للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(دَرْسٌ) (بَابٌ فِي حُكْمِ الْعَارِيَّةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا) ، وَهِيَ بِتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ وَقَدْ تُخَفَّفُ (صَحَّ وَنُدِبَ) جَمَعَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَ النَّدْبُ يَسْتَلْزِمُ الصِّحَّةَ لِأَجْلِ إفَادَةِ عَدَمِ الصِّحَّةِ فِي الْمُخْرَجَاتِ الْآتِيَةِ وَصِحَّةُ الْعَقْدِ اسْتِجْمَاعُهُ الشُّرُوطَ الشَّرْعِيَّةَ (إعَارَةٌ) أَيْ إعْطَاءٌ وَتَمْلِيكُ (مَالِكِ مَنْفَعَةٍ) لِذَاتٍ فَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْمُعِيرِ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِلذَّاتِ كَمَا سَيُنَبِّهُ عَلَيْهِ (بِلَا حَجْرٍ) مُتَعَلِّقٍ بِمَالِكٍ خَرَجَ الْمَحْجُورُ مِنْ صَبِيٍّ وَسَفِيهٍ وَعَبْدٍ وَلَوْ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَذِنَ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ بِالْعِوَضِ لَا فِي نَحْوِ الْعَارِيَّةِ إلَّا مَا كَانَ اسْتِئْلَافًا لِلتِّجَارَةِ وَشَمِلَ كَلَامُهُ الْحَجْرَ الْجُعْلِيَّ مِنْ الْمَالِكِ فَإِنَّهُ إذَا مَنَعَ الْمُسْتَعِيرَ مِنْ الْإِعَارَةِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُعِيرَ، وَلَا فَرْقَ فِي الْجُعْلِيِّ بَيْنَ الصَّرِيحِ وَغَيْرِهِ كَقَوْلِهِ لَوْلَا إخْوَتُك، أَوْ دِيَانَتُك، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مَا أَعَرْتُك، وَقَوْلُهُ (وَإِنْ مُسْتَعِيرًا) مُبَالَغَةً فِي الصِّحَّةِ لَا فِي النَّدْبِ إذْ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يُعِيرَ مَا اسْتَعَارَهُ وَمَحِلُّ الصِّحَّةِ مَا لَمْ يَمْنَعْهُ الْمَالِكُ كَمَا تَقَدَّمَ (لَا) تَصِحُّ إعَارَةُ (مَالِكِ انْتِفَاعٍ) ، وَهُوَ مَنْ مَلَكَ أَنْ يَنْتَفِعَ بِنَفْسِهِ فَقَطْ، وَهُوَ مِنْ قَصْرِ الشَّارِعِ الِانْتِفَاعَ عَلَى عَيْنِهِ فَلَا يُؤَاجِرُ وَلَا يَهَبُ وَلَا يُعِيرُ

ــ

[حاشية الدسوقي]

[بَابٌ فِي حُكْمِ الْعَارِيَّةِ]

