للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَعُذِرَ بِالْجَهْلِ كَمَا فِي الْخِطَابِ قَبْلَ الشُّهْرَةِ كَالصَّلَاةِ فِي حَقِّ مَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِوُجُوبِهَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ.

(وَلَا يُبِيحُهَا) أَيْ الْحُرُمَاتِ الَّتِي بِحَيْثُ تَسْقُطُ كَالْمَيْتَةِ وَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ الْإِكْرَاهُ (غَيْرُ الْمُلْجِئِ بَلْ يُوَرِّثُ) غَيْرُ الْمُلْجِئِ (شُبْهَةً فَلَا حَدَّ بِالشُّرْبِ مَعَهُ) اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ بِالْإِكْرَاهِ بِالْحَبْسِ وَنَحْوِهِ فِي الْأَفْعَالِ فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَوْ كَانَ مُلْجِئًا أَوْجَبَ الْحِلَّ فَإِذَا وُجِدَ جُزْءٌ مِنْهُ يَصِيرُ شُبْهَةً كَالْمِلْكِ فِي الْجُزْءِ مِنْ الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ يَصِيرُ شُبْهَةً فِي إسْقَاطِ الْحَدِّ عَنْ الشَّرِيكِ بِوَطْئِهَا (أَوْ) بِحَيْثُ (لَا تَسْقُطُ) أَيْ لَا يَحِلُّ مُتَعَلِّقُهَا قَطُّ (لَكِنْ رُخِّصَتْ) مَعَ بَقَاءِ الْحُرْمَةِ وَحِينَئِذٍ (فَإِمَّا مُتَعَلِّقَةٌ بِحَقِّهِ تَعَالَى الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ) بِحَالٍ (كَحُرْمَةِ التَّكَلُّمِ بِكُفْرٍ) ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ حَرَامٌ صُورَةً وَمَعْنًى حُرْمَةً مُؤَبَّدَةً وَإِجْرَاءُ كَلِمَةِ الْكُفْرِ صُورَةً كُفْرٌ إذْ الْأَحْكَامُ مُتَعَلِّقَةٌ بِالظَّاهِرِ فَيَكُونُ حَرَامًا إلَّا أَنَّ الشَّارِعَ رَخَّصَ فِيهِ بِشَرْطِ اطْمِئْنَانِ الْقَلْبِ بِالْإِيمَانِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل: ١٠٦] (أَوْ الَّذِي يَحْتَمِلُهُ) أَيْ السُّقُوطَ (كَتَرْكِ الصَّلَاةِ وَأَخَوَاتِهَا) مِنْ الصِّيَامِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ فَإِنَّ حُرْمَةَ تَرْكِهَا مِمَّنْ هُوَ أَهْلٌ لِلْوُجُوبِ مُؤَبَّدَةٌ لَا تَسْقُطُ بِحَالٍ لَكِنَّ هَذِهِ الْعِبَادَاتِ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى مُحْتَمِلٌ لِلسُّقُوطِ فِي الْجُمْلَةِ بِالْأَعْذَارِ (فَيُرَخَّصُ) تَرْكُهَا (بِالْمُلْجِئِ) ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي نَفْسِهِ يَفُوتُ أَصْلًا وَحَقُّ صَاحِبِ الشَّرْعِ يَفُوتُ إلَى خَلَفٍ.

(فَلَوْ صَبَرَ) ، وَلَمْ يَفْعَلْ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ حَتَّى قُتِلَ (فَهُوَ شَهِيدٌ) ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ تَعَالَى لَمْ يَسْقُطْ بِالْإِكْرَاهِ وَفِيمَا فَعَلَ إظْهَارُ الصَّلَابَةِ فِي الدِّينِ وَبَذْلُ نَفْسِهِ فِي طَاعَةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (وَمِنْهُ) أَيْ هَذَا الْقَسَمِ (زِنَاهَا) أَيْ إذَا أُكْرِهَتْ عَلَى الزِّنَا فَتَمْكِينُهَا مِنْ الزِّنَا حَرَامٌ (لَا تَسْقُطُ حُرْمَتُهُ الَّتِي هِيَ حَقُّهُ تَعَالَى الْمُحْتَمِلُ لِلرُّخْصَةِ) لَهَا مَعَ بَقَاءِ الْحُرْمَةِ فِي الْإِكْرَاهِ الْمُلْجِئِ.

(لِعَدَمِ الْقَطْعِ) لِنَسَبِ وَلَدِهَا مِنْ الزِّنَا عَنْهَا بِحَالٍ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ مَعْنَى الْقَتْلِ الَّذِي هُوَ الْمَانِعُ مِنْ التَّرَخُّصِ فِي جَانِبِ الرَّجُلِ وَأَوْرَدَ الْمَرْأَةَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ تَرْبِيَةِ الْوَلَدِ وَإِنْ كَانَ فَقَدْ يَنْفِيهِ فَيُفْضِي إلَى الْهَلَاكِ أَيْضًا وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْهَلَاكَ يُضَافُ إلَى الرَّجُلِ بِإِلْقَاءِ بَذْرَةٍ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ لَا إلَى فِعْلِهَا؛ لِأَنَّهَا مَحَلٌّ وَالْفِعْلُ يُضَافُ إلَى الْفَاعِلِ دُونَ الْمَحَلِّ (بِخِلَافِ) الْإِكْرَاهِ (غَيْرِ الْمُلْجِئِ فِيهِ) أَيْ فِي زِنَاهَا فَإِنَّهُ غَيْرُ مُرَخَّصٍ لَهَا فِي ذَلِكَ (لَكِنْ لَا تُحَدُّ الْمَرْأَةُ) بِالتَّمْكِينِ فِيهِ (وَيُحَدُّ هُوَ) أَيْ الرَّجُلُ (مَعَهُ) أَيْ الْإِكْرَاهِ غَيْرِ الْمُلْجِئِ؛ لِأَنَّ الْمُلْجِئَ لَيْسَ رُخْصَةً فِي حَقِّهِ كَمَا فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ حَتَّى يَكُونَ غَيْرُ الْمُلْجِئِ شُبْهَةَ رُخْصَةٍ (لَا مَعَ الْمُلْجِئِ) اسْتِحْسَانًا كَمَا رَجَعَ إلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَا بِهِ.

