للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اشْتَرَاهُ بِغَبْنٍ كَثِيرٍ (وَمُخَالَفَتُهُ تَرَدُّدٌ) وَسَيَأْتِي لَهُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي الْعَارِيَّةِ مُفَصَّلَةً مُوَضَّحَةً فَلَوْ حَذَفَهَا مِنْ هُنَا لَسَلِمَ مِنْ الْإِبْهَامِ وَالْإِجْمَالِ وَالْإِبْهَامُ حَيْثُ عَبَّرَ بِتَرَدُّدِ مَكَانِ التَّأْوِيلِ وَمِنْ التَّكْرَارِ الْآتِي فِي مَحَلِّهِ عَلَيْهِ رِضْوَانُ اللَّهِ وَتَحِيَّتُهُ وَبَرَكَاتُهُ

[دَرْسٌ] (فَصْلٌ) فِي الْمُزَارَعَةِ وَهِيَ الشِّرْكَةُ فِي الزَّرْعِ وَعَقْدُهَا غَيْرُ لَازِمٍ قَبْلَ الْبَذْرِ كَمَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ (لِكُلٍّ) مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ عَلَى شِرْكَةِ زَرْعٍ (فُسِخَ) عَقْدُ (الْمُزَارَعَةِ) أَيْ الرُّجُوعُ وَالِانْفِصَالُ عَنْهُ (إنْ لَمْ يَبْذُرْ) أَيْ يَطْرَحْ الْحَبَّ وَمَا فِي مَعْنَاهُ عَلَى الْأَرْضِ فَلَا تَلْزَمُ بِالْعَقْدِ وَلَا بِالْعَمَلِ قَبْلَ الْبَذْرِ وَلَوْ كَثُرَ كَحَرْثٍ وَتَسْوِيَةِ أَرْضٍ وَإِجْرَاءِ مَاءٍ عَلَيْهَا عَلَى الْأَرْجَحِ وَتَلْزَمُ بِالْبَذْرِ، وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ عَمَلٌ وَإِنَّمَا لَمْ تَلْزَمْ بِالْعَقْدِ كَشِرْكَةِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ قِيلَ بِمَنْعِهَا فَضَعُفَ أَمْرُهَا فَاحْتِيجَ فِي لُزُومِهَا لِأَمْرٍ قَوِيٍّ وَهُوَ الْبَذْرُ وَهَلْ إذَا بَذَرَ الْبَعْضَ تَلْزَمُ فِي الْجَمِيعِ أَوْ فِيمَا بَذَرَ فَقَطْ أَوْ إنْ بَذَرَ الْأَكْثَرَ لَزِمَتْ فِي الْجَمِيعِ وَالْأَقَلِّ فَكَالْعَدِمِ وَإِنْ بَذَرَ النِّصْفَ فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ

(وَصَحَّتْ) بِشُرُوطٍ أَرْبَعَةٍ أَشَارَ لِأَوَّلِهَا بِقَوْلِهِ (إنْ سَلِمَا) أَيْ الْمُتَعَاقِدَانِ (مِنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِمَمْنُوعٍ) بِأَنْ لَا تَقَعَ الْأَرْضُ أَوْ بَعْضُهَا فِي مُقَابَلَةِ بَذْرٍ أَوْ طَعَامٍ أَوْ مَا تُنْبِتُهُ

ــ

[حاشية الدسوقي]

هَذَا لَيْسَ مُرْتَبِطًا بِقَوْلِهِ وَنُدِبَ إعَارَةُ جِدَارِهِ لِغَرْزِ خَشَبَةٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ بَلْ مَحْذُوفٌ بَعْدَ قَوْلِهِ خَشَبَةً أَيْ وَعَرْصَتُهُ لِبِنَاءٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَفِيهَا إلَخْ.

وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مَنْ أَعَارَ عَرْصَتَهُ لِجَارِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ لِيَبْنِيَ أَوْ لِيَغْرِسَ فِيهَا وَلَمْ تَقَيَّدْ تِلْكَ الْعَارِيَّةُ بِأَجَلٍ فَلَمَّا فَعَلَ الْمُسْتَعِيرُ الْبِنَاءَ أَوْ الْغَرْسَ أَرَادَ الْمُعِيرُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْمُدَّةِ الْمُعْتَادَةِ فِي الْإِعَارَةِ لِلْبِنَاءِ أَوْ الْغَرْسِ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ الرُّجُوعِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ الْمُعْتَادَةِ إلَّا إذَا دَفَعَ الْمُعِيرُ لِلْمُسْتَعِيرِ مَا أَنْفَقَهُ فِي الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ كَذَا ذُكِرَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي بَابِ الْعَارِيَّةِ وَذُكِرَ فِيهَا فِي مَحَلٍّ آخَرَ إلَّا أَنْ يَدْفَعَ الْمُعِيرُ لِلْمُسْتَعِيرِ قِيمَةَ مَا أَنْفَقَ وَإِلَّا تُرِكَ لِمَا يَرَى النَّاسُ أَنَّهُ إعَارَةٌ لِمِثْلِهِ مِنْ الْأَمَدِ، وَاخْتَلَفَ الْأَشْيَاخُ هَلْ بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وِفَاقٌ أَوْ خِلَافٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ إلَّا أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّأْوِيلِ الثَّانِي مِنْ تَأْوِيلِ الْوِفَاقِ لَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُعْطِيهِ قِيمَةَ مَا أَنْفَقَ يَوْمَ الْبِنَاءِ فَلَا يُرَاعَى قُرْبُ الزَّمَانِ أَوْ بُعْدُهُ إلَّا لَوْ كَانَ الْمَنْظُورُ لَهُ قِيمَةُ الْبِنَاءِ لَا قِيمَةُ الْمُؤَنِ مَعَ أَنَّ الْمَنْظُورَ لَهُ قِيمَةُ الْمُؤَنِ خِلَافًا لِمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الشَّارِحِ وخش وعبق وشب وَتَأَمَّلْ.

بَقِيَ شَيْءٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ سَيَأْتِي لِلْمُصَنِّفِ فِي الْعَارِيَّةِ وَلَزِمَتْ الْمُقَيَّدَةُ بِعَمَلٍ أَوْ أَجَلٍ وَإِلَّا فَالْمُعْتَادُ وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي الْعَارِيَّةِ الْغَيْرِ الْمُقَيَّدَةِ وَلَوْ دَفَعَ مَا أَنْفَقَ أَوْ قِيمَتَهُ وَهَذَا يُخَالِفُ مَا هُنَا وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُصَنِّفَ قَدْ ذَكَرَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَإِلَّا فَالْمُعْتَادُ مَا يُفِيدُ أَنَّ قَوْلَهُ وَإِلَّا فَالْمُعْتَادُ مَخْصُوصٌ بِغَيْرِ الْمُعَارِ لِلْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ، وَأَمَّا مَا أُعِيرَ لَهُمَا فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ.

(قَوْلُهُ لَسَلِمَ مِنْ الْإِبْهَامِ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ قَوْلِهِ وَلَهُ الرُّجُوعُ أَيْ فِي إعَارَةِ الْجِدَارِ لِغَرْزِ الْخَشَبَةِ مَعَ أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِمَسْأَلَةِ الْعَرْصَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَفِيهَا إنْ دَفَعَ إلَخْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إلَّا فِي مَسْأَلَةِ الْعَرْصَةِ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ غَرْزِ الْخَشَبَةِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ بَعْدَ الْإِذْنِ وَلَوْ قَبْلَ الْغَرْزِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا رَجَّحَهُ الْفَاكِهَانِيُّ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ لَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ الْغَرْزِ لَا بَعْدَهُ وَقَدْ حَكَى ابْنُ نَاجِيٍّ الْقَوْلَيْنِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ لِأَحَدِهِمَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ إعَارَةِ الْعَرْصَةِ لِلْبِنَاءِ حَيْثُ إنَّ لَهُ الرُّجُوعَ بِخِلَافِ إعَارَةِ الْجِدَارِ لِغَرْزِ الْخَشَبَةِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ إنْ أَعَارَهُ الْجِدَارَ لِغَرْزِ الْخَشَبَةِ قَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقَضَاءِ بِهِ (قَوْلُهُ وَالْإِجْمَالُ) مُرَادِفٌ لِمَا قَبْلَهُ وَهُوَ الْإِبْهَامُ بِالْمُوَحَّدَةِ

[فَصْلٌ فِي الْمُزَارَعَةِ]

