للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُقَدِّمَتِهِ عَلَيْهِ مَنَعَ الْمُلَازَمَةَ.

(وَإِنَّمَا يَلْزَمَانِ) أَيْ نَفْيُ الْمُبَاحِ وَوُجُوبُ نِيَّةِ الْمُقَدِّمَةِ (لَوْ تَعَيَّنَ) الْمُبَاحُ لِلِامْتِثَالِ (أَوْ شُرِعَ) مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ (عِبَادَةً لَكِنَّهُ) أَيْ الِامْتِثَالَ (يُمْكِنُ بِغَيْرِهِ) أَيْ الْمُبَاحِ (وَنَلْتَزِمُهُ) أَيْ وُجُوبَ النِّيَّةِ (فِي مُقَدِّمَةٍ هِيَ عِبَادَةٌ) لَا مُطْلَقًا (وَكَذَا قَوْلُهُ) أَيْ النَّافِي (لَوْ كَانَ) مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْوَاجِبُ وَاجِبًا (لَزِمَ تَعَقُّلُهُ) أَيْ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْوَاجِبُ (لِلْآمِرِ) لِامْتِنَاعِ إيجَابِ الشَّيْءِ بِدُونِ تَعَقُّلِهِ (وَالْقَطْعُ بِنَفْيِهِ) أَيْ نَفْيِ لُزُومِ تَعَقُّلِهِ؛ لِأَنَّ الْآمِرَ بِالشَّيْءِ قَدْ يَذْهَلُ عَمَّا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الشَّيْءُ عِنْدَ الْأَمْرِ بِهِ (مَمْنُوعُ الْمُلَازَمَةِ بِأَنَّهُ) أَيْ لُزُومَ تَعَقُّلِ الْمُوجِبِ إنَّمَا هُوَ (فِي الْوَاجِبِ أَصَالَةً) أَمَّا فِي إيجَابِ الشَّيْءِ بِتَبَعِيَّةِ غَيْرِهِ فَلَا فَإِنْ قِيلَ لَوْ وَجَبَ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْوَاجِبُ بِإِيجَابِ الْوَاجِبِ لَلَزِمَ وُجُوبُهُ بِلَا تَعَلُّقِ الْخِطَابِ بِهِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا تَعَلَّقَ بِهِ الْخِطَابُ حَتْمًا فَهُوَ وَاجِبٌ وَمَا لَا فَلَا لِدُخُولِ التَّعَلُّقِ الْمَذْكُورِ فِي حَقِيقَةِ الْوُجُوبِ.

وَهَذَا مِمَّا أَوْرَدَهُ النَّافِي أَيْضًا دَلِيلًا عَلَى نَفْيِ قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ فَجَوَابُهُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَلُزُومُ الْوُجُوبِ) لِمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْوَاجِبُ (بِلَا تَعَلُّقٍ) لِلْخِطَابِ بِهِ (مَمْنُوعٌ لِمَا نَذْكُرُ) قَرِيبًا (فَإِنْ دُفِعَ) هَذَا الْمَنْعُ (بِأَنَّ الْمُرَادَ) بِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ خِطَابُ الْوَاجِبِ إنَّ دَلِيلَهُ غَيْرُ دَالٍّ عَلَيْهِ (إذْ لَوْ دَلَّ) دَلِيلُهُ عَلَيْهِ (لَعُقِلَ) لِامْتِنَاعِ إيجَابِ الشَّيْءِ بِدُونِ تَعَقُّلِهِ (وَإِذْ لَمْ يُعْقَلْ لَمْ يَدُلَّ فَلَا إيجَابَ بِهِ) أَيْ بِدَلِيلِ الْوَاجِبِ (وَوُجُوبُهُ) أَيْ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْوَاجِبُ (بِغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ دَلِيلِ الْوَاجِبِ (لَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ قُلْنَا وَهُوَ الدَّلِيلُ الْحَقُّ لِلْأَكْثَرِ إنَّ الدَّلَالَةَ عَلَى) اصْطِلَاحِ (الْأُصُولِيِّينَ لَا تَخْتَصُّ بِاللَّوَازِمِ الْبَيِّنَةِ بِالْأَخَصِّ) أَيْ بِالْمَعْنَى الْأَخَصِّ وَهُوَ كَوْنُ اللَّازِمِ يَحْصُلُ فِي الذِّهْنِ كُلَّمَا حَصَلَ الْمَلْزُومُ بَلْ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ وَهُوَ كَوْنُهُ حَاصِلًا لِلْمَلْزُومِ كُلَّمَا تَعَقَّلَا وَلَا شَكَّ فِي دَلَالَةِ دَلِيلِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ بِهَذَا النَّوْعِ مِنْ الدَّلَالَةِ.

