للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اهْتِدَاءُ الْخَلْقِ بِهِمْ (مَبْنِيٌّ عَلَى التَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ الْعَقْلِيَّيْنِ فَإِنْ بَطَلَ) الْقَوْلُ بِهِمَا (كَدَعْوَى الْأَشْعَرِيَّةِ بَطَلَ) قَوْلُهُمْ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَبْطُلْ الْقَوْلُ بِهِ مُطْلَقًا (مُنِعَتْ الْمُلَازَمَةُ) وَهُوَ صُدُورُ الْمَعْصِيَةِ مِنْهُمْ مُفْضٍ إلَى التَّنْفِيرِ عَنْهُمْ بَعْدَ الْبِعْثَةِ وَاحْتِقَارِهِمْ (كَالْحَنَفِيَّةِ بَلْ بَعْدَ صَفَاءِ السَّرِيرَةِ وَحُسْنِ السِّيرَةِ يَنْعَكِسُ حَالُهُمْ فِي الْقُلُوبِ) مِنْ تِلْكَ الْحَالِ إلَى التَّعْظِيمِ وَالْإِجْلَالِ.

(وَيُؤَكِّدُهُ) أَيْ انْعِكَاسَ حَالِهِمْ حِينَئِذٍ (دَلَالَةُ الْمُعْجِزَةِ) عَلَى صِدْقِهِ وَحَقِّيَّةِ مَا أَتَى بِهِ (وَالْمُشَاهَدَةُ وَاقِعَةٌ بِهِ) أَيْ بِانْعِكَاسِ الْحَالِ فِي الْقُلُوبِ حِينَئِذٍ (فِي آحَادٍ انْقَادَ الْخَلْقُ إلَى إجْلَالِهِمْ بَعْدَ الْعِلْمِ بِمَا كَانُوا عَلَيْهِ) مِنْ أَحْوَالٍ تُنَافِي ذَلِكَ (فَلَا مَعْنَى لِإِنْكَارِهِ وَبَعْدَ الْبِعْثَةِ الِاتِّفَاقُ) مِنْ أَهْلِ الشَّرَائِعِ كَافَّةً (عَلَى عِصْمَتِهِ) أَيْ النَّبِيِّ (عَنْ تَعَمُّدِ مَا يُخِلُّ بِمَا يَرْجِعُ إلَى التَّبْلِيغِ) مِنْ اللَّهِ إلَى الْخَلَائِقِ كَالْكَذِبِ فِي الْأَحْكَامِ إذْ لَوْ جَازَ عَلَيْهِ التَّقَوُّلُ وَالِافْتِرَاءُ فِي ذَلِكَ عَقْلًا لَأَدَّى إلَى إبْطَالِ دَلَالَةِ الْمُعْجِزَةِ وَهُوَ مُحَالٌ (وَكَذَا) الِاتِّفَاقُ عَلَى عِصْمَتِهِ مِنْ الْكَذِبِ (غَلَطًا) وَنِسْيَانًا فِيمَا يَرْجِعُ إلَى التَّبْلِيغِ (عِنْدَ الْجُمْهُورِ) لِمَا ذَكَرْنَا (خِلَافًا لِلْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْمُعْجِزَةِ) عَلَى عَدَمِ كَذِبِهِ فِيمَا يَصْدُرُ مِنْهُ إنَّمَا هِيَ (عَلَى عَدَمِ الْكَذِبِ) فِي ذَلِكَ (قَصْدًا) أَيْ إنَّمَا دَلَّتْ عَلَى صِدْقِهِ فِيمَا هُوَ مُتَذَكِّرٌ لَهُ عَامِدٌ إلَيْهِ وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ النِّسْيَانِ وَفَلَتَاتِ اللِّسَانِ فَلَا دَلَالَةَ لَهَا عَلَى الصِّدْقِ فِيهِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْكَذِبِ فِيهِ نَقْصٌ لِدَلَالَتِهَا (وَ) عَلَى (عَدَمِ تَقْرِيرِهِ عَلَى السَّهْوِ) إذْ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ وَالتَّنْبِيهِ عَلَيْهِ فَإِذَا لَمْ يَرِدْ الْبَيَانُ مِنْهُ أَوْ مِنْ اللَّهِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ صَادِرٌ قَصْدًا (فَلَمْ يَرْتَفِعْ الْأَمَانُ عَمَّا يُخْبِرُ بِهِ عَنْهُ تَعَالَى) فَانْتَفَى مَا قِيلَ يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ الْوُثُوقِ بِتَبْلِيغِهِ لِاحْتِمَالِ السَّهْوِ وَالْغَلَطِ وَانْتِفَاءِ دَلِيلٍ لِلسَّامِعِ يُفَرَّقُ بِهِ بَيْنَ مَا يَصْدُرُ مِنْهُ سَهْوًا وَغَلَطًا وَبَيْنَ مَا يَصْدُرُ مِنْهُ قَصْدًا فَيَخْتَلُّ الْمَقْصُودُ بِالْمُعْجِزَةِ وَهُوَ الدَّلَالَةُ عَلَى صِدْقِهِ.

(وَأَمَّا غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ مَا يُخِلُّ بِمَا يَرْجِعُ إلَى التَّبْلِيغِ (مِنْ الْكَبَائِرِ وَالصَّغَائِرِ الْخَسِيسَةِ) وَهِيَ مَا يُلْحَقُ فَاعِلُهَا بِالْأَرْذَالِ وَالسُّفَّلِ وَيُحْكَمُ عَلَيْهِ بِدَنَاءَةِ الْهِمَّةِ وَسُقُوطِ الْمُرُوءَةِ كَسَرِقَةِ كِسْرَةٍ وَالتَّطْفِيفِ بِحَبَّةٍ (فَالْإِجْمَاعُ عَلَى عِصْمَتِهِمْ عَنْ تَعَمُّدِهَا سِوَى الْحَشْوِيَّةِ وَبَعْضِ الْخَوَارِجِ) وَهُمْ الْأَزَارِقَةُ حَتَّى جَوَّزُوا عَلَيْهِمْ الْكُفْرَ فَقَالُوا يَجُوزُ بِعْثَةُ نَبِيٍّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ يَكْفُرُ بَعْدَ نُبُوَّتِهِ وَالْفُضَيْلِيَّةُ مِنْهُمْ أَيْضًا فَجَوَّزُوا صُدُورَ الذَّنْبِ مِنْهُمْ مَعَ اعْتِقَادِهِمْ أَنَّ الذَّنْبَ كُفْرٌ ثُمَّ الْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّ امْتِنَاعَهُ مُسْتَفَادٌ مِنْ السَّمْعِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ قَبْلَ ظُهُورِ الْمُخَالِفِينَ فِيهِ إذْ الْعِصْمَةُ فِيمَا وَرَاءَ التَّبْلِيغِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَقْلًا وَالْمُعْتَزِلَةُ عَلَى أَنَّهُ مُسْتَفَادٌ مِنْ الْعَقْلِ بِنَاءً عَلَى أُصُولِهِمْ الْفَاسِدَةِ.

(وَ) عَلَى (تَجْوِيزِهَا) أَيْ الْكَبَائِرِ وَالصَّغَائِرِ الْخَسِيسَةِ (غَلَطًا وَبِتَأْوِيلِ خَطَأٍ إلَّا الشِّيعَةَ فِيهِمَا) أَيْ فِي فِعْلِهِمَا غَلَطًا وَفِعْلِهِمَا بِتَأْوِيلٍ خَطَأٍ هَذَا عَلَى مَا فِي الْبَدِيعِ وَغَيْرِهِ وَعِبَارَةُ الْمَوَاقِفِ وَأَمَّا سَهْوًا فَجَوَّزُوهُ الْأَكْثَرُونَ.

قَالَ الشَّرِيفُ وَالْمُخْتَارُ خِلَافُهُ (وَجَازَ تَعَمُّدُ غَيْرِهَا) أَيْ الْكَبَائِرِ وَالصَّغَائِرِ الْخَسِيسَةِ كَنَظْرَةٍ وَكَلِمَةِ سَفَهٍ نَادِرَةٍ فِي غَضَبٍ (بِلَا إصْرَارٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَمَنَعَهُ) أَيْ تَعَمُّدَ غَيْرِهَا (الْحَنَفِيَّةُ وَجَوَّزُوا الزَّلَّةَ فِيهِمَا) أَيْ الْكَبِيرَةِ وَالصَّغِيرَةِ (بِأَنْ يَكُونَ الْقَصْدُ إلَى مُبَاحٍ فَيَلْزَمُ مَعْصِيَةً) لِذَلِكَ لَا أَنَّهُ قَصَدَ عَيْنَهَا (كَوَكْزِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) أَيْ كَدَفْعِهِ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِهِ وَقِيلَ بِجَمْعِ الْكَفِّ الْقِبْطِيِّ وَاسْمُهُ فَانُونَ فَإِنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ قَتْلَهُ بِذَلِكَ بَلْ أَفْضَى بِهِ ذَلِكَ إلَيْهِ (وَيَقْتَرِنُ بِالتَّنْبِيهِ) عَلَى أَنَّهَا زَلَّةٌ إمَّا مِنْ الْفَاعِلِ كَقَوْلِهِ {هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} [القصص: ١٥] أَيْ هَيَّجَ غَضَبِي حَتَّى ضَرَبَتْهُ فَوَقَعَ قَتِيلًا فَأَضَافَهُ إلَيْهِ تَسَبُّبًا أَوْ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه: ١٢١] أَيْ أَخْطَأَ بِأَكْلِ الشَّجَرَةِ الَّتِي نُهِيَ عَنْ أَكْلِهَا، وَطَلَبَ الْمُلْكَ وَالْخُلْدَ بِذَلِكَ (وَكَأَنَّهُ) أَيْ هَذَا النَّوْعَ خَطَأٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْأَمْرَ الَّذِي أَفْضَى فِعْلُهُ إلَيْهِ لَمْ يَكُنْ مَقْصُودًا لَهُ (شِبْهَ عَمْدٍ) مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ لِقَصْدِهِ إلَى أَصْلِ الْفِعْلِ (فَلَمْ يُسَمُّوهُ خَطَأً) مُلَاحَظَةً لِلْقَصْدِ إلَى أَصْلِ الْفِعْلِ (وَلَوْ أَطْلَقُوهُ) أَيْ الْخَطَأَ عَلَيْهِ كَمَا أَطْلَقَهُ غَيْرُهُمْ (لَمْ يَمْتَنِعْ وَكَانَ أَنْسَبَ مِنْ الِاسْمِ الْمُسْتَكْرَهِ) أَيْ الزَّلَّةِ وَكَيْفَ يَمْتَنِعُ وَقَدْ قَالُوا لَوْ رَمَى غَرَضًا فَأَصَابَ آدَمِيًّا كَانَ خَطَأً مَعَ قَصْدِهِ الرَّمْيَ إلَى الْآدَمِيِّ وَأَمَّا أَنَّهُ أَنْسَبُ مُطْلَقًا فَفِيهِ تَأَمُّلٌ بَلْ رُبَّمَا مَنَعَ الْأَنْسَبِيَّةَ فِي قِصَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>