للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَعْدَ تَفْوِيضِ الزَّوْجِ لَهُ وَلَوْ قَرُبَتْ غَيْبَتُهُ (وَ) مَحَلُّ السُّقُوطِ إذَا (لَمْ يَشْهَدْ بِبَقَائِهِ) عَلَى حَقِّهِ مِمَّا جَعَلَهُ لَهُ الزَّوْجُ مِنْ أَمْرِ زَوْجَتِهِ؛ لِأَنَّ غَيْبَتَهُ مَعَ عَدَمِ الْإِشْهَادِ عَلَى بَقَائِهِ عَلَى حَقِّهِ دَلِيلٌ بِقَرِينَةِ الْحَالِ عَلَى أَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ وَلَا يَنْتَقِلُ النَّظَرُ إلَيْهَا (فَإِنْ أَشْهَدَ) أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى حَقِّهِ (فَفِي بَقَائِهِ بِيَدِهِ) طَالَتْ الْغَيْبَةُ أَوْ قَصَرَتْ (أَوْ يَنْتَقِلُ) الْحَقُّ (لِلزَّوْجَةِ قَوْلَانِ) لَكِنْ فِي الْبَعِيدَةِ خَاصَّةً وَكَتَبَ لَهُ فِي الْقَرِيبَةِ بِإِسْقَاطِ مَا بِيَدِهِ أَوْ إمْضَاءِ مَا جُعِلَ لَهُ وَلَا يَنْتَقِلُ لِلزَّوْجَةِ عَلَى الرَّاجِحِ

(وَإِنْ مَلَّكَ) أَمْرَ زَوْجَتِهِ (رَجُلَيْنِ) بِأَنْ قَالَ مَلَّكْتُكُمَا أَمْرَهَا أَوْ أَمْرُهَا بِأَيْدِيكُمَا أَوْ قَالَ طَلِّقَاهَا إنْ شِئْتُمَا (فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الْقَضَاءُ) بِطَلَاقِهَا دُونَ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُمَا مُنَزَّلَانِ مَنْزِلَةَ الْوَكِيلِ الْوَاحِدِ فَلَا يَقَعُ طَلَاقٌ إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمَا عَلَيْهِ كَالْوَكِيلَيْنِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ أَحَدُهُمَا فِي وَطْئِهَا زَالَ مَا بِيَدِهِمَا فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَلَيْسَ لِلثَّانِي كَلَامٌ (إلَّا أَنْ يَكُونَا رَسُولَيْنِ) بِأَنْ يَقُولَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا: طَلِّقْ زَوْجَتِي أَوْ مَلَّكْتُك أَمْرَهَا أَوْ يَقُولَ لَهُمَا: جَعَلْت لِكُلٍّ مِنْكُمَا طَلَاقُهَا فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الْقَضَاءُ وَتَسْمِيَةُ هَذَا رِسَالَةً مَجَازٌ إذْ حَقِيقَةُ الرِّسَالَةِ أَنْ يَقُولَ لَهُمَا: بَلِّغَاهَا أَنِّي قَدْ طَلَّقْتهَا وَفِي هَذِهِ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَإِنْ لَمْ يُبَلِّغْهَا أَحَدٌ مِنْهُمَا وَحَمْلُ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ بَعِيدٌ فَتَدَبَّرْ

(فَصْلٌ فِي رَجْعَةِ الْمُطَلَّقَةِ طَلَاقًا غَيْرَ بَائِنٍ) وَهُوَ عَوْدُ الزَّوْجَةِ الْمُطَلَّقَةِ لِلْعِصْمَةِ مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدِ عَقْدٍ وَيَتَعَلَّقُ الْبَحْثُ فِيهَا بِأَرْبَعَةِ أُمُورٍ الْمُرْتَجِعِ وَالْمُرْتَجَعَةِ وَسَبَبِ الرَّجْعَةِ وَأَحْكَامِ الْمُرْتَجَعَةِ قَبْلَ الِارْتِجَاعِ، وَذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ مُرَتَّبَةً هَكَذَا فَقَالَ (يَرْتَجِعُ) أَيْ يَجُوزُ أَوْ يَصِحُّ ارْتِجَاعُ (مَنْ يَنْكِحُ) أَيْ مَنْ فِيهِ أَهْلِيَّةُ النِّكَاحِ فَلَا يَصِحُّ ارْتِجَاعُ مَجْنُونٍ

ــ

[حاشية الدسوقي]

