للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَظَرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا عَلَيْهِ مَشَايِخُنَا مِنْ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إثْبَاتُ الْحُدُودِ وَالْكَفَّارَاتِ بِالْقِيَاسِ.

وَيَصِحُّ بِدَلَالَةِ النَّصِّ ثُمَّ لَا فَرْقَ فِي تَحَقُّقِهَا بَيْنَ إنْ (كَانَ) الْمَسْكُوتُ (أَوْلَى) بِحُكْمِ الْمَنْطُوقِ مِنْهُ بِاعْتِبَارِ مَنَاطِهِ (أَوْ لَا) أَيْ أَوْ لَمْ يَكُنْ الْمَسْكُوتُ أَوْلَى بِحُكْمِ الْمَنْطُوقِ مِنْهُ بِاعْتِبَارِ مَنَاطِهِ بَلْ كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ فِيهِ خِلَافًا لِمَنْ اشْتَرَطَ الْأَوْلَوِيَّةَ فِيهَا كَمَا سَيَأْتِي التَّعَرُّضُ لَهُ مَعَ رَدِّهِ (كَدَلَالَةِ فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ عَلَى تَحْرِيمِ الضَّرْبِ) فَإِنَّ الْمَعْنَى الْعِبَارِيَّ لَهُ تَحْرِيمُ خِطَابِ الْوَلَدِ لِلْوَالِدَيْنِ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ الْمَوْضُوعَةِ لِلتَّبَرُّمِ وَالتَّضَجُّرِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ مِنْهُ إلَى الْمَقْصُودِ بِالنَّهْيِ الَّذِي لِأَجْلِهِ تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ، وَهُوَ الْأَذَى وَتَثْبُتُ بِدَلَالَتِهِ حُرْمَةُ ضَرْبِهِمَا أَوْ شَتْمِهِمَا بِطَرِيقٍ أَوْلَى مِنْ حُرْمَةِ التَّأْفِيفِ لَهُمَا نَظَرًا إلَى عِلَّةِ تَحْرِيمِهِ الْمَفْهُومَةِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِمَّنْ يَعْرِفُ اللُّغَةَ، وَهُوَ الْإِيذَاءُ فَإِنَّ الْإِيذَاءَ فِيهِمَا فَوْقَ الْإِيذَاءِ بِالتَّأْفِيفِ، وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَعْنَى فِي قَوْلِهِمْ: مَا ثَبَتَ بِمَعْنَى النَّصِّ الْمَعْنَى الَّذِي يُنْتَقَلُ إلَيْهِ مِنْ الْمَعْنَى الْوَضْعِيِّ مَنْ هُوَ عَارِفٌ بِاللُّغَةِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى اجْتِهَادٍ، وَأَنَّ تَحْرِيمَ التَّلَفُّظِ بِأُفٍّ إنَّمَا هُوَ بِوَاسِطَةِ الْأَذَى لَا لِعَيْنِ أُفٍّ حَتَّى لَوْ كَانَ قَوْمٌ يَسْتَعْمِلُونَهُ لِنَوْعِ إكْرَامٍ أَوْ تَرَحُّمٍ لَا لِلْكَرَاهَةِ وَالتَّضَجُّرِ لَمْ يَثْبُتْ تَحْرِيمُ قَوْلِهِ، وَلَا مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ.

