للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فَصْلٌ) فِي النَّذْرِ، وَأَحْكَامِهِ (النَّذْرُ الْتِزَامُ مُسْلِمٍ) فَلَا يَلْزَمُ الْكَافِرَ الْوَفَاءُ بِهِ، وَلَوْ أَسْلَمَ لَكِنْ يُنْدَبُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ (كُلِّفَ) لَا صَبِيٍّ وَنُدِبَ الْوَفَاءُ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَمَجْنُونٍ، وَشَمَلَ الْمُكَلَّفُ الرَّقِيقَ وَلِرَبِّهِ مَنْعُهُ فِي غَيْرِ الْمَالِ إنْ أَضَرَّ بِهِ فِي عَمَلِهِ، وَعَلَيْهِ إنْ عَتَقَ مَالًا أَوْ غَيْرَهُ، وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ إبْطَالُهُ بِخِلَافِ غَيْرِ النَّذْرِ، وَشَمَلَ السَّفِيهَ فَيَلْزَمُهُ غَيْرُ الْمَالِ (وَلَوْ) كَانَ النَّاذِرُ (غَضْبَانَ) خِلَافًا لِمَنْ قَالَ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ كَأَنْ يَقُولَ حَالَ غَضَبِهِ إنْ دَخَلْت دَارَ زَيْدٍ فَعَلَيَّ كَذَا، وَمِنْهُ نَذْرُ اللَّجَاجِ، وَهُوَ أَنْ يَقْصِدَ مَنْعَ نَفْسِهِ مِنْ شَيْءٍ وَمُعَاقَبَتَهَا نَحْوُ لِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا إنْ كَلَّمْت زَيْدًا وَيَلْزَمُهُ النَّذْرُ، وَهَذَا مِنْ أَقْسَامِ الْيَمِينِ عِنْدَ ابْنِ عَرَفَةَ وَالْمُصَنِّفُ يَرَى أَنَّهُ مِنْ النَّذْرِ (وَإِنْ قَالَ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي) أَنْ لَا أَفْعَلَ أَوْ إنْ شَاءَ اللَّهُ (أَوْ) إلَّا أَنْ (أَرَى خَيْرًا مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمَنْذُورِ (بِخِلَافٍ) عَلَيَّ كَذَا (إنْ شَاءَ فُلَانٌ فَبِمَشِيئَتِهِ) مِنْ حِلٍّ أَوْ عَقْدٍ كَالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ فَإِنْ مَاتَ إنْ شَاءَ أَوْ لَمْ تُعْلَمْ مَشِيئَتُهُ فَلَا شَيْءَ عَلَى النَّاذِرِ

ــ

[حاشية الدسوقي]

قَبُولِ نِيَّتِهِ بِأَنَّهَا مُسَاوِيَةٌ لِلَفْظِهِ، وَالنِّيَّةُ الْمُسَاوِيَةُ لِلَفْظٍ تُقْبَلُ مُطْلَقًا فِي الْفَتْوَى وَالْقَضَاءِ، وَلَوْ بِطَلَاقٍ وَعِتْقٍ مُعَيَّنٍ مَعَ الْمُرَافَعَةِ، وَأُجِيبُ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ مُسَاوَاةَ نِيَّتِهِ لِلَفْظِهِ بَلْ نِيَّتُهُ مُخَالِفَةٌ لِلَفْظِهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا كِسْوَتُهَا إيَّاهُمَا كَمَا يُحْتَمَلُ لَا كِسْوَتُهَا إيَّاهُمَا جَمِيعًا يُحْتَمَلُ لَا كَسَوْتهَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى انْفِرَادِهِ فَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ صَارَتْ النِّيَّةُ مُخَالِفَةً لِظَاهِرِ اللَّفْظِ، وَالنِّيَّةُ إذَا كَانَتْ تُقْبَلُ عِنْدَ الْمُفْتِي مُطْلَقًا كَانَتْ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ أَوْ بِغَيْرِهِ، وَلَا تُقْبَلُ عِنْدَ الْقَاضِي مَعَ الْمُرَافَعَةِ إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ مُعَيَّنٍ، وَالْحِنْثُ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ يَمِينُهُ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ مُعَيَّنٍ وَرُفِعَ لِلْقَاضِي، وَأَمَّا لَوْ جَاءَ مُسْتَفْتِيًا قُبِلَتْ نِيَّتُهُ اتِّفَاقًا.