أَيْ فَيَسْقُطُ حَقُّهُ وَلَا يَنْتَقِلُ إلَيْهَا النَّظَرُ فَالْغَيْبَةُ بَعْدَ التَّفْوِيضِ مُخَالِفَةٌ لِلْغَيْبَةِ قَبْلَهَا وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ إذَا غَابَ بَعْدَ تَوْكِيلِهِ بِحُضُورِهِ كَانَ ظَالِمًا فَيَسْقُطُ حَقُّهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ غَائِبًا حَالَ التَّوْكِيلِ فَإِنَّهُ لَا ظُلْمَ عِنْدَهُ فَلَمْ يَسْقُطْ حَقُّهُ فَلِذَا انْتَظَرَ إنْ كَانَتْ الْغَيْبَةُ قَرِيبَةً وَانْتَقَلَ النَّظَرُ لَهَا إنْ كَانَتْ بَعِيدَةً وَلَا يُنْتَظَرُ قُدُومُهُ لِمَا يَلْحَقُهَا مِنْ الضَّرَرِ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ غَيْبَتِهِ بَعْدَ التَّفْوِيضِ وَغَيْبَتِهِ قَبْلَهُ طَرِيقَةٌ لِابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ شَاسٍ وَابْنِ بَشِيرٍ وَأَجْرَى ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْغَيْبَةَ بَعْدَ التَّفْوِيضِ عَلَى الْغَيْبَةِ قَبْلَهُ فِي التَّفْصِيلِ بَيْنَ قُرْبِ الْغَيْبَةِ وَبَعْدَهَا وَاخْتَارَهُ فِي التَّوْضِيحِ.

(قَوْلُهُ بَعْدَ تَفْوِيضِ الزَّوْجِ لَهُ) أَيْ طَلَاقَهَا عَلَى وَجْهِ التَّخْيِيرِ أَوْ التَّمْلِيكِ (قَوْلُهُ، فَإِنْ أَشْهَدَ) أَيْ عِنْدَ غَيْبَتِهِ (قَوْلُهُ وَكَتَبَ لَهُ فِي الْقَرِيبَةِ بِإِسْقَاطِ مَا بِيَدِهِ) أَيْ وَإِذَا كَتَبَ لَهُ بِإِسْقَاطِ مَا بِيَدِهِ أَوْ إمْضَائِهِ فَأَسْقَطَهُ فَإِنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ النَّظَرُ لِلزَّوْجَةِ وَانْظُرْ لَوْ مَاتَ مَنْ فُوِّضَ لَهُ أَمْرُهَا وَلَمْ يُوصِ بِهِ لِأَحَدٍ فَهَلْ يَنْتَقِلُ لَهَا وَهُوَ الظَّاهِرُ أَمْ لَا وَأَمَّا إنْ أَوْصَى بِهِ فَإِنَّهُ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ اهـ خش (قَوْلُهُ عَلَى الرَّاجِحِ) وَقِيلَ إنَّهُ يَنْتَقِلُ مَا جُعِلَ لَهُ لِلزَّوْجَةِ فِي الْغَيْبَةِ الْقَرِيبَةِ وَالْبَعِيدَةِ فَالْأَقْوَالُ ثَلَاثَةٌ وَثَالِثُهَا لَمَّا كَانَ ضَعِيفًا لَمْ يَحْمِلْ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ

(قَوْلُهُ فَلَا يَقَعُ طَلَاقٌ إلَخْ) أَيْ فَإِيقَاعُ الطَّلَاقِ مِنْ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ لَغْوٌ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَا رَسُولَيْنِ) هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ سَوَاءٌ حَمَلْت الرِّسَالَةَ عَلَى الْمَجَازِيَّةِ أَوْ الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَدْخُلُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا فِي التَّمْلِيكِ عَلَى مَا حَلَّ بِهِ الشَّارِحُ قَوْلُهُ وَإِنْ مَلَّكَ رَجُلَيْنِ إلَخْ (قَوْلُهُ أَوْ يَقُولُ لَهُمَا جَعَلْت لِكُلٍّ مِنْكُمَا إلَخْ) قَالَ شَيْخُنَا أَوْ يَقُولُ لَهُمَا طَلِّقَا زَوْجَتِي وَلَمْ يَقُلْ إنْ شِئْتُمَا؛ لِأَنَّهُ فِي قُوَّةِ قَضِيَّةٍ كُلِّيَّةٍ أَيْ لِكُلٍّ مِنْكُمَا طَلَاقُ زَوْجَتِي فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الِاسْتِقْلَالُ بِالطَّلَاقِ عَمَلًا بِالْأَحْوَطِ فِي الْفُرُوجِ وَهَذَا أَحَدُ أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ.