وَسَيَأْتِي مِثَالُ مَا يَكُونُ السُّكُوتُ عَنْهُ مُسَاوِيًا لِلْمَنْطُوقِ بِهِ فِي حُكْمِهِ لِمُسَاوَاتِهِ لَهُ فِي مَنَاطِهِ (وَأَمَّا) أَنَّ دَلَالَةَ اللَّفْظِ (عَلَى مُجَرَّدِ لَازِمِ الْمَعْنَى كَدَلَالَةِ الضَّرْبِ عَلَى الْإِيلَامِ) مِنْ قَبِيلِ دَلَالَةِ مَعْنَى النَّصِّ كَمَا ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَمَنْ وَافَقَهُ فَإِنَّ الضَّرْبَ اسْمٌ لِفِعْلٍ بِصُورَةٍ مَعْقُولَةٍ وَهُوَ قَرْعُ جِسْمٍ بِآخَرَ وَمَعْنًى مَقْصُودٍ، وَهُوَ الْأَذَى (فَغَيْرُ مَشْهُورٍ) عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الضَّرْبِ قَدْ لَا يَكُونُ الْإِيلَامَ كَضَرْبِ الْيَدِ عَلَى الْيَدِ تَصْفِيقًا، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْإِيلَامَ إذَا اُسْتُعْمِلَ بِآلَةِ التَّأْدِيبِ فِي مَحَلٍّ صَالِحٍ لَهُ لِقَصْدِ التَّأْدِيبِ أَوْ التَّعْذِيبِ نَعَمْ هَذَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ إطْلَاقِهِ عُرْفًا وَعَلَيْهِ تَتَخَرَّجُ مَسْأَلَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ حَلَفَ لَا يَضْرِبُ امْرَأَتَهُ فَمَدَّ شَعْرَهَا أَوْ خَنَقَهَا أَوْ عَضَّهَا حَنِثَ (وَعَلَى مَسْكُوتٍ يَتَوَقَّفُ صِدْقُهُ عَلَيْهِ كَرَفْعِ الْخَطَأِ أَوْ صِحَّتُهُ عَلَى مَا سَنَذْكُرُ اقْتِضَاءً) أَيْ وَإِنْ دَلَّ اللَّفْظُ عَلَى شَيْءٍ مَسْكُوتٍ عَنْهُ يَتَوَقَّفُ صِدْقُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ الْمَسْكُوتِ كَالْحَدِيثِ الْمُتَدَاوَلِ لِلْفُقَهَاءِ «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ» فَإِنَّ صِدْقَهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى مُقَدَّرٍ هُوَ حُكْمُ أَيْ رُفِعَ عَنْهُمْ حُكْمُ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ فِي الْآخِرَةِ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ لَمْ يُرْفَعَا عَنْهُمْ لِوُقُوعِهِمَا مِنْهُمْ بِخِلَافِ حُكْمِهِمَا الْأُخْرَوِيِّ، وَلَا يَضُرُّ عَدَمُ الْعُثُورِ بِرِوَايَتِهِ بِهَذَا اللَّفْظِ فَإِنَّهُ رُوِيَ بِمَعْنَاهُ أَخْرَجَ أَبُو الْقَاسِمِ التَّمِيمِيُّ فِي فَوَائِدِهِ عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ أَحْمَدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُصَفَّى أَنْبَأَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ أَنْبَأَنَا الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «رَفَعَ اللَّهُ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ لَكِنْ فِيهِ تَسْوِيَةُ الْوَلِيدِ فَقَدْ رَوَاهُ بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ فَأَدْخَلَ بَيْنَ عَطَاءٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ اهـ. قُلْت وَلَا ضَيْرَ وَإِنْ قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا يُعْرَفُ تَفَرَّدَ عَنْهُ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ اهـ وَعَلَّمَ عَلَيْهِ لِأَبِي دَاوُد فَقَدْ قَالَ فِي تَرْجَمَةِ الْوَلِيدِ بَعْدَ أَنْ عَلَّمَ عَلَيْهِ لِلسِّتَّةِ قُلْت إذَا قَالَ الْوَلِيدُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَوْ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ فَلَيْسَ بِمُعْتَمَدٍ؛ لِأَنَّهُ يُدَلِّسُ عَنْ كَذَا بَيَّنَ، فَإِذَا قَالَ: حَدَّثَنَا فَهُوَ حُجَّةٌ اهـ فَإِنَّهُ هُنَا قَالَ: حَدَّثَنَا ثُمَّ عَلَى هَذَا لَمْ يَتِمَّ دَعْوَى تَفَرُّدِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ أَيْضًا فَتَنَبَّهْ لَهُ أَوْ يَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الْكَلَامِ شَرْعِيًّا عَلَيْهِ كَمَا فِي قَوْلِ الْقَائِلِ لِغَيْرِهِ:

أَعْتِقْ عَبْدَك عَنَى بِأَلْفٍ كَمَا سَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ فِي مَسْأَلَةٍ لِلْمُقْتَضَى وَأَحْكَامِهِ فَتِلْكَ الدَّلَالَةُ اقْتِضَاءٌ وَسُمِّيَتْ بِهِ لِطَلَبِ الْكَلَامِ لَهَا صِدْقًا أَوْ تَصْحِيحًا وَالِاقْتِضَاءُ الطَّلَبُ (وَالشَّافِعِيَّةُ قَسَّمُوهَا) أَيْ الدَّلَالَةَ الْوَضْعِيَّةَ (إلَى مَنْطُوقِ دَلَالَةِ اللَّفْظِ فِي مَحَلِّ النُّطْقِ عَلَى حُكْمٍ لِمَذْكُورٍ) سَوَاءٌ ذُكِرَ الْحُكْمُ كَفِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ زَكَاةٌ، فَإِنَّ هَذَا يَدُلُّ بِمَنْطُوقِهِ عَلَى حُكْمٍ مَذْكُورٍ، وَهُوَ وُجُوبُ الزَّكَاةِ لِمَذْكُورٍ وَهُوَ الْغَنَمُ أَوَّلًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَإِنْ) كَانَ الْحُكْمُ (غَيْرَ مَذْكُورٍ كَفِي السَّائِمَةِ مَعَ قَرِينَةِ الْحُكْمِ) الدَّالَّةِ عَلَيْهِ كَأَنْ يَقُولَ سَائِلٌ: أَفِي الْغَنَمِ الْمَعْلُوفَةِ الزَّكَاةُ أَمْ فِي السَّائِمَةِ؟ فَيَقُولُ الْمُجِيبُ: فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>