للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَأْخِيرِ الْقِيَاسِ عَنْ السُّنَّةِ مَعَ جَوَازِ تَخْصِيصِهَا بِهِ.

(وَأَيْضًا لَيْسَ فِيهِ) أَيْ حَدِيثِ مُعَاذٍ (مَا يَمْنَعُ الْجَمْعَ) بَيْنَ الْقِيَاسِ وَالْعَامِّ (عِنْدَ التَّعَارُضِ وَالتَّخْصِيصِ مِنْهُ) أَيْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَإِنَّمَا غَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّهُ لَا تَبْطُلُ السُّنَّةُ بِالْقِيَاسِ وَنَحْنُ قَائِلُونَ بِهِ عَلَى أَنَّ حَدِيثَ مُعَاذٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِيهِ غَرِيبٌ وَلَيْسَ إسْنَادُهُ عِنْدِي بِمُتَّصِلٍ.

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ لَا يَصِحُّ، انْتَهَى. لَكِنَّ شُهْرَتَهُ وَتَلَقِّيَ الْعُلَمَاءِ لَهُ بِالْقَبُولِ لَا يُقْعِدُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ دَرَجَةِ الْحُجِّيَّةِ وَمِنْ ثَمَّةَ أَطْلَقَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ كَالبَاقِلَّانِيِّ وَأَبِي الطَّيِّبِ الطَّبَرِيِّ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ عَلَيْهِ الصِّحَّةَ. قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ وَلَهُ شَاهِدٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ لَكِنَّهُ مَوْقُوفٌ ثُمَّ أَسْنَدَ مِنْ طَرِيقِ الدَّارِمِيِّ ثُمَّ الْبَيْهَقِيّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ لَقَدْ أَتَى عَلَيْنَا زَمَانٌ وَمَا نُسْأَلُ وَلَسْنَا هُنَاكَ ثُمَّ بَلَّغَنَا اللَّهُ مَا تَرَوْنَ فَإِذَا سُئِلَ أَحَدُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَلْيَنْظُرْ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَلْيَنْظُرْ مَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلْيَجْتَهِدْ رَأْيَهُ وَلَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ إنِّي أَخْشَى فَإِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ وَالْحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَ ذَلِكَ أُمُورٌ مُشْتَبِهَةٌ فَدَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا لَا يَرِيبُك وَفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ نَحْوُ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ دُونَ مَا فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ أَخْرَجَهُ الدَّارِمِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ لِمَسْلَمَةَ بْنِ مَخْلَدٍ لَمَّا سَأَلَهُ عَنْ الْقَضَاءِ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ.

