للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَ) مَسْأَلَةُ الْعَزْلِ هَذِهِ (هِيَ الْمُحَاشَاةُ) أَيْ الْمُسَمَّاةُ بِذَلِكَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ؛ لِأَنَّهُ حَاشَى الزَّوْجَةَ أَوَّلًا أَيْ أَخْرَجَهَا مِنْ يَمِينِهِ.

وَلَمَّا كَانَتْ الْيَمِينُ الْمُنْعَقِدَةُ يُشَارِكُهَا فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ فَيَكُونُ الْمُوجِبُ لِلْكَفَّارَةِ أَرْبَعَةَ أَشْيَاءَ نَبَّهَ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ (وَفِي النَّذْرِ الْمُبْهَمِ) أَيْ الَّذِي لَمْ يُسَمِّ لَهُ مَخْرَجًا كَعَلَيَّ نَذْرٌ أَوْ لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ أَوْ إنْ فَعَلْت كَذَا أَوْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَعَلَيَّ نَذْرٌ أَوْ لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ (وَ) فِي (الْيَمِينِ) بِأَنْ قَالَ عَلَيَّ يَمِينٌ أَوْ لِلَّهِ عَلَيَّ يَمِينٌ أَوْ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ يَمِينٌ (وَ) فِي (الْكَفَّارَةِ) أَيْ الْحَلِفِ بِهَا كَعَلَيَّ كَفَّارَةٌ أَوْ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ كَفَّارَةٌ، وَفَعَلَهُ (وَ) فِي الْيَمِينِ (الْمُنْعَقِدَةِ عَلَى بِرٍّ) وَتُصَوَّرُ بِصِيغَتَيْنِ (بِإِنْ فَعَلْت) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ، وَهِيَ نَافِيَةٌ كَلَا (وَلَا فَعَلْت) وَالْمَعْنَى فِيهِمَا لَا أَفْعَلُ كَذَا؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَتَعَلَّقُ بِالْمَاضِي، وَإِنَّمَا كَانَتْ مُنْعَقِدَةً عَلَى بِرٍّ؛ لِأَنَّ الْحَالِفَ بِهَا عَلَى الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ حَتَّى يَفْعَلَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ (أَوْ) الْمُنْعَقِدَةُ عَلَى (حِنْثٍ) ، وَيَحْصُلُ أَيْضًا بِإِحْدَى صِيغَتَيْنِ (بِلَأَفْعَلَنَّ) كَذَا (أَوْ إنْ لَمْ أَفْعَلْ) كَذَا مَا أَقَمْت فِي هَذِهِ الدَّارِ ثُمَّ عَزَمَ عَلَى الْإِقَامَةِ فِيهَا (إنْ لَمْ يُؤَجِّلْ) أَيْ لَمْ يَضْرِبْ لِيَمِينِهِ أَجَلًا فَإِنْ أَجَّلَ نَحْوُ وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا فِي هَذَا الشَّهْرِ أَوْ إنْ لَمْ أَفْعَلْهُ فِيهِ فَلَا أُقِيمُ فِي هَذِهِ الدَّارِ فَهُوَ عَلَى بِرٍّ

ــ

[حاشية الدسوقي]

بِنِيَّتِهِ قَبْلَ حَلِفِهِ شَيْئًا مِنْ يَمِينِهِ كَالزَّوْجَةِ فِي حَلِفِهِ بِقَوْلِهِ الْحَلَالُ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَهِيَ الْمُحَاشَاةُ) ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَابْنِ مُحْرِزٍ أَنَّ الْمُحَاشَاةَ قَاعِدَةٌ مُطَّرِدَةٌ، وَأَنَّ مَسْأَلَةَ الْحَلَالُ عَلَيَّ حَرَامٌ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِهَا.

قَالَ طفى، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا خَاصَّةٌ بِمَسْأَلَةِ الْحَلَالُ عَلَيَّ حَرَامٌ، وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِإِطْلَاقِهِمْ فِي أَنَّ النِّيَّةَ الْمُخَصِّصَةَ لَا تُقْبَلُ مَعَ الْمُرَافَعَةِ، وَقَالُوا فِي الْحَلَالُ عَلَيَّ حَرَامٌ تُقْبَلُ الْمُحَاشَاةُ، وَلَوْ رَفَعَتْهُ النِّيَّةُ قُلْت قَدْ يُرَدُّ اسْتِدْلَالُهُ هَذَا بِقَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ الْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ الْقَائِلُ الْحَلَالُ عَلَيَّ حَرَامٌ إنْ ادَّعَى مُحَاشَاةَ زَوْجَتِهِ مَعَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ لِادِّعَاءِ خِلَافِ ظَاهِرِ لَفْظِهِ كَحَالِفٍ لَا كَلَّمْت زَيْدًا، وَقَالَ نَوَيْت شَهْرًا وَتَصْدِيقُهُ فِي الزَّوْجَةِ اسْتِحْسَانٌ لِمُرَاعَاةِ الْخِلَافِ فِي أَصْلِ الْيَمِينِ. اهـ.

