للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(إنْ أَضَرَّ) الصَّوْمُ (بِهِ فِي عَمَلِهِ) لِلسَّيِّدِ لِإِدْخَالِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى الرُّبُعِ الْأَوَّلِ مِنْ هَذَا الْمُخْتَصَرِ شَرَعَ فِي الرُّبُعِ الثَّانِي وَبَدَأَ مِنْهُ بِالذَّكَاةِ فَقَالَ دَرْسٌ (بَابُ الذَّكَاةِ) بِمَعْنَى التَّذْكِيَةِ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ ذَبْحٌ وَنَحْرٌ، وَعَقْرٌ، وَمَا يَمُوتُ بِهِ نَحْوُ الْجَرَادِ، وَأَشَارَ لِلْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ (قَطْعُ مُمَيِّزٍ) تَحْقِيقًا لَا غَيْرُهُ مِنْ صَغِيرٍ، وَمَجْنُونٍ وَسَكْرَانَ (يُنَاكَحُ) أَيْ تُنْكَحُ أُنْثَاهُ، وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ كَانَ أَوْلَى فَدَخَلَ الْكِتَابِيُّ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، وَلَوْ أَمَةً فَالْمُفَاعَلَةُ لَيْسَتْ عَلَى بَابِهَا (تَمَامَ) أَيْ جَمِيعَ (الْحُلْقُومِ) ، وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ كَانَ أَوْلَى، وَهُوَ الْقَصَبَةُ الَّتِي يَجْرِي فِيهَا النَّفَسُ فَلَوْ انْحَازَتْ الْجَوْزَةُ كُلُّهَا إلَى الْبَدَنِ لَمْ تُؤْكَلْ عَلَى الرَّاجِحِ، وَذَهَبَ ابْنُ وَهْبٍ وَغَيْرُهُ إلَى جَوَازِ أَكْلِهَا، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فَقَطْعُ الْحُلْقُومِ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَهُمْ كَذَا قِيلَ لَكِنَّ الْمَوْجُودَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ قَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ فَلَوْ بَقِيَ مِنْ الْجَوْزَةِ مَعَ الرَّأْسِ قَدْرُ حَلْقَةِ الْخَاتَمِ أُكِلَتْ قَطْعًا وَلَوْ بَقِيَ قَدْرُ نِصْفِ الدَّائِرَةِ بِأَنْ كَانَ الْمُنْحَازُ إلَى الرَّأْسِ مِثْلَ الْقَوْسِ، جَرَى عَلَى قَوْلِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٌ فِي الِاكْتِفَاءِ بِنِصْفِ الْحُلْقُومِ، وَعَدَمِهِ (وَ) قَطْعُ جَمِيعِ (الْوَدَجَيْنِ) ، وَهُمَا عِرْقَانِ فِي صَفْحَتَيْ الْعُنُقِ يَتَّصِلُ بِهِمَا أَكْثَرُ عُرُوقِ الْبَدَنِ، وَيَتَّصِلَانِ بِالدِّمَاغِ فَلَوْ قَطَعَ أَحَدَهُمَا، وَأَبْقَى الْآخَرَ أَوْ بَعْضَهُ لَمْ تُؤْكَلْ، وَلَا يُشْتَرَطُ قَطْعُ الْمَرِيءِ بِهَمْزٍ فِي آخِرِهِ وَقِيلَ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ مِنْ غَيْرِ هَمْزٍ بِوَزْنِ عَلِيٍّ، وَهُوَ عِرْقٌ أَحْمَرُ تَحْتَ الْحُلْقُومِ مُتَّصِلُ بِالْفَمِ وَرَأْسِ الْمَعِدَةِ وَالْكَرِشِ يَجْرِي فِيهِ الطَّعَامُ إلَيْهَا، وَيُسَمَّى الْبُلْعُومُ وَاشْتَرَطَ الشَّافِعِيُّ قَطْعَهُ (مِنْ الْمُقَدَّمِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَطْعٍ فَلَا يُؤْكَلُ مَا ذُبِحَ مِنْ الْقَفَا، وَكَذَا إذَا لَمْ تُسَاعِدْهُ السِّكِّينُ عَلَى قَطْعِ مَا ذَكَرَهُ فَقَلَّبَهَا، وَأَدْخَلَهَا تَحْتَ الْأَوْدَاجِ، وَقَطَعَ بِهَا مَا ذُكِرَ لَمْ تُؤْكَلْ كَمَا قَالَهُ سَحْنُونٌ وَغَيْرُهُ، وَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ لَمْ تُسَاعِدْهُ السِّكِّينُ، وَكَثِيرًا مَا يَقَعُ ذَلِكَ مِنْ الْجَهَلَةِ فِي ذَبْحِ الطَّيْرِ (بِلَا رَفْعٍ) لِلْآلَةِ (قَبْلَ التَّمَامِ) فَإِنْ رَفَعَ يَدَهُ قَبْلَهُ ثُمَّ عَادَ لَمْ تُؤْكَلْ إنْ طَالَ، وَسَوَاءٌ رَفَعَ يَدَهُ اخْتِيَارًا أَوْ اضْطِرَارًا فَإِنْ عَادَ عَنْ قُرْبٍ أُكِلَتْ رَفَعَ يَدَهُ اخْتِيَارًا أَوْ اضْطِرَارًا، وَالْقُرْبُ وَالْبُعْدُ بِالْعُرْفِ فَالْقُرْبُ مِثْلُ أَنْ يَسُنَّ السِّكِّينَ أَوْ يَطْرَحَهَا وَيَأْخُذَ أُخْرَى مِنْ حِزَامِهِ أَوْ قَرَّبَهُ، وَهَذَا كُلُّهُ إنْ كَانَ أَنْفَذَ بَعْضَ الْمَقَاتِلِ كَأَنْ قَطَعَ بَعْضَ الْوَدَجَيْنِ أَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ أَنْفَذَ ذَلِكَ بِأَنْ كَانَتْ لَوْ تُرِكَتْ لَعَاشَتْ فَإِنَّهَا تُؤْكَلُ مُطْلَقًا رَجَعَ عَنْ قُرْبٍ أَوْ بُعْدٍ؛ لِأَنَّهَا ابْتِدَاءُ ذَكَاةٍ مُسْتَقِلَّةٍ حِينَئِذٍ لَكِنْ إنْ عَادَ عَنْ بُعْدٍ

