للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَأَشْتَرِيهَا) مِنْك (بِعَشَرَةٍ نَقْدًا) فَمَمْنُوعٌ لِلسَّلَفِ بِزِيَادَةٍ؛ لِأَنَّهُ يُسْلِفُهُ عَشَرَةً عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَهَا لَهُ بِاثْنَيْ عَشَرَ (فَتَلْزَمُ) الْآمِرَ (بِالْمُسَمَّى) الْحَلَالِ، وَهُوَ الِاثْنَا عَشَرَ لِأَجَلِهَا (وَلَا تُعَجَّلُ الْعَشَرَةُ) لِلْمَأْمُورِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى السَّلَفِ بِزِيَادَةٍ (وَإِنْ عُجِّلَتْ أُخِذَتْ) أَيْ رُدَّتْ لِلْآمِرِ، وَلَوْ غَابَ عَلَيْهَا الْمَأْمُورُ وَلَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ (وَلَهُ جُعْلُ مِثْلِهِ) زَادَ عَلَى الدِّرْهَمَيْنِ، أَوْ نَقَصَ (وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لِي) فِي الْفَرْضِ الْمَذْكُورِ فَهَذَا ثَانِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ، وَهُوَ تَمَامُ السِّتَّةِ الْأَقْسَامِ الْمَمْنُوعَةِ (فَهَلْ لَا يُرَدُّ الْبَيْعُ) الثَّانِي بِالْعَشَرَةِ نَقْدًا (إذَا فَاتَ) بَلْ يَمْضِي بِالْعَشَرَةِ نَقْدًا وَعَلَى الْمَأْمُورِ الِاثْنَا عَشَرَ لِلْأَجَلِ يُؤَدِّيهَا لِبَائِعِهِ عِنْدَهُ (وَلَيْسَ عَلَى الْآمِرِ إلَّا الْعَشَرَةَ) الَّتِي أَمَرَ بِهَا (أَوْ يَفْسَخُ) الْبَيْعَ (الثَّانِي مُطْلَقًا) فَاتَ، أَوْ لَمْ يَفُتْ لَكِنْ تُرَدُّ إنْ كَانَتْ قَائِمَةً، وَإِلَّا فَالْقِيمَةُ يَوْمَ قَبْضِهَا وَحِينَئِذٍ فَالْقَوْلَانِ مُتَّفِقَانِ عَلَى الرَّدِّ إنْ لَمْ تَفُتْ، وَالْخِلَافُ بَيْنَهُمَا إنْ فَاتَتْ فَأَحَدُهُمَا الْإِمْضَاءُ بِالثَّمَنِ، وَالثَّانِي لُزُومُ الْقِيمَةِ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ (إلَّا أَنْ يَفُوتَ) أَيْ الْبَيْعُ (فَالْقِيمَةُ) أَنَّهُ لَا فَسْخَ مَعَ الْفَوَاتِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَهُوَ إمَّا إيضَاحٌ يُغْنِي عَنْهُ الْإِطْلَاقُ، أَوْ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ مُقَدَّرٍ أَيْ وَتُرَدُّ بِعَيْنِهَا إلَّا إلَخْ (قَوْلَانِ) . .

[دَرْسٌ] (فَصْلٌ) فِي أَحْكَامِ الْخِيَارِ، وَهُوَ قِسْمَانِ خِيَارُ تَرَوٍّ أَيْ تَأَمُّلٍ وَنَظَرٍ لَلْبَائِعَيْنِ، أَوْ لِغَيْرِهِمَا وَخِيَارُ نَقِيصَةٍ، وَهُوَ مَا كَانَ مُوجِبُهُ نَقْصًا فِي الْمَبِيعِ مِنْ عَيْبٍ، أَوْ اسْتِحْقَاقٍ وَيُسَمَّى الْحُكْمِيَّ؛ لِأَنَّهُ جَرَّ إلَيْهِ الْحُكْمَ وَأَشَارَ لِلْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ (إنَّمَا الْخِيَارُ بِشَرْطٍ) أَيْ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالشَّرْطِ أَيْ لَا بِالْمَجْلِسِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مَعْمُولًا بِهِ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ عَمَلَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى خِلَافِهِ، وَإِنْ وَرَدَ بِهِ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ وَلَمَّا كَانَتْ مُدَّةُ الْخِيَارِ تَخْتَلِفُ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ بَيْنَهَا بِقَوْلِهِ وَمُدَّتُهُ (كَشَهْرٍ) أَيْ شَهْرٍ وَسِتَّةِ أَيَّامٍ (فِي دَارٍ) وَمِثْلِهَا

ــ

[حاشية الدسوقي]

فَسَخَ فَظَاهِرٌ عَدَمُ الْجَوَازِ، وَإِنْ أَمْضَى فَقَدْ أَخَذَهُ.