فَانْظُرْ قَوْلَهُ لِمُرَاعَاةِ الْخِلَافِ فِي أَصْلِ الْيَمِينِ فَإِنَّهُ رُبَّمَا يُفِيدُ قَبُولَ النِّيَّةِ الْمُخَصِّصَةِ فِي كُلِّ يَمِينٍ، وَقَوْلُهُ لِمُرَاعَاةِ الْخِلَافِ إلَخْ إشَارَةٌ لِمَا قُلْنَاهُ سَابِقًا مِنْ أَنَّ الْحَالِفَ إذَا عَزَلَ فِي يَمِينِهِ أَوَّلًا هَلْ يَحْلِفُ عَلَى مَا ادَّعَاهُ مِنْ الْعَزْلِ أَوْ لَا يَحْلِفُ، وَيُصَدَّقُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ الْعَزْلَ. قَوْلَانِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا أَفَادَهُ ابْنُ مُحْرِزٍ، وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ أَنَّ الْمُحَاشَاةَ قَاعِدَةٌ مُطَّرِدَةٌ فِي الْمَحْلُوفِ بِهِ، وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ لَيْسَ بِظَاهِرٍ لِإِطْلَاقِهِمْ قَبُولَ الْمُحَاشَاةِ وَتَفْصِيلُهُمْ فِي النِّيَّةِ الْمُخَصِّصَةِ كَمَا يَأْتِي، وَمَا ادَّعَاهُ طفى مِنْ تَخْصِيصِهَا بِالْحَلَالِ عَلَيَّ حَرَامٌ فَلَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ دَلِيلٌ، وَإِنْ ادَّعَى اطِّرَادَهَا فِي الْمَحْلُوفِ بِهِ لَمْ يَبْعُدْ اُنْظُرْ بْن.

[كَفَّارَة الْيَمِين]

