للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَذَا فَلَيْسَ هَذَا مِمَّا الْكَلَامُ فِيهِ كَمَا يُنَبِّهُ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ وَلَا يُقَالُ: لَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْقَرْيَةَ أُطْلِقَتْ عَلَى أَهْلِهَا بِعِلَاقَةِ الْحُلُولِ وَقَدْ وَجَدْت فِي الْبِسَاطِ وَلَمْ يُطْلَقْ عَلَى أَهْلِهِ لِأَنَّا نَقُولُ: لَوْ كَانَ الْمُرَادُ هَذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ مِثْلِ عَدَمِ الِاطِّرَادِ لِأَنَّهُ لَمْ يُسْتَعْمَلْ ذَلِكَ اللَّفْظُ فِي مَحَلٍّ آخَرَ مَعَ وُجُودِ ذَلِكَ الْمَعْنَى فِيهِ بَلْ إنَّمَا لَمْ يُسْتَعْمَلْ نَظِيرُهُ فِي مَحَلٍّ آخَرَ مَعَ وُجُودِ ذَلِكَ الْمَعْنَى

(وَلَا تَنْعَكِسُ) هَذِهِ الْعَلَامَةُ أَيْ لَيْسَ الِاطِّرَادُ دَلِيلَ الْحَقِيقَةِ فَإِنَّ الْمَجَازَ قَدْ يَطَّرِدُ كَالْأَسَدِ لِلشُّجَاعِ (وَأَوْرَدَ) عَلَى هَذَا (السَّخِيُّ وَالْفَاضِلُ امْتَنَعَا فِيهِ تَعَالَى مَعَ الْمَنَاطِ) أَيْ وُجُودِ مَنَاطِ إطْلَاقِهِمَا وَهُوَ الْجُودُ وَالْعِلْمُ فِي حَقِّهِ تَعَالَى (وَالْقَارُورَةُ فِي الدَّنِّ) أَيْ لَا يُسَمَّى قَارُورَةً مَعَ وُجُودِ الْمَنَاطِ لِتَسْمِيَتِهَا بِهَا فِيهِ وَهُوَ كَوْنُهُ مَقَرًّا لِلْمَائِعِ (وَأُجِيبَ بِأَنَّ عَدَمَهُ) أَيْ التَّجَوُّزِ فِي هَذِهِ (لُغَةً عُرْفٌ تَقْيِيدُهَا بِكَوْنِهِ) أَيْ الْجُودِ (مِمَّنْ شَأْنُهُ أَنْ يَبْخَلَ وَ) الْعِلْمُ مِمَّنْ شَأْنُهُ أَنْ (يَجْهَلَ وَبِالزُّجَاجِيَّةِ) أَيْ وَبِكَوْنِ مَا هُوَ مَقَرٌّ لِلْمَائِعِ مِنْ الزُّجَاجِ فَانْتَفَى مَنَاطُ التَّجَوُّزِ الْمَذْكُورِ فِيهَا لِشُمُولِ جُودِهِ تَعَالَى وَكَمَالِ عِلْمِهِ سُبْحَانَهُ وَعَدَمِ الزُّجَاجِيَّةِ فِي الدَّنِّ (وَيَجِيءُ مِثْلُهُ) أَيْ هَذَا الْجَوَابُ (فِي الْكُلِّ) أَيْ فِي كُلِّ مَا اُسْتُعْمِلَ بِاعْتِبَارٍ وَامْتَنَعَ فِي آخَرَ مَعَهُ (إذْ لَا بُدَّ مِنْ خُصُوصِيَّةٍ) لِذَلِكَ الْمَحَلِّ الْمُسْتَعْمَلِ ذَلِكَ فِيهِ (فَتُجْعَلُ) الْخُصُوصِيَّةُ (جُزْءًا) مِنْ الْمُقْتَضِي فَيَكُونُ الِانْتِفَاءُ فِيمَا تَخَلَّفَ فِيهِ لِانْتِفَاءِ الْمُقْتَضِي (وَبِجَمْعِهِ عَلَى خِلَافِ مَا عُرِفَ لِمُسَمَّاهُ) أَيْ إذَا كَانَ لِلِاسْمِ جَمْعٌ بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ وَقَدْ اُسْتُعْمِلَ بِمَعْنًى آخَرَ وَلَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِيهِ أَوْ مَجَازٌ غَيْرَ أَنَّ جَمْعَهُ بِذَلِكَ الْمَعْنَى مُخَالِفٌ لِجَمْعِهِ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ كَانَ اخْتِلَافُ جَمْعِهِ بِاعْتِبَارِهِمَا دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ مَجَازٌ فِي ذَلِكَ الَّذِي لَمْ يُعْلَمْ حَقِيقِيَّتُهُ وَمَجَازِيَّتُهُ كَلَفْظِ الْأَمْرِ فَإِنَّ جَمَعَهُ بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ الْقَوْلُ الدَّالُّ عَلَى طَلَبِ الْفِعْلِ اسْتِعْلَاءً عَلَى أَوَامِرَ وَقَدْ اُسْتُعْمِلَ بِمَعْنَى الْفِعْلِ وَوَقَعَ التَّرَدُّدُ فِي كَوْنِهِ حَقِيقَةً فِيهِ فَوُجِدَ أَنَّهُ يُجْمَعُ بِهَذَا الْمَعْنَى عَلَى أُمُورٍ دُونَ أَوَامِرَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مَجَازٌ فِيهِ (دَفْعًا لِلِاشْتِرَاكِ) اللَّفْظِيِّ لِأَنَّهُ خَيْرٌ مِنْهُ

(وَهَذَا فِي التَّحْقِيقِ يُفِيدُ أَنْ لَا أَثَرَ لِاخْتِلَافِ الْجَمْعِ) يَعْنِي أَنَّ الْمُؤَثِّرَ فِي الْحُكْمِ بِالْمَجَازِيَّةِ دَفْعُ الِاشْتِرَاكِ وَهُوَ لَا يَنْفِي كَوْنَ اخْتِلَافِ الْجَمْعِ مُعَرَّفًا (وَلَا تَنْعَكِسُ) هَذِهِ الْعَلَامَةُ إذْ لَيْسَ كُلُّ مَجَازٍ يُخَالِفُ جَمْعُهُ جَمْعَ الْحَقِيقَةِ فَإِنَّ الْأَسَدَ بِمَعْنَى الشُّجَاعِ وَالْحِمَارَ بِمَعْنَى الْبَلِيدِ يُجْمَعَانِ عَلَى أَسَدٍ وَحُمُرٍ كَمَا يُجْمَعَانِ عَلَيْهِمَا بِالْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَلَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ (كَالَّتِي قَبْلَهَا) لِتَصْرِيحِهِ بِهِ ثَمَّةَ (وَبِالْتِزَامِ تَقْيِيدِهِ) أَيْ وَيُعَرَّفُ الْمَجَازُ بِهَذَا بِأَنْ يُسْتَعْمَلَ اللَّفْظُ فِي مَعْنًى مُطْلَقًا ثُمَّ يُسْتَعْمَلُ فِي آخَرَ مُقَيَّدًا لُزُومًا بِشَيْءٍ مِنْ لَوَازِمِهِ كَجُنَاحِ الذُّلِّ وَنَارِ الْحَرْبِ وَنُورِ الْإِيمَانِ فَإِنَّ جُنَاحًا وَنَارًا وَنُورًا مُسْتَعْمَلَةٌ فِي مَعَانِيهَا الْمَشْهُورَةِ بِلَا قَيْدٍ وَفِي هَذِهِ بِهَذِهِ الْقُيُودِ فَكَانَ لُزُومُ تَقْيِيدِهَا بِهَا دَلِيلًا عَلَى كَوْنِهَا مَجَازَاتٍ فِي هَذِهِ وَحَقَائِقَ فِي الْمَعَانِي الْمَشْهُورَةِ وَإِنَّمَا كَانَ الْأَمْرُ هَكَذَا لِأَنَّهُ أُلِفَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّهُمْ إذَا اسْتَعْمَلُوا لَفْظًا فِي مُسَمَّاهُ أَطْلَقُوهُ إطْلَاقًا وَإِذَا اسْتَعْمَلُوهُ بِإِزَاءِ غَيْرِهِ قَرَنُوا بِهِ قَرِينَةً لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ وَضْعِ اللَّفْظِ لِلْمَعْنَى أَنْ يَكْتَفِيَ بِهِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ وَالْأَصْلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي الْحَقِيقَةِ دُونَ الْمَجَازِ لِكَوْنِهَا أَغْلَبَ فِي الِاسْتِعْمَالِ

فَإِذَا وَجَدْنَاهُمْ لَا يَسْتَعْمِلُونَ اللَّفْظَ فِي مَعْنًى إلَّا مُقَيَّدًا بِقَيْدٍ هُوَ قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَيْهِ عَلِمْنَا أَنَّهُ مَجَازٌ فِيهِ وَلَا عَكْسَ إذْ قَدْ يُسْتَعْمَلُ الْمَجَازُ غَيْرَ مُقَيَّدٍ اعْتِمَادًا عَلَى الْقَرَائِنِ الْحَالِيَّةِ أَوْ الْمَقَالِيَّةِ غَيْرِ التَّقْيِيدِ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ اللُّزُومُ فِيهِ احْتِرَازًا عَنْ الْمُشْتَرَكِ إذْ رُبَّمَا يُقَيَّدُ كَرَأَيْتُ عَيْنًا جَارِيَةً لَكِنْ لَا يَلْزَمُ فِيهِ ذَلِكَ (وَبِتَوَقُّفِ إطْلَاقِهِ) أَيْ وَيُعَرَّفُ الْمَجَازُ بِتَوَقُّفِ إطْلَاقِ اللَّفْظِ مُرَادًا بِهِ ذَلِكَ (عَلَى) ذِكْرِ (مُتَعَلِّقِهِ) حَالَ كَوْنِ ذَلِكَ اللَّفْظِ (مُقَابِلًا لِلْحَقِيقَةِ) أَيْ لِلَّفْظِ مُرَادًا بِهِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ أَيْ بِهَذَا الشَّرْطِ لِأَنَّ الْأَحْوَالَ شُرُوطٌ فَيَكُونُ اللَّفْظُ حَقِيقَةً فِيمَا لَمْ يَتَوَقَّفْ مَجَازًا فِيمَا تَوَقَّفَ فَفِي الْعِبَارَةِ تَعْقِيدٌ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ} [آل عمران: ٥٤] فَإِنَّ إطْلَاقَ الْمَكْرِ عَلَى الْمَعْنَى الْمُتَصَوَّرِ مِنْ الْحَقِّ يَتَوَقَّفُ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ فِي الْمَعْنَى الْمُتَصَوَّرِ مِنْ الْخَلْقِ فَيَكُونُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحَقِّ مَجَازًا وَإِلَى الْخَلْقِ حَقِيقَةً وَهَذَا بِنَاءً (عَلَى أَنَّهُ) أَيْ الْمَجَازَ (مَكْرُ الْمُفْرَدِ وَإِلَّا) إنْ كَانَ الْمَجَازُ فِي النِّسْبَةِ (فَلَيْسَ) هُوَ (الْمَقْصُودُ كَالتَّمْثِيلِ لِعَدَمِ الِاطِّرَادِ بِاِسْأَلْ الْقَرْيَةَ) فَإِنَّ الْمَجَازَ فِيهِ فِي النِّسْبَةِ لَا فِي الْمُفْرَدِ الَّذِي هُوَ مُجَرَّدُ السُّؤَالِ وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي الْقَرْيَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>