للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا مَضَى ثَانِيهِمَا أَنَّ الْأَصْلِيَّ يَكُونُ لِآفَةٍ فِي الدِّمَاغِ مَانِعَةٍ عَنْ قَبُولِ الْكَمَالِ فَيَكُونُ أَمْرًا أَصْلِيًّا لَا يَقْبَلُ اللَّحَاقَ بِالْعَدَمِ وَالطَّارِئُ قَدْ اعْتَرَضَ عَلَى مَحَلٍّ كَامِلٍ لِلُحُوقِ آفَةٍ فَيَلْحَقُ بِالْعَدَمِ.

وَفِي الْمَبْسُوطِ وَلَيْسَ فِيمَا إذَا كَانَ جُنُونُهُ أَصْلِيًّا رِوَايَةً عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَاخْتَلَفَ فِيهِ الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى قِيَاسِ مَذْهَبِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا مَضَى (وَإِذَا كَانَ الْمُسْقِطُ) لِوُجُوبِ الْعِبَادَاتِ فِي التَّحْقِيقِ هُوَ (الْحَرَجُ لَزِمَ اخْتِلَافُ الِامْتِدَادِ الْمُسْقِطِ) بِالنِّسْبَةِ إلَى أَصْنَافِ الْعِبَادَاتِ (فَقُدِّرَ) الِامْتِدَادُ الْمُسْقِطُ (فِي الصَّلَاةِ بِزِيَادَتِهِ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ عِنْدَهُمَا) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ بِزَمَانٍ يَسِيرٍ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِصَيْرُورَةِ الصَّلَوَاتِ) الْفَوَائِتِ (سِتًّا) بِخُرُوجِ وَقْتِ السَّادِسَةِ (وَهُوَ أَقْيَسُ) ؛ لِأَنَّ الْحَرَجَ إنَّمَا يَنْشَأُ مِنْ الْوُجُوبِ عِنْدَ كَثْرَتِهَا وَكَثْرَتُهَا بِدُخُولِهَا فِي حَدِّ التَّكْرَارِ وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ بِخُرُوجِ وَقْتِ السَّادِسَةِ فَلَا جَرَمَ أَنَّ نَصَّ السَّرَخْسِيِّ وَصَاحِبِ الذَّخِيرَةِ عَلَى أَنَّهُ الْأَصَحُّ وَمَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ (لَكِنَّهُمَا) أَيْ أَبَا حَنِيفَةَ وَأَبَا يُوسُفَ وَإِنْ اشْتَرَطَا تَكْرَارَهَا (أَقَامَا الْوَقْتَ) إذْ هُوَ السَّبَبُ الظَّاهِرُ لَهَا (مَقَامَ الْوَاجِبِ) أَيْ الصَّلَاةِ (كَمَا فِي الْمُسْتَحَاضَةِ) وَسَائِرِ أَصْحَابِ الْأَعْذَارِ تَيْسِيرًا عَلَى الْعِبَادِ ثُمَّ كَوْنُ هَذَا قَوْلَهُمَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَالْهِدَايَةِ وَمَبْسُوطِ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَغَيْرِهَا وَجَعَلَهُ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ وَالسَّرَخْسِيُّ رِوَايَةً عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالْمَنْظُومَةِ وَالْمُخْتَلِفِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ (وَفِي الصَّوْمِ) أَيْ وَقُدِّرَ امْتِدَادُ الْجُنُونِ الْمُسْقِطِ لِوُجُوبِ الصَّوْمِ (بِاسْتِغْرَاقِ الشَّهْرِ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ) حَتَّى لَوْ أَفَاقَ فِي جُزْءٍ مِنْهُ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ قَالَ صَاحِبُ الْكَشْفِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَفِي الْكَامِلِ نَقْلًا عَنْ الْحَلْوَانِيِّ لَوْ كَانَ مُفِيقًا فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَأَصْبَحَ مَجْنُونًا وَاسْتَوْعَبَ الْجُنُونُ بَاقِيَ الشَّهْرِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَهُوَ الصَّحِيحُ.

