للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي» وَخَبَرِ «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَمَسْجِدِي هَذَا» رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ وَسُنَّ لِمَنْ قَصَدَ الْمَدِينَةَ الشَّرِيفَةَ لِزِيَارَتِهِ أَنْ يُكْثِرَ فِي طَرِيقِهِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا رَأَى حَرَمَ الْمَدِينَةِ وَأَشْجَارَهَا زَادَ فِي ذَلِكَ وَسَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَنْفَعَهُ بِهَذِهِ الزِّيَارَةِ وَيَتَقَبَّلَهَا مِنْهُ وَيَغْتَسِلُ قَبْلَ دُخُولِهِ وَيَلْبَسُ أَنْظَفَ ثِيَابِهِ فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَصَدَ الرَّوْضَةِ وَهِيَ بَيْنَ قَبْرِهِ وَمِنْبَرِهِ كَمَا مَرَّ وَصَلَّى تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ بِجَانِبِ الْمِنْبَرِ وَشَكَرَ اللَّهَ بَعْدَ فَرَاغِهَا عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ، ثُمَّ وَقَفَ مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةِ مُسْتَقْبِلَ رَأْسِ الْقَبْرِ الشَّرِيفِ وَيَبْعُدُ مِنْهُ نَحْوَ أَرْبَعَةِ أَذْرُعٍ نَاظِرًا لِأَسْفَلِ مَا يَسْتَقْبِلُهُ فَارِغَ الْقَلْبِ مِنْ عَلَقِ الدُّنْيَا وَيُسَلِّمُ بِلَا رَفْعِ صَوْتٍ وَأَقَلُّهُ السَّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْك وَسَلَّمَ، ثُمَّ يَتَأَخَّرُ صَوْبَ يَمِينِهِ قَدْرَ ذِرَاعٍ فَيُسَلِّمُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ ثُمَّ يَتَأَخَّرُ قَدْرَ ذِرَاعٍ فَيُسَلِّمُ عَلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى مَوْقِفِهِ الْأَوَّلِ قُبَالَةَ وَجْهِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَتَوَسَّلُ بِهِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَيَسْتَشْفِعُ بِهِ إلَى رَبِّهِ ثُمَّ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَيَدْعُو بِمَا شَاءَ لِنَفْسِهِ وَلِلْمُسْلِمِينَ وَإِذَا أَرَادَ السَّفَرَ وَدَّعَ الْمَسْجِدَ بِرَكْعَتَيْنِ وَأَتَى الْقَبْرَ الشَّرِيفَ وَأَعَادَ نَحْوَ السَّلَامِ الْأَوَّلِ.

(فَصْلٌ)

فِي أَرْكَانِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَبَيَانِ أَوْجُهِ أَدَائِهِمَا مَعَ مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ. (أَرْكَانُ الْحَجِّ سِتَّةٌ) (إحْرَامٌ) بِهِ أَيْ: نِيَّةُ الدُّخُولِ فِيهِ لِخَبَرِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» (وَوُقُوفٌ) بِعَرَفَةَ لِخَبَرِ الْحَجُّ عَرَفَةَ (وَطَوَافٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: ٢٩] (وَسَعْيٌ) لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ «إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فِي الْمَسْعَى وَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اسْعَوْا فَإِنَّ السَّعْيَ قَدْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ» (وَحَلْقٌ، أَوْ تَقْصِيرٌ)

ــ

[حاشية البجيرمي]

الشَّرِيفِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَضْرِبُونَهُ بِأَجْنِحَتِهِمْ وَيَحُفُّونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لَهُ وَيُصَلُّونَ عَلَيْهِ إلَى أَنْ يُمْسُوا عَرَجُوا وَهَبَطَ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ كَذَلِكَ حَتَّى يُصْبِحُوا لَا يَعُودُونَ إلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ» اهـ بِحُرُوفِهِ. (قَوْلُهُ: وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي) الْأَصَحُّ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْبَرُهُ الَّذِي كَانَ فِي الدُّنْيَا بِعَيْنِهِ وَقِيلَ: إنَّ لَهُ هُنَاكَ مِنْبَرًا وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّ قَصْدَ مِنْبَرِهِ لِأَجْلِ الْجُلُوسِ عِنْدَهُ لِمُلَازَمَةِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ يُورِدُ صَاحِبَهُ الْحَوْضَ وَيَقْتَضِي شُرْبَهُ مِنْهُ اهـ شَوْبَرِيٌّ. (قَوْلُهُ: لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ) فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى سَنِّ الزِّيَارَةِ نَظَرٌ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَعْنَى لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ أَيْ: لِلصَّلَاةِ وَالِاعْتِكَافِ إلَّا لِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ. اهـ. ح ف. (قَوْلُهُ: وَيَلْبَسُ أَنْظَفَ ثِيَابِهِ) وَهَلْ الْأَوْلَى هُنَا الْأَعْلَى قِيمَةً كَالْعِيدِ، أَوْ الْأَبْيَضُ كَالْجُمُعَةِ؟ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي؛ إذْ هُوَ أَلْيَقُ بِالتَّوَاضُعِ الْمَطْلُوبِ شَوْبَرِيٌّ.

[فَصْلٌ فِي أَرْكَانِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَبَيَانِ أَوْجُهِ أَدَائِهِمَا]

(فَصْلٌ: فِي أَرْكَانِ الْحَجِّ) (قَوْلُهُ: أَرْكَانُ الْحَجِّ إلَخْ) وَأَفْضَلُهَا الطَّوَافُ، ثُمَّ الْوُقُوفُ، ثُمَّ السَّعْيُ، ثُمَّ الْحَلْقُ أَمَّا النِّيَّةُ فَهِيَ وَسِيلَةٌ لِلْعِبَادَةِ وَإِنْ كَانَتْ رُكْنًا اج وَهَلَّا قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ الطَّوَافَ عَلَى الْوُقُوفِ؛ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ رَاعَى التَّرْتِيبَ الْخَارِجِيَّ وَانْظُرْ لِمَ أَخَّرَ الْأَرْكَانَ هُنَا مَعَ أَنَّهُ كَانَ الْمُنَاسِبُ تَقْدِيمَهَا أَوَّلَ الْبَابِ؟ . (قَوْلُهُ: أَيْ: نِيَّةُ الدُّخُولِ فِيهِ) فَسَّرَهُ فِيمَا سَبَقَ بِالدُّخُولِ فِي النُّسُكِ وَعَدَلَ هُنَا إلَى نِيَّةِ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّهُ الْمُلَائِمُ لِلرُّكْنِيَّةِ كَمَا قَالَهُ ع ش عَلَى م ر (فَرْعٌ) .

أَتَى بِأَعْمَالِ الْحَجِّ وَتَوَابِعِهِ، ثُمَّ شَكَّ فِي أَصْلِ النِّيَّةِ هَلْ كَانَ أَتَى بِهَا، أَوْ لَا؟ الْقِيَاسُ عَدَمُ إجْزَائِهِ وَهُوَ نَظِيرُ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا وَأَمَّا مَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ النَّاسِ مِنْ الْإِجْزَاءِ فَارَقَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ بِأَنَّ قَضَاءَهُ يَشُقُّ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ سم عَلَى حَجّ قَالَ ع ش عَلَى م ر: الْأَقْرَبُ الْإِجْزَاءُ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ شَكَّ فِي النِّيَّةِ بَعْدَ فَرَاغِ الصَّوْمِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ بِأَنَّهُمْ تَوَسَّعُوا فِي نِيَّةِ الْحَجِّ مَا لَمْ يَتَوَسَّعُوا فِي نِيَّةِ الصَّلَاةِ. قَوْلُهُ: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» أَيْ: مَعَ عَدَمِ جَبْرِهَا بِالدَّمِ وَإِلَّا فَالْحَدِيثُ وَحْدَهُ لَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهَا رُكْنًا بَلْ عَلَى وُجُوبِهَا.

(قَوْلُهُ: وَوُقُوفٌ بِعَرَفَةَ) فَإِنْ قُلْت فَلِمَ كَانَ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ أَوَّلَ أَرْكَانِ الْحَجِّ بَعْدَ الْإِحْرَامِ لِلْآتِي مِنْ طَرِيقِ مِصْرَ دُونَ الطَّوَافِ، أَوْ السَّعْيِ مَثَلًا. فَالْجَوَابُ أَنَّهُ إنَّمَا كَانَ أَوَّلَ الْأَرْكَانِ الْوُقُوفَ اقْتِدَاءً بِأَبِينَا آدَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَنَّهُ لَمَّا جَاءَ مِنْ بِلَادِ الْهِنْدِ بَعْدَ هُبُوطِهِ مِنْ الْجَنَّةِ إلَى مَكَّةَ كَانَ أَوَّلُ مَا لَاقَاهُ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ لِأَنَّهَا كَالْبَابِ الْأَوَّلِ لِلْمُلْكِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَيَلِيهِ مُزْدَلِفَةُ وَهِيَ كَالْبَابِ الثَّانِي لِازْدِلَافِهَا وَقُرْبِهَا مِنْ مَكَّةَ. فَإِنْ قُلْت فَلِمَ سُومِحَ الْحَاجُّ الْمِصْرِيُّ وَغَيْرُهُ بِالدُّخُولِ إلَى مَكَّةَ قَبْلَ الْوُقُوفِ؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّهُ إنَّمَا سَامَحَهُمْ الْحَقُّ تَعَالَى بِالدُّخُولِ رَحْمَةً بِالْخَلْقِ لِمَا عِنْدَ هُمْ مِنْ شِدَّةِ الشَّوْقِ إلَى رُؤْيَةِ بَيْتِ رَبِّهِمْ الْخَاصِّ فَكَانَ حُكْمُهُمْ حُكْمَ مَنْ هَاجَرَ إلَى دَارِ سَيِّدِهِ فَمَكَثَ بَيْنَ يَدَيْهِ يَنْتَظِرُ مَا يَأْمُرُهُ بِهِ السَّيِّدُ مِنْ الْأَعْمَالِ فَلَمَّا قَالَ لَهُ اذْهَبْ إلَى عَرَفَاتٍ الَّتِي ابْتَدَأَ مِنْهَا آدَم - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَا وَسِعَهُ إلَّا امْتِثَالُ أَمْرِ رَبِّهِ ذَكَرَهُ الْأُسْتَاذُ الشَّعْرَانِيُّ فِي الْمِيزَانِ. وَأُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّ الْمِصْرِيَّ لَمْ يَبْتَدِئْ بِالطَّوَافِ الَّذِي هُوَ رُكْنٌ اقْتِدَاءً بِأَبِينَا آدَمَ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى ابْتِدَائِهِ بِالطَّوَافِ اخْتِلَافُ التَّرْتِيبِ فِي الْأَرْكَانِ. قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ} [الحج: ٢٩] فِيهَا أَنَّهَا لَا تَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ رُكْنًا وَإِنَّمَا يُفْهَمُ مِنْهَا الْوُجُوبُ وَهُوَ يَصْدُقُ بِغَيْرِ الرُّكْنِيَّةِ وَكَذَا يُقَالُ فِي دَلِيلِ السَّعْيِ تَأَمَّلْ. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ يُضَمُّ لِلدَّلِيلِ قَوْلُنَا مَعَ عَدَمِ جَبْرِ كُلٍّ بِدَمٍ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ بَعْدُ (قَوْلُهُ: وَحَلْقٌ) فَإِنْ قُلْت لِمَ جَعَلَ رُكْنًا وَكَانَ لَهُ دَخْلٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>