للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ نَفْلٌ يَمْنَعُ لُزُومَ الْفَرْضِ فِي آخِرِهِ وَقَالَتْ الْفِرْقَةُ الْأُخْرَى مِنْ أَصْحَابِنَا: مَا فَعَلَهُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ مُرَاعَى فَإِنْ لَحِقَ آخِرَهُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْخِطَابِ بِهَا كَانَ مَا أَدَّاهُ فَرْضًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْخِطَابِ بِهَا كَانَ الْمَفْعُولُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ نَفْلًا اهـ مُخْتَصَرًا وَنَصَّ فِي الْكَشْفَيْنِ عَلَى أَنَّ هَذَيْنِ قَوْلَانِ لِمَشَايِخِنَا الْعِرَاقِيِّينَ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذَا عَنْ الْكَرْخِيِّ مُوَافَقَةً لِابْنِ الْحَاجِبِ وَصَاحِبِ الْبَدِيعِ فَقَالَ (وَإِنَّمَا عَنْ الْكَرْخِيِّ إذَا لَمْ يَبْقَ بِصِفَةِ التَّكْلِيفِ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ أَوَّلِ الْوَقْتِ (بِأَنْ يَمُوتَ أَوْ يُجَنَّ كَانَ) ذَلِكَ الْمَفْعُولُ (نَفْلًا) وَفِي الْمِيزَانِ عَنْ الْكَرْخِيِّ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ: إحْدَاهَا هَذَا وَالثَّانِيَةُ مَا قَبْلَهُ قَالَ: وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مَهْجُورَةٌ

وَالثَّالِثَةُ وَهِيَ رِوَايَةُ الْجَصَّاصِ عَنْهُ أَنَّ الْوَقْتَ كُلَّهُ وَقْتُ الْفَرْضِ وَعَلَيْهِ أَدَاؤُهُ فِي وَقْتٍ مُطْلَقٍ مِنْ جَمِيعِ الْوَقْتِ وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْأَدَاءِ وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ الْوُجُوبُ بِالْأَدَاءِ أَوْ بِتَضْيِيقِ الْوَقْتِ فَإِنْ أَدَّى فِي أَوَّلِهِ يَكُونُ وَاجِبًا وَإِنْ أَخَّرَ لَا يَأْثَمُ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ قَبْلَ التَّعْيِينِ وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْ الْوَقْتِ إلَّا بِقَدْرِ مَا يُؤَدَّى فِيهِ يَتَعَيَّنُ الْوُجُوبُ حَتَّى يَأْثَمَ بِالتَّأْخِيرِ عَنْهُ ثُمَّ قَالَ: وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الْمُعْتَمَدُ عَلَيْهَا (وَالْكُلُّ) مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ قَوْلٌ (بِلَا مُوجِبٍ) وَتَشَبَّثَ كُلٌّ مِمَّنْ يُعَلِّقُهُ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ لَا غَيْرَ بِأَنَّ الْوَاجِبَ الْمُوَقَّتَ لَا يَنْتَظِرُ لِوُجُوبِهِ بَعْدَ وُجُودِ شَرَائِطِهِ سِوَى دُخُولِ الْوَقْتِ فَعُلِمَ أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ مَعَ أَسْبَابِهَا وَإِذَا ثَبَتَ الْوُجُوبُ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَا بَعْدَهُ لِامْتِنَاعِ التَّوَسُّعِ فِي الْوُجُوبِ لِلْمُنَافَاةِ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ الْوَاجِبَ مَا لَا يَسَعَ تَرْكُهُ وَيُعَاقَبُ عَلَيْهِ وَالتَّوَسُّعُ يَجُوزُ تَرْكُهُ وَلَا يُعَاقَبُ عَلَيْهِ وَمِمَّنْ يُعَلِّقُهُ بِآخِرِ الْوَقْتِ بِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ التَّأْخِيرُ إلَى التَّضَيُّقِ وَامْتَنَعَ التَّوَسُّعُ كَانَ الْوُجُوبُ مُتَعَلِّقًا بِآخِرِهِ وَإِنَّ مَا قَبْلَهُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْإِيجَابِ وَبِمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا مِنْ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا حَاضَتْ فِي آخَرِ الْوَقْتِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا قَضَاءُ تِلْكَ الصَّلَاةِ إذَا لَمْ تَكُنْ صَلَّتْهَا وَأَنَّ مَنْ سَافَرَ فِي آخَرِ الْوَقْتِ يَقْصُرُ إذَا لَمْ يَكُنْ صَلَّاهَا وَالْفُقَهَاءُ مِنْ أَنَّهَا لَوْ طَهُرَتْ فِي آخِرِ الْوَقْتِ لَزِمَتْهَا وَأَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا أَقَامَ فِي آخِرِهِ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ يُتِمُّهَا ثُمَّ الْمُؤَدَّى إمَّا أَنْ يَكُونَ نَفْلًا كَمَا قَالَ الْبَعْضُ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّرْكِ فِي أَوَّلِهِ لَا إلَى بَدَلٍ وَأَثِمَ وَهَذَا حَدُّ النَّفْلِ إلَّا أَنَّ بِأَدَائِهِ يَحْصُلُ الْمَطْلُوبُ وَهُوَ إظْهَارُ فَضْلِ الْوَقْتِ فَيُمْنَعُ لُزُومُهُ الْفَرْضَ كَمُحْدِثٍ تَوَضَّأَ قَبْلَ الْوَقْتِ يَقَعُ نَفْلًا وَمَعَ هَذَا يُمْنَعُ لُزُومُ فَرْضِ الْوَقْتِ بَعْدَ دُخُولِهِ

وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَوْقُوفًا كَمَا قَالَ الْبَعْضُ كَالزَّكَاةِ الْمُعَجَّلَةِ قَبْلَ الْحَوْلِ لِلْمُصَدِّقِ كَشَاةٍ مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً فَإِنَّهُ إنْ تَمَّ الْحَوْلُ وَعِنْدَهُ تِسْعٌ وَثَلَاثُونَ أَجْزَأَهُ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْ يَدِ الْمُصَدِّقِ إنْ كَانَتْ قَائِمَةً تَشَبُّثٌ سَاقِطٌ فَإِنَّ النُّصُوصَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} [الإسراء: ٧٨] «وَقَوْلِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي حَدِيثِ الْإِمَامَةِ يَا مُحَمَّدُ هَذَا وَقْتُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِك وَالْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ لِلصَّلَاةِ أَوَّلًا وَآخِرًا أَيْ لِوَقْتِهَا وَإِنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الظُّهْرِ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ وَآخِرَ وَقْتِهَا حِينَ يَدْخُلُ الْعَصْرُ» الْحَدِيثُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ أَجْزَاءِ الْوَقْتِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ تَطْبِيقَ الصَّلَاةِ عَلَى أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ وَلَا فِعْلِهَا فِي كُلِّ جُزْءٍ بِالْإِجْمَاعِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنَّهُ أُرِيدَ أَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْهُ صَالِحٌ لِلْأَدَاءِ وَالْمُكَلَّفُ مُخَيَّرٌ فِيهِ فَثَبَتَ التَّوَسُّعُ شَرْعًا ضَرُورَةً لِامْتِنَاعِ قِسْمٍ آخَرَ وَلَيْسَ هُوَ مَعَ الْوُجُوبِ بِمُمْتَنِعٍ عَقْلًا فَإِنَّ قَوْلَ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ: خِطْ هَذَا الثَّوْبَ فِي هَذَا الْيَوْمِ إمَّا فِي أَوَّلِهِ أَوْ فِي وَسَطِهِ أَوْ آخِرِهِ صَحِيحٌ عَقْلًا وَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُقَالَ مَا أَوْجَبَ شَيْئًا أَوْ أَوْجَبَ مَضِيقًا وَهُمَا مُحَالَانِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ يُقَالَ أَوْجَبَ مُوَسَّعًا.

ثُمَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى وُجُوبِهَا عَلَى مَنْ بَلَغَ أَوْ أَسْلَمَ أَوْ طَهُرَتْ فِي وَسَطِ الْوَقْتِ أَوْ آخِرِهِ الْبَاقِي مِنْهُ مَا يَسَعُهَا وَلَوْ كَانَ الْوُجُوبُ مُعَلَّقًا بِأَوَّلِهِ لَمَا وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ بَعْدَ فَوَاتِ أَوَّلِهِ كَمَا لَوْ فَاتَ جَمِيعُ الْوَقْتِ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ وَعَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ إنَّمَا يَتَأَدَّى بِنِيَّةِ الْفَرْضِ لَا بِنِيَّةِ النَّفْلِ وَلَا بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ وَلَوْ كَانَ نَفْلًا كَمَا زَعَمَ بَعْضُهُمْ لَتَأَدَّى بِنِيَّةِ النَّفْلِ أَوْ مَوْقُوفًا كَمَا زَعَمَ آخَرُونَ لَتَأَدَّى بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ وَلَاسْتَوَتْ فِيهِ نِيَّةُ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَفِي الْكَشْفِ الْكَبِيرِ وَقَوْلُهُمْ وُجِدَ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>