وَإِلَّا فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يُحَدُّ مَعَ الْمُلْجِئِ أَيْضًا كَمَا قَالَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ أَوَّلًا وَزُفَرُ؛ لِأَنَّ الزِّنَا لَا يُتَصَوَّرُ مِنْ الرَّجُلِ إلَّا بِانْتِشَارِ آلَتِهِ وَهُوَ دَلِيلُ الطَّوَاعِيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ مَعَ الْخَوْفِ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ فَإِنَّ تَمْكِينَهَا يَتَحَقَّقُ مَعَ خَوْفِهَا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ (لِأَنَّهُ) أَيْ زِنَاهُ مَعَ الْمُلْجِئِ (مَعَ قَطْعِ الْعُضْوِ) أَوْ تَلَفِ الْعُضْوِ (لَا لِلشَّهْوَةِ) لِيُزْجَرَ بِالْحَدِّ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُنْزَجِرًا إلَى أَنْ تَحَقَّقَ الْإِكْرَاهُ فَكَانَ شُبْهَةً فِي إسْقَاطِهِ وَانْتِشَارُ الْآلَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى الطَّوَاعِيَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ طَبْعًا بِالْفُحُولِيَّةِ الْمُرَكَّبَةِ فِي الرِّجَالِ أَلَا تَرَى أَنَّ النَّائِمَ قَدْ تَنْتَشِرُ آلَتُهُ طَبْعًا مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ لَهُ وَلَا قَصْدٍ فَلَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْخَوْفِ (وَإِمَّا) مُتَعَلِّقَةٌ (بِحُقُوقِ الْعِبَادِ كَحُرْمَةِ إتْلَافِ مَالِ الْمُسْلِمِ) فَإِتْلَافُ مَالِ الْمُسْلِمِ حَرَامٌ حُرْمَةً هِيَ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ؛ لِأَنَّ عِصْمَةَ الْمَالِ وَوُجُوبَ عَدَمِ إتْلَافِهِ حَقٌّ لِلْعَبْدِ وَالْحُرْمَةُ مُتَعَلِّقَةٌ بِتَرْكِ الْعِصْمَةِ ثُمَّ حُرْمَةُ مَالِ الْمُسْلِمِ (لَا تَسْقُطُ) بِحَالٍ (لِأَنَّهَا) أَيْ حُرْمَةُ مَالِهِ (حَقُّهُ) أَيْ الْعَبْدِ وَإِتْلَافُ مَالِهِ ظُلْمٌ وَحُرْمَةُ الظُّلْمِ مُؤَبَّدَةٌ لَكِنَّهَا حَقُّهُ (الْمُحْتَمِلُ لِلرُّخْصَةِ بِالْمُلْجِئِ) حَتَّى لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى إتْلَافِهِ إكْرَاهًا مُلْجِئًا رُخِّصَ لَهُ فِيهِ (لِأَنَّ حُرْمَةَ النَّفْسِ فَوْقَ حُرْمَةِ الْمَالِ) ؛ لِأَنَّهُ مُهَانٌ مُبْتَذَلٌ رُبَّمَا يَجْعَلُهُ صَاحِبُهُ صِيَانَةً لِنَفْسِ الْغَيْرِ أَوْ طَرَفِهِ (وَلَا تَزُولُ الْعِصْمَةُ) لِلْمَالِ فِي حَقِّ صَاحِبِهِ بِالْإِكْرَاهِ (لِأَنَّهَا) أَيْ عِصْمَتَهُ (لِحَاجَةِ مَالِكِهِ) إلَيْهِ (وَلَا تَزُولُ) الْحَاجَةُ (بِإِكْرَاهِ الْآخَرِ) فَيَكُونُ إتْلَافُهُ وَإِنْ رُخِّصَ فِيهِ بَاقِيًا عَلَى الْحُرْمَةِ.

(وَلَوْ صَبَرَ عَلَى الْقَتْلِ كَانَ شَهِيدًا) ؛ لِأَنَّهُ بَذَلَ نَفْسَهُ لِدَفْعِ الظُّلْمِ كَمَا إذَا امْتَنَعَ عَنْ تَرْكِ الْفَرَائِضِ حَتَّى قُتِلَ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى الْعِبَادَاتِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الِامْتِنَاعَ عَنْ التَّرْكِ فِيهَا مِنْ بَابِ إعْزَازِ الدِّينِ قَيَّدُوا الْحُكْمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>