للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَا يَرْتَفِعُ وَوَجَبَ عَلَى الْمُشْتَرِي مَا وَجَبَ فِي غَيْرِ مِثْلِيٍّ وَعَقَارٍ

[دَرْسٌ] (فَصْلٌ) فِي بُيُوعِ الْآجَالِ وَهِيَ بُيُوعٌ ظَاهِرُهَا الْجَوَازُ لَكِنَّهَا تُؤَدِّي إلَى مَمْنُوعٍ، وَلِذَا قَالَ (وَمَنَعَ) عِنْدَ مَالِكٍ وَمَنْ تَبِعَهُ (لِلتُّهْمَةِ) أَيْ لِأَجْلِ ظَنِّ قَصْدِ مَا مُنِعَ شَرْعًا سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ (مَا) أَيْ بَيْعٌ جَائِزٌ فِي الظَّاهِرِ (كَثُرَ قَصْدُهُ) أَيْ قَصْدُ النَّاسِ لَهُ لِلتَّوَصُّلِ إلَى الرِّبَا الْمَمْنُوعِ وَذَلِكَ (كَبَيْعٍ وَسَلَفٍ) أَيْ كَبَيْعٍ جَائِزٍ فِي الظَّاهِرِ يُؤَدِّي إلَى بَيْعٍ وَسَلَفٍ، فَإِنَّهُ يَمْنَعُ لِلتُّهْمَةِ عَلَى أَنَّهُمَا قَصْدُ الْبَيْعِ وَالسَّلَفِ الْمَمْنُوعِ كَأَنْ يَبِيعَ سِلْعَتَيْنِ بِدِينَارَيْنِ لِشَهْرٍ ثُمَّ يَشْتَرِي إحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ نَقْدًا فَآلَ أَمْرُ الْبَائِعِ إلَى أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ يَدِهِ سِلْعَةَ وَدِينَارًا نَقْدًا أَخَذَ عَنْهُمَا عِنْدَ الْأَجَلِ دِينَارَيْنِ أَحَدُهُمَا عَنْ السِّلْعَةِ وَهُوَ بَيْعٌ وَالْآخَرُ عَنْ الدِّينَارِ وَهُوَ سَلَفٌ وَلَكِنْ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ مَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّ مَنْعَ الْبَيْعِ وَالسَّلَفِ إذَا شَرَطَ الدُّخُولَ عَلَيْهِ بِالْفِعْلِ لَا الِاتِّهَامِ عَلَى ذَلِكَ، كَذَا قِيلَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا سَيَأْتِي لِلْمُصَنِّفِ مِنْ الْفُرُوعِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى ذَلِكَ (وَسَلَفٍ بِمَنْفَعَةٍ) أَيْ وَكَبَيْعٍ يُؤَدِّي إلَى ذَلِكَ كَبَيْعِهِ سِلْعَةً بِعَشَرَةٍ لِشَهْرٍ وَيَشْتَرِيهَا بِخَمْسَةٍ نَقْدًا فَآلَ أَمْرُهُ لِدَفْعِ خَمْسَةٍ نَقْدًا يَأْخُذُ عَنْهَا بَعْدَ الْأَجَلِ عَشَرَةً (لَا مَا قَلَّ) قَصْدُهُ فَلَا يَمْنَعُ لِضَعْفِ التُّهْمَةِ

ــ

[حاشية الدسوقي]

لَيْسَ مِنْ سَبَبِ الْمُشْتَرِي وَلَا بِقُدْرَتِهِ فَلَا يُتَّهَمُ عَلَى أَنَّهُ حَصَّلَهُ لِأَجْلِ أَنْ يُفَوِّتَ السِّلْعَةَ عَلَى رَبِّهَا بِحَيْثُ لَا تُرَدُّ لَهُ فَلِذَا إذَا عَادَ السُّوقَ الْأَوَّلَ مَا زَالَ فَوَاتُهَا عَلَى رَبِّهَا بَاقِيًا؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ مِنْ اللَّهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالصَّدَقَةِ وَالنَّقْلِ، فَإِنَّهُ يُتَّهَمُ عَلَى أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لِأَجْلِ فَوَاتِهَا عَلَى رَبِّهَا فَإِذَا حَصَلَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حَكَمْنَا بِالْفَوَاتِ نَظَرًا لِظَاهِرِ الْحَالِ فَإِذَا زَالَ ذَلِكَ الْمُفِيتُ حَكَمْنَا بِزَوَالِ حُكْمِهِ وَعَدَمِ الرَّدِّ نَظَرًا لِلِاتِّهَامِ وَلَا يُقَالُ: إنَّ تَغَيُّرَ الذَّاتِ لَيْسَ مِنْ سَبَبِهِ لِأَنَّا نَقُولُ: قَدْ يَحْصُلُ مِنْهُ بِتَجْوِيعٍ أَوْ تَفْرِيطٍ فِي صَوْنِهِ وَحَمْلِ الْغَالِبِ عَلَى غَيْرِهِ طَرْدًا لِلْبَابِ عَلَى وَتِيرَةٍ وَاحِدَةٍ.