(وَلَهُ) أَيْ الْجُبَّائِيِّ (أَيْضًا دَلِيلُ اعْتِبَارِ الْقِيَاسِ الْإِجْمَاعُ وَلَا إجْمَاعَ عِنْدَ مُخَالَفَتِهِ) أَيْ الْقِيَاسِ (الْعُمُومَ) لِلْخِلَافِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ فَامْتَنَعَ الْعَمَلُ بِهِ، إذْ لَا يَثْبُتُ حُكْمٌ بِلَا دَلِيلٍ (وَالْجَوَابُ إذَا ثَبَتَتْ حُجِّيَّتُهُ) أَيْ الْقِيَاسِ (بِهِ) أَيْ الْإِجْمَاعِ (ثَبَتَ حُكْمُهَا) أَيْ مُخَالَفَةِ هَذَا الْقِيَاسِ لَهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِأَنَّهُ جُزْئِيٌّ مِنْ جُزْئِيَّاتِ الْقِيَاسِ الْكُلِّيِّ الثَّابِتِ اعْتِبَارُهُ بِالْإِجْمَاعِ (وَمِنْهُ) أَيْ حُكْمِهَا (الْجَمْعُ) بَيْنَ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ وَبَيْنَ الْعَامِّ وَالْمُعَارِضِ لَهُ (مَا أَمْكَنَ) وَقَدْ أَمْكَنَ كَمَا ذَكَرْنَا (وَلِلْمُفَصِّلِ الثَّانِي) أَيْ ابْنِ الْحَاجِبِ جَوَابٌ غَيْرُ هَذَا وَهُوَ الْعِلَّةُ (الْمُؤَثِّرَةُ) أَيْ مَا ثَبَتَ تَأْثِيرُهَا بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ (وَالْمُخَصَّصُ) أَيْ الْعَامُّ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ التَّخْصِيصِ (تَرْجِعَانِ إلَى النَّصِّ) وَهُوَ مَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «حُكْمِي عَلَى الْوَاحِدِ حُكْمِي عَلَى الْجَمَاعَةِ» وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَمْ يُحْفَظْ هَذَا اللَّفْظُ وَأَنَّهُ وَرَدَ مَعْنَاهُ مَعَ أَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فَإِذَا ثَبَتَتْ الْعِلِّيَّةُ أَوْ الْحُكْمُ فِي حَقِّ وَاحِدٍ ثَبَتَ فِي حَقِّ الْجَمَاعَةِ بِهَذَا النَّصِّ وَلَزِمَ تَخْصِيصُ الْعَامِّ وَبِهِ كَانَ بِالْحَقِيقَةِ تَخْصِيصًا بِالنَّصِّ لَا بِالْقِيَاسِ (وَإِذَا تَرَجَّحَ ظَنُّ التَّخْصِيصِ) أَيْ تَخْصِيصِ الْقِيَاسِ لِلْعَامِّ فِيمَا سِوَاهُمَا (فَبِالْإِجْمَاعِ عَلَى اتِّبَاعِ الرَّاجِحِ) يَجِبُ تَخْصِيصُ الْعَامِّ بِهِ (وَهَذَا) الْجَوَابُ بِنَاءٌ (عَلَى اعْتِبَارِ رُجْحَانِ ظَنِّ الْقِيَاسِ) عَلَى الْعَامِّ (فِي تَخْصِيصِهِ) أَيْ الْقِيَاسِ لِلْعَامِّ (وَعَلِمْت انْتِفَاءَهُ) أَيْ انْتِفَاءَ اعْتِبَارِهِ حَيْثُ قُلْنَا التَّفَاوُتُ فِي الظَّنِّيَّةِ غَيْرُ مَانِعٍ (أَوْ لُزُومِهِ) أَيْ التَّخْصِيصِ بِالْقِيَاسِ (بِلَا تِلْكَ الْقُيُودِ) مِنْ كَوْنِ الْعِلَّةِ ثَابِتَةً بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ مُرَجِّحٍ خَاصٍّ بِالْقِيَاسِ لِأَنَّهُ دَلِيلٌ وَيَجِبُ إعْمَالُ كُلِّ دَلِيلٍ مَا أَمْكَنَ (الْوَاقِفِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا) أَيْ الْعَامِّ وَالْقِيَاسِ (جِهَةُ قَطْعٍ) فَفِي الْعَامِّ بِاعْتِبَارِ الثُّبُوتِ وَفِي الْقِيَاسِ بِاعْتِبَارِ الْحُجِّيَّةِ (وَظَنٍّ) فَفِي الْعَامِّ بِاعْتِبَارِ الدَّلَالَةِ وَفِي الْقِيَاسِ بِاعْتِبَارِ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ (فَيُتَوَقَّفُ قُلْنَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مُرَجِّحٌ - وَهُوَ إعْمَالُهُمَا - وَأَمَّا تَخْصِيصُ الْقُرْآنِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَتَقْيِيدُهُ) أَيْ الْقُرْآنِ (بِهِ) أَيْ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ (وَ) تَخْصِيصُ (الْكُتُبِ بِالْكِتَابِ وَالْإِجْمَاعِ فَفِي مَوَاضِعِهَا) تَأْتِي مُفَصَّلَةً مِنْ هَذَا الْكِتَابِ وَنَذْكُرُ فِيهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَا يُيَسِّرُهُ الْكَرِيمُ الْوَهَّابُ.

(وَأَمَّا) تَخْصِيصُ الْعَامِّ (بِالتَّقْرِيرِ) أَيْ تَقْرِيرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

<<  <  ج: ص:  >  >>