للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بَابٌ فِي الرَّهْنِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَهُوَ لُغَةً اللُّزُومُ وَالْحَبْسُ وَعُرْفًا مَا أَشَارَ لَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ مَا قُبِضَ تَوَثُّقًا بِهِ فِي دَيْنٍ فَتَخْرُجُ الْوَدِيعَةُ وَالْمَصْنُوعُ عِنْدَ صَانِعِهِ وَقَبْضُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ عَبْدًا جَنَى عَلَيْهِ كَمَا قَالَ وَعَرَّفَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ بِقَوْلِهِ (الرَّهْنُ بَذْلُ) أَيْ إعْطَاءُ (مَنْ لَهُ الْبَيْعُ) صِحَّةً وَلُزُومًا (مَا يُبَاعُ) مِنْ كُلِّ طَاهِرٍ مُنْتَفَعٍ بِهِ مَقْدُورٍ عَلَى تَسْلِيمِهِ مَعْلُومٍ غَيْرِ مَنْهِيٍّ عَنْهُ، وَدَخَلَ فِيهِ رَهْنُ الدَّيْنِ فَيَجُوزُ مِنْ الْمَدِينِ وَغَيْرِهِ وَانْظُرْ تَفْصِيلَ الْمَسْأَلَةِ فِي الْأَصْلِ، وَلَمَّا كَانَ قَوْلُهُ مَا يُبَاعُ يُخْرِجُ مَا فِيهِ غَرَرٌ مَعَ أَنَّهُ يَجُوزُ رَهْنُهُ عَطَفَهُ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (أَوْ غَرَرًا) أَيْ ذَا غَرَرٍ (وَلَوْ اُشْتُرِطَ فِي الْعَقْدِ)

ــ

[حاشية الدسوقي]

مِنْ بَيْعٍ مُنِعَتْ الْمُقَاصَّةُ فِيهِمَا مُطْلَقًا لِضَعْ وَتَعَجَّلْ أَوْ حُطَّ الضَّمَانَ وَأَزِيدُك وَإِنْ كَانَا مِنْ قَرْضٍ مُنِعَتْ الْمُقَاصَّةُ فِيهِمَا أَيْضًا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَجْوَدُ أَقْرَبَ لِضَعْ وَتَعَجَّلْ أَوْ لِسَلَفٍ جَرَّ نَفْعًا وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مِنْ بَيْعٍ وَالْآخَرُ مِنْ قَرْضٍ مُنِعَتْ الْمُقَاصَّةُ أَيْضًا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَجْوَدُ مِنْ بَيْعٍ أَقْرَبَ أَوْ حَالًّا.

[بَابٌ فِي الرَّهْنِ]