(قَوْلُهُ: فَلَا يَرْتَفِعُ) أَيْ حُكْمُ الْمُفِيتِ الَّذِي هُوَ عَدَمُ الرَّدِّ بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى حَالِهِ.

(قَوْلُهُ: مَا وَجَبَ فِي غَيْرِ مِثْلِيٍّ وَعَقَارٍ) أَيْ وَهُوَ الْحَيَوَانُ وَالْعُرُوضُ، وَأَمَّا الْمِثْلِيُّ وَالْعَقَارُ فَقَدْ مَرَّ أَنَّهُمَا لَا يَفُوتَانِ بِتَغَيُّرِ الْأَسْوَاقِ

[فَصْلٌ فِي بُيُوعِ الْآجَالِ]

(قَوْلُهُ: تُؤَدِّي إلَى مَمْنُوعٍ) أَيْ وَهُوَ اجْتِمَاعُ بَيْعٍ وَسَلَفٍ أَوْ سَلَفٍ جَرَّ مَنْفَعَةً أَوْ ضَمَانٍ بِجُعْلٍ.

(قَوْلُهُ: وَمُنِعَ لِلتُّهْمَةِ) إمَّا عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ وَفَسَدَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ بِنَاءً عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ السَّعْدُ فِي شَرْحِ تَصْرِيفِ الْغَزِّيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّ الْفَصْلَ بِالتَّرْجَمَةِ لَيْسَ مَانِعًا مِنْ الْعَطْفِ فَوُجُودُهُ لَا يَضُرُّ؛ لِأَنَّهُ جُمْلَةٌ مُعْتَرَضَةٌ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ أَوْ أَنَّ الْوَاوَ لِلِاسْتِئْنَافِ لِمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ هِشَامٍ فِي شَرْحِ بَانَتْ سُعَادُ مِنْ أَنَّ أَكْثَرَ مَا تَقَعُ وَاوُ الِاسْتِئْنَافِ فِي أَوَائِلِ الْفُصُولِ وَالْأَبْوَابِ وَمَطَالِعِ الْقَصَائِدِ.

(قَوْلُهُ مَا كَثُرَ إلَخْ) نَائِبُ فَاعِلِ مُنِعَ أَيْ مُنِعَ الْبَيْعُ الَّذِي كَثُرَ قَصْدُ النَّاسِ إلَيْهِ لِأَجْلِ التُّهْمَةِ وَظَاهِرُهُ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ فَاعِلُهُ وَفِي الْمَوَّاقِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ لَا إثْمَ عَلَى فَاعِلِهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حَيْثُ لَمْ يَقْصِدْ الْأَمْرَ الْمَمْنُوعَ وَقَوْلُهُ: كَبَيْعِ إلَخْ مِثَالٌ لِمَا كَثُرَ قَصْدُهُ وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ أَيْ كَبَيْعٍ يُؤَدِّي لِبَيْعٍ وَسَلَفٍ.

(قَوْلُهُ: كَبَيْعٍ وَسَلَفٍ) أَدْخَلَتْ الْكَافُ الصَّرْفَ الْمُؤَخَّرَ وَالدَّيْنَ بِالدَّيْنِ وَالْمُبَادَلَةُ الْمُتَأَخِّرَةُ فَالْبَيْعُ الْمُؤَدِّي لِشَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ مَمْنُوعٌ لِكَثْرَةِ قَصْدِ النَّاسِ إلَيْهِ لِلتَّوَصُّلِ لِلْمَمْنُوعِ الْمَذْكُورِ.

(قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُمْنَعُ لِلتُّهْمَةِ عَلَى أَنَّهُمَا قَصَدَا الْبَيْعَ وَالسَّلَفَ الْمَمْنُوعَ) أَيْ لِأَنَّ التُّهْمَةَ عَلَى قَصْدِ ذَلِكَ تَنْزِلُ مَنْزِلَةَ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ وَالنَّصُّ عَلَيْهِ بِالْفِعْلِ.