(قَوْلُهُ وَالْأَظْهَرُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا جُعْلَ لَهُ) أَيْ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَابْنُ زَرْقُونٍ وَلِاخْتِيَارِ ابْنِ زَرْقُونٍ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِالْأَصَحِّ وَبِهَذَا يَسْقُطُ تَعَقُّبُ الْمَوَّاقِ عَلَى الْمُؤَلِّفِ بِقَوْلِهِ لَعَلَّ الْوَاوَ فِي قَوْلِهِ وَالْأَصَحُّ أَقْحَمَهَا النَّاسِخُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ اعْتِمَادَ الْمَوَّاقِ عَلَى ابْنِ عَرَفَةَ، وَهُوَ لَمْ يَذْكُرْ كَلَامَ ابْنِ زَرْقُونٍ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ الثَّانِيَةَ ذَاتُ أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا قَوْلَيْنِ، وَالثَّالِثُ أَنَّ لَهُ أَجْرَ مِثْلِهِ بِخِلَافِ الْأُولَى فَفِيهَا قَوْلَانِ لَهُ الْأَقَلُّ، أَوْ أَجْرُ مِثْلِهِ وَلَيْسَ فِيهَا الثَّالِثُ الَّذِي اسْتَظْهَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَصِحُّ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِيهِمَا بِالنِّسْبَةِ لِلْأُولَى؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْقَوْلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ جَارِيَانِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ كَذَا اعْتَرَضَهُ الْمَوَّاقُ وَرَدَّهُ بْن بِأَنَّ ابْنَ رُشْدٍ ذَكَرَ هَذَا الْقَوْلَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَيْضًا وَنَقَلَ ح كَلَامَهُ فَانْظُرْهُ. .

(قَوْلُهُ يَجُوزُ) ظَاهِرُهُ الْجَوَازُ، وَلَوْ كَانَ نَقَدَ الْآمِرُ بِشَرْطٍ اشْتَرَطَهُ الْمَأْمُورُ عَلَيْهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا فِي عبق (قَوْلُهُ مَحَلُّهُمَا إلَخْ) هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ وَفِي التَّوْضِيحِ لَمَّا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ قَالَ مَا نَصُّهُ: وَاخْتَلَفَ فِيهَا قَوْلُ مَالِكٍ فَمَرَّةً أَجَازَ إذَا كَانَتْ الْبَيْعَتَانِ نَقْدًا وَانْتَقَدَ الْآمِرُ وَمَرَّةً كَرِهَهُ لِلْمُرَاوَضَةِ الَّتِي وَقَعَتْ بَيْنَهُمَا فِي السِّلْعَةِ قَبْلَ أَنْ تَصِيرَ فِي مِلْكِ الْمَأْمُورِ اهـ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنْ مَحَلَّ الْقَوْلَيْنِ إذَا نَقَدَ الْآمِرُ اهـ. بْن (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الْآمِرُ يُسْلِفُهُ إلَخْ هَذَا التَّعْلِيلُ أَصْلُهُ لتت وَالشَّيْخِ سَالِمٍ وَكَأَنَّهُمَا رَأَيَا أَنَّ لِآمِرٍ سَلَفَ عَشْرَةٍ لِلْمَأْمُورِ؛ لِيَدْفَعَ لَهُ عَنْهَا عِنْدَ الْأَجَلِ اثْنَا عَشَرَ، وَهُوَ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ السَّلَفَ لَمْ يَكُنْ لِلزِّيَادَةِ الْمَذْكُورَةِ بَلْ لِأَجْلِ تَوْلِيَةِ الشِّرَاءِ فَالْأَحْسَنُ عِبَارَةُ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَالْبَيَانِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَ الْمَأْمُورَ عَلَى أَنْ يَبْتَاعَ لَهُ السِّلْعَةَ بِسَلَفِ عَشْرَةِ دَنَانِيرَ يَدْفَعُهَا إلَيْهِ يَنْتَفِعُ بِهَا إلَى الْأَجَلِ، ثُمَّ يَرُدَّهَا إلَيْهِ وَالْآمِرُ يَدْفَعُ الِاثْنَيْ عَشَرَ عِنْدَ الْأَجَلِ لِلْبَائِعِ الْأَصْلِيِّ، وَنَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ وَالْمَوَّاقِ اهـ. بْن (قَوْلُهُ فَهَلْ لَا يُرَدُّ) أَيْ فَهَلَّا يُرَدُّ الْبَيْعُ الثَّانِي إذَا فَاتَ السِّلْعَةُ وَتَلْزَمُ الْقِيمَةُ، وَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً رُدَّتْ بِذَاتِهَا وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ (قَوْلُهُ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ الْأَجَلِ (قَوْلُهُ أَيْ وَتُرَدُّ بِعَيْنِهَا إلَخْ) أَيْ وَهَذَا الثَّانِي أَحْسَنُ. .

[فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْخِيَارِ]

(فَصْلٌ إنَّمَا الْخِيَارُ بِشَرْطٍ) (قَوْلُهُ عِنْدَنَا) أَيْ خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ فَإِنَّهُ مَعْمُولٌ بِهِ عِنْدَهُمْ وَوَافَقَهُمْ ابْنُ حَبِيبٍ مِنْ أَئِمَّتِنَا وَالسُّيُورِيُّ وَعَبْدُ الْحَمِيدِ الصَّائِغُ وَعَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ عَدَمِ الْعَمَلِ بِهِ فَاشْتِرَاطُهُ مُفْسِدٌ لِلْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُدَّةِ الْمَجْهُولَةِ الْآتِيَةِ (قَوْلُهُ، وَإِنْ وَرَدَ بِهِ الْحَدِيثُ) أَيْ، وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» وَهَذَا الْحَدِيثُ، وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا لَكِنَّ صِحَّتَهُ لَا تُنَافِي أَنَّهُ خَبَرُ آحَادٍ وَعَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ عِنْدَ مَالِكٍ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ عَمَلَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ كَالْمُتَوَاتِرِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْإِجْمَاعِيَّاتِ، وَالْمُتَوَاتِرُ يُفِيدُ الْقَطْعَ بِخِلَافِ خَبَرِ الْآحَادِ فَإِنَّمَا يُفِيدُ الظَّنَّ وَنَقَلَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّ الْحَدِيثَ مَنْسُوخٌ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ حَمَلَ التَّفَرُّقَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى تَفَرُّقِ الْأَقْوَالِ لَا عَلَى تَفَرُّقِ الْأَبَدَانِ كَمَا حَمَلَ الشَّافِعِيُّ (قَوْلُهُ خِيَارُ تَرَوٍّ) أَيْ وَيُقَالُ لَهُ: خِيَارٌ شَرْطِيٍّ، وَهُوَ الَّذِي يَنْصَرِفُ لَهُ لَفْظُ الْخِيَارِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ (قَوْلُهُ وَلَمَّا كَانَتْ مُدَّةُ الْخِيَارِ تَخْتَلِفُ إلَخْ) أَيْ لَمَا كَانَتْ مُدَّةُ الْخِيَارِ تَخْتَلِفُ عِنْدَنَا إلَخْ أَيْ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ الْقَائِلَيْنِ بِأَنَّ مُدَّةَ الْخِيَارِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فِي كُلِّ شَيْءٍ (قَوْلُهُ كَشَهْرِ) أَيْ أَنَّهُ إذَا شَرَطَ الْخِيَارَ فِي دَارٍ فَإِنَّ مُدَّتَهُ لَا تَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ شَهْرٍ وَسِتَّةِ أَيَّامٍ فَلَا يُنَافِي أَنَّهَا قَدْ تَكُونُ أَقَلَّ مِنْ شَهْرٍ وَأَشَارَ الشَّارِحُ بِتَقْدِيرِ مُدَّتِهِ إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ كَشَهْرٍ مِثَالٌ لِمُقَدَّرٍ وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>