[فَصْلٌ فِي النَّذْرِ وَأَحْكَامِهِ]

(فَصْلٌ فِي النَّذْرِ) أَيْ فِي أَرْكَانِهِ، وَهِيَ ثَلَاثَةٌ الصِّيغَةُ وَسَتَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ كَلِلَّهِ عَلَيَّ أَوْ عَلَيَّ ضَحِيَّةٌ وَالشَّيْءُ الْمُلْتَزَمُ وَسَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ بِهِ مَا نُدِبَ وَالشَّخْصُ الْمُلْتَزِمُ، وَهُوَ مَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ النَّذْرُ الْتِزَامُ مُسْلِمٍ إلَخْ.

(قَوْلُهُ: وَشَمَلَ الْمُكَلَّفُ الرَّقِيقَ) أَيْ فَيَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِمَا نَذَرَهُ مَالًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ (قَوْلُهُ: وَلِلسَّيِّدِ مَنْعُهُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ تَعْجِيلِ الْوَفَاءِ بِهِ وَقَوْلُهُ فِي غَيْرِ الْمَالِ أَيْ بِأَنْ كَانَ صَلَاةً أَوْ صَوْمًا وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَى غَيْرِ الْمَالِ لِأَجْلِ قَوْلِهِ إنْ أَضَرَّ بِهِ فِي عَمَلِهِ، وَأَمَّا الْمَالُ فَلَهُ مَنْعُهُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَلَوْ قَالَ الشَّارِحُ وَلِرَبِّهِ مَنْعُهُ مِنْ الْوَفَاءِ بِهِ إنْ كَانَ مَالًا أَوْ كَانَ غَيْرَهُ إنْ أَضَرَّ بِهِ فِي عَمَلِهِ كَانَ أَظْهَرُ.

وَحَاصِلُ مَا لِابْنِ عَرَفَةَ أَنَّ الرَّقِيقَ إذَا نَذَرَ مَا يَتَعَلَّقُ بِجَسَدِهِ مِنْ صَلَاةٍ أَوْ صَوْمٍ فَإِنْ لَمْ يَضُرَّ بِالسَّيِّدِ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ تَعْجِيلِهِ، وَإِنْ أَضَرَّ بِهِ فَلَهُ مَنْعُهُ مِنْ تَعْجِيلِهِ، وَيَبْقَى فِي ذِمَّتِهِ وَإِنْ نَذَرَ مَالًا كَانَ لِلسَّيِّدِ مَنْعُهُ مِنْ الْوَفَاءِ بِهِ فِي حَالِ الرِّقِّ فَإِنْ عَتَقَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِمَا نَذَرَهُ فَإِنْ رَدَّهُ السَّيِّدُ، وَأَبْطَلَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ كَمَا فِي كِتَابِ الْعِتْقِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافًا لِمَا فِي كِتَابِ الِاعْتِكَافِ مِنْهَا فَقَوْلُ الشَّارِحِ، وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ إبْطَالُهُ أَيْ فَإِنْ أَبْطَلَهُ بَطَلَ، وَلَا يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَقِيلَ لَا يَبْطُلُ وَيَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ عَلَى مَا عَلِمْت مِنْ الْخِلَافِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ غَيْرِ النَّذْرِ) أَيْ كَالدَّيْنِ فَإِنَّ لِلسَّيِّدِ إبْطَالَهُ.

(قَوْلُهُ: وَشَمَلَ السَّفِيهَ) أَيْ وَشَمَلَ أَيْضًا الزَّوْجَةَ وَالْمَرِيضَ فَيَجِبُ عَلَيْهِمَا الْوَفَاءُ بِمَا نَذْرَاهُ إذَا كَانَ غَيْرَ مَالٍ أَوْ مَالًا وَلَمْ يَزِدْ عَلَى الثُّلُثِ، فَإِنْ زَادَ عَلَى الثُّلُثِ كَانَ لِلزَّوْجِ رَدُّ الْجَمِيعِ فَإِنْ لَمْ يَزِدْ لَزِمَهَا، وَكَانَ لِلْوَارِثِ رَدُّ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ نَذْرَ الزَّوْجَةِ وَالْمَرِيضِ فِي زَائِدِ الثُّلُثِ لَازِمٌ لَهُمَا مَا لَمْ يُرِدْ الزَّوْجُ وَالْوَارِثُ وَرَدُّهُمَا إبْطَالٌ وَالْعَبْدُ يَلْزَمُهُ مَا نَذَرَهُ سَوَاءٌ كَانَ مَالًا أَوْ غَيْرَهُ فَإِنْ مَنَعَهُ مِنْهُ السَّيِّدُ فَعَلَيْهِ إنْ عَتَقَ مَالًا أَوْ غَيْرَهُ، وَالسَّفِيهُ لَا يَلْزَمُهُ مَا نَذَرَهُ إذَا كَانَ مَالًا وَلِوَلِيِّهِ رَدُّهُ، وَلَهُ هُوَ أَيْضًا رَدُّهُ بَعْدَ رُشْدِهِ.

