْمُعَاهِدِ مِنْ مُعَاهِدٍ آخَرَ غَيْرَ أَبِيهِ؛ لِأَنَّهُ يُمْلَكُ بِالْقَهْرِ لَا مِنْ أَبِيهِ لِأَنَّ أَبَاهُ إذَا قَهَرَهُ وَأَرَادَ بَيْعَهُ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ فَيُعْتَقُ عَلَيْهِ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ قَوْلُ الْمَاوَرْدِيِّ يَجُوزُ الشِّرَاءُ إلَخْ.

[كِتَابُ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحُ]

[أَرْكَانُ الذَّبْحِ]

(كِتَابُ الصَّيْدِ) وَجْهُ مُنَاسَبَتِهِ بَعْدَ الْجِهَادِ أَنَّ الْجِهَادَ تَارَةً يَكُونُ فَرْضَ كِفَايَةٍ وَتَارَةً يَكُونُ فَرْضَ عَيْنٍ، وَطَلَبُ الْحَلَالِ فَرْضُ عَيْنٍ فَنَاسَبَ ضَمَّ فَرْضِ الْعَيْنِ إلَى فَرْضِ الْعَيْنِ ز ي وَقَالَ سم: ذَكَرَ هَذَا الْكِتَابَ هُنَا اتِّبَاعًا لِأَكْثَرَ الْأَصْحَابِ وَكَأَنَّ الْمُنَاسَبَةَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَذْكُرُ فِيهِ مَنْ تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ وَمَنْ لَا تَحِلُّ، فَكَانَ مِنْ الْمُلَائِمِ اتِّبَاعُهُ لِأَحْكَامِ الْكُفَّارِ السَّابِقَةِ، وَقَالَ ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ: ذَكَرَ الصَّيْدَ هُنَا عَقِبَ الْجِهَادِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاكْتِسَابِ بِالِاصْطِيَادِ الْمُشَابِهِ لِلِاكْتِسَابِ بِالْغَزْوِ. (قَوْلُهُ: مَصْدَرٌ) وَهُوَ السَّبَبُ فِي انْفِرَادِهِ ع ن

<<  <  ج: ص:  >  >>