للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فَاسْتِدْلَالُ النَّافِي بِأَنَّهُ) أَيْ الْمَنْدُوبَ (لَوْ كَانَ مَأْمُورًا أَيْ حَقِيقَةً لَكَانَ تَرْكُهُ مَعْصِيَةً) لِمَا ثَبَتَ مِنْ أَنَّ تَارِكَ الْمَأْمُورِ بِهِ عَاصٍ إذْ كَانَ الْأَمْرُ خَاصًّا بِصِيغَةِ الْإِيجَابِ (وَلِمَا صَحَّ) .

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ» كَمَا فِي صَحِيحِ ابْنِ خُزَيْمَةَ وَغَيْرِهِ أَوْ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَدَبَهُمْ إلَى السِّوَاكِ وَنَفَى كَوْنَهُ مَأْمُورًا بِهِ لِوُجُودِ الْمَشَقَّةِ عَلَى تَقْدِيرِ الْأَمْرِ ثَمَّ فَاسْتِدْلَالُ النَّافِي مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (زِيَادَةٌ) مِنْهُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهَا (وَتَأْوِيلُهُ) أَيْ الْأَمْرِ فِي هَذَيْنِ (بِحَمْلِهِ) أَيْ الْأَمْرِ (عَلَى قِسْمٍ خَاصٍّ هُوَ أَمْرُ الْإِيجَابِ) كَمَا ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ مُخَالَفَةً لِلظَّاهِرِ (بِلَا دَلِيلٍ وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الْمُثْبِتِينَ (لِدَلِيلِنَا ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ) وَحِينَئِذٍ فَأَخَفُّ الْأَمْرَيْنِ عَلَى الْمُثْبِتِينَ أَنْ تُجْعَلَ هَذِهِ الْمُخَالَفَةُ لَفْظِيَّةً فَالْمُثْبِتُ يَعْنِي الِاصْطِلَاحَ النَّحْوِيَّ وَلَا يُخَالِفُهُ النَّافِي وَالنَّافِي مَشَى عَلَى الْجَادَّةِ وَلَا يُخَالِفُهُ الْمُثْبِتُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَمِثْلُ هَذِهِ) الْمَسْأَلَةِ (فِي اللَّفْظِيَّةِ الْخِلَافُ فِي أَنَّ الْمَنْدُوبَ تَكْلِيفٌ وَالصَّحِيحُ) الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ (عَدَمُهُ) أَيْ كَوْنُهُ تَكْلِيفًا (خِلَافًا لِلْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ وَالْقَاضِي أَيْضًا) ، وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا الْخِلَافُ لَفْظِيًّا (لِدَفْعِ بُعْدِهِ) أَيْ خِلَافِهِ (بِأَنَّ الْمُرَادَ) بِقَوْلِهِ إنَّهُ تَكْلِيفٌ (إيجَابُ اعْتِقَادِهِ) أَيْ اعْتِقَادِ كَوْنِهِ مَنْدُوبًا وَإِنْ كَانَ هَذَا الدَّفْعُ بَعِيدًا أَيْضًا؛ لِأَنَّ النَّدْبَ حُكْمٌ وَالْوُجُوبَ حُكْمٌ آخَرُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِمَا الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ وَكَيْفَ لَا، وَفِي هَذَا التَّأْوِيلِ إهْدَارُ النَّدْبِ مِنْ الْأَحْكَامِ التَّكْلِيفِيَّةِ، ثُمَّ هَذَا بِنَاءً عَلَى الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ التَّكْلِيفَ إلْزَامُ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ وَمَشَقَّةٌ وَرَدُّ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مِنْ أَنَّ فِعْلَ الْمَنْدُوبِ لِتَحْصِيلِ الثَّوَابِ شَاقٌّ؛ لِأَنَّهُ فِي سَعَةٍ مِنْ تَرْكِهِ لِعَدَمِ الْإِلْزَامِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ أَيْضًا وَإِلَّا فَغَيْرُ وَاحِدٍ عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ بِنَاءً عَلَى تَفْسِيرِ التَّكْلِيفِ.