(وَتَقَدَّمَ فِي مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ أَنَّ دَلَالَتَهُ) أَيْ مَفْهُومَهَا (قَدْ تَكُونُ نَظَرِيَّةً وَيَجْرِي فِيهَا الْخِلَافُ) فَلَا بُعْدَ فِي كَوْنِ دَلِيلِ الْوَاجِبِ مُوجِبًا لِمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ بَلْ كَمَا قَالَ (فَعَلَى مَا عُلِمَ مُقَدِّمَةٌ مِمَّا هِيَ) أَيْ الْمُقَدِّمَةُ (لَهُ أَظْهَرُ) أَيْ فَدَلَالَةُ اللَّفْظِيِّ لِلْوَاجِبِ عَلَى وُجُوبِ مَا عُلِمَ مُقَدِّمَةٌ لِمَدْلُولِهِ بِحَيْثُ يَتَوَقَّفُ هُوَ عَلَيْهَا وَهُوَ اللَّفْظُ الْمُلْزِمُ لِمَا لَهُ تِلْكَ الْمُقَدِّمَةُ كَدَلَالَةِ صَلِّ عَلَى طَلَبِ مَا عُرِفَ مُقَدِّمَةً يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا الصَّلَاةُ مِنْ طَهَارَةٍ وَغَيْرِهَا الْتِزَامًا بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ أَظْهَرُ مِنْ دَلَالَتِهِ عَلَى وُجُوبِ الْأَصْلِ لِتَوَقُّفِ تَحَقُّقِ الْأَصْلِ عَلَيْهِ وَعَدَمِ تَوَقُّفِ تَحَقُّقِهِ عَلَى الْأَصْلِ (وَفُرِّعَ عَلَيْهِ) أَيْ وُجُوبَ الْمُقَدِّمَةِ بِوُجُوبِ الْأَصْلِ كَمَا فِي الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ (تَحْرِيمُ الزَّوْجَةِ إذَا اشْتَبَهَتْ بِالْأَجْنَبِيَّةِ) ؛ لِأَنَّ الْكَفَّ عَنْ الْأَجْنَبِيَّةِ وَاجِبٌ وَلَا يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِهِ إلَّا بِالْكَفِّ عَنْ الزَّوْجَةِ فَيَجِبُ الْكَفُّ عَنْهَا لِيُتَيَقَّنَ الْكَفَّ عَنْ الْأَجْنَبِيَّةِ وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَمُ.

[مَسْأَلَةٌ تَحْرِيمُ أَحَدِ أَشْيَاءَ مُعَيَّنَةٍ]

(مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ تَحْرِيمُ أَحَدِ أَشْيَاءَ) مُعَيَّنَةٍ (كَإِيجَابِهِ) أَيْ أَحَدِ أَشْيَاءَ مُعَيَّنَةٍ إلَّا أَنَّ التَّخْيِيرَ هُنَا فِي التُّرُوكِ وَهُنَاكَ فِي الْأَفْعَالِ (فَلَهُ) أَيْ الْمُكَلَّفِ هُنَا (فِعْلُهَا) أَيْ الْأَشْيَاءِ (إلَّا وَاحِدًا لَا جَمْعَهَا) أَيْ الْأَشْيَاءِ (فِعْلًا) لِئَلَّا يَكُونَ فَاعِلًا لِلْمُحَرَّمِ بِخِلَافِهِ ثَمَّةَ فَإِنَّ لَهُ هُنَاكَ أَنْ يَأْتِيَ بِالْجَمِيعِ وَبِالْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ كَمَا عُرِفَ (وَفِيهَا) أَيْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْأَقْوَالِ (مَا تَقَدَّمَ) فِي الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ حَتَّى قِيلَ فَيُقَالُ عَلَى قِيَاسِهِ النَّهْيُ عَنْ وَاحِدٍ مُبْهَمٍ مِنْ أَشْيَاءَ مُعَيَّنَةٍ، نَحْوُ لَا تَتَنَاوَلْ السَّمَكَ أَوْ اللَّبَنَ يَحْرُمُ وَاحِدٌ مِنْهَا لَا بِعَيْنِهِ.

وَقِيلَ يَحْرُمُ جَمِيعُهَا فَيُعَاقَبُ بِفِعْلِهَا عِقَابَ فِعْلِ مُحَرَّمَاتٍ وَيُثَابُ بِتَرْكِهَا امْتِثَالًا ثَوَابَ تَرْكِ مُحَرَّمَاتٍ وَيَسْقُطُ تَرْكُهَا الْوَاجِبُ بِتَرْكِ وَاحِدٍ مِنْهَا وَقِيلَ الْمُحَرَّمُ وَاحِدٌ مِنْهَا مُعَيَّنٌ عِنْدَ اللَّهِ وَيَسْقُطُ الْوَاجِبُ بِتَرْكِهِ أَوْ تَرْكِ غَيْرِهِ مِنْهَا وَقِيلَ الْمُحَرَّمُ مَا يَخْتَارُهُ الْمُكَلَّفُ لِلتَّرْكِ مِنْهَا بِأَنْ يَتْرُكَهُ دُونَ غَيْرِهِ.

وَإِنْ اخْتَلَفَ بِاخْتِلَافِ اخْتِيَارِ الْمُكَلَّفِينَ وَعَلَى الْأَوَّلِ إنْ تُرِكَتْ كُلُّهَا امْتِثَالًا أَوْ فُعِلَتْ وَهِيَ مُتَسَاوِيَةٌ أَوْ بَعْضُهَا أَخَفُّ عِقَابًا وَثَوَابًا فَقِيلَ ثَوَابُ الْوَاجِبِ وَالْعِقَابِ فِي الْمُتَسَاوِيَةِ عَلَى تَرْكِ وَفِعْلِ وَاحِدٍ مِنْهَا وَفِي الْمُتَفَاوِتَةِ عَلَى تَرْكِ أَشَدِّهَا وَقِيلَ أَخَفُّهَا سَوَاءٌ فُعِلَتْ مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا وَقِيلَ الْعِقَابُ فِي الْمُرَتَّبِ عَلَى فِعْلِ آخِرِهَا تَفَاوَتَتْ أَوْ تَسَاوَتْ لِارْتِكَابِ الْحَرَامِ بِهِ وَيُثَابُ ثَوَابَ الْمَنْدُوبِ عَلَى تَرْكِ كُلٍّ مِنْ غَيْرِ مَا ذُكِرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>