للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[دَرْسٌ] (بَابٌ فِي الرِّدَّةِ وَأَحْكَامِهَا) (الرِّدَّةُ كُفْرُ الْمُسْلِمِ) الْمُتَقَرَّرِ إسْلَامُهُ بِالنُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ مُخْتَارًا وَيَكُونُ بِأَحَدِ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ (بِصَرِيحٍ) مِنْ الْقَوْلِ كَقَوْلِهِ أُشْرِكُ أَوْ أَكْفُرُ بِاَللَّهِ (أَوْ لَفْظٍ) أَيْ قَوْلٍ (يَقْتَضِيهِ) كَقَوْلِهِ اللَّهُ جِسْمٌ مُتَحَيِّزٌ وَكَجَحْدِهِ حُكْمًا عُلِمَ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ كَوُجُوبِ الصَّلَاةِ وَحُرْمَةِ الزِّنَا (أَوْ فِعْلٍ يَتَضَمَّنُهُ) أَيْ يَقْتَضِي الْكُفْرَ وَيَسْتَلْزِمُهُ اسْتِلْزَامًا بَيِّنًا (كَإِلْقَاءِ مُصْحَفٍ بِقَذَرٍ) وَلَوْ طَاهِرًا كَبُصَاقٍ أَوْ تَلْطِيخِهِ بِهِ وَالْمُرَادُ بِالْمُصْحَفِ مَا فِيهِ قُرْآنٌ وَلَوْ كَلِمَةً، وَمِثْلُ ذَلِكَ تَرْكُهُ بِهِ أَيْ عَدَمُ رَفْعِهِ إنْ وَجَدَهُ بِهِ؛ لِأَنَّ الدَّوَامَ كَالِابْتِدَاءِ فَأَرَادَ بِالْفِعْلِ مَا يَشْمَلُ التَّرْكَ إذْ هُوَ فِعْلٌ نَفْسِيٌّ وَمِثْلُ الْقُرْآنِ أَسْمَاءُ اللَّهِ وَأَسْمَاءُ الْأَنْبِيَاءِ، وَكَذَا الْحَدِيثُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَحَرْقُ مَا ذُكِرَ إنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِخْفَافِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ صِيَانَتِهِ فَلَا ضَرَرَ بَلْ رُبَّمَا وَجَبَ وَكَذَا كُتُبُ الْفِقْهِ إنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِخْفَافِ بِالشَّرِيعَةِ فَكَذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا (وَشَدِّ زُنَّارٍ) بِضَمِّ الزَّايِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ حِزَامٌ ذُو خُيُوطٍ مُلَوَّنَةٍ يَشُدُّ بِهِ الذِّمِّيُّ وَسَطَهُ لِيَتَمَيَّزَ بِهِ عَنْ الْمُسْلِمِ وَالْمُرَادُ بِهِ مَلْبُوسُ الْكَافِرِ الْخَاصُّ بِهِ أَيْ إذَا فَعَلَهُ حُبًّا فِيهِ وَمَيْلًا لِأَهْلِهِ وَأَمَّا إنْ لَبِسَهُ لَعِبًا فَحَرَامٌ

ــ

[حاشية الدسوقي]

[بَابٌ فِي الرِّدَّةِ وَأَحْكَامِهَا]

(قَوْلُهُ: الْمُتَقَرَّرِ إسْلَامُهُ بِالنُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَتَقَرَّرُ بِمُجَرَّدِ النُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ مُخْتَارًا، وَلَوْ لَمْ يَقِفْ عَلَى الدَّعَائِمِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَا بُدَّ فِي تَقَرُّرِ الْإِسْلَامِ مِنْ الْوُقُوفِ عَلَى الدَّعَائِمِ وَالْتِزَامِهِ الْأَحْكَامَ بَعْدَ نُطْقِهِ بِالشَّهَادَتَيْنِ فَمَنْ نَطَقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ أَنْ يَقِفَ عَلَى الدَّعَائِمِ فَلَا يَكُونُ مُرْتَدًّا، وَحِينَئِذٍ فَيُؤَدَّبُ فَقَطْ.