ِ) مَأْخُوذَةٌ مِنْ التَّعَاوُرِ أَيْ التَّدَاوُلِ فَهِيَ وَاوِيَّةٌ فَأَصْلُ عَارِيَّةٍ عَوَرِيَّةٌ فَعَلِيَةٌ بِفَتْحَتَيْنِ تُخَفَّفُ يَاؤُهَا وَتُشَدَّدُ تَحَرَّكَتْ الْوَاوُ وَانْفَتَحَ مَا قَبْلَهَا أَلِفًا وَقِيلَ إنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ عَرَا يَعْرُو بِمَعْنَى عَرَضَ فَأَصْلُهَا عَارُووَةٌ فَاعُولَةٌ قُلِبَتْ الْوَاوُ الثَّانِيَةُ يَاءً لِتَطَرُّفِهَا، وَالتَّاءُ فِي نِيَّةِ الِانْفِصَالِ فَاجْتَمَعَتْ الْوَاوُ، وَالْيَاءُ وَسُبِقَتْ أَحَدُهُمَا بِالسُّكُونِ فَقُلِبَتْ الْوَاوُ يَاءً وَأُدْغِمَتْ الْيَاءُ فِي الْيَاءِ، هَذَا فِي الْمُشَدَّدَةِ، وَأَصْلُ الْمُخَفَّفَةِ عَارِوَةٌ فَاعِلَةٌ فَأُبْدِلَتْ الْوَاوُ يَاءً لِتَطَرُّفِهَا وَقِيلَ إنَّهَا يَائِيَّةٌ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْعَارِ فَأَصْلُهَا عَيَرِيَةٌ تَحَرَّكَتْ الْيَاءُ وَانْفَتَحَ مَا قَبْلَهَا قُلِبَتْ أَلِفًا وَرُدَّ بِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ يَائِيَّةً لَقِيلَ الْقَوْمُ يَتَعَيَّرُونَ مَعَ أَنَّهُمْ قَالُوا يَتَعَاوَرُونَ أَيْ يُعِيرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا (قَوْلُهُ صَحَّ وَنُدِبَ إعَارَةُ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ مَالِكَ الْمَنْفَعَةِ بِسَبَبِ مِلْكِهِ لِلذَّاتِ الْمُنْتَفَعِ بِهَا، أَوْ اسْتِئْجَارِهِ لَهَا، أَوْ اسْتِعَارَتِهِ لَهَا يَصِحُّ لَهُ أَنْ يُعِيرَ غَيْرَهُ تِلْكَ الْمَنْفَعَةَ فَخَرَجَ بِقَوْلِهِ مَالِكَ الْفُضُولِيُّ فَإِعَارَتُهُ لِمِلْكِ الْغَيْرِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ أَيْ غَيْرُ مُنْعَقِدَةٍ كَهِبَتِهِ وَوَقْفِهِ وَسَائِرِ مَا أَخْرَجَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ، أَمَّا مَا أَخْرَجَهُ بِعِوَضٍ كَبَيْعِهِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ مُنْعَقِدٌ لَكِنْ يَتَوَقَّفُ لُزُومُهُ عَلَى رِضَا مَالِكِهِ (قَوْلُهُ لِأَجْلِ إفَادَةِ عَدَمِ الصِّحَّةِ فِي الْمُخْرَجَاتِ الْآتِيَةِ) أَيْ وَعَبَّرَ بِنُدِبَ لِأَجْلِ إفَادَةِ حُكْمِهَا الْأَصْلِيِّ وَلَمْ يُعَبِّرْ فِي غَيْرِهَا مِنْ الْعُقُودِ بِحُكْمِهِ غَالِبًا، بَلْ يَقْتَصِرُ فِيهِ عَلَى الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيمَا صَحَّ الْإِبَاحَةُ بِخِلَافِ هَذِهِ فَإِنَّهُ لَمَّا خَالَفَ حُكْمُهَا، وَهُوَ النَّدْبُ الْأَصْلَ فِي الصِّحَّةِ، وَهُوَ الْإِبَاحَةُ نَصَّ عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِلذَّاتِ) أَيْ، بَلْ الْمَدَارُ عَلَى مِلْكِهِ الْمَنْفَعَةَ كَانَ مَالِكًا لِلذَّاتِ، أَوْ مُسْتَأْجِرًا لَهَا، أَوْ مُسْتَعِيرًا لَهَا (قَوْلُهُ مُتَعَلِّقٌ بِمَالِكٍ) أَرَادَ بِالتَّعَلُّقِ الِارْتِبَاطَ يَعْنِي أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ حَالٍ مِنْ مَالِكٍ أَيْ حَالَةَ كَوْنِ ذَلِكَ الْمَالِكِ مُلْتَبِسًا بِعَدَمِ الْحَجْرِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ مِنْ صَبِيٍّ وَسَفِيهٍ وَعَبْدٍ) أَيْ وَكَذَا يَخْرُجُ الْمَرِيضُ إذْ أَعَارَ عَارِيَّةً قِيمَةُ مَنَافِعِهَا أَزْيَدُ مِنْ ثُلُثِهِ فَإِنَّهَا غَيْرُ صَحِيحَةٍ وَلَا يَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ عَارِيَّةً الزَّوْجَةِ إذَا كَانَتْ قِيمَةُ مَنَافِعِهَا أَزْيَدَ مِنْ الثُّلُثِ فَإِنَّهَا صَحِيحَةٌ مَعَ أَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهَا فِي التَّبَرُّعِ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ لَا فَرْقَ بَيْنَ التَّبَرُّعِ بِالذَّاتِ، أَوْ الْمَنَافِعِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَدَّمَ قَوْلَهُ وَلِلزَّوْجِ رَدُّ الْجَمِيعِ إنْ تَبَرَّعَتْ بِزَائِدٍ انْدَفَعَ تَوَهُّمُ دُخُولِهِ هُنَا فِي عَدَمِ الصِّحَّةِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهَا مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا بِقَرِينَةِ كَلَامِهِ السَّابِقِ (قَوْلُهُ وَشَمِلَ كَلَامُهُ إلَخْ) أَيْ فَلَيْسَ مُرَادُهُ خُصُوصَ الْحَجْرِ الشَّرْعِيِّ الْأَصْلِيِّ، وَهُوَ حَجْرُ الْمَالِ، بَلْ مُرَادُهُ مُطْلَقُ حَجْرِ الشَّامِلِ لِلْجُعْلِيِّ، وَالْأَصْلِيِّ، وَالْجَعْلِيُّ هُوَ مَا جَعَلَهُ الْمُعِيرُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ بِأَنْ قَالَ لَهُ لَا تُعِرْهَا.

