للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«نَضَّرَ اللَّهُ عَبْدًا سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا فَحَفِظَهَا فَأَدَّاهَا كَمَا سَمِعَهَا» فَلَوْ كَانَ حُكْمُ الْخَبَرِ الْمَنْقُولِ الْوَقْفَ أَدَّى إلَى أَنَّ حَضَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُبَلِّغَ مَنْ سَمِعَ الْإِيجَابَ لِفَائِدَةِ أَنْ لَا يَعْمَلَ بِهِ وَهَكَذَا النَّدْبُ وَالتَّحْرِيمُ بَلْ يُتَوَقَّفُ وَفِي هَذَا مِنْ الْفَسَادِ مَا لَا يَخْفَى وَحِينَئِذٍ كَانَ عَدَمُ النَّقْلِ كَالنَّقْلِ فَإِنَّ عَدَمَ الْعَمَل بِحُكْمٍ خَاصٍّ وَالْوَقْفَ عَنْهُ وَثُبُوتَ الْإِبَاحَةِ يَحْصُلُ بِعَدَمِ النَّقْلِ وَلَا يُمْكِنُ كَوْنُ حَضِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِكُلِّ سَامِعٍ لِيَحْصُلَ تَوَاتُرُ الْمَنْقُولِ عَنْهُ (مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ الْمَنْقُولَ مِنْ سُنَّتِهِ لَا يَصِلُ مِنْهَا إلَى التَّوَاتُرِ شَيْءٌ) مُوَافِقَةٌ لِمَنْ ادَّعَى عَدَمَ التَّوَاتُرِ أَصْلًا أَوْ إلَّا حَدِيثٌ وَاحِدٌ أَوْ حَدِيثَانِ وَإِلَّا كَانَ أَمْرُهُ وَحَضُّهُ عَلَى ذَلِكَ لِأَمْرٍ لَا يَحْصُلُ وَأَنَّهُ مُخْطِئٌ فِي ظَنِّ حُصُولِهِ إلَى وَفَاتِهِ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُقِرُّ عَلَى خَطَأٍ إلَى وَفَاتِهِ كَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ

وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُشِيرُ بِاقْتِصَارِ الْمُتَوَاتِرِ عَلَى حَدِيثٍ إلَى مَا يُفِيدُهُ قَوْلُ ابْنِ الصَّلَاحِ حَدِيثُ «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» مِثَالٌ لِذَلِكَ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ مَعَهُ بَلْ صَرَّحَ بِعِزَّةِ وُجُودِهِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَا نَقَلَهُ شَيْخُنَا الْحَافِظُ عَنْهُ وَبِقَوْلِهِ أَوْ حَدِيثَانِ إلَى هَذَا الْحَدِيثِ وَحَدِيثُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَإِنَّ ابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ جَعَلَهُ مُتَوَاتِرًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي ذَيْلِ الْكَلَامِ عَلَى الْمَشْهُورِ لَكِنْ فِي كَوْنِ الْمُتَوَاتِرِ مَعْدُومًا أَوْ مَقْصُورًا عَلَى حَدِيثٍ أَوْ حَدِيثَيْنِ تَأَمُّلٌ وَقَدْ قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ مَا ادَّعَاهُ ابْنُ الصَّلَاحِ مِنْ الْعِزَّةِ مَمْنُوعٌ وَكَذَا مَا ادَّعَاهُ غَيْرُهُ مِنْ الْعَدَمِ لِأَنَّ ذَلِكَ نَشَأَ مِنْ قِلَّةِ اطِّلَاعٍ عَلَى كَثْرَةِ الطُّرُقِ وَأَحْوَالِ الرِّجَالِ وَصِفَاتِهِمْ الْمُقْتَضِيَةِ لِإِبْعَادِ الْعَادَةِ أَنْ يَتَوَاطَئُوا عَلَى كَذِبٍ أَوْ يَحْصُلَ مِنْهُمْ اتِّفَاقًا وَمِنْ أَحْسَنِ مَا يُقَرَّرُ بِهِ كَوْنُ الْمُتَوَاتِرِ مَوْجُودًا وُجُودَ كَثْرَةٍ فِي الْأَحَادِيثِ أَنَّ الْكُتُبَ الْمَشْهُورَةَ الْمُتَدَاوَلَةَ بِأَيْدِي أَهْلِ الْعِلْمِ شَرْقًا وَغَرْبًا الْمَقْطُوعَ عِنْدَهُمْ بِصِحَّةِ نِسْبَتِهَا إلَى مُصَنِّفِيهَا إذَا اجْتَمَعَتْ عَلَى إخْرَاجِ حَدِيثٍ وَتَعَدَّدَتْ طُرُقُهُ تَعَدُّدًا تُحِيلُ الْعَادَةُ تَوَاطُؤَهُمْ عَلَى الْكَذِبِ إلَى آخِرِ الشُّرُوطِ أَفَادَ الْعِلْمُ الْيَقِينِيُّ بِصِحَّةِ نِسْبَتِهِ إلَى قَائِلِهِ وَمِثْلُ ذَلِكَ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ كَثِيرٌ اهـ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (أَوْ) لَا