للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فَابْتِدَاءُ الْحَوْلِ مِنْ الْإِفَاقَةِ) عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَصْلِيَّ مُلْحَقٌ بِالصِّبَا عِنْدَهُ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) فِي أَنَّ ابْتِدَاءَ الْحَوْلِ مِنْ الْبُلُوغِ عِنْدَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَصْلِيَّ وَالْعَارِضِيَّ سَوَاءٌ عِنْدَهُ فِي أَنَّ الْمُسْقِطَ فِيهِمَا الِامْتِدَادُ، وَلَمْ يُوجَدْ (وَلَوْ أَفَاقَ بَعْدَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ مَثَلًا وَتَمَّ الْحَوْلُ وَجَبَتْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا أَبِي يُوسُفَ مَا لَمْ يَتِمَّ) الْحَوْلُ مِنْ الْإِفَاقَةِ وَكَانَ الْأَوْلَى فَلَوْ أَفَاقَ بِالْفَاءِ وَلَوْ كَانَ هَذَا فِي الْعَارِضِيِّ وَجَبَتْ اتِّفَاقًا مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى تَمَامِ الْحَوْلِ مِنْ وَقْتِ الْإِفَاقَةِ.

[الْعَتَهُ مِنْ عَوَارِضِ الْأَهْلِيَّةِ]

(وَأَمَّا الْعَتَهُ اخْتِلَاطُ الْكَلَامِ مَرَّةً وَمَرَّةً) وَهَذَا اخْتِصَارٌ مُجْحِفٌ لِتَعْرِيفِهِ بِاخْتِلَالِ الْعَقْلِ بِحَيْثُ يَخْتَلِطُ كَلَامُهُ فَيُشْبِهُ مَرَّةً كَلَامَ الْعُقَلَاءِ، وَمَرَّةً كَلَامَ الْمَجَانِينَ وَكَذَا سَائِرُ أُمُورِهِ وَأَحْسَنُ مِنْهُ مَا قِيلَ آفَةٌ نَاشِئَةٌ عَنْ الذَّاتِ تُوجِبُ خَلَلًا فِي الْعَقْلِ فَيَصِيرُ صَاحِبُهُ مُخْتَلِطَ الْكَلَامِ فَيُشْبِهُ بَعْضُ كَلَامِهِ كَلَامَ الْعُقَلَاءِ وَبَعْضُهُ كَلَامَ الْمَجَانِينِ فَخَرَجَ بِنَاشِئَةٍ عَنْ الذَّاتِ مَا يَكُونُ بِالْمُخَدَّرَاتِ (فَكَالصَّبِيِّ الْعَاقِلِ) أَيْ فَالْمَعْتُوهُ كَهَذَا (فِي صِحَّةِ فِعْلِهِ وَتَوْكِيلِهِ) أَيْ وَقَبُولِ الْوَكَالَةِ مِنْ غَيْرِهِ فِي بَيْعِ مَالِ الْغَيْرِ وَالشِّرَاءِ لَهُ وَطَلَاقِ امْرَأَتِهِ وَإِعْتَاقِ عَبْدِهِ (بِلَا عُهْدَةٍ) حَتَّى لَا يُطَالَبَ فِي الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ بِنَقْدِ الثَّمَنِ وَتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ وَلَا يُؤْمَرُ بِالْخُصُومَةِ فِيهِ (وَقَوْلُهُ) أَيْ وَفِي صِحَّةِ قَوْلِهِ الَّذِي هُوَ نَفْعٌ مَحْضٌ وَهُوَ أَهْلٌ لِاعْتِبَارِهِ مِنْهُ (كَإِسْلَامِهِ) أَمَّا أَنَّهُ نَفْعٌ مَحْضٌ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا أَنَّهُ أَهْلٌ لِاعْتِبَارِهِ مِنْهُ فَلِوُجُودِ أَصْلِ الْعَقْلِ فِيهِ بِخِلَافِ مَا هُوَ ضَرَرٌ مَحْضٌ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ لَا بِإِذْنِ وَلِيِّهِ وَلَا بِدُونِ إذْنِهِ كَمَا لَا يَصِحُّ مِنْ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ وَبِخِلَافِ مَا هُوَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الضَّرَرِ وَالنَّفْعِ كَالشِّرَاءِ لِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ مِنْهُ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ بِدُونِ إذْنِهِ كَمَا فِي الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ أَيْضًا (وَلَا تَجِبُ الْعِبَادَاتُ عَلَيْهِ) كَمَا لَا يَجِبُ عَلَى الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ أَيْضًا كَمَا هُوَ اخْتِيَارُ عَامَّةِ الْمُتَأَخِّرِينَ (وَالْعُقُوبَاتُ) كَمَا لَا تَجِبُ عَلَى الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ أَيْضًا بِجَامِعٍ وُجُودِ أَصْلِ الْعَقْلِ مَعَ تَمَكُّنِ خَلَلٍ فِيهِ فِيهِمَا دَفْعًا لِلْحَرَجِ (وَضَمَانُ مُتْلَفَاتِهِ لَيْسَ عُهْدَةً) ؛ لِأَنَّهَا تَلْزَمُ مَعَ التَّصَرُّفِ الشَّرْعِيِّ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْوَكَالَةِ وَلَيْسَ الْإِتْلَافُ تَصَرُّفًا شَرْعِيًّا وَلِأَنَّ الْمَنْفِيَّ عُهْدَةٌ تَحْتَمِلُ الْعَفْوَ فِي الشَّرْعِ وَضَمَانُ الْمُتْلَفِ لَا يَحْتَمِلُهُ.

لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ شُرِعَ جَبْرًا لِمَا اُسْتُهْلِكَ مِنْ الْمَحَلِّ الْمَعْصُومِ وَلِهَذَا قُدِّرَ بِالْمِثْلِ لَا جَزَاءً لِلْفِعْلِ، وَكَوْنُ الْمُسْتَهْلِكِ صَبِيًّا أَوْ بَالِغًا مَعْتُوهًا لَا يُنَافِي عِصْمَةَ الْمَحَلِّ؛ لِأَنَّهَا ثَابِتَةٌ لِحَقِّ الْعِبَادِ وَحَاجَتِهِمْ وَذَلِكَ لَا يَزُولُ بِالصِّبَا وَالْعَتَهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعُذْرَ الثَّابِتَ لِلْمُتْلِفِ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ الْحَقِّ الثَّابِتِ لِلْمُتْلَفِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ كَمَا هُوَ مُحْتَاجٌ نَعَمْ جَازَ أَنْ يَبْطُلَ بِهِ مَا ثَبَتَ لِحَقِّ الشَّرْعِ لِغِنَاهُ تَعَالَى عَنْ الْعَالَمِينَ أَلَا يُرَى أَنَّ الْمُضْطَرَّ لَوْ تَنَاوَلَ مَالَ الْغَيْرِ لَا يَأْثَمُ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الشَّرْعِ وَوَجَبَ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ (وَتَوَقَّفَ نَحْوُ بَيْعِهِ) وَشِرَائِهِ وَإِجَارَتِهِ عَلَى إذْنِ وَلِيِّهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَتَثْبُتُ الْوِلَايَةُ عَلَيْهِ لِغَيْرِهِ كَمَا تَثْبُتُ عَلَى الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَهَا مِنْ بَابِ النَّظَرِ وَنُقْصَانُ الْعَقْلِ مَظِنَّةُ النَّظَرِ وَالرَّحْمَةِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ الْعَجْزِ (وَلَا يَلِي عَلَى غَيْرِهِ) لِعَجْزِهِ عَنْ التَّصَرُّفِ بِنَفْسِهِ فَلَا يَثْبُتُ لَهُ قُدْرَةُ التَّصَرُّفِ عَلَى غَيْرِهِ (وَلَا يُؤَخَّرُ الْعَرْضُ) لِلْإِسْلَامِ (عَلَيْهِ عِنْدَ إسْلَامِ امْرَأَتِهِ) إذَا لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا (لِمَا قُلْنَا) فِي الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ وَهُوَ صِحَّتُهُ مِنْهُ فَإِنَّ إسْلَامَ كُلٍّ مِنْهُمَا صَحِيحٌ لِوُجُودِ أَصْلِ الْعَقْلِ بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ (وَفِي التَّقْوِيمِ تَجِبُ عَلَيْهِ الْعِبَادَاتُ احْتِيَاطًا) فِي وَقْتِ الْخِطَابِ وَهُوَ الْبُلُوغُ بِخِلَافِ الصِّبَا؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ سُقُوطِ الْخِطَابِ وَرَدَّهُ صَدْرُ الْإِسْلَامِ بِأَنَّ الْعَتَهَ نَوْعُ جُنُونٍ فَيَمْنَعُ وُجُوبَ أَدَاءِ الْحُقُوقِ جَمِيعًا إذْ الْمَعْتُوهُ لَا يَقِفُ عَلَى عَوَاقِبِ الْأُمُورِ كَصَبِيٍّ ظَهَرَ فِيهِ قَلِيلُ عَقْلٍ وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ نُقْصَانَ الْعَقْلِ لَمَّا أَثَّرَ فِي سُقُوطِ الْخِطَابِ عَنْ الصَّبِيِّ كَمَا أَثَّرَ عَدَمُهُ فِي حَقِّهِ أَثَّرَ فِي سُقُوطِ الْخِطَابِ بَعْدَ الْبُلُوغِ أَيْضًا كَمَا أَثَّرَ عَدَمُهُ فِي السُّقُوطِ بِأَنْ صَارَ مَجْنُونًا؛ لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِلْبُلُوغِ لَا فِي كَمَالِ الْعَقْلِ فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ بِحُدُوثِ هَذِهِ الْآفَةِ كَانَ الْبُلُوغُ وَعَدَمُهُ سَوَاءً فَالْخِطَابُ يَسْقُطُ عَنْ الْمَجْنُونِ كَمَا يَسْقُطُ عَنْ الصَّبِيِّ فِي أَوَّلِ أَحْوَالِهِ تَحْقِيقًا لِلْعَدْلِ وَهُوَ أَنْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى تَكْلِيفِ مَا لَيْسَ فِي الْوُسْعِ وَيَسْقُطُ عَنْ الْمَعْتُوهِ كَمَا يَسْقُطُ عَنْ الصَّبِيِّ فِي آخِرِ أَحْوَالِهِ تَحْقِيقًا لِلْفَضْلِ وَهُوَ نَفْيُ الْحَرَجِ عَنْهُ نَظَرًا لَهُ وَمَرْحَمَةً عَلَيْهِ ذَكَرَهُ فِي الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ.

[النِّسْيَانُ مِنْ عَوَارِضِ الْأَهْلِيَّةِ]

(وَأَمَّا النِّسْيَانُ عَدَمُ الِاسْتِحْضَارِ) لِلشَّيْءِ (فِي وَقْتِ حَاجَتِهِ) أَيْ حَاجَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>