(قَوْلُهُ لَا مَالِكُ انْتِفَاعٍ) قَالَ عج وَمِلْكُ الْخُلُوِّ مِنْ قَبِيلِ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ لَا مِنْ قَبِيلِ مِلْكِ الِانْتِفَاعِ وَحِينَئِذٍ فَلِمَالِكِ الْخُلُوِّ بَيْعُهُ، وَإِجَارَتُهُ، وَهِبَتُهُ، وَإِعَارَتُهُ وَيُورَثُ عَنْهُ إذَا مَاتَ وَيَتَحَاصَصُ فِيهِ غُرَمَاؤُهُ وَقَدْ أَفْتَى الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّينِ اللَّقَانِيُّ، وَأَخُوهُ النَّاصِرُ اللَّقَانِيُّ بِأَنَّ الْخُلُوَّ مُعْتَدٌّ بِهِ لِجَرَيَانِ الْعُرْفِ بِهِ، وَقَالَ بْن بِمِثْلِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْفَتْوَى وَقَعَتْ الْفَتْوَى مِنْ شُيُوخِ فَاسَ الْمُتَأَخِّرِينَ كَالشَّيْخِ الْقَصَّارِ وَابْنِ عَاشِرٍ وَأَبِي زَيْدٍ الْفَاسِيِّ وَسَيِّدِي عَبْدِ الْقَادِرِ الْفَاسِيِّ، وَأَضْرَابِهِمْ، وَالْخُلُوُّ اسْمٌ لِمَا يَمْلِكُهُ دَافِعُ الدَّرَاهِمِ مِنْ الْمَنْفَعَةِ الَّتِي وَقَعَتْ الدَّرَاهِمُ فِي مُقَابَلَتِهَا وَلِذَا يُقَالُ أُجْرَةُ الْوَقْفِ كَذَا وَأُجْرَةُ الْخُلُوِّ كَذَا وَشَرْطُ الْخُلُوِّ احْتِيَاجُ الْوَقْفِ لِعَدَمِ الرَّيْعِ، وَذَلِكَ بِأَنْ تَكُونَ أَرْضٌ بَرَاحًا مَوْقُوفَةً عَلَى جِهَةٍ، أَوْ دَارٍ مُتَخَرِّبَةٍ مَوْقُوفَةٍ عَلَى جِهَةٍ وَلَيْسَ فِي الْوَقْفِ رِيعٌ يُعَمَّرُ بِهِ فَيَدْفَعُ إنْسَانٌ دَرَاهِمَ لِجِهَةِ الْوَقْفِ وَيَأْخُذُ تِلْكَ الْأَرْضَ، أَوْ الدَّارَ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِئْجَارِ وَيُجْعَلُ عَلَيْهَا أُجْرَةٌ يَدْفَعُهَا كُلَّ سَنَةٍ تُسَمَّى حِكْرًا وَيُبَيِّنُهَا فَالْمَنْفَعَةُ الْحَاصِلَةُ بِبِنَائِهِ تُسَمَّى خُلُوًّا فَإِذَا كَانَتْ تِلْكَ الدَّارُ تُؤَاجَرُ كُلَّ سَنَةٍ بِعَشْرَةٍ بَعْدَ الْبِنَاءِ وَكَانَتْ الْأُجْرَةُ الْمَجْعُولَةُ كُلَّ سَنَةٍ دِينَارًا وَاحِدًا كَانَتْ التِّسْعَةُ أُجْرَةَ الْخُلُوِّ، وَالدِّينَارُ أُجْرَةَ الْوَقْفِ (قَوْلُهُ، وَهُوَ مِنْ قَصْرِ الشَّارِعِ إلَخْ) أَيْ بِخِلَافِ مَالِك الْمَنْفَعَةِ فَإِنَّ الشَّارِعَ جَعَلَ لَهُ الِانْتِفَاعَ بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ كَالْمَالِكِ، وَالْمُسْتَأْجِرِ، وَالْمُسْتَعِيرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>