(قَوْلُهُ: وَيَكُونُ) أَيْ كُفْرُ الْمُسْلِمِ بِأَحَدِ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ أَشَارَ الشَّارِحُ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ بِصَرِيحِ إلَخْ لَيْسَ مِنْ تَمَامِ التَّعْرِيفِ بَلْ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ مُسْتَأْنَفٍ أَيْ وَيَكُونُ بِصَرِيحِ إلَخْ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ التَّعْرِيفُ غَيْرَ جَامِعٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَشْمَلُ الشَّكَّ فِي قِدَمِ الْعَالَمِ وَبَقَائِهِ مَثَلًا، إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الشَّكَّ إمَّا أَنْ يُصَرَّحَ بِهِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ كَانَ دَاخِلًا فِي قَوْلِهِ أَوْ لَفْظٍ يَقْتَضِيه، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي كَانَ دَاخِلًا فِي قَوْلِهِ أَوْ فِعْلٍ يَتَضَمَّنُهُ؛ لِأَنَّ الشَّكَّ مِنْ أَفْعَالِ الْقَلْبِ. وَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الْآتِي أَوْ شَكَّ فِي ذَلِكَ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ قِدَمِ الْعَالَمِ، وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ عَطْفًا عَلَى إلْقَاءِ مُصْحَفٍ.

(قَوْلُهُ: بِصَرِيحٍ) أَيْ بِقَوْلٍ صَرِيحٍ فِي الْكُفْرِ.

(قَوْلُهُ: أَوْ لَفْظٍ يَقْتَضِيهِ) أَيْ يَقْتَضِي الْكُفْرَ أَيْ يَدُلُّ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَتْ الدَّلَالَةُ الْتِزَامِيَّةً كَقَوْلِهِ: اللَّهُ جِسْمٌ مُتَحَيِّزٌ فَإِنَّ تَحَيُّزَهُ يَسْتَلْزِمُ حُدُوثَهُ لِافْتِقَارِهِ لِلْحَيِّزِ، وَالْقَوْلُ بِذَلِكَ كُفْرٌ أَوْ تَضَمُّنِيَّةٌ كَمَا إذَا أَتَى بِلَفْظٍ لَهُ مَعْنًى مُرَكَّبٌ مِنْ كُفْرٍ وَغَيْرِهِ كَقَوْلِهِ زَيْدٌ خداي إذَا اسْتَعْمَلَهُ فِي الْإِلَهِ الْمَعْبُودِ بِحَقِّ وَلِأَجْلِ هَذَا التَّعْمِيمِ عَبَّرَ بِيَقْتَضِيهِ دُونَ يَتَضَمَّنُهُ لِإِيهَامِهِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي اللَّفْظِ دَلَالَةُ التَّضَمُّنِ فَقَطْ.

(قَوْلُهُ: كَقَوْلِهِ: اللَّهُ جِسْمٌ مُتَحَيِّزٌ) أَيْ وَكَقَوْلِهِ الْعُزَيْرُ أَوْ عِيسَى ابْنُ اللَّهِ (قَوْلُهُ: أَوْ فِعْلٍ يَتَضَمَّنُهُ) إسْنَادُ التَّضَمُّنِ لِلْفِعْلِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا الِالْتِزَامُ لَا حَقِيقَةُ التَّضَمُّنِ الَّذِي هُوَ دَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَى جُزْءِ الْمَعْنَى الْمَوْضُوعِ لَهُ.

(قَوْلُهُ: وَيَسْتَلْزِمُ إلَخْ) أَيْ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ لَازِمُ الْمَذْهَبِ لَيْسَ بِمَذْهَبٍ فَمَحْمُولٌ عَلَى اللَّازِمِ الْخَفِيِّ.

(قَوْلُهُ: كَإِلْقَاءِ مُصْحَفٍ بِقَذَرٍ) أَيْ فِيمَا يُسْتَقْذَرُ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الْإِلْقَاءُ لِخَوْفٍ عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ إذَا كَانَ بِدُونِ الْقَتْلِ لَا بِهِ فَإِذَا سَرَقَ مُصْحَفًا وَخَشِيَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ بَقَائِهِ عِنْدَهُ فَأَلْقَاهُ فِي الْقَذَرِ فَيَكْفُرُ بِذَلِكَ إذَا كَانَ خَوْفُهُ بِدُونِ الْقَتْلِ لَا بِهِ.