. (فَصْلٌ فِي الْمُزَارَعَةِ) (قَوْلُهُ وَعَقْدُهَا غَيْرُ لَازِمٍ قَبْلَ الْبَذْرِ) أَيْ كَمَا هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَلَا تَلْزَمُ بِمُجَرَّدِ الصِّيغَةِ بِخِلَافِ شِرْكَةِ الْأَمْوَالِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ فِيهَا كَمَا مَرَّ اهـ وَقَدْ جَزَمَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَسَحْنُونٌ بِلُزُومِ الْمُزَارَعَةِ بِالْعَقْدِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ كِنَانَةَ وَابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ وَإِنَّمَا وَقَعَ هَذَا الِاخْتِلَافُ فِي الْمُزَارَعَةِ؛ لِأَنَّهَا شِرْكَةُ عَمَلٍ وَإِجَارَةٍ فَمَنْ غَلَّبَ الشِّرْكَةَ لَمْ يَرَهَا لَازِمَةً بِالْعَقْدِ لِمَا مَرَّ أَنَّ شِرْكَةَ الْعَمَلِ إنَّمَا تَلْزَمُ بِالْعَمَلِ وَلَا أَجَازَهَا إلَّا عَلَى التَّكَافُؤِ وَالِاعْتِدَالِ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعُ أَحَدُهُمَا بِمَا لَا فَضْلَ لِكِرَائِهِ وَمَنْ غَلَّبَ الْإِجَارَةَ أَلْزَمَهَا بِالْعَقْدِ وَأَجَازَ التَّفَاضُلَ بَيْنَهُمَا اُنْظُرْ بْن وَقِيلَ إنَّهَا تَلْزَمُ بِالْعَقْدِ إذَا انْضَمَّ إلَيْهِ عَمَلٌ فَجُمْلَةُ الْأَقْوَالِ فِيهَا ثَلَاثَةٌ (قَوْلُهُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ) أَيْ كَشَتْلِ الْبَصَلِ وَالْخَسِّ (قَوْلُهُ وَلَا بِالْعَمَلِ) أَيْ وَلَا بِهِمَا مَعًا بِدُونِ بَذْرٍ.

(قَوْلُهُ قَدْ قِيلَ بِمَنْعِهَا) أَيْ فِيمَا عَدَا صُورَةَ مَا إذَا تَسَاوَيَا فِي الْجَمِيعِ فَإِنَّهَا جَائِزَةٌ اتِّفَاقًا كَمَا فِي التَّوْضِيحِ وَقَوْلُ عبق؛ لِأَنَّهُ قَدْ قِيلَ بِمَنْعِهَا مُطْلَقًا صَوَابُهُ حَذْفُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِذَلِكَ أَحَدٌ عِنْدَنَا لِمَا عَلِمْت مِنْ الِاتِّفَاقِ فِي صُورَةِ التَّسَاوِي إلَّا أَنْ يُقَالَ مُرَادُهُ بِذَلِكَ الْقَائِلُ أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ يَقُولُ بِمَنْعِهَا مُطْلَقًا، وَإِنْ خَالَفَهُ صَاحِبَاهُ قَالَ عِيَاضٌ وُجُوهُهَا ثَلَاثَةٌ إنْ اشْتَرَكَا فِي الْأَرْضِ وَالْعَمَلِ وَالْآلَةِ وَالزَّرِيعَةِ جَازَتْ اتِّفَاقًا، وَإِنْ اخْتَصَّ أَحَدُهُمَا بِالْبَذْرِ مِنْ عِنْدِهِ وَالْآخَرُ بِأَرْضٍ لَهَا بَالٌ وَاشْتَرَكَا فِي غَيْرِهِمَا تَسَاوَيَا أَوْ تَفَاوَتَا فَسَدَتْ اتِّفَاقًا لِاشْتِمَالِهَا عَلَى كِرَاءِ الْأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا إلَّا عَلَى قَوْلِ الدَّاوُدِيِّ وَالْأَصِيلِيِّ وَيَحْيَى بْنِ يَحْيَى بِجَوَازِ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَهُوَ خِلَافُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَمَا عَدَا هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ (قَوْلُهُ وَهَلْ إذَا بَذَرَ الْبَعْضُ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا نَصَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَالَ طفى أَصْلُ هَذَا التَّوَقُّفِ لعج وَهُوَ قُصُورٌ فَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ رُشْدٍ بِأَنَّ مَذْهَبَ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ إنْ بَذَرَ الْبَعْضَ فَلَا يَلْزَمُ الْعَقْدُ إلَّا فِيمَا بَذَرَ وَلِكُلٍّ الْفَسْخُ فِيمَا بَقِيَ اُنْظُرْ بْن

(قَوْلُهُ بِشُرُوطٍ أَرْبَعَةٍ) جَعَلَهَا الشَّارِحُ أَرْبَعَةً مُجَارَاةً لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَسَيَأْتِي لَهُ أَنَّ الصَّوَابَ كَمَا لِابْنِ شَاسٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>