للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَإِنْ نَوَاهَا حَنِثَ.

هَذَا وَكَمَا قَالَ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ وَاعْلَمْ أَنَّك إذَا دَقَقْت النَّظَرَ وَجَدْت الْقِسْمَيْنِ مِنْ وَادٍ وَاحِدٍ لِأَنَّهُ بِقَدْرِ مَا زَادَ فِي الْعِنَبِ مِنْ مَعْنَى التَّغَذِّي نَقَصَ مِنْهُ مِنْ مَعْنَى التَّفَكُّهِ وَإِذَا كَانَ نَاقِصًا فِي الْفَاكِهِيَّةِ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ اسْمُ الْفَاكِهَةِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ كَالْمُكَاتَبِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَمْلُوكِ فَالتَّحْقِيقُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَوَّلِ لِانْدِرَاجِ الثَّانِي فِيهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فَاضِلٌ آخَرُ ثُمَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إذَا كَانَ اللَّفْظُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لَا يَتَنَاوَلُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا يَثْبُتُ التَّخْصِيصُ فِيهِ لِأَنَّ التَّخْصِيصَ يَسْتَدْعِي سَابِقَةَ التَّنَاوُلِ، فَلْيُتَأَمَّلْ.

(وَبِمَعْنًى مِنْ الْمُتَكَلِّمِ) هَذَا ثَالِثُ الْخَمْسَةِ أَيْ وَبِدَلَالَةِ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ الْمُتَكَلِّمِ رَاجِعَةٍ إلَيْهِ (كَإِنْ خَرَجْتِ فَطَالِقٌ عَقِيبَ تَهَيُّئِهَا لِخَرْجَةٍ لَجَّتْ فِيهَا) أَيْ حُرِّضَتْ عَلَيْهَا (لَا يَحْنَثُ بِهِ) أَيْ بِخُرُوجِهَا (بَعْدَ سَاعَةٍ وَتُسَمَّى يَمِينَ الْفَوْرِ) وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ فَوَرَانِ الْقِدْرِ سُمِّيَتْ بِهِ بِاعْتِبَارِ صُدُورِهَا مِنْ فَوَرَانِ الْغَضَبِ أَوْ لِأَنَّ الْفَوْرَ اُسْتُعِيرَ لِلسُّرْعَةِ ثُمَّ سُمِّيَ بِهِ الْحَالَةُ الَّتِي لَا لُبْثَ فِيهَا يُقَالُ خَرَجَ مِنْ فَوْرِهِ أَيْ مِنْ سَاعَتِهِ وَأَوَّلُ مَنْ اسْتَخْرَجَهَا أَبُو حَنِيفَةَ وَكَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ يَقُولُونَ الْيَمِينُ مُؤَبَّدَةٌ كَلَا أَفْعَلُ كَذَا وَمُؤَقَّتَةٌ كَلَا أَفْعَلُ الْيَوْمَ كَذَا، وَهِيَ مُؤَبَّدَةٌ لَفْظًا مُؤَقَّتَةٌ مَعْنًى تَتَقَيَّدُ بِالْحَالِ لِكَوْنِهَا جَوَابًا بِالْكَلَامِ يَتَعَلَّقُ بِالْحَالِ فَالدَّلِيلُ عَلَى تَرْكِ الْحَقِيقَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ دَلَالَةُ مَعْنًى قَائِمٍ بِالْمُتَكَلِّمِ وَحَالَةٍ رَاجِعَةٍ إلَيْهِ فَإِنَّ التَّعْلِيقَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ قَصَدَ مَنْعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ الَّذِي تَهَيَّأَتْ لَهُ حَتَّى كَأَنَّهُ قَالَ إنْ خَرَجْتِ السَّاعَةَ فَيَتَقَيَّدُ بِهِ فِيهَا قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَحَقِيقَتُهُ) أَيْ الْمُخَصِّصِ فِي هَذَا الْقِسْمِ (دَلَالَةُ حَالِهِمَا) أَيْ الْمُتَكَلِّمِ وَالْمُخَاطَبِ كَكَوْنِهَا مُلِحَّةً عَلَى الْخُرُوجِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَكَوْنِهِ مُلِحًّا عَلَى مَنْعِهَا حِينَئِذٍ (وَبِدَلَالَةِ مَحَلِّ الْكَلَامِ) بِأَنْ يَكُونَ الْمَحَلُّ غَيْرَ قَابِلٍ لِلْحَقِيقَةِ فَإِنَّ تَعَذُّرَ قَبُولِهِ حُكْمَهَا مُوجِبٌ لِإِرَادَةِ الْمَجَازِ ضَرُورَةَ أَنَّ الْعَاقِلَ لَا يَسْتَعْمِلُ الْكَلَامَ فِي الْمَفْهُومِ الْحَقِيقِيِّ فِي مَحَلٍّ لَا يَقْبَلُهُ وَأَنَّ كَلَامَهُ مَصُونٌ عَنْ الْكَذِبِ وَاللَّغْوِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَهَذَا رَابِعُ الْخَمْسَةِ.

«كَإِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» وَرُفِعَ الْخَطَأُ) أَيْ وَحَدِيثِ «رَفَعَ اللَّهُ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ» وَتَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ فِي تَقْسِيمِ الدَّلَالَةِ اللَّفْظِيَّةِ فَإِنَّهُ لَوْ حُمِلَ هَذَانِ الْحَدِيثَانِ عَلَى الْحَقِيقَةِ لَمَا وُجِدَ عَمَلٌ بِلَا نِيَّةٍ وَلَا خَطَأٍ وَلَا نِسْيَانٍ وَالْوَاقِعُ خِلَافُهُ قَطْعًا فَتَعَيَّنَ إرَادَةُ الْمَجَازِ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْدِيرُهُ فِي مَسْأَلَةِ النَّفْيِ فِي الْحَصْرِ بِإِنَّمَا لِغَيْرِ الْآخَرِ قِيلَ بِالْمَفْهُومِ وَمَسْأَلَةِ الْمُقْتَضَى (وَقَدْ يُدْرَجُ هَذَا فِي) الْمُخَصِّصِ (الْعَقْلِيِّ) لِأَنَّ نَفْسَ كُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ الْمِثَالَيْنِ يَدُلُّ عَقْلًا عَلَى عَدَمِ إرَادَةِ حَقِيقَتِهِ لِحُصُولِ الْعَمَلِ كَثِيرًا بِلَا نِيَّةٍ وَوُقُوعِ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ جَمًّا غَفِيرًا مِنْ الْأُمَّةِ لَكِنْ تُعُقِّبَ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَعْمَالِ بِالنِّيَّاتِ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ نَفْسَ هَذَا الْكَلَامِ يَدُلُّ عَقْلًا عَلَى عَدَمِ إرَادَةِ حَقِيقَتِهِ وَإِنَّمَا لَزِمَ ذَلِكَ مِنْ تَقْدِيرِ مُتَعَلِّقِ الْجَارِ وَالْمَجْرُورِ عَامًّا، مِثْلُ الْحُصُولِ وَأَمَّا إذَا قُدِّرَ مُتَعَلِّقُهُ خَاصًّا بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ، مِثْلُ الِاعْتِبَارِ - وَغَيْرُهُ مِمَّا يُنَاسِبُ الْمَقَامَ - فَلَا وَلِذَا قَالَ النَّوَوِيُّ وَالطِّيبِيُّ بَلْ التَّقْدِيرُ مَا الْأَعْمَالُ مَحْسُوبَةٌ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ كَالشُّرُوعِ فِيهَا وَالتَّلَبُّسِ بِهَا إلَّا بِالنِّيَّاتِ وَمَا خَلَا عَنْهَا لَا يُعْتَدُّ بِهَا وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمَرْءِ بِأَصْغَرَيْهِ أَيْ بِحَسَبِهِمَا الْمَعْنَى الْأَعْمَالُ إنَّمَا تُعْتَبَرُ بِحَسَبِ النِّيَّاتِ وَتَتَفَاوَتُ عَلَى حَسَبِ تَفَاوُتِهَا فَإِنْ كَانَتْ خَالِصَةً لِلَّهِ فَتِلْكَ الْأَعْمَالُ فِي الْمَرْتَبَةِ الْعُلْيَا وَإِنْ كَانَتْ لِلدُّنْيَا فَفِي مَنْزِلَةٍ دُنْيَا وَإِنْ كَانَتْ لِسُمْعَةٍ وَرِيَاءٍ أَوْ مَدْحٍ وَثَنَاءٍ فَأَدْنَى فَاتَّضَحَ مَا بَعْدَهُ وَانْدَفَعَ الْمَجَازُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ اللَّفْظِ عَلَى عُمُومِهِ إلَّا مَا خَصَّهُ الْعَقْلُ فِي نَحْوِ النِّيَّةِ هَذَا كَلَامُهُ وَكُلٌّ مُخَيَّلٍ وَقَدْ قِيلَ وَنُقِلَ عَنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، وَتَحْقِيقُ فَصْلِ الْخِطَابِ

<<  <  ج: ص:  >  >>