(قَوْلُهُ: أَوْ تَلْطِيخِهِ بِهِ) أَيْ بِالْقَذَرِ وَلَوْ طَاهِرًا وَهَذَا مِنْ أَنَّ تَلْطِيخَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ أَوْ الْبَيْتِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ رِدَّةً، إلَّا إذَا كَانَ التَّلْطِيخُ بِالنَّجَاسَةِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ تَلْطِيخَ الْمُصْحَفِ بِالْقَذِرِ وَلَوْ طَاهِرًا رِدَّةٌ ظَاهِرٌ إذَا لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ لِضَرُورَةٍ أَمَّا إنْ بَلَّ أَصَابِعَهُ بِرِيقِهِ بِقَصْدِ قَلْبِ أَوْرَاقِهِ فَهُوَ، وَإِنْ كَانَ حَرَامًا لَكِنْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُتَجَاسَرَ عَلَى الْقَوْلِ بِكُفْرِهِ وَرِدَّتِهِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِذَلِكَ التَّحْقِيرَ الَّذِي هُوَ مُوجِبٌ لِلْكُفْرِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأُمُورِ وَمِثْلُ هَذَا مَنْ رَأَى وَرَقَةٌ مَكْتُوبَةٌ مَطْرُوحَةٌ فِي الطَّرِيقِ وَلَمْ يَعْلَمْ مَا كُتِبَ فِيهَا فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ تَرْكُهَا مَطْرُوحَةً فِي الطَّرِيقِ لِتُوطَأَ بِالْأَقْدَامِ، وَأَمَّا إنْ عَلِمَ أَنَّ فِيهَا آيَةً أَوْ حَدِيثًا وَتَرَكَهَا كَانَ ذَلِكَ رِدَّةً كَمَا قَالَ الْمِسْنَاوِيُّ اهـ بْن.

(قَوْلُهُ: وَمِثْلِ ذَلِكَ) أَيْ مِثْلِ إلْقَاءِ الْمُصْحَفِ فِي الْقَذَرِ فِي كَوْنِهِ رِدَّةً تَرَكَهُ أَيْ الْمُصْحَفَ بِهِ أَيْ بِالْقَذَرِ (قَوْلُهُ: إنْ وَجَدَهُ بِهِ) أَيْ وَحِينَئِذٍ فَيَجِبُ وَلَوْ عَلَى الْجُنُبِ رَفْعُهُ مِنْهُ (قَوْلُهُ: وَمِثْلُ الْقُرْآنِ) أَيْ مِثْلُ إلْقَاءِ الْقُرْآنِ فِي كَوْنِهِ رِدَّةً إلْقَاءُ أَسْمَاءِ اللَّهِ إلَخْ وَأَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ إذَا كَانَ ذَلِكَ بِقَصْدِ التَّحْقِيرِ وَالِاسْتِخْفَافِ بِهَا بِأَنْ يُلْقِيَهَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا اسْمُ نَبِيٍّ لَا مُطْلَقًا وَقَوْلُهُ: وَأَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ أَيْ الْمَقْرُونَةِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مِثْلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا مُطْلَقًا. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ صِيَانَتِهِ) أَيْ أَوْ كَانَ حَرَقَهُ لِأَجْلِ مَرِيضٍ فَلَا ضَرَرَ فِيهِ كَمَا فِي المج.

(قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِهِ مَلْبُوسُ الْكَافِرِ الْخَاصُّ بِهِ) أَيْ فَيَشْمَلُ بُرْنِيطَةَ النَّصْرَانِيِّ وَطُرْطُورَ الْيَهُودِيِّ.

(قَوْلُهُ: إذَا فَعَلَهُ حُبًّا فِيهِ وَمَيْلًا لِأَهْلِهِ) أَيْ سَوَاءٌ سَعَى بِهِ لِلْكَنِيسَةِ وَنَحْوِهَا أَمْ لَا سَوَاءٌ فَعَلَهُ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ أَوْ فِي بِلَادِهِمْ فَالْمَدَارُ فِي الرِّدَّةِ عَلَى فِعْلِهِ حُبًّا فِيهِ وَمَيْلًا لِأَهْلِهِ كَمَا فِي بْن عَنْ ابْنِ مَرْزُوقٍ خِلَافًا لِمَنْ قَيَّدَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ بِالسَّعْيِ بِهِ لِلْكَنِيسَةِ وَبِفِعْلِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>