للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَوْنِهِ صَوْمًا لَا يَنْفَكُّ عَنْ كَوْنِهِ فِي الْعِيدِ؛ لِأَنَّ لُحُوقَ الْإِذْنِ فِيهِ لَا يَكُونُ إلَّا لِلَّهِ تَعَالَى وَتَعَذُّرُ ذَلِكَ بِتَعَذُّرِ النَّسْخِ بَعْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، ثُمَّ هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ نَهْيُ تَنْزِيهٍ وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ نَهْيُ تَحْرِيمٍ وَحِينَئِذٍ فَالْجَوَابُ كَمَا قَالَ (وَبِأَنَّ نَهْيَ التَّحْرِيمِ يَنْصَرِفُ إلَى الْعَيْنِ) أَيْ عَيْنِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَيُفِيدُ عَدَمَ الصِّحَّةِ فَيَجِبُ الْقَوْلُ بِهِ (إلَّا لِدَلِيلٍ) يُفِيدُ خِلَافَهُ.

(وَقَدْ وُجِدَتْ إطْلَاقَاتٌ فِي الصَّلَاةِ) فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ (أَوْجَبَتْهُ) أَيْ النَّهْيَ (لِخَارِجٍ) أَيْ لِوَصْفٍ خَارِجٍ عَنْ الذَّاتِ وَهِيَ الْآيَاتُ الْمُطْلَقَةُ فِي وُجُوبِ الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِمَكَانٍ (وَإِجْمَاعِ غَيْرِ أَحْمَدَ) عَلَى صِحَّتِهَا (لَا فِي الصَّوْمِ) أَيْ بِخِلَافِ صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ صَارِفٌ عَنْ ظَاهِرِ بُطْلَانِهِ بَلْ وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى ذَلِكَ كَذَا ذَكَرَ الشَّيْخُ سَعْدُ الدِّينِ التَّفْتَازَانِيُّ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ) أَيْ فِي الْفَرْقِ الْمَذْكُورِ فَإِنَّهُ وُجِدَ فِي الصَّوْمِ إطْلَاقَاتٌ أَيْضًا فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إلَّا الصَّوْمُ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» وَفِيهِمَا أَيْضًا عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا مِنْ عَبْدٍ يَصُومُ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إلَّا بَاعَدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا» إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِكَوْنِهِ غَيْرَ يَوْمِ الْعِيدِ وَإِذَا ثَبَتَ طَلَبُهُ مُطْلَقًا، وَإِنْ كَانَ نَدْبًا لَزِمَ أَنَّهُ إذَا نَهَى عَنْهُ فِي وَقْتٍ كَصَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ كَانَ النَّهْيُ لِغَيْرِهِ وَهُوَ الْإِعْرَاضُ عَنْ ضِيَافَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَكَانَ يَجِبُ صِحَّتُهُ وَيَعُودُ الْإِلْزَامُ، ثُمَّ لَا إجْمَاعَ مَعَ خِلَافِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى أَنَّهُ خِلَافُ الْحَنَفِيَّةِ ثَابِتٌ فِي صِحَّةِ صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ أَيْضًا فَإِنَّهُمْ يُصَحِّحُونَ نَذْرَهُ وَإِنَّهُ لَوْ صَامَهُ خَرَجَ عَنْ عُهْدَةِ النَّذْرِ، وَإِنْ لَمْ يَرْتَضِهِ الْمُصَنِّفُ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي النَّهْيِ هَذَا حَاصِلُ مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ.

قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ وَأَيْضًا إذَا كَانَ الْمُرَادُ بِإِمْكَانِ انْفِكَاكِ الْجِهَتَيْنِ كَوْنُ كُلٍّ مِنْهُمَا يَتَعَقَّلُ انْفِكَاكُهَا عَنْ الْأُخْرَى كَمَا ذَكَرَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ فَالْجِهَتَانِ فِي كُلٍّ مِنْ الصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ وَصَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ مُمْكِنَتَا الِانْفِكَاكِ؛ لِأَنَّهُ كَمَا يُمْكِنُ وُجُودُ صَلَاةٍ بِلَا غَضَبٍ وَغَصْبٍ بِلَا صَلَاةٍ يُمْكِنُ وُجُودُ صَوْمٍ بِلَا يَوْمِ عِيدٍ وَيَوْمِ عِيدٍ بِلَا صَوْمٍ فَلَا يَتِمُّ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِالِانْفِكَاكِ وَعَدَمِهِ، ثُمَّ كَمَا أَنَّ الشَّارِعَ أَمَرَ فِي صُورَةِ الصَّلَاةِ بِالْكَوْنِ وَشَغْلِ الْحَيِّزِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَنَهَى عَنْ شَغْلِ الْحَيِّزِ الْغَصْبِيِّ بِخُصُوصِهِ بِهَا أَمَرَ فِي صُورَةِ الصَّوْمِ إذَا كَانَ مَنْذُورًا بِالْوَفَاءِ بِهِ مُطْلَقًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: ٢٩] وَنَهَى عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ بِخُصُوصِهِ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا نَعَمْ هَذَا فَرْعُ انْعِقَادِ نَذْرِ صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ وَهُوَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مُنْعَقِدٌ فَيَسْتَوِيَانِ فِي الْحُكْمِ عِنْدَهُمْ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّة فَلَا يَسْتَوِيَانِ فِيهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عِنْدَهُمْ قَالُوا (وَلِأَنَّ مَنْشَأَ الْمَصْلَحَةِ وَالْمَفْسَدَةِ) فِي الصَّلَاةِ فِي الْمَغْصُوبَةِ (مُتَعَدِّدٌ بِخِلَافِ صَوْمِ الْعِيدِ) كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا تَوْجِيهُهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَقَدْ يُمْنَعُ) هَذَا (بَلْ الشَّغْلُ مَنْشَؤُهُمَا) أَيْ الْمَصْلَحَةِ وَالْمَفْسَدَةِ وَهُوَ مُتَّحِدٌ فِيهِمَا كَمَا حَقَقْنَا فَلَا يَفْتَرِقَانِ فِي الْحُكْمِ (هَذَا فَأَمَّا الْخُرُوجُ) مِنْ الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ (بَعْدَ تَوَسُّطِهَا فَفِقْهِيٌّ) أَيْ فَالْبَحْثُ عَنْ حُكْمِهِ بَحْثٌ فَرْعِيٌّ (لَا أَصْلِيٌّ وَهُوَ) أَيْ الْحُكْمُ الْفَرْعِيُّ لَهُ (وُجُوبُهُ) أَيْ الْخُرُوجُ مِنْهَا بِمَا هُوَ شَرْطُهُ مِنْ السُّرْعَةِ وَسُلُوكِ أَقْرَبِ الطُّرُقِ وَأَقَلِّهَا ضَرَرًا عَلَى قَصْدِ التَّوْبَةِ وَهُوَ قَصْدُ نَفْيِ الْمَعْصِيَةِ عَنْ نَفْسِهِ وَالْخُرُوجُ عَنْ مِلْكِ الْغَيْرِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى ذَلِكَ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِبِدْعِيٍّ؛ لِأَنَّ ارْتِكَابَ أَدْنَى الضَّرَرَيْنِ يَصِيرُ وَاجِبًا نَظَرًا إلَى دَفْعِ أَعْلَاهُمَا (فَقَطْ) أَيْ: لَا، وَحُرْمَتُهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ أَبِي هَاشِمٍ إنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ؛ لِأَنَّهُ انْفِصَالٌ عَنْ الْمُكْثِ وَمَنْهِيٌّ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ.

وَقَوْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ الْمَعْصِيَةُ مُسْتَمِرَّةٌ، وَإِنْ كَانَ فِي حَرَكَاتِهِ فِي صَوْبِ الْخُرُوجِ مُمْتَثِلًا لِلْأَمْرِ، وَإِنَّمَا حَكَمْنَا بِاسْتِمْرَارِهَا مَعَ أَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ بِارْتِكَابِ الْمَنْهِيِّ وَالْإِمْكَانِ مُعْتَبَرٌ فِي الْمَنْهِيِّ وَلَا إمْكَانَ هُنَا إذْ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ الْخَلَاصُ؛ لِأَنَّ نِسْبَتَهُ إلَى مَا تَوَرَّطَ فِيهِ آخِرًا بِسَبَبِ مَعْصِيَتِهِ وَلَيْسَ هُوَ عِنْدَنَا مَنْهِيًّا عَنْ الْكَوْنِ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ مَعَ بَذْلِهِ الْمَجْهُودَ فِي الْخُرُوجِ مِنْهَا وَلَكِنَّهُ مُرْتَبِكٌ أَيْ مُشْتَبِكٌ فِي الْمَعْصِيَةِ مَعَ انْقِطَاعِ نَهْيِ التَّكْلِيفِ عَنْهُ (وَاسْتَبْعَدَ اسْتِصْحَابَ الْمَعْصِيَةِ لِلْإِمَامِ) أَيْ اسْتَبْعَدَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَصَاحِبُ الْبَدِيعِ وَغَيْرُهُمَا (إذْ لَا نَهْيَ عَنْهُ) أَيْ الْخُرُوجِ تَوْبَةً (وَثُبُوتُهَا) أَيْ الْمَعْصِيَةِ (بِلَا نَهْيٍ)

<<  <  ج: ص:  >  >>