وَحَاصِلُهَا أَنَّهُ إذَا قَالَ: طَلِّقَا زَوْجَتِي فَقِيلَ يُحْمَلُ عَلَى الرِّسَالَةِ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الِاسْتِقْلَالُ بِالطَّلَاقِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ التَّمْلِيكَ وَقِيلَ يُحْمَلُ عَلَى التَّوْكِيلِ فَلَا يَلْزَمُ الطَّلَاقُ إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمَا مَعًا وَلَهُ عَزْلُهُمَا، وَقِيلَ يُحْمَلُ عَلَى التَّمْلِيكِ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمَا مَعًا وَلَيْسَ لَهُ عَزْلُهُمَا وَالْأَوَّلُ لِلْمُدَوَّنَةِ وَالثَّانِي لِسَمَاعِ عِيسَى وَالثَّالِثُ لِأَصْبَغَ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ هُوَ الصَّحِيحُ وَاخْتَارَ اللَّخْمِيُّ مَا فِي سَمَاعِ عِيسَى وَتَبِعَهُ بَهْرَامُ فِي الشَّامِلِ وعج وَالشَّيْخُ سَالِمٌ اُنْظُرْ بْن.

(قَوْلُهُ وَحَمَلَ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ) أَيْ بِحَيْثُ يُقَالُ إلَّا أَنْ يَكُونَا رَسُولَيْنِ أَرْسَلَهُمَا لِيُبَلِّغَاهَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا فَلِكُلٍّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْقَضَاءُ أَيْ الْإِخْبَارُ بِأَنَّهُ طَلَّقَهَا وَوَجْهُ الْبُعْدِ أَنَّهُ يَحْتَاجُ لِتَفْسِيرِ الْقَضَاءِ بِالْإِخْبَارِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ هُوَ يُوهِمُ أَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إخْبَارِهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَقَعُ وَلَوْ لَمْ يُخْبِرَاهَا

[فَصْل فِي رَجْعَة الْمُطَلَّقَةِ طَلَاقًا غَيْرَ بَائِنٍ]

فَصْلٌ فِي الرَّجْعَةِ (قَوْلُهُ: وَهِيَ عَوْدُ إلَخْ) الضَّمِيرُ لِلرَّجْعَةِ وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ عَوْدَ الْبَائِنِ لِلْعِصْمَةِ بِتَجْدِيدِ عَقْدٍ لَا يُسَمَّى رَجْعَةً، وَهُوَ كَذَلِكَ بَلْ يُسَمَّى مُرَاجَعَةً لِتَوَقُّفِ ذَلِكَ عَلَى رِضَا الزَّوْجَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُفَاعَلَةَ تَقْتَضِي الْحُصُولَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ (قَوْلُهُ: مَنْ فِيهِ أَهْلِيَّةُ النِّكَاحِ) أَيْ وَهُوَ الْعَاقِلُ فَأَهْلِيَّةُ النِّكَاحِ إنَّمَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْعَقْلِ وَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى عَدَمِ الْإِحْرَامِ، وَعَدَمِ الْمَرَضِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْمُحْرِمِ وَالْمَرِيضِ فِيهِ أَهْلِيَّةُ النِّكَاحِ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ طَرَأَ عَلَيْهِمَا مَا يَمْنَعُ مِنْ صِحَّتِهِ، وَقَوْلُهُ: أَيْ مَنْ فِيهِ أَهْلِيَّةُ النِّكَاحِ دَخَلَ فِيهِ الصَّبِيُّ؛ لِأَنَّ فِيهِ أَهْلِيَّةَ النِّكَاحِ فِي الْجُمْلَةِ؛ لِأَنَّ نِكَاحَهُ صَحِيحٌ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِجَازَةِ مِنْ وَلِيِّهِ وَقَدْ خَرَجَ بِقَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ طَالِقًا غَيْرَ بَائِنٍ؛ لِأَنَّ طَلَاقَهُ إمَّا بَائِنٌ بِأَنْ يُطَلِّقَ عَنْهُ وَلِيُّهُ بِعِوَضٍ أَوْ بِدُونِهِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ كَمَا مَرَّ وَالْأَوَّلُ بَائِنٌ قَطْعًا وَكَذَا الثَّانِي؛ لِأَنَّ وَطْأَهُ كَلَا وَطْءٍ أَوْ غَيْرُ لَازِمٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>