(قَوْلُهُ: أَيْ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ لَهُ مَخْرَجًا) أَيْ لَمْ يُعَيِّنْ فِيهِ الْمَنْذُورَ أَمَّا لَوْ عَيَّنَ مَخْرَجَهُ بِاللَّفْظِ أَوْ النِّيَّةِ لَزِمَهُ مَا عَيَّنَهُ (قَوْلُهُ: كَعَلَيَّ نَذْرٌ إلَخْ) . اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَيَّ صِيغَةُ نَذْرٍ مُطْلَقًا سَوَاءٌ عَلَّقَ أَوْ لَمْ يُعَلِّقْ، وَعَلَيَّ كَذَا صِيغَةُ نَذْرٍ إنْ لَمْ يُعَلِّقْ أَوْ عَلَّقَ عَلَى أَمْرٍ غَيْرِ مُكْتَسَبٍ لِلشَّخْصِ فَإِنْ عَلَّقَ عَلَى مُكْتَسَبٍ لِلشَّخْصِ فَهُوَ نَذْرٌ وَيَمِينٌ بِاعْتِبَارَيْنِ فَهُوَ نَذْرٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ الْتِزَامُ مَنْدُوبٍ، وَيَمِينٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِهِ الْقُرْبَةَ بَلْ الِامْتِنَاعُ مِنْ الْفِعْلِ، وَالْأَرْبَعَةُ دَاخِلَةٌ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَفِي النَّذْرِ الْمُبْهَمِ، وَقَوْلُهُ وَالْيَمِينُ وَالْكَفَّارَةُ أَيْ، وَفِي نَذْرِ الْيَمِينِ وَنَذْرِ الْكَفَّارَةِ فَيَنْدَرِجُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا الصُّوَرُ الْأَرْبَعَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي النَّذْرِ الْمُبْهَمِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ، وَفِي الْحَلِفِ بِالْيَمِينِ وَالْكَفَّارَةِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ مَحَلَّ لُزُومِ الْكَفَّارَةِ فِي الْحَلِفِ بِالْيَمِينِ مَا لَمْ يَكُنْ الْعُرْفُ فِي الْيَمِينِ الطَّلَاقَ، وَإِلَّا لَزِمَهُ طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ كَمَا فِي بْن عَنْ الْوَنْشَرِيسِيِّ وَغَيْرِهِ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ يَرْجِعُ لِعُرْفِ الْبُلْدَانِ الَّذِي تَعَارَفُوهُ فِي الطَّلَاقِ فَإِنْ كَانَ عُرْفُهُمْ الْبَتَاتَ لَزِمَهُ الثَّلَاثُ، وَإِنْ كَانَ عُرْفُهُمْ اسْتِعْمَالَهُ فِي الطَّلَاقِ فَقَطْ حُمِلَ عَلَى الرَّجْعِيِّ، وَعُرْفُ مِصْرَ إذَا قَالَ يَمِينُ سَفَهٍ كَانَ طَلَاقًا فَلَوْ جَمَعَ الْأَيْمَانَ كَلِلَّهِ عَلَيَّ أَيْمَانٌ تَعَدَّدَتْ الْكَفَّارَةُ، وَفِي الْمَوَّاقِ نَقْلًا عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ قَوْلٌ بِاتِّحَادِهَا لِتَكَرُّرِ صِيغَةِ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ فَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ عَلَيَّ أَيْمَانٌ يَمِينًا وَاحِدَةً لَمْ يُقْبَلْ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ نَصٌّ، وَإِنْ أَرَادَ اثْنَيْنِ فَتَرَدُّدٌ بِاعْتِبَارِ أَقَلِّ الْجَمْعِ (قَوْلُهُ: أَوْ إنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا مَا أَقَمْتُ فِي هَذِهِ الدَّارِ) ظَاهِرُ صَنِيعِ الشَّارِحِ أَنَّ إنْ نَافِيَةٌ فِي صِيغَةِ الْبِرِّ، وَشَرْطِيَّةٌ فِي صِيغَةِ الْحِنْثِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هِيَ نَافِيَةٌ فِي الصِّيغَتَيْنِ إنْ لَمْ يُذْكَرْ لَهَا جَوَابٌ نَحْوُ وَاَللَّهِ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا أَوْ وَاَللَّهِ إنْ لَمْ أُكَلِّمْ زَيْدًا، وَمَعْنَى الصِّيغَةِ الْأُولَى لَا أُكَلِّمُهُ، وَمَعْنَى الثَّانِيَةِ لَا كَلَّمْته؛ لِأَنَّ إنْ نَافِيَةٌ، وَلَمْ نَافِيَةٌ وَنَفْيُ النَّفْيِ إثْبَاتٌ فَالْفِعْلُ فِي الصِّيغَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَ مَاضِيًا لَكِنَّ مَعْنَاهُ الِاسْتِقْبَالُ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِالْمُسْتَقْبَلِ وَاَلَّذِي صَرَفَ الْمَاضِيَ لِلِاسْتِقْبَالِ الْإِنْشَاءُ إذْ الْحَلِفُ إنْشَاءٌ، وَإِنْ ذُكِرَ لَهَا جَوَابٌ فَهِيَ شَرْطِيَّةٌ فِيهِمَا نَحْوُ وَاَللَّهِ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا فَلَا أُقِيمُ فِي هَذِهِ الْبَلْدَةِ، وَلَمْ أَضْرِبْ زَيْدًا مَا أَقَمْت فِي هَذِهِ الدَّارِ (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يُؤَجِّلْ) هَذَا شَرْطٌ فِي كَوْنِ الصِّيغَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ صِيغَتَيْ حِنْثٍ لَا شَرْطَ فِي تَنْجِيزِ الْحِنْثِ عَلَيْهِ، وَلَا فِي قَوْلِهِ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْإِطْعَامِ فِي لَأَفْعَلَنَّ أَوْ إنْ لَمْ أَفْعَلْ لَيْسَ مَشْرُوطًا بِعَدَمِ التَّأْجِيلِ.

وَحَاصِلُ مَا أَرَادَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْحَالِفَ بِهَاتَيْنِ الصِّيغَتَيْنِ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى حِنْثٍ إذَا لَمْ يَضْرِبْ لِيَمِينِهِ أَجَلًا أَيْ بِأَنْ أَطْلَقَ فِي يَمِينِهِ نَحْوَ، وَاَللَّهِ لَا كَلَّمْت زَيْدًا أَوْ وَاَللَّهِ إنْ لَمْ أُكَلِّمْهُ لَكِنْ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْمَوْتِ، وَمِنْ هَذَا مَا نَقَلَهُ الْمَوَّاقُ وَاَللَّهِ لَأُطَلِّقَنَّكِ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى الْكَفَّارَةِ، وَلَا يُمْنَعُ مِنْ وَطْئِهَا، وَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِمَوْتِهَا -

<<  <  ج: ص:  >  >>