فَإِنْ فُسِّرَ بِإِلْزَامِ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ فَلَيْسَ بِتَكْلِيفٍ، وَإِنْ فُسِّرَ بِطَلَبِ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ فَتَكْلِيفٌ لَكِنَّ هَذَا إنْ تَمَّ فِي تَوْجِيهِ خِلَافِهِ فِي الْمَنْدُوبِ لَا يَتِمُّ فِي تَوْجِيهِ خِلَافِهِ فِي الْمُبَاحِ؛ لِأَنَّهُ لَا طَلَبَ فِيهِ بِخِلَافِ الدَّفْعِ الْمَذْكُورِ فَلَا جَرَمَ أَنْ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ وَرَتَّبَ خِلَافَهُ فِي الْمُبَاحِ أَيْضًا عَلَيْهِ فَقَالَ (إلَّا أَنَّ الْمُبَاحَ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ يَكُونُ الْمُرَادُ بِكَوْنِ النَّدْبِ تَكْلِيفًا إيجَابَ اعْتِقَادِ نَدْبِيَّتِهِ (تَكْلِيفٌ) أَيْضًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ إيجَابُ اعْتِقَادِ إبَاحَتِهِ (وَبِهِ) أَيْ وَيَكُونُ الْمُبَاحُ تَكْلِيفًا (قَالَ) الْأُسْتَاذُ (أَيْضًا) وَمَنْ سِوَاهُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِتَكْلِيفٍ قِيلَ: وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا مَعَ أَنَّ التَّكْلِيفَ عِنْدَهُ طَلَبُ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ تَتْمِيمًا لِلْأَقْسَامِ وَإِلَّا فَغَيْرُهُ مِثْلُهُ فِي وُجُوبِ الِاعْتِقَادِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ (وَمِثْلُهُمَا) أَيْ الْمَنْدُوبِ وَالْمُبَاحِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْخِلَافَ فِي كَوْنِ الْمَنْدُوبِ مَأْمُورًا بِهِ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا وَكَوْنِهِ تَكْلِيفًا أَوْ لَا وَفِي كَوْنِ الْمُبَاحِ تَكْلِيفًا أَوْ لَا لَفْظِيٌّ (الْمَكْرُوهُ) أَيْ الْخِلَافُ فِي كَوْنِ الْمَكْرُوهِ تَنْزِيهًا مَنْهِيًّا عَنْهُ وَكَوْنِهِ تَكْلِيفًا فَالْمَكْرُوهُ تَنْزِيهًا (مَنْهِيٌّ) عَنْهُ (أَيْ اصْطِلَاحًا) نَحْوِيًّا (حَقِيقَةً مَجَازًا لُغَةً) ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ فِي الِاصْطِلَاحِ يُقَالُ عَلَى لَا تَفْعَلْ اسْتِعْلَاءً سَوَاءٌ كَانَ لِلْمَنْعِ الْحَتْمِ أَوْ لَا أَمَّا فِي اللُّغَةِ فَيُمْتَنَعُ أَنْ يُقَالَ حَقِيقَةُ نَهْيٍ عَنْ كَذَا إلَّا إذَا مُنِعَ مِنْهُ فَالْقَائِلُ " حَقِيقَةٌ " يُرِيدُ الِاصْطِلَاحَ وَالْقَائِلُ " مَجَازٌ " يُرِيدُ اللُّغَةَ (وَإِنَّهُ) أَيْ الْمَكْرُوهَ (لَيْسَ تَكْلِيفًا) عِنْدَ الْجُمْهُورِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ إلْزَامَ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ وَتَكْلِيفٌ عِنْدَ الْأُسْتَاذِ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ بِاعْتِقَادِ كَرَاهَتِهِ تَنْزِيهًا أَوْ طَلَبِ تَرْكِهِ فِي الْجُمْلَةِ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ (وَفِيهِمَا) أَيْ مَسْأَلَتَيْ الْمَكْرُوهِ هَاتَيْنِ (مَا فِيهِمَا) أَيْ مَسْأَلَتَيْ الْمَنْدُوبِ مَأْمُورٌ بِهِ وَالْمَنْدُوبُ وَالْمُبَاحُ مُكَلَّفٌ بِهِمَا.

(وَالْمُرَادُ) بِالْمَكْرُوهِ الْمَكْرُوهُ (تَنْزِيهًا) كَمَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّ الْمَكْرُوهَ تَحْرِيمًا لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ تَكْلِيفٌ وَهُوَ ظَاهِرٌ قَالُوا (وَيُطْلَقُ) الْمَكْرُوهُ إطْلَاقًا شَائِعًا (عَلَى الْحَرَامِ وَخِلَافِ الْأَوْلَى مِمَّا لَا صِيغَةَ) نَهْيٍ (فِيهِ) أَيْ تَرْكِهِ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِيَّةِ وَخِلَافِ الْأَوْلَى بِأَنَّ خِلَافَ الْأَوْلَى مَا لَا صِيغَةَ نَهْيٍ فِيهِ (فَالتَّنْزِيهِيَّة مَرْجِعُهَا إلَيْهِ) أَيْ خِلَافِ الْأَوْلَى بَلْ هِيَ هُوَ بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّ حَاصِلَهَا مَا تَرْكُهُ أَوْلَى فَالتَّفْرِقَةُ مُجَرَّدُ اصْطِلَاحٍ بِأَخْذِ ذَلِكَ الِاعْتِبَارِ فِي خِلَافِ الْأَوْلَى (وَكَذَا يُطْلَقُ الْمُبَاحُ عَلَى مُتَعَلِّقِ) الْإِبَاحَةِ (الْأَصْلِيَّةِ) الَّتِي هِيَ عَدَمُ الْمُؤَاخَذَةِ بِالْفِعْلِ وَالتَّرْكِ لِمَا هُوَ الْمَنَافِعُ لِعَدَمِ ظُهُورِ تَعَلُّقِ الْخِطَابِ بِهِ (كَمَا)

<<  <  ج: ص:  >  >>