(قَوْلُهُ فِي الرَّهْنِ) أَيْ فِي ذِكْرِ حَقِيقَتِهِ، وَقَوْلُهُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ أَيْ فِي الْمَسَائِلِ (قَوْلُهُ اللُّزُومُ وَالْحَبْسُ) قَالَ تَعَالَى {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: ٣٨] أَيْ مَحْبُوسَةٌ (قَوْلُهُ كَمَا قَالَ) أَيْ ابْنُ عَرَفَةَ وَاعْتَرَضَهُ الْوَانُّوغِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَشْمَلُ مِنْ الرَّهْنِ إلَّا مَا هُوَ مَقْبُوضٌ فَظَاهِرُهُ أَنَّ غَيْرَ الْمَقْبُوضِ لَا يُسَمَّى رَهْنًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ لَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الْقَبْضَ لَيْسَ مِنْ حَقِيقَةِ الرَّهْنِ وَلَا شَرْطًا فِي صِحَّتِهِ وَلَا لُزُومِهِ بَلْ يَنْعَقِدُ وَيَصِحُّ وَيَلْزَمُ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ، ثُمَّ يَطْلُبُ الْمُرْتَهِنُ الْإِقْبَاضَ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ يَصِحُّ الرَّهْنُ قَبْل الْقَبْضِ وَلَا يَتِمُّ إلَّا بِهِ فَأَنْتَ تَرَى الْقَبْضَ وَالْإِقْبَاضَ مُتَأَخِّرَيْنِ عَنْ الرَّهْنِ وَالْمُتَأَخِّرُ عَنْ الشَّيْءِ غَيْرُهُ ضَرُورَةَ أَنَّهُ لَيْسَ عَيْنًا وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ يَتَوَجَّهُ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَيْضًا وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْإِعْطَاءِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالْقَبْضِ فِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ الْإِعْطَاءَ أَوْ الْقَبْضَ الْحِسِّيَّ بَلْ الْمَعْنَوِيَّ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالْعَقْدِ أَيْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فَتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ وَعَرَّفَهُ الْمُصَنِّفُ بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ) أَيْ بِنَاءً عَلَى الِاسْتِعْمَالِ الْقَلِيلِ، وَأَمَّا ابْنُ عَرَفَةَ فَعَرَّفَهُ بِالْمَعْنَى الِاسْمِيِّ بِنَاءً عَلَى الِاسْتِعْمَالِ الْكَثِيرِ (قَوْلُهُ مَنْ لَهُ الْبَيْعُ) أَيْ مَنْ فِيهِ أَهْلِيَّةُ الْبَيْعِ صِحَّةً وَهُوَ الْمُمَيِّزُ وَلُزُومًا وَهُوَ الْمُكَلَّفُ الرَّشِيدُ فَمَنْ يَصِحُّ بَيْعُهُ يَصِحُّ رَهْنُهُ، وَمَنْ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ لَا يَصِحُّ رَهْنُهُ فَلَا يَصِحُّ مِنْ مَجْنُونٍ وَلَا مِنْ صَبِيٍّ لَا مَيْزَ لَهُ وَيَصِحُّ مِنْ الْمُمَيِّزِ وَالسَّفِيهِ وَالْعَبْدِ وَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ وَلِيِّهِمْ أَيْ إنْ اشْتَرَطَ فِي صُلْبِ عَقْدِ الْبَيْعِ أَوْ الْقَرْضِ وَإِلَّا فَهُوَ تَبَرُّعٌ بَاطِلٌ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا وَيَلْزَمُ مِنْ الْمُكَلَّفِ الرَّشِيدِ كَالْبَيْعِ، فَإِنْ قُلْت الْمَرِيضُ يَصِحُّ بَيْعُهُ دُونَ رَهْنِهِ فَلَا يَتِمُّ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ قُلْتُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ مِنْ جَوَازِ بَيْعِ الْمَرِيضِ وَرَهْنِهِ فَلَا بَحْثَ حِينَئِذٍ لَكِنْ مَا فِي الْوَثَائِقِ مِنْ الْجَوَازِ مَحْمُولٌ عَلَى رَهْنٍ فِي مُعَامَلَةٍ جَدِيدَةٍ وَمَحَلُّ الْمَنْعِ فِي كَلَامِهِمْ فِي دَيْنٍ سَابِقٍ عَلَى مَرَضِهِ (قَوْلُهُ فَيَجُوزُ مِنْ الْمَدِينِ وَغَيْرِهِ) أَيْ فَيَجُوزُ رَهْنُهُ لِلْمَدِينِ وَلِغَيْرِهِ فَمِنْ بِمَعْنَى اللَّامِ، فَالْأَوَّلُ كَمَا لَوْ كَانَ لِي دَرَاهِمُ دَيْنًا عَلَى زَيْدٍ وَلَهُ عَلَيَّ طَعَامٌ أَوْ عَرْضٌ دَيْنًا فَأَجْعَلُ الدَّيْنَ الَّذِي عَلَيَّ رَهْنًا فِي الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ وَالثَّانِي كَمَا لَوْ كَانَ لِي دَيْنٌ عَلَى زَيْدٍ وَزَيْدٌ لَهُ دَيْنٌ عَلَى عَمْرٍو فَيَرْهَنُنِي زَيْدٌ دَيْنَهُ الَّذِي عَلَى عَمْرٍو فِي دَيْنِي الَّذِي عَلَيْهِ بِأَنْ يَدْفَعَ لِي وَثِيقَةَ الدَّيْنِ الَّذِي لَهُ عَلَى عَمْرٍو حَتَّى يَقْضِيَنِي دَيْنِي (قَوْلُهُ فِي الْأَصْلِ) مُرَادٌ بِهِ شَرْحُ الشَّيْخِ عَبْدِ الْبَاقِي الزَّرْقَانِيِّ، وَحَاصِلُ مَا فِي الْمَسْأَلَةِ مِنْ التَّفْصِيلِ أَنَّهُ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ رَهْنُ الدَّيْنِ لِلْمَدِينِ لَا بُدَّ فِي صِحَّةِ الرَّهْنِ سَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنَانِ مِنْ بَيْعٍ أَوْ مِنْ قَرْضٍ أَنْ يَكُونَ أَجَلُ الدَّيْنِ الرَّهْنِ مِثْلَ أَجْلِ الدَّيْنِ الَّذِي فِيهِ الرَّهْنُ أَوْ يَكُونَ أَبْعَدَ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ أَجْلُ الدَّيْنِ الرَّهْنِ أَقْرَبَ أَوْ كَانَ الدَّيْنُ الرَّهْنُ حَالًّا مُنِعَ الرَّهْنُ لِأَدَائِهِ لَا سَلِّفْنِي وَأُسَلِّفُك إنْ كَانَ الدَّيْنَانِ مِنْ قَرْضٍ وَلِأَدَائِهِ لِاجْتِمَاعِ بَيْعٍ وَسَلَفٍ إنْ كَانَا مِنْ بَيْعٍ وَذَلِكَ لِأَنَّ دَيْنَ الرَّهْنِ إذَا كَانَ أَقْرَبَ أَجَلًا بَقَاؤُهُ بَعْدَ حُلُولِهِ عِنْدَ الْمَدِينِ حَتَّى يَحِلَّ الدَّيْنُ الْمَرْهُونُ فِيهِ يُعَدُّ سَلَفًا وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الرَّهْنُ حَالًّا فَبَقَاؤُهُ عِنْدَ الْمَدِينِ إلَى حُلُولِ أَجَلِ الْمُؤَجَّلِ يُعَدُّ سَلَفًا وَهُوَ مُصَاحِبٌ لِلْبَيْعِ أَوْ الْقَرْضِ وَمَا فِي الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ رَهْنُ الدَّيْنِ لِغَيْرِ الْمَدِينِ فَالشَّرْطُ فِي صِحَّتِهِ قَبْضُهُ بِالْإِشْهَادِ عَلَى حَوْزِهِ وَدَفْعُ الْوَثِيقَةِ لِلْمُرْتَهَنِ، وَأَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَالْمُرْتَهِنِ فَشَرْطُ كَمَالٍ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ (قَوْلُهُ أَيْ ذَا غَرَرٍ) أَيْ لِأَنَّ الْآبِقَ مَثَلًا إذَا كَانَ رَهْنًا كَانَ ذَا غَرَرٍ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ وُجُودَهُ وَقْتَ الرَّهْنِ وَعَدَمَهُ وَعَلَى الْأَوَّلِ يُحْتَمَلُ الْقَبْضُ عَلَيْهِ وَعَدَمُهُ وَلَيْسَ الْعَبْدُ نَفْسَ الْغَرَرِ (قَوْلُهُ وَلَوْ اشْتَرَطَ فِي الْعَقْدِ) أَيْ هَذَا إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ رَهْنَهُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ بِأَنْ وَقَعَ الرَّهْنُ تَطَوُّعًا بَلْ وَلَوْ اشْتَرَطَ رَهْنَهُ فِي حَالِ عَقْدِ الْبَيْعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>