للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْمَعْنَى لِلْمُشْتَرَكِ وَالْمُشْكِلِ وَالْخَفِيِّ (تَأْوِيلُهُ) أَيْ الرَّاوِي لِهَذِهِ الْأَقْسَامِ (وَلَيْسَ) تَأْوِيلُهُ (حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِ كَقِيَاسِهِ) لَيْسَ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِ (بِخِلَافِ الْمُحْكَمِ) فَإِنَّهُ يَكُونُ لِلْأَمْنِ عَنْ الْغَلَطِ (وَالْمُحْتَمِلُ لِلْخُصُوصِ مَحْمُولٌ عَلَى سَمَاعِهِ الْمُخَصَّصِ كَعَمَلِهِ) أَيْ الرَّاوِي فِي الْمُفَسَّرِ (بِخِلَافِ رِوَايَتِهِ) حَيْثُ يُحْمَلُ عَمَلُهُ بِخِلَافِ رِوَايَتِهِ (عَلَى النَّاسِخِ) أَيْ سَمَاعُهُ النَّاسِخَ لِمَرْوِيِّهِ (وَيُشْكِلُ) اسْتِثْنَاءُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ (بِتَرْجِيحِ تَقْلِيدِهِ) أَيْ الصَّحَابِيِّ فَإِنَّهُ يَأْتِي فِيهِ الدَّلِيلُ الْمَذْكُورُ لِاسْتِثْنَائِهِ (فَإِنْ أُجِيبَ) بِأَنَّهُ إنَّمَا تَرَجَّحَ تَقْلِيدُهُ (بِحَمْلِهِ) أَيْ تَقْلِيدِهِ (عَلَى السَّمَاعِ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ) أَيْ حَمْلَهُ عَلَى السَّمَاعِ ثَابِتٌ لَهُ (مَعَ إمْكَانِ قِيَاسِهِ) أَيْ أَنْ يَكُونَ قَالَهُ قِيَاسًا وَاجْتِهَادًا (فَكَذَا فِي نَحْوِ الْمُشْتَرَكِ) مِنْ الْخَفِيِّ وَالْمُشْكِلِ إذَا حَمَلَهُ عَلَى بَعْضِ وُجُوهِهِ (تَقَدَّمَ تَرْجِيحُ اجْتِهَادِهِ) إذَا كَانَ أَعْرَفَ بِمَا هُنَاكَ مِمَّا شَاهَدَهُ مِنْ الْأُمُورِ الْمُوجِبَةِ لِعِلْمِهِ بِأَنَّ الْمُرَادَ مَا ذَكَرَ

فَإِنْ قِيلَ تَرْجِيحُ اجْتِهَادِ الصَّحَابِيِّ عَلَى اجْتِهَادِ غَيْرِهِ بَاطِلٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَضَّرَ اللَّهُ عَبْدًا سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا فَحَفِظَهَا فَأَدَّاهَا، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيْرِ فَقِيهٍ وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُمْ فَالْجَوَابُ الْمَنْعُ (وَإِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ قَلَّلَهُ بِرُبَّ فَكَانَ الظَّاهِرُ بَعْدَ الِاشْتِرَاكِ) بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ (فِي الْفِقْهِ أَفْقَهِيَّتَهُمْ إلَّا قَلِيلًا فَيُحْمَلُ) حَالُهُمْ (عَلَى الْغَالِبِ وَالتَّحْقِيقُ لَا يُتْرَكُ اجْتِهَادٌ لِاجْتِهَادِ الْأَفْقَهِ وَفِي الصَّحَابَةِ لِقُرْبِ سَمَاعِ الْعِلَّةِ أَوْ نَحْوِهِ مِنْ مُشَاهَدَةِ مَا يُفِيدُهَا) أَيْ الْعِلَّةَ (وَعَلَى هَذَا) التَّوْجِيهِ (نُجِيزُهُ) أَيْ النَّقْلَ بِالْمَعْنَى (فِي الْمُجْمَلِ وَلَا يُنَافِي) هَذَا (قَوْلَهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (لَا يُتَصَوَّرُ) النَّقْلُ بِالْمَعْنَى (فِي الْمُجْمَلِ وَالْمُتَشَابِهِ) لِأَنَّهُمْ إنَّمَا نَفَوْهُ لِمَا ذَكَرُوهُ مِنْ قَوْلِهِمْ (لِأَنَّهُ لَا يُوقَفُ عَلَى مَعْنَاهُ) فَإِنَّ الْمُجْمَلَ لَا يُسْتَفَادُ الْمُرَادُ مِنْهُ إلَّا بِبَيَانٍ سَمْعِيٍّ وَالْمُتَشَابِهُ لَا يَنَالُ مَعْنَاهُ فِي الدُّنْيَا أَصْلًا وَالْمُصَنِّفُ يَقُولُ بِذَلِكَ لَكِنَّهُ يَقُولُ إذَا رَوَاهُ بِمَعْنًى عَلَى أَنَّهُ الْمُرَادُ أُصَحِّحُهُ حَمْلًا عَلَى السَّمَاعِ فَإِنَّا إذَا عَمِلْنَا بِتَرْكِهِ لِلْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ مِنْ الْمُفَسَّرِ لَحَكَمْنَا بِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ إذَا كَانَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ تَرْكُ الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ فَكَذَلِكَ إذَا رَوَى الْمُجْمَلَ بِمَعْنًى مُفَسَّرٍ عَلَى أَنَّهُ الْمُرَادُ مِنْهُ حَكَمْنَا بِأَنَّهُ سَمِعَ تَفْسِيرَهُ إذْ كَانَ لَا يَحِلُّ أَنْ يُفَسِّرَهُ بِرَأْيِهِ

فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَقْسَامَ خَمْسَةٌ الْمُفَسَّرُ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ إلَّا مَعْنًى وَاحِدًا فَيَجُوزُ نَقْلُهُ بِالْمَعْنَى اتِّفَاقًا بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْفِقْهِ وَالْحَقِيقَةُ وَالْعَامُّ الْمُحْتَمَلَانِ لِلْمَجَازِ وَالتَّخْصِيصُ فَيَجُوزُ مَعَ الْفِقْهِ وَاللُّغَةِ فَلَوْ انْسَدَّ بَابُ التَّخْصِيصِ كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: ٢٨٢] وَالْمَجَازُ بِمَا يُوجِبُهُ رَجَعَ الْجَوَازُ إلَى الِاكْتِفَاءِ بِعِلْمِ اللُّغَةِ فَقَطْ لِصَيْرُورَتِهِ مُحْكَمًا لَا يَحْتَمِلُ إلَّا وَجْهًا وَاحِدًا وَالْمُشْتَرَكُ وَالْمُشْكِلُ وَالْخَفِيُّ فَلَا يَجُوزُ بِالْمَعْنَى أَصْلًا عِنْدَهُمْ لِأَنَّ الْمُرَادَ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِتَأْوِيلٍ وَتَأْوِيلُهُ لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِ كَقِيَاسِهِ وَحَكَمَ الْمُصَنِّفُ بِجَوَازِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ دَائِرٌ بَيْنَ كَوْنِهِ تَأْوِيلَهُ أَوْ مَسْمُوعَهُ وَكُلٌّ مِنْهُمَا مِنْ الصَّحَابِيِّ مُقَدَّمٌ عَلَى غَيْرِهِ وَمُجْمَلٌ وَمُتَشَابِهٌ فَقَالُوا لَا يُتَصَوَّرُ نَقْلُهُ بِالْمَعْنَى لِأَنَّهُ فَرْعُ مَعْرِفَةَ الْمَعْنَى وَلَا يُمْكِنُ فِيهِمَا وَالْمُصَنِّفُ يَقُولُ كَذَلِكَ وَلَكِنْ نَقُولُ إذَا عَيَّنَ مَعْنًى أَنَّهُ الْمُرَادُ حَكَمْنَا بِأَنَّهُ سَمِعَهُ عَلَى وِزَانِ حُكْمِنَا فِي تَرْكِهِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّاسِخَ حُكْمًا وَدَلِيلًا وَمَا هُوَ مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ فَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ كَذَا أَفَادَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (قَالُوا) أَيْ الْمَانِعُونَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا شَيْئًا فَبَلَّغَهُ كَمَا سَمِعَهُ فَرُبَّ مُبَلَّغ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُمْ فَحَرَّضَ عَلَى نَقْلِ الْحَدِيثِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي سَمِعَهُ فَيَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ نَقْلِهِ بِلَفْظِهِ لِأَنَّ أَدَاءَهُ كَمَا سَمِعَهُ إنَّمَا يَكُونُ إذَا كَانَ بِلَفْظِهِ كَمَا يَشْهَدُ بِهِ مَا فِي رِوَايَةٍ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ وَالطَّبَرَانِيِّ فِي مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ «نَضَّرَ اللَّهُ مَنْ سَمِعَ قَوْلِي ثُمَّ لَمْ يَزِدْ فِيهِ»

(قُلْنَا) قَوْلُهُ «نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً» (حَثٌّ عَلَى الْأَوْلَى) فِي نَقْلِهِ وَهُوَ نَقْلُهُ بِصُورَتِهِ سَوَاءٌ كَانَ دُعَاءً لَهُ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ وَجْهَهُ نَضِرًا أَيْ يُجَمِّلَهُ وَيُزَيِّنَهُ أَوْ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا عَنْ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ نَضْرَةِ النَّعِيمِ قَالَ تَعَالَى {وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا} [الإنسان: ١١] كَمَا ذَكَرَهُمَا الرامهرمزي وَقَالَ هُوَ بِتَخْفِيفِ الضَّادِ وَالْمُحَدِّثُونَ يُثَقِّلُونَهَا وَفِي الْغَرِيبَيْنِ رَوَاهُ الْأَصْمَعِيُّ بِالتَّشْدِيدِ وَأَبُو عُبَيْدٍ بِالتَّخْفِيفِ.

وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى الْمُؤَدِّبُ لَيْسَ هَذَا مِنْ الْحُسْنِ فِي الْوَجْهِ إنَّمَا مَعْنَاهُ حَسَّنَ اللَّهُ وَجْهَهُ فِي خَلْقِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>