(قَوْلُهُ: فَآلَ أَمْرُ الْبَائِعِ إلَى أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ يَدِهِ سِلْعَةً وَدِينَارًا) أَيْ لِأَنَّ السِّلْعَةَ الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ يَدِهِ ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهَا مُلْغَاةٌ.

(قَوْلُهُ: كَذَا قِيلَ) قَائِلُهُ عبق قَالَ ح اعْلَمْ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي مَنْعِ صَرِيحِ بَيْعٍ وَسَلَفٍ، وَكَذَلِكَ مَا أَدَّى إلَيْهِ وَهُوَ جَائِزٌ فِي ظَاهِرِهِ لَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ فِي مَنْعِهِ صَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ بَشِيرٍ وَتَابِعُوهُ وَغَيْرُهُمْ انْتَهَى فَقَوْلُ عبق وَمَا ذَكَرَهُ هُنَا ضَعِيفٌ إلَخْ غَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا عَلِمْت وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ مَا هُنَا وَمَا تَقَدَّمَ وَذَلِكَ لِأَنَّ الصُّوَر ثَلَاثٌ: بَيْعٌ وَسَلَفٌ بِشَرْطٍ وَلَوْ بِجَرَيَانِ الْعُرْفِ وَهَذِهِ هِيَ الَّتِي تَكَلَّمَ الْمُصَنِّفُ عَلَى مَنْعِهَا سَابِقًا، وَبَيْعٌ وَسَلَفٌ بِلَا شَرْطٍ لَا صَرَاحَةَ وَلَا حُكْمًا وَهَذِهِ هِيَ الَّتِي أَجَازُوهَا وَقَدْ ذَكَرَهَا الشَّارِحُ فِيمَا مَرَّ وَتُهْمَةُ بَيْعٍ وَسَلَفٍ وَذَلِكَ حَيْثُ يَتَكَرَّرُ الْبَيْعُ وَهِيَ الَّتِي تَكَلَّمَ عَلَى مَنْعِهَا الْمُصَنِّفُ هُنَا فَمَا أَجَازُوهُ سَابِقًا غَيْرُ مَا مَنَعُوهُ هُنَا؛ لِأَنَّ مَا هُنَا فِيهِ التُّهْمَةُ بِالدُّخُولِ عَلَى شَرْطِ بَيْعٍ وَسَلَفٍ اُنْظُرْ بْن.

(قَوْلُهُ: وَسَلَفٌ بِمَنْفَعَةٍ) هَذَا مِثَالٌ ثَانٍ لِمَا كَثُرَ قَصْدُ النَّاسِ إلَيْهِ لِأَجْلِ التَّوَصُّلِ لِلْمَمْنُوعِ، فَإِنْ قُلْت: الْبَيْعُ إنَّمَا مُنِعَ لِأَدَائِهِ لِسَلَفٍ جَرَّ نَفْعًا فَكَانَ يُغْنِي عَنْ قَوْلِهِ كَبَيْعٍ وَسَلَفٍ. قَوْلُهُ: وَسَلَفٌ بِمَنْفَعَةٍ قُلْت الشَّيْءُ قَدْ يَكُونُ مَقْصُودًا لِذَاتِهِ كَسَلَفٍ بِمَنْفَعَةٍ وَقَدْ يَكُونُ وَسِيلَةً كَالْبَيْعِ وَالسَّلَفِ فَبَيَّنَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَقْتَضِي الْمَنْعَ، فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى مَا يُقْصَدُ لِذَاتِهِ لَمْ يُعْلَمْ حُكْمَ كَثْرَةِ الْقَصْدِ لِمَا يَكُونُ وَسِيلَةً ضَرُورَةَ أَنَّ قَصْدَ الْمَقَاصِدِ أَقْوَى مِنْ قَصْدِ الْوَسَائِلِ.

(قَوْلُهُ: فَآلَ أَمْرُهُ لِدَفْعِ إلَخْ) أَيْ فَآلَ أَمْرُ الْبَائِعِ إلَى أَنَّ شَيْئَهُ رَجَعَ إلَيْهِ وَدَفَعَ الْآنَ خَمْسَةً يَأْخُذُ عَنْهَا بَعْدَ ذَلِكَ عَشَرَةً.

(قَوْلُهُ: لَا مَا قَلَّ) أَيْ لَا يُمْنَعُ بَيْعٌ جَائِزٌ فِي الظَّاهِرِ قَلَّ قَصْدُ النَّاسِ إلَيْهِ لِلتَّوَصُّلِ إلَى مَمْنُوعٍ لِضَعْفِ التُّهْمَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>