لِأَنَّ اللَّيْلَ لَا يُصَامُ فِيهِ فَكَانَ الْجُنُونُ وَالْإِفَاقَةُ فِيهِ سَوَاءً، وَكَذَا لَوْ أَفَاقَ فِي لَيْلَةٍ مِنْ الشَّهْرِ ثُمَّ أَصْبَحَ مَجْنُونًا وَلَوْ أَفَاقَ فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ فِي وَقْتِ النِّيَّةِ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ وَلَوْ أَفَاقَ بَعْدَهُ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يُفْتَتَحُ فِيهِ اهـ وَهَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَمَشَى عَلَيْهِ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَحُمَيْدٌ الضَّرِيرُ مِنْ غَيْرِ حِكَايَةِ خِلَافٍ لَكِنْ إذَا كَانَ سُقُوطُ الْوَاجِبِ لِلْحَرَجِ وَامْتِدَادُ الْجُنُونِ شَهْرًا كَثِيرٌ غَيْرُ نَادِرٍ فَيَلْزَمُ الْحَرَجُ بِثُبُوتِهِ مَعَ اسْتِيعَابِ الْجُنُونِ الشَّهْرَ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَسْتَوْعِبْهُ؛ لِأَنَّ صَوْمَ مَا دُونَ الشَّهْرِ فِي سَنَةٍ لَا يُوقِعُ فِي الْحَرَجِ يَجِبُ أَنْ لَا فَرْقَ فِي وُجُوبِ قَضَاءِ الشَّهْرِ بَيْنَ أَنْ يُفِيقَ فِي اللَّيْلَةِ الْأُولَى مِنْهُ أَوْ غَيْرِهَا أَوْ فِي نَهَارٍ مِنْهُ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ أَوَّلَهُ أَوْ آخِرَهُ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْمُجَرَّدِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا إذَا أَفَاقَ فِي اللَّيْلَةِ الْأُولَى ثُمَّ أَصْبَحَ مَجْنُونًا جَمِيعَ الشَّهْرِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ نَعَمْ هَذَا إذَا لَمْ يَنْوِ الصَّوْمَ فِيهَا أَوْ نَوَاهُ ثُمَّ أَفْطَرَ فِي نَهَارِهِ أَمَّا إذَا نَوَاهُ، وَلَمْ يُفْطِرْ قَضَى الشَّهْرَ إلَّا ذَلِكَ الْيَوْمَ وَهُوَ مَحْمَلُ مَا ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَبُو جَعْفَرٍ فِي كَشْفِ الْغَوَامِضِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ جَمِيعِ الشَّهْرِ إلَّا الْيَوْمَ الْأَوَّلَ.

وَكَذَا يَجِبُ أَنْ لَا يُفَرِّقَ فِيهِ بَيْنَ الْأَصْلِيِّ وَالْعَارِضِيِّ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْإِيضَاحِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ أَوْلَى إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِمَّا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ مِنْ أَنَّ فِي الْأَصْلِيِّ إذَا أَفَاقَ فِي بَعْضِ الشَّهْرِ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ مَا أَدْرَكَ لَا قَضَاءَ مَا مَضَى ثُمَّ قَالُوا إنَّمَا لَمْ يُشْتَرَطْ التَّكْرَارُ فِي الصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ شُرِطَ لَازْدَادَتْ الزِّيَادَةُ الْمُؤَكِّدَةُ عَلَى الْأَصْلِ الْمُؤَكَّدِ إذْ لَا يَدْخُلُ وَقْتُ الصِّيَامِ مَا لَمْ يَمْضِ أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا وَالتَّحْقِيقُ مَا سَبَقَ.

(وَفِي الزَّكَاةِ) قُدِّرَ امْتِدَادُ الْجُنُونِ الْمُسْقِطِ لِوُجُوبِهَا (بِاسْتِغْرَاقِ الْحَوْلِ) بِهِ كَمَا هُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْأَمَالِي عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَابْنِ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ تَدْخُلُ فِي حَدِّ التَّكْرَارِ بِدُخُولِ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ التَّكْرَارَ بِخُرُوجِهَا لَا بِدُخُولِهَا؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْوُجُوبِ أَنْ يَتِمَّ الْحَوْلُ فَالْأَوْلَى اعْتِبَارُ الْحَوْلِ؛ لِأَنَّهُ كَثِيرٌ فِي نَفْسِهِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ فِي التَّلْوِيحِ (وَأَبُو يُوسُفَ) فِي رِوَايَةِ هِشَامٍ عَنْهُ قَالَ (أَكْثَرُهُ) أَيْ الْحَوْلِ إذَا اسْتَوْعَبَهُ الْجُنُونُ (كَكُلِّهِ) إقَامَةً لِلْأَكْثَرِ مُقَامَ الْكُلِّ تَيْسِيرًا وَتَخْفِيفًا فِي سُقُوطِ الْوَاجِبِ وَالنِّصْفُ مُلْحَقٌ بِالْأَقَلِّ (فَلَوْ بَلَغَ مَجْنُونًا مَالِكًا) لِلنِّصَابِ ثُمَّ أَفَاقَ

<<  <  ج: ص:  >  >>