(قَوْلُهُ فَيَلْزَمُهُ غَيْرُ الْمَالِ) أَيْ، وَأَمَّا مَا نَذَرَهُ مِنْ الْمَالِ فَلَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِيهِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَالُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا (قَوْلُهُ، وَلَوْ غَضْبَانَ) مُبَالَغَةٌ فِي مَحْذُوفٍ أَيْ، وَهُوَ لَازِمٌ وَلَوْ غَضْبَانَ (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِمَنْ قَالَ إلَخْ) أَيْ، وَهُوَ ابْنُ الْقَاسِمِ (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ نَذْرُ اللَّجَاجِ) أَيْ وَمِنْ نَذْرِ الْغَضْبَانِ نَذْرُ اللَّجَاجِ فَيَكُونُ لَازِمًا وَنَذْرُ اللَّجَاجِ مَا يَحْصُلُ لِأَجْلِ قَطْعِ لِجَاجِ نَفْسِهِ فَأَرَادَ بِالْغَضَبِ أَوَّلًا غَيْرَ ذَلِكَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْغَضْبَانَ مَا كَانَ نَذْرُهُ مِنْ أَجْلِ غَضَبِهِ مِنْ غَيْرِهِ وَاللِّجَاجُ مَا كَانَ مِنْ نَفْسِهِ وَقَدْ ذَكَرَ ح مَا يُفِيدُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّ النَّذْرَ الْمَنْدُوبَ لَازِمٌ بِخِلَافِ نَذْرِ الْمَكْرُوهِ فَلَا يَلْزَمُ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا يَأْتِي، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ بِهِ مَا نُدِبَ.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى الْمُبَالَغِ عَلَيْهِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي حَيِّزِ الْمُبَالَغَةِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ إنْ شَاءَ فُلَانٌ فَبِمَشِيئَتِهِ إلَخْ) حَاصِلُ مَا لَهُمْ فِي الطَّلَاقِ إنَّ التَّقْيِيدَ فِيهِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ لَا يَنْفَعُ وَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ سَوَاءٌ كَانَ شَرْطًا نَحْوَ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ كَانَ اسْتِثْنَاءً نَحْوَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ، وَأَنَّ التَّقْيِيدَ فِيهِ بِمَشِيئَةِ الْغَيْرِ نَافِعٌ لِتَوَقُّفِ لُزُومِهِ عَلَى مَشِيئَةِ ذَلِكَ الْغَيْرِ سَوَاءٌ كَانَ شَرْطًا نَحْوَ إنْ شَاءَ فُلَانٌ أَوْ كَانَ اسْتِثْنَاءً نَحْوَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ فُلَانٌ، وَأَنَّ التَّقْيِيدَ فِيهِ بِمَشِيئَتِهِ هُوَ غَيْرُ نَافِعٍ إنْ كَانَ اسْتِثْنَاءً نَحْوَ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي هَذَا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ مُعَلَّقًا أَوْ مُطْلَقًا وَجُعِلَ الِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعًا لِلْمُعَلَّقِ أَوْ لِكُلٍّ مِنْ الْمُعَلِّقِ وَالْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ أَمَّا إنْ جُعِلَ رَاجِعًا لِلْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ فَقَطْ فَإِنَّهُ يَنْفَعُهُ كَمَا يَنْفَعُهُ إنْ كَانَ شَرْطًا نَحْوَ إنْ شِئْت فَيَتَوَقَّفُ لُزُومُهُ عَلَى مَشِيئَتِهِ عَلَى الْمَنْصُوصِ فِي الْمُدَوَّنَةِ كَمَا نَقَلَهُ ح فِي الطَّلَاقِ عِنْدَ قَوْلِهِ بِخِلَافِ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي إلَخْ وَمِثْلُ الطَّلَاقِ فِي ذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>