ــ

[حاشية الدسوقي]

الشَّرْطِيَّةُ، وَقَوْلُهُ فَإِنْ أَذِنَ إلَخْ جَوَابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ فَعَلَ كَمَا قَدَّرَ الشَّارِحُ. (قَوْلُهُ: إنْ أَضَرَّ بِهِ) أَيْ فَإِنْ لَمْ يَضُرَّ بِهِ فِي عَمَلِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْعُهُ مِنْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ الذَّكَاةِ]

(بَابُ الذَّكَاةِ) (قَوْلُهُ: بِمَعْنَى التَّذْكِيَةِ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الذَّكَاةَ اسْمُ مَصْدَرٍ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ، وَالْمُرَادُ الذَّكَاةُ الْمُتَحَقِّقَةُ فِي الذَّبْحِ فَلَا يَرِدُ أَنَّ الْعَقْرَ وَالنَّحْرَ مِنْ أَفْرَادِ الذَّكَاةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا قَطْعُ الْحُلْقُومِ وَالْوَدَجَيْنِ، وَخَرَجَ عَنْ قَوْلِهِ قَطْعُ الْخَنْقُ وَالنَّهْشُ فَلَا يُسَمَّى ذَبْحًا، وَقَوْلُهُ لَا غَيْرُهُ أَيْ لَا قَطْعُ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: تُنْكَحُ أُنْثَاهُ) أَيْ يَجُوزُ لَنَا نِكَاحُ أُنْثَاهُ، وَقَوْلُهُ فَدَخَلَ الْكِتَابِيُّ أَيْ وَخَرَجَ الْمَجُوسِيُّ؛ لِأَنَّ الْكِتَابِيَّ يَجُوزُ لَنَا نِكَاحُ أُنْثَاهُ بِخِلَافِ الْمَجُوسِيِّ (قَوْلُهُ: لَيْسَتْ عَلَى بَابِهَا) أَيْ بِحَيْثُ يَصِيرُ الْمَعْنَى يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ أُنْثَانَا، وَيَجُوزُ لَنَا نِكَاحُ أُنْثَاهُ، وَإِلَّا لَخَرَجَ الْكِتَابِيُّ مَعَ أَنَّ ذَبْحَهُ صَحِيحٌ (قَوْلُهُ: فَلَوْ بَقِيَ إلَخْ) هَذَا مُفَرَّعٌ عَلَى كَلَامِ الْمَتْنِ (قَوْلُهُ: فِي الِاكْتِفَاءِ إلَخْ) لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ فَالِاكْتِفَاءُ رَاجِعٌ لِابْنِ الْقَاسِمِ، وَعَدَمُهُ رَاجِعٌ لِسَحْنُونٍ (قَوْلُهُ: فَلَا يُؤْكَلُ مَا ذُبِحَ مِنْ الْقَفَا) أَيْ، وَلَا مِنْ إحْدَى صَفْحَتَيْ الْعُنُقِ؛ لِأَنَّهُ نُخِعَ قَبْلَ تَمَامِ الذَّكَاةِ أَيْ؛ لِأَنَّهُ قُطِعَ النُّخَاعُ قَبْلَ تَمَامِ الذَّكَاةِ، وَالنُّخَاعُ مُخٌّ أَبْيَضُ فِي فَقَارِ الْعُنُقِ وَالظَّهْرِ، وَقَوْلُهُ فَلَا يُؤْكَلُ مَا ذُبِحَ مِنْ الْقَفَا أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الذَّبْحُ فِي ضَوْءٍ أَوْ ظَلَامٍ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ لَوْ ذَبَحَ مِنْ الْقَفَا فِي ظَلَامٍ، وَظَنَّ أَنَّهُ أَصَابَ وَجْهَ الذَّبْحِ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ خِلَافُ ذَلِكَ لَمْ تُؤْكَلْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي النَّوَادِرِ، وَقَوْلُهُ مِنْ الْمُقَدَّمِ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ إحْدَى صَفْحَتَيْ الْعُنُقِ، وَلَا مِنْ الْمُؤَخَّرِ فَلَا يَضُرُّ انْحِرَافُ الْقَطْعِ مِنْ الْمُقَدَّمِ لِلْحُلْقُومِ حَيْثُ لَمْ يَصْدُقْ عَلَيْهِ أَنَّ الذَّبْحَ مِنْ الصَّفْحَةِ كَمَا فِي بْن (قَوْلُهُ: وَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ لَمْ تُسَاعِدْهُ) أَيْ بَلْ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ ابْتِدَاءً مَعَ كَوْنِ السِّكِّينِ حَادَّةً لَمْ تُؤْكَلْ عَلَى الْمُعْتَمَدِ لِمُخَالَفَةِ سُنَّةِ الذَّكَاةِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ عَادَ عَنْ قُرْبٍ أُكِلَتْ رَفَعَ يَدَهُ اخْتِيَارًا أَوْ اضْطِرَارًا) أَيْ وَالْفَرْضُ أَنَّهُ رَفَعَ يَدَهُ بَعْدَ إنْفَاذِ مَقَاتِلِهَا بِحَيْثُ لَوْ تُرِكَتْ لَمْ تَعِشْ، وَمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ مَنْفُوذَ الْمَقَاتِلِ لَمْ تَعْمَلْ فِيهِ ذَكَاةٌ هُوَ فِي مَنْفُوذِهَا بِغَيْرِ ذَكَاةٍ، وَمَا هُنَا بِذَكَاةٍ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ أَحَدُ أَقْوَالٍ خَمْسَةٍ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ وَرَجَّحَهُ ابْنُ سِرَاجٍ قِيَاسًا عَلَى مَنْ سَلَّمَ سَاهِيًا، وَعَادَ عَنْ قُرْبٍ، وَأَصْلَحُهَا كَمَا فِي الْمَوَّاقِ الثَّانِي قَوْلُ سَحْنُونٍ لَا تُؤْكَلُ إذَا رَفَعَ يَدَهُ قَبْلَ التَّمَامِ عَادَ عَنْ قُرْبٍ أَوْ بُعْدٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ مَتَى رَفَعَ الذَّابِحُ يَدَهُ قَبْلَ التَّمَامِ لَمْ تُؤْكَلْ عَادَ لَهَا عَنْ بُعْدٍ أَوْ قُرْبٍ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ح، وَقِيلَ يُكْرَهُ أَكْلُهَا مُطْلَقًا عَادَ لَهَا عَنْ قُرْبٍ أَوْ عَنْ بُعْدٍ، وَقِيلَ إنْ رَفَعَ مُعْتَقِدًا التَّمَامَ لَمْ تُؤْكَلْ أَوْ مُخْتَبِرًا أُكِلَتْ، وَقِيلَ عَكْسُهُ. اهـ. بْن (قَوْلُهُ: أَوْ بَعْدَ) أَيْ رَفَعَ اخْتِيَارًا أَوْ اضْطِرَارًا.

فَعُلِمَ أَنَّ أَقْسَامَ الْمَسْأَلَةِ ثَمَانِيَةٌ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ رَفْعَ يَدِهِ قَبْلَ تَمَامِ التَّذْكِيَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>