للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِإِمْكَانِ تَرْكِ الْحَرَامِ بِغَيْرِ الْوَاجِبِ كَالْمَنْدُوبِ وَالْمَكْرُوهِ تَنْزِيهًا فَيَكُونُ الْوَاجِبُ أَحَدَهَا فَإِذَا اخْتَارَ الْمُكَلَّفُ فِعْلَ الْمُبَاحِ كَانَ وَاجِبًا (فَانْدَفَعَ) بِقَوْلِهِ وَلَوْ مُخَيَّرًا (مَنْعُ تَعَيُّنِ الْمُبَاحِ لِلتَّرْكِ) لِلْحَرَامِ (لِجَوَازِهِ) أَيْ تَرْكِ الْحَرَامِ (بِوَاجِبٍ) لَكِنَّهُ قِيلَ لَا يَجُوزُ كَوْنُهُ وَاجِبًا مُخَيَّرًا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْمُخَيَّرَ وَاحِدٌ مُبْهَمٌ مِنْ أُمُورٍ مُعَيَّنَةٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ هُنَا فَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمُرَادَ تَعَيُّنُهَا بِالنَّوْعِ كَمَا فِي خِصَالِ الْكَفَّارَةِ وَمَا بِهِ يَحْصُلُ تَرْكُ الْحَرَامِ مُتَعَيِّنٌ بِالنَّوْعِ؛ لِأَنَّهُ إمَّا وَاجِبٌ أَوْ مَنْدُوبٌ أَوْ مَكْرُوهٌ أَوْ مُبَاحٌ وَدُفِعَ بِأَنَّ تَرْكَهُ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْأَفْعَالِ وَتَعَيُّنُهَا النَّوْعِيُّ إنَّمَا يَحْصُلُ بِتَعَيُّنِ حَقَائِقِهَا وَتَمَيُّزِ كُلٍّ مِنْهَا عَمَّا عَدَاهُ بِمَا يَخُصُّهُ كَالصَّوْمِ وَالْإِعْتَاقِ مَثَلًا لَا بِالْأَعْرَاضِ الْعَامَّةِ كَكَوْنِهَا وَاجِبَةً أَوْ مَنْدُوبَةً وَأُجِيبُ بِأَنَّ الشَّرْعَ عَيَّنَ كُلَّ نَوْعٍ مِنْ الْفِعْلِ يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ وَالْفُقَهَاءُ دَوَّنُوا تِلْكَ الْأَنْوَاعَ وَالتَّعْبِيرُ عَنْهَا بِالْأَعْرَاضِ الْعَامَّةِ لِلْإِغْنَاءِ عَنْ التَّفْصِيلِ الْمَعْلُومِ لَا لِلْجَهْلِ بِهَا عَلَى التَّفْصِيلِ (وَيُورَدُ) عَلَى الْكَعْبِيِّ أَنَّهُ (لَيْسَ تَرْكُهُ) أَيْ الْحَرَامَ (عَيْنَ فِعْلِ الْمُبَاحِ) غَايَتُهُ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِهِ (وَأَجَابَ) الْكَعْبِيُّ (بِأَنَّ) هَذَا لَا يَضُرُّ فَإِنَّ (مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ) وَبِهِ يَتِمُّ دَلِيلُنَا فَيُقَال تَرْكُ الْحَرَامِ الَّذِي هُوَ وَاجِبٌ مُقَدِّمَةٌ لِلْوَاجِبِ وَمُقَدِّمَةُ الْوَاجِبِ وَاجِبٌ.

(وَأَوْرَدَ) عَلَى هَذَا الدَّلِيلِ (أَنَّهُ مُصَادَمَةُ الْإِجْمَاعِ عَلَى انْقِسَامِ الْفِعْلِ إلَيْهِ) أَيْ الْمُبَاحِ (وَبَاقِيهَا) أَيْ أَقْسَامِهِ مِنْ الْوَاجِبِ وَالْحَرَامِ وَالْمَكْرُوهِ وَالْمَنْدُوبِ فَلَا يُسْمَعُ (فَأَجَابَ) الْكَعْبِيُّ (بِوُجُوبِ تَأْوِيلِهِ) أَيْ الْإِجْمَاعِ عَلَى انْقِسَامِ الْفِعْلِ إلَى هَذِهِ الْأَقْسَامِ بِأَنَّهُ مُنْقَسِمٌ إلَيْهَا (بِاعْتِبَارِهِ) أَيْ الْفِعْلِ (فِي ذَاتِهِ) أَيْ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَمَّا يَسْتَلْزِمُهُ مِنْ كَوْنِهِ يَحْصُلُ بِهِ تَرْكُ حَرَامٍ (لَا بِمُلَاحَظَةِ مَا يَلْزَمُهُ) أَيْ الْفِعْلِ مِنْ كَوْنِهِ يَحْصُلُ بِهِ تَرْكُ حَرَامٍ فَيَكُونُ الْمُبَاحُ نَظَرًا إلَى ذَاتِهِ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهِ مُبَاحًا وَبِالنَّظَرِ إلَى مَا يَسْتَلْزِمُهُ مِنْ كَوْنِهِ يَحْصُلُ بِهِ تَرْكُ حَرَامٍ وَاجِبًا، وَإِنَّمَا أَوَّلْنَاهُ (لِقَطِيعَةِ دَلِيلِنَا) الْمَذْكُورِ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ دَلِيلِنَا بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ لِبَقَاءِ الْعَمَلِ بِالْإِجْمَاعِ وَالدَّلِيلُ الْمَذْكُورُ عَلَى وُجُوبِ الْمُبَاحِ إذْ الْأَصْلُ فِي الْأَدِلَّةِ الْإِعْمَالُ لَا الْإِهْمَالُ (وَيَتَعَيَّنُ كَوْنُهُ) أَيْ هَذَا (مُرَادَ الْقَائِلِينَ بِوُجُوبِ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ) قَالَ الْمُصَنِّفُ فَإِنَّ قَوْلَهُمْ يَقْتَضِي وُجُوبَ مُبَاحَاتٍ كَثِيرَةٍ تَجُرُّ إلَى مِثْلِ قَوْلِ الْكَعْبِيِّ فَيَجِبُ كَوْنُ مُرَادِهِمْ أَنَّ تِلْكَ الْمُقَدِّمَاتِ مُبَاحَةٌ فِي ذَاتِهَا وَلَكِنْ لَزِمَهَا الْوُجُوبُ لِعَارِضِ التَّوَصُّلِ إلَى الْوَاجِبِ بِهَا (فَإِنْ لَزِمَ وُجُوبُ الْمَعْصِيَةِ مُخَيَّرًا) لِلْكَعْبِيِّ عَلَى سَبِيلِ النَّقْضِ الْإِجْمَالِيِّ لِدَلِيلِهِ بِأَنْ يُقَالَ لَوْ صَحَّ مَا ذَكَرَهُ بِجَمِيعِ مُقَدِّمَاتِهِ لَزِمَ كَوْنُ الْمُحَرَّمِ إذَا تَرَكَ بِهِ مُحَرَّمًا آخَرَ كَاللِّوَاطَةِ إذَا تَرَكَ بِهَا الزِّنَا وَاجِبًا لِقِيَامِ ذَلِكَ الدَّلِيلِ فِيهِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْمُحَرَّمَ يَتَحَقَّقُ بِهِ تَرْكُ الْحَرَامِ فَيَكُونُ وَاجِبًا (فَقَدْ ذَكَرَ جَوَابَهُ) وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ فِي إلْزَامِ خَرْقِ الْإِجْمَاعِ مِنْ كَوْنِهِ فِي نَفْسِهِ مَعْصِيَةً، وَإِنَّمَا لَزِمَهُ خِلَافُ ذَلِكَ فَيَكُونُ وَاجِبًا حَرَامًا مَعًا كَالصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ كَذَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَإِيضَاحُهُ أَنَّهُ يَقُولُ لَا مَانِعَ مِنْ اتِّصَافِ الْفِعْلِ بِالْوُجُوبِ وَالْحُرْمَةِ مَعًا بِاعْتِبَارِ جِهَتَيْنِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ فَيَصِيرُ الْحَرَامُ بِالنَّظَرِ إلَى ذَاتِهِ وَاجِبًا بِتَرْكِ حَرَامٍ آخَرَ لِغَيْرِهِ (وَجَوَابَ الْأَخِيرَيْنِ) أَيْ أَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ وَوُجُوبُ الْمَعْصِيَةِ مِنْ قِبَلِ الْجُمْهُورِ (مَنْعَ أَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ وَاجِبٌ وَاقْتِصَارُهُمْ) أَيْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ مِنْهُمْ (عَنْ آخِرِهِمْ) عَلَى هَذَا الْجَوَابِ (يُنَادِي بِانْتِفَاءِ دَفْعِهِ) أَيْ قَوْلِ الْكَعْبِيِّ (إلَّا لِلنَّافِي) كَوْنَ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ وَاجِبًا (وَلَيْسَ) هَذَا هُوَ (الْمَذْهَبُ الْحَقُّ) لِلْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ وَغَيْرِهِمْ (وَلَا مُخَلِّصَ لِأَهْلِهِ) حِينَئِذٍ بَلْ يَكُونُونَ مُلْزَمِينَ بِقَوْلِهِ بِنَفْيِ الْمُبَاحِ رَأْسًا.

قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَهُوَ) أَيْ جَوَابُهُ (أَقْرَبُ إلَيْك مِنْك لِانْكِشَافِ مَنْعِ أَنَّ كُلَّ مُبَاحٍ تَرْكُ حَرَامٍ بَلْ لَا شَيْءَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمُبَاحِ (إيَّاهُ) أَيْ تَرْكَ حَرَامٍ (وَلَا يَسْتَلْزِمُهُ) أَيْ الْمُبَاحَ تَرْكُ الْحَرَامِ (لِلْقَطْعِ بِأَنَّ التَّرْكَ وَهُوَ كَفُّ النَّفْسِ عَنْ الْفِعْلِ فَرْعُ خُطُورِهِ) أَيْ الْفِعْلِ (وَ) فَرْعُ (دَاعِيَةِ النَّفْسِ لَهُ) أَيْ لِلْفِعْلِ (وَيَقْطَعُ بِإِسْكَانِ سَائِرِ الْجَوَارِحِ وَفِعْلِهَا) أَيْ الْجَوَارِحِ (لَا عَنْ دَاعِيَةِ فِعْلِ مَعْصِيَةٍ تَرْكًا لَهَا) أَيْ لِلْمَعْصِيَةِ (بِذَلِكَ) الْإِسْكَانِ وَالْفِعْلِ لِلْجَوَارِحِ (وَعِنْدَ تَحَقُّقِهَا)

<<  <  ج: ص:  >  >>