للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُطْلَقٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَيَثْبُتُ قَوْلٌ ثَالِثٌ وَهُوَ إنْ عَرَفَ مُخَالَطَتَهَا وَفِي الْعَبْدِ الْمَعْرُوفِ إطْلَاقُ الْجَوَازِ فَيَثْبُتُ فِيهِ قَوْلٌ ثَانٍ وَهُوَ إنْ عَرَفَ مُخَالَطَتَهُ وَإِلَّا لَا اهـ.

قُلْت وَهَذَا الَّذِي أَبْدَاهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَرْأَةِ تَفَقُّهًا ظَفِرْت بِهِ مَنْقُولًا فَفِي الْمُحِيطِ وَيُقْبَلُ تَعْدِيلُ الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا إذَا كَانَتْ بَرْزَةً تُخَالِطُ النَّاسَ وَتُعَامِلُهُمْ لِأَنَّ لَهَا خِبْرَةً بِأُمُورِهِمْ وَمَعْرِفَةً بِأَحْوَالِهِمْ فَيُفِيدُ السُّؤَالُ وَالتَّعْدِيلُ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ فَيَسْتَوِي فِيهِ الْأُنْثَى وَالذَّكَرُ كَرِوَايَةِ الْأَخْبَارِ وَرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ خُصُوصًا فِي تَعْدِيلِ النِّسْوَانِ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ أَعْرَفُ بِالْأَحْوَالِ فِي بُيُوتِهِنَّ فَإِنْ كَانَتْ مُخَدَّرَةً غَيْرَ بَرْزَةٍ لَا يَكُونُ لَهَا خِبْرَةٌ فَلَا تَعْرِفُ أَحْوَالَ النَّاسِ إلَّا حَالَ زَوْجِهَا وَوَلَدِهَا فَلَا يَكُونُ تَعْدِيلُهَا مُعْتَبَرًا فَلَا يُفِيدُ السُّؤَالُ عَنْهَا اهـ وَحِينَئِذٍ فَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ مُرَادُ الْمُطْلَقِ هَذَا وَإِنَّمَا طَوَى ذِكْرَهُ مَنْ طَوَاهُ لِلْعِلْمِ بِهِ مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا تُطْلَبُ التَّزْكِيَةُ مِمَّنْ لَهُ خِبْرَةٌ بِأَحْوَالِ الْمُزَكَّى كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ مَشَايِخُنَا وَغَيْرُهُمْ وَقَدْ حَكَى مَشَايِخُنَا أَيْضًا خِلَافًا بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ فِي تَزْكِيَةِ الْعَبْدِ فَلَمْ يَقْبَلْهَا مُحَمَّدٌ وَقَبِلَهَا أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَلَا بُدَّ مِنْ حَمْلِ إطْلَاقِ قَبُولِهَا مِنْهُ عَلَى مَا إذَا كَانَ لَهُ خِبْرَةٌ بِأَحْوَالِ الْمُزَكَّى كَمَا ذَكَرْنَا فَيَكُونُ فِي كُلٍّ مِنْ تَزْكِيَةِ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ قَوْلَانِ الْمَنْعُ مُطْلَقًا وَالْقَبُولُ بِشَرْطِ خِبْرَتِهِمَا بِالْمُزَكَّى ثُمَّ التَّحْرِيرُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ التَّزْكِيَةَ إمَّا تَزْكِيَةُ الْعَلَانِيَةِ فَأَصْحَابُنَا مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لَهَا سَائِرُ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ وَمَا يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ سِوَى لَفْظَةِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ مَعْنَى الشَّهَادَةِ فِيهَا أَظْهَرُ لِأَنَّهَا تَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَأَمَّا تَزْكِيَةُ السِّرِّ فَفِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ عَرَفْت مَا فِيهَا غَيْرَ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا أَنَّ مُحَمَّدًا اشْتَرَطَ فِي شُهُودِ الزِّنَى أَرْبَعَةَ ذُكُورٍ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى تَعْيِينِ عَدَدٍ فِيهَا لَهُمَا اللَّهُمَّ إلَّا مَا يَقْتَضِيهِ إطْلَاقُ اشْتِرَاطِ عَدَدِ الشَّهَادَةِ فِيهَا فِي الْحَدِّ إجْمَاعًا مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ اثْنَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمَا وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ تَوَجُّهُ التَّقَصِّي عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ عَنْ النَّقْضِ بِشَهَادَةِ الزِّنَى لِمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ شَرْطٌ عَنْ مَشْرُوطِهِ فَإِنَّ عَلَى قَوْلِهِ فِيهَا لَمْ يَنْقُصْ وَفِي غَيْرِهِ مِنْ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ تَقَدَّمَ أَنَّ اشْتِرَاطَ الرَّجُلَيْنِ إجْمَاعٌ وَأَمَّا غَيْرُ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ فَذَكَرُوا أَنَّ مُحَمَّدًا يَشْتَرِطُ فِي الْحُقُوقِ الَّتِي يَطَّلِعُ عَلَيْهَا الرِّجَالُ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ وَفِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ امْرَأَةً وَاحِدَةً فَرَتَّبَهَا عَلَى مَرَاتِبِ الشَّهَادَةِ وَأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ تَزْكِيَةَ الْفَاسِقِ وَالْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ وَالصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ وَالْأَعْمَى وَأَطْلَقُوا أَنَّهُمَا يَقْبَلَانِ تَزْكِيَةَ الْمَذْكُورِينَ وَالْوَالِدِ لِوَلَدِهِ وَالْوَلَدِ لِوَالِدِهِ وَأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ وَلَمْ يَذْكُرُوا اشْتِرَاطَ عَدَدٍ فِي ذَلِكَ عَنْهُمَا وَالظَّاهِرُ عَدَمُهُ عِنْدَهُمَا وَإِنَّمَا الْأَحْوَطُ اثْنَانِ كَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ

وَمِنْ هَذَا يُعْلَمُ أَيْضًا أَنَّ تَقْيِيدَ الْمُصَنِّفِ تَعْدِيلَ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا وَالْعَبْدِ سَيِّدَهُ بِمَا يُشِيرُ إلَيْهِ كَلَامُهُ مِنْ كَوْنِ الزَّوْجِيَّةِ وَالسَّيِّدِيَّةِ غَيْرُ قَائِمَةٍ بَيْنَهُمَا فِي الْحَالِ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ تَزْكِيَةَ الرَّاوِي كَتَزْكِيَةِ السِّرِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ

[مَسْأَلَةٌ تَعَارَضَ الْجَرْحُ وَالتَّعْدِيلُ]

(مَسْأَلَةٌ إذَا تَعَارَضَ الْجَرْحُ وَالتَّعْدِيلُ فَالْمَعْرُوفُ مَذْهَبَانِ تَقْدِيمُ الْجَرْحِ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْمُعَدِّلُونَ أَقَلَّ مِنْ الْجَارِحِينَ أَوْ مِثْلَهُمْ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُمْ نَقَلَهُ الْخَطِيبُ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَصَحَّحَهُ الرَّازِيّ وَالْآمِدِيُّ وَابْنُ الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُمْ (وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَالتَّفْصِيلُ بَيْنَ تَسَاوِي الْمُعَدِّلِينَ وَالْجَارِحِينَ فَكَذَلِكَ) أَيْ يُقَدَّمُ الْجَرْحُ (وَالتَّفَاوُتُ) بَيْنَ الْمُعَدِّلِينَ وَالْجَارِحِينَ فِي الْمِقْدَارِ (فَيَتَرَجَّحُ الْأَكْثَرُ) مِنْ الْفَرِيقَيْنِ عَلَى الْأَقَلِّ مِنْهُمَا (فَأَمَّا وُجُوبُ التَّرْجِيحِ) لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ بِمُرَجِّحٍ (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ تَسَاوَيَا أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ (كَنَقْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ فَقَدْ أَنْكَرَ) كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّيْخُ زَيْنُ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ (بِنَاءً عَلَى حِكَايَةِ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ) الْبَاقِلَّانِيِّ (وَالْخَطِيبِ) الْبَغْدَادِيِّ (الْإِجْمَاعَ عَلَى تَقْدِيمِ الْجَرْحِ عِنْدَ التَّسَاوِي لَوْلَا تَعَقُّبُ الْمَازِرِيِّ الْإِجْمَاعَ بِنَقْلِهِ عَنْ مَالِكِيٍّ يُشْهَرُ بِابْنِ شَعْبَانَ) أَنَّهُ يَطْلُبُ التَّرْجِيحَ فِي هَذَا كَمَا قِيلَ إذَا كَانَ الْجَارِحُ أَقَلَّ مِنْ الْمُعَدِّلِ (لَكِنَّهُ) أَيْ ابْنَ شَعْبَانَ (غَيْرُ مَشْهُورٍ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ تَابِعٌ فَلَا يَنْفِيهِ) أَيْ قَوْلَ ابْنِ شَعْبَانَ الْإِجْمَاعُ وَلَكِنْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إذَا كَانَ ثَمَّةَ قَائِلٌ بِعَدَمِ تَعَيُّنِ الْعَمَلِ بِالتَّعْدِيلِ إذَا كَانَ الْجَارِحُ أَقَلَّ بَلْ يُطْلَبُ التَّرْجِيحُ فَهَذَا قَائِلٌ أَيْضًا بِطَرِيقِ أَوْلَى بِعَدَمِ تَعَيُّنِ الْعَمَلِ بِالتَّعْدِيلِ وَطَلَبِ التَّرْجِيحِ إذَا تَسَاوَى عَدَدُ الْجَارِحِينَ وَالْمُعَدِّلِينَ كَمَا لَا يَخْفَى

<<  <  ج: ص:  >  >>