يَخْفَى (الْأَخِيرَانِ) أَيْ لُزُومِ التَّوَقُّفِ وَالْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ أَيْ مَا فِيهِمَا عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ وُجُوبِ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ (فَإِنَّ عَدَمَ النَّقْلِ يَكْفِي فِي الْوَقْفِ) عَنْ الْحُكْمِ بِشَيْءٍ خَاصٍّ (وَ) فِي (ثُبُوتِ) الْإِبَاحَةِ (الْأَصْلِيَّةِ) فَلَا حَاجَةَ إلَى ارْتِكَابِ هَذَا لِيَتَحَقَّقَا (بَلْ الْجَوَابُ أَنَّهُ) أَيْ الدَّلِيلَ الْمَذْكُورَ (مِنْ قَبِيلِ) الدَّلِيلِ (النَّقْلِيِّ الصَّحِيحِ لَا عَقْلِيٍّ) عَلَى وِزَانِ مَا ذُكِرَ فِي مَسْأَلَةِ التَّعَبُّدِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ

(وَلِمَنْ شَرَطَ الْمُثَنَّى) فِي قَبُولِ الْخَبَرِ (أَنَّهُ) أَيْ الْخَبَرَ (بِهِ) أَيْ بِاشْتِرَاطِهِ (أَوْلَى مِنْ الشَّهَادَةِ لِاقْتِضَائِهِ) أَيْ الْخَبَرِ (شَرْعًا عَامًّا بِخِلَافِهَا) أَيْ الشَّهَادَةِ فَإِنَّهَا تَقْتَضِي أَمْرًا خَاصًّا (قُلْنَا الْفَرْقُ) بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ (وُجُودُ مَا لَيْسَ فِي الرِّوَايَةِ مِنْ الْحَوَامِلِ) عَلَيْهَا مِنْ عَدَاوَةٍ وَغَيْرِهَا كَمَا فِي الشَّهَادَةِ (أَوْ) اشْتِرَاطِ الْمُثَنَّى فِي الشَّهَادَةِ (بِخِلَافِ الْقِيَاسِ وَلِذَا) أَيْ وُجُودُ حَوَامِلَ فِي الشَّهَادَةِ لَيْسَتْ فِي الرِّوَايَةِ (اُشْتُرِطَ لَفْظُ أَشْهَدُ مَعَ ظُهُورِ انْحِطَاطِهَا) أَيْ الرِّوَايَةِ عَنْ الشَّهَادَةِ (اتِّفَاقًا بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْبَصَرِ وَالْحُرِّيَّةِ وَعَدَمِ الْوَلَاءِ) فِي الرِّوَايَةِ وَاشْتِرَاطِهَا فِي الشَّهَادَةِ عَلَى خِلَافٍ فِي بَعْضِهَا (قَالُوا) أَيْ الْقَائِلُونَ خَبَرُ الْوَاحِدِ لَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ (رَدَّ عُمَرُ خَبَرَ أَبِي مُوسَى فِي الِاسْتِئْذَانِ حَتَّى رَوَاهُ الْخُدْرِيُّ) أَيْ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ اسْتَأْذَنَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَرَجَعَ فَفَرَغَ عُمَرُ فَقَالَ أَلَمْ أَسْمَعْ صَوْتَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ ائْذَنُوا لَهُ فَقَالُوا رَجَعَ فَدَعَاهُ فَقَالَ مَا هَذَا فَقَالَ كُنَّا نُؤْمَرُ بِذَلِكَ فَقَالَ لِتَأْتِينِي عَلَى هَذَا بِبَيِّنَةٍ فَانْطَلَقَ إلَى مَجْلِسِ الْأَنْصَارِ فَسَأَلَهُمْ فَقَالُوا لَا يَشْهَدُ لَك عَلَى ذَلِكَ إلَّا أَصْغَرُنَا فَانْطَلَقَ أَبُو سَعِيدٍ فَشَهِدَ لَهُ فَقَالَ عُمَرُ لِمَنْ حَوْلَهُ خَفِيَ عَلَيَّ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلْهَانِي الصَّفْقُ بِالْأَسْوَاقِ» (قُلْنَا لِرِيبَةٍ فِي خُصُوصِهِ) أَيْ خَبَرِ أَبِي مُوسَى قَالَ الْخَطِيبُ فِي كِتَابِ شَرَفِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ لَمْ يَتَّهِمْ عُمَرُ أَبَا مُوسَى وَإِنَّمَا كَانَ يُشَدِّدُ فِي الْحَدِيثِ حِفْظًا لِلرِّوَايَةِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (لَا) فِي (عُمُومِهِ) أَيْ خَبَرِ الْوَاحِدِ (وَلِذَا) أَيْ كَوْنُ تَوَقُّفِ الصَّحَابَةِ عَنْ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ لِرِيبَةٍ لَا لِكَوْنِهِ خَبَرَ وَاحِدٍ (عَمِلُوا) أَيْ الصَّحَابَةُ كُلُّهُمْ (بِحَدِيثِ عَائِشَةَ فِي الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ) كَمَا يُشِيرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>