للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقَوْلُ لَمْ يَتَّصِفْ بِصِفَةٍ حَقِيقِيَّةٍ تُسَمَّى وُجُوبًا لَكِنْ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهُ صِفَةٌ اعْتِبَارِيَّةٌ هِيَ الْمُسَمَّاةُ بِالْوُجُوبِ أَعْنِي كَوْنَهُ حَيْثُ تَعَلَّقَ بِهِ الْإِيجَابُ بَلْ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ لِيَكُونَ كُلٌّ مِنْ الْمُوجَبِ وَالْوَاجِبِ مُتَّصِفًا بِمَا هُوَ قَائِمٌ بِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْقَائِمَ بِالْفِعْلِ مَا ذَكَرْنَاهُ لَا نَفْسُ الْقَوْلِ وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ نِسْبَةُ قِيَامٍ بِاعْتِبَارِ التَّعَلُّقِ وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّ الْوُجُوبَ صِفَةٌ حَقِيقِيَّةٌ لَتَمَّ الْمُرَادُ إذْ لَيْسَ هُنَاكَ صِفَةٌ حَقِيقِيَّةٌ سِوَى مَا ذُكِرَ إلَّا أَنَّ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ، وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمُنَازَعَةَ لَفْظِيَّةٌ إذْ لَا شَكَّ فِي خِطَابٍ نَفْسِيٍّ قَائِمٍ بِذَاتِهِ تَعَالَى مُتَعَلِّقٍ بِالْفِعْلِ يُسَمَّى إيجَابًا مَثَلًا وَفِي أَنَّ الْفِعْلَ بِحَيْثُ يَتَعَلَّقُ بِهِ ذَلِكَ الْخِطَابُ الْإِيجَابِيُّ فَلَفْظُ الْوُجُوبِ إنْ أُطْلِقَ عَلَى ذَلِكَ الْخِطَابِ مِنْ حَيْثُ تَعَلَّقَ بِالْفِعْلِ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا سَلَف وَلَا بُدَّ مِنْ الْمُسَاهَلَةِ فِي وَصْفِ الْفِعْلِ حِينَئِذٍ بِالْوُجُوبِ وَإِنْ أُطْلِقَ عَلَى كَوْنِ الْفِعْلِ تَعَلَّقَ بِهِ ذَلِكَ الْخِطَابُ لَمْ يَتَّحِدَا بِالذَّاتِ وَيَلْزَمُ الْمُسَامَحَةُ فِي عِبَارَتِهِمْ حَيْثُ أَطْلَقُوا أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخَرِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ (أَوْ) كَانَ (تَرْجِيحًا) لِفِعْلٍ غَيْرِ كَفٍّ (فَالنَّدْبُ أَوْ) حَتْمًا (لِكَفٍّ) وَلَا حَاجَةَ إلَى (حَتْمًا) لِأَنَّهُ إذَا تَحَقَّقَ الطَّلَبُ الْحَتْمُ لِكَفٍّ فَالْكَفُّ لَا يَكُونُ إلَّا حَتْمًا (فَالتَّحْرِيمُ وَالْحُرْمَةُ بِالِاعْتِبَارِ) أَيْ فَهُمَا مُتَّحِدَانِ ذَاتًا لِأَنَّهُمَا مَعْنَى قَوْلِهِ النَّفْسِيَّ لَا تَفْعَلُ الْقَائِمِ بِذَاتِهِ تَعَالَى بِفِعْلٍ هُوَ كَفٌّ، مُخْتَلِفَانِ بِالِاعْتِبَارِ فَبِاعْتِبَارِ الْقِيَامِ تَحْرِيمٌ وَبِاعْتِبَارِ التَّعَلُّقِ حُرْمَةٌ وَهِيَ هُنَا مُرَادٌ مِنْ إطْلَاقِهَا (غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ) مُرَادًا مِنْ إطْلَاقِهَا فَإِنَّهَا ثَمَّةَ تُقَالُ لِصِفَةِ الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ كَفٌّ الَّتِي هِيَ أَثَرُ الْخِطَابِ وَهُنَا تُقَالُ لِنَفْسِ التَّحْرِيمِ بِاعْتِبَارِ فِعْلٍ غَيْرِ كَفٍّ (وَظَهَرَ) مِنْ هَذَا (مَا قَدَّمْنَا مِنْ فَسَادِ تَعْرِيفِهِمْ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ النَّفْسِيِّينَ بِتَرْكِهِمْ حَتْمًا) فِي تَعْرِيفَيْهِمَا (وَكَذَا) ظَهَرَ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي تَعْرِيفَيْهِمَا الْفَسَادَ (بِتَرْكِ الِاسْتِعْلَاءِ فِي التَّقْسِيمِ لِأَنَّهُ) أَيْ التَّقْسِيمَ (يُخْرِجُ التَّعْرِيفَ) لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْجِنْسِ وَالْفَصْلِ لِكُلٍّ مِنْ أَقْسَامِهِ وَالِاسْتِعْلَاءُ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ

(هَذَا) الْكَلَامُ فِي مَعْرِفَةِ الْإِيجَابِ وَالتَّحْرِيمِ (بِاعْتِبَارِ نَفْسِهِمَا أَمَّا) الْكَلَامُ فِي مَعْرِفَتِهِمَا (بِاعْتِبَارِ الِاتِّصَالِ) أَيْ طَرِيقِ وُصُولِهِمَا إلَى الْمُكَلَّفِينَ بِهِمَا بِالْأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِمَا الْمَنْقُولَةِ إلَيْهِمْ (فَكَذَلِكَ عِنْدَ غَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ) أَيْ يُقَالُ الْإِيجَابُ الطَّلَبُ الْحَتْمُ لِفِعْلٍ غَيْرِ كَفٍّ وَالتَّحْرِيمُ الطَّلَبُ لِفِعْلٍ كَفٍّ وَلَا يُلَاحَظُ حَالُ الدَّالِ (وَأَمَّا هُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ فَلَاحَظُوا ذَلِكَ فَقَالُوا: (فَإِنْ ثَبَتَ الطَّلَبُ الْجَازِمُ بِقَطْعِيٍّ) دَلَالَةً مِنْ كِتَابٍ أَوْ وَثُبُوتًا أَيْضًا مِنْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ (فَالِافْتِرَاضُ) إنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ فِعْلًا غَيْرَ كَفٍّ (وَالتَّحْرِيمُ) إنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ فِعْلًا هُوَ كَفٌّ (أَوْ) ثَبَتَ الطَّلَبُ الْجَازِمُ (بِظَنِّيٍّ) دَلَالَةً مِنْ كِتَابٍ أَوْ دَلَالَةً أَوْ ثُبُوتًا مِنْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ (فَالْإِيجَابُ) إنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ فِعْلًا غَيْرَ كَفٍّ (وَكَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ) إنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ فِعْلًا هُوَ كَفٌّ (وَيُشَارِكَانِهِمَا) أَيْ الْإِيجَابُ وَكَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ الِافْتِرَاضَ وَالتَّحْرِيمَ (فِي اسْتِحْقَاقِ الْعِقَابِ بِالتَّرْكِ) لِمَا هُوَ مَطْلُوبٌ مِنْ كُلٍّ (وَعَنْهُ) أَيْ التَّشَارُكِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْعِقَابِ بِتَرْكِ مَا هُوَ الْمَطْلُوبُ مِنْ كُلٍّ (قَالَ مُحَمَّدٌ: كُلُّ مَكْرُوهٍ حَرَامٌ نَوْعًا مِنْ التَّجَوُّزِ) فِي لَفْظِ حَرَامٍ (وَقَالَا عَلَى الْحَقِيقَةِ) الْمَكْرُوهُ (إلَى الْحَرَامِ أَقْرَبُ) مِنْهُ إلَى الْحِلِّ وَإِنَّمَا قُلْنَا: مُرَادُ مُحَمَّدٍ ذَلِكَ (لِلْقَطْعِ بِأَنَّ مُحَمَّدًا لَا يُكَفِّرُ جَاحِدَ الْمَكْرُوهِ وَالْوُجُوبِ) كَمَا يُكَفِّرُ جَاحِدَ الْفَرْضِ وَالْحَرَامِ (فَلَا اخْتِلَافَ) بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا فِي الْمَعْنَى (كَمَا يُظَنُّ) وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّهُ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ قَالَ لِأَبِي حَنِيفَةَ: إذَا قُلْت فِي شَيْءٍ أَكْرَهُهُ فَمَا رَأْيُك فِيهِ؟ قَالَ: التَّحْرِيمُ وَيَأْتِي فِي هَذَا أَيْضًا مَا فِي لَفْظِ مُحَمَّدٍ لِلْقَطْعِ أَيْضًا بِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَا يُكَفِّرُ جَاحِدًا لِمَكْرُوهِ هَذَا وَقَدْ بَقِيَ مِنْ أَقْسَامِ الِاقْتِضَاءِ الْكَرَاهَةُ فَيُمْكِنُ أَنْ يُزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ فَالتَّحْرِيمُ وَالْحُرْمَةُ بِالِاعْتِبَارِ غَيْرُ مَا تَقَدَّمَ مَا نَصَّهُ أَوْ تَرْجِيحًا فَالْكَرَاهَةُ وَمُتَعَلِّقُهَا الْمَكْرُوهُ ثُمَّ يَشْتَرِك الْأَرْبَعَةُ فِي اسْتِحْقَاقِ الثَّوَابِ بِالِامْتِثَالِ وَيَنْفَرِدُ الْوَاجِبُ بِاسْتِحْقَاقِ الْعِقَابِ بِالتَّرْكِ وَالْحَرَامُ بِاسْتِحْقَاقِ الْعِقَابِ بِالْفِعْلِ

وَأَمَّا الْإِبَاحَةُ فَهِيَ مَعْنَى التَّخْيِيرِ كَمَا تَقَدَّمَ وَهِيَ مِنْ حَيْثُ هِيَ لَا اسْتِحْقَاقَ ثَوَابٍ وَلَا عِقَابٍ فِيهَا وَكَانَ أَيْضًا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي تَكْمِيلِ أَقْسَامِ الِاقْتِضَاءِ بِاعْتِبَارِ الْوُصُولِ إلَى الْمُكَلَّفِينَ عَلَى قَاعِدَةِ الْحَنَفِيَّةِ أَوْ بِظَنِّيٍّ فَإِيجَابٌ إنْ كَانَ لِفِعْلٍ غَيْرِ كَفٍّ وَفِي تَرْكِهِ اسْتِحْقَاقُ عِقَابٍ وَنَدْبٌ